|
ثورات المنطقة .. بعض الدروس
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3338 - 2011 / 4 / 16 - 11:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورة ُ ليستْ عمليةً سهلة وبسيطة .. فكُل الثورات صعبة وقاسية ومُعّقدة ، ولا تخلو إطلاقاً من مقاوَمَة مُضادة متعددة الأشكال . ولا هي قصيرة تتُم بأيامٍ أو أشهُر .. بل هي عملية بحاجة الى نَفَسٍ طويل وفترةٍ مُناسِبة تعتمد على الجغرافيا السياسية والزمان والمكان ، لكي تظهر بعض النتائج الملموسة للثورة . ولا تُنجَز فقط بإصدار قوانين جديدة وتشريعات على الورق .. بل هي عملية تراكمية بحاجة الى تغييرات جذرية في السلوك والتطبيق ، مِنْ قِبَل طَرَفَي المُعادلة ، الشعب والسُلطة . - " الثورة التونسية " هي أولى الثورات الحديثة في المنطقة ، وأقَلها عنفاً وسفكاً للدماء ، وأكثرها " أناقةً " إذا جاز التعبير ! . بدأت في مدينةٍ طرَفية وبإسلوبٍ دراماتيكي مُؤثِر .. لم يكن أحد يُصّدِق ان هذه الشرارة الصغيرة ، ستمتد بسرعة ، لتتحول الى لهبٍ أحرقَ أول ما أحرق " الخوف " الجاثم على صدور الجماهير ، ودّمَرَ " الخنوع " الذي تَعَوَد عليه الناس طويلاً ... ان هذهِ النهضة العارمة .. فاجَئَتْ السُلطة وأجهزتها القمعية في الداخل ، وأصدقاءها في الخارج .. ومِما عّجَل في سقوط النظام ، هو إمتناع الجيش عن ضرب الشباب المنتفِض ، وإصطفاف العديد من الشرطة مع الثوار . الثورة نجحتْ في خلع الرئيس وبعض رموزه ... لكنها لم تفلح حتى الآن في توفير الشروط الكافية ، لإحداث تغييرات جوهرية بالنسبة الى توزيعٍ عادل للثروة ومعالجة البطالة وتنمية المناطق المُهَمَشة ، لكنها رغم المقاومة الشديدة والمُستمرة لقوى الرَدة والثورة المُضادة ، من المنتفعين من النظام السابق .. فأن شباب الثورة ، فازوا وعن إستحقاق ، بشرف الريادة وبالكرامة والسؤدُد ، وطووا الى الأبد صفحة الخوف والكسل والخنوع . أعتقد ان الاسباب الرئيسية في قُصر فترة مخاض الثورة التونسية والقلّة النسبية لعدد الضحايا ، وإستتباب الامن النسبي وعودة الحياة شبه الطبيعية هي : موقع تونس الغير إستراتيجي ، فهي ليست مثل مصر او اليمن مُسيطرة على مداخل بحرية حيوية ، ولا مثل سوريا او الاردن لها حدود مع اسرائيل .. ولا هي دولة نفطية مثل الامارت او السعودية ، وليس لها تأريخ مُتطرف مثل ليبيا . - ان " الثورة المصرية " ، أكثر تأثيراً وأعمق مغزى ، من الثورة التونسية .. لأسباب كثيرة ، منها ان مصر نفوساً ومَساحةً هي قلب المنطقة بدون مُنازِع .. وان ما يحدث فيها ، لابُد ان يؤثر بشكلٍ من الأشكال ، على المنطقة الممتدة من ايران الى المغرب ومن عمان الى اثيوبيا مروراً باليمن والسودان . ان مَنْ يُتابع النقاشات اليومية الجارية على الساحة المصرية اليوم .. يكتشف ان ما جرى .. ليسَ مُجّرَد خلع رئيس او سقوط نظام .. بل هي مخاضات مُستمرة لثورةٍ حقيقية جبارة ، إذا إستمرتْ على نفس هذا المنوال المتصاعد .. فأنها ستصبح فعلاً ، من الأحداث المُهمة ..ليس في مصر والشرق الاوسط فقط ، بل على مستوى العالم كله . ان التواجد الكثيف لل " العُقلاء " على الساحة المصرية ، والحريصين على إدارة المرحلة الانتقالية ، بحصافة وحذر .. يعطي الأمل في تجاوز الثورة ، للمصاعب والعراقيل ، ووصولها الى الغايات التي قامتْ من أجلها . أعتقد ان الخسائر البشرية من قتلى وجرحى ، خلال أيام الثورة المصرية .. قليلٌ نسبياً ، بفضل موقف الجيش أولاً ووعي ونباهة الثوار ثانياً . إن نجاح الثورة المصرية ، في تقديم رموز العهد البائد الفاسدين ، الى العدالة والإقتصاص منهم ، وفي مُقدمتهم الرئيس وعائلته .. ليست إنتقاماً شخصياً ، بِقَدر ما هي ، مُحاكمة عهدٍ بكاملهِ وطَوْي لصفحةِ سوداء من الماضي . - رغم ان ما يحدث في اليمن وليبيا ، وما يرفعه المنتفضون من شعارات برحيل النظام .. هو من تداعيات الثورتين التونسية والمصرية .. فان التفاصيل مُختلفة في كُل بلد . أعتقد ان درجة الوعي العام في كُل من تونس ومصر ، متقدمة على ما موجود في ليبيا واليمن . وان [ الجيش ] الذي بقى مُوّحَداً وقوياً ، ولعبَ دوراً إيجابياً كبيراً ومؤثراً في تونس ومصر ، نراه مُقّسَماً في ليبيا واليمن ، وتحولَ الى جزءٍ من المشكلة والصراع ، وليسَ أداةً للحل والحسم لصالح الشعب . كذلك ان البُنية العشائرية والقبلية ، هي الطاغية على المجتمع في كُل من ليبيا واليمن ، وهي نقطة ضعف ، تستغلها الأنظمة لصالحها حتى الان . ليبيا دولة نفطية ومساحتها شاسعة وقريبة من اوروبا ، لذلك سارعتْ دول الناتو والولايات المتحدة الى فرض حظرٍ جوي ، ومُساندة الثوار . واليمن تُشكل الخاصرة الرخوة للمملكة السعودية ، ومُسيطرة على باب المندب ومدخل البحر الاحمر ، لهذا سارعتْ دول الخليج للتنسيق وإيجاد مخرج للأزمة اليمنية . أعتقد ان ما سينجم عن إنتفاضتَي ليبيا واليمن ، رغم أعداد الضحايا الكبير ورغم الرحيل المتوقع لرئيسَي النظامَين .. سيكون متواضعاً مُقارنةً ، بنتائج الثورة المصرية .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أعمدة الفساد الأربعة
-
وعود الحكومة العراقية
-
علاوي والهاشمي ..مثل الساعة السويسرية !
-
ألمالكي وبَرْهَم .. تَرَكا القراءة !
-
العراقيون في سوريا .. في خطر
-
قنابل موقوتة بأمرة مُقتدى
-
9/4 يوم تحرلال العراق
-
السفرات المَدرسية
-
الإرهابيين العَرب في العراق
-
دولة قَطَرْ العُظمى
-
على هامش حرق القرآن
-
أقليم كردستان .. بين السُلطة والمُعارَضة
-
التربية والتعليم ... ثانيةً
-
البَديل
-
كِذبة نيسان
-
تحية للحزب الشيوعي العراقي
-
إرهاصات عراقية
-
أردوغان في كردستان
-
- الأحمر - واللعب في الوقت الضائع
-
أفكارٌ سورية
المزيد.....
-
انطلاق مؤتمر سويسرا للسلام..وزيلينسكي: مقترحات إنهاء الحرب س
...
-
الحكومة الأردنية تؤكد وفاة 6 حجاج من خارج -البعثة الرسمية- إ
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن النتائج الأولية بعد مقتل 8 من جنوده بـ
...
-
-شبيغل-: سلطات النمسا تحقق في حادث الطائرة المتضررة من تساقط
...
-
تفاقم الأزمة الصحية في الضفة الغربية
-
حقيقة العملة العراقية التي تحمل صورة زها حديد
-
الماتادور الإسباني يوجّه رسالة شديدة اللهجة إلى الجميع
-
ميلوني: إسرائيل وقعت في فخ حماس
-
خبير بريطاني يكشف سبب رفض زيلينسكي مقترح السلام الروسي الأخي
...
-
دراسة تكشف عن مصدر بيولوجي فعال في مواجهة آثار الاحتباس الحر
...
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|