أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد كشكولي - هل تتبنى البرجوازية المعاصرة حقا شعار - فصل الدين عن الدولة-؟















المزيد.....

هل تتبنى البرجوازية المعاصرة حقا شعار - فصل الدين عن الدولة-؟


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 15:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يكاد يكون الحديث عن فصل الدين عن الدولة ، و تحققه في أوربا والغرب حديثا يوميا عند المهتمين في مجتمعاتنا من كتاب ومثقفين و غيرهم . لكننا في ذات الوقت نشهد أن حكومات الغرب تدعم المؤسسات الدينية بالملايين من الدولارات ، و تخصص المال الوفير للبعثات التبشيرية ، و لطبع الكتاب المقدس وبلغات عديدة و بمئات آلاف النسخ لتوزيعها في العالم الجنوبي من الكرة الأرضية. وفي هذا الإطار يتم التركيز على البلدان التي يمكن تصورها أن تصبح مستقبلا جزء من أوربا. وكلنا سمعنا كيف ادعى بوش أن الله كلفه بغزو العراق وأفغانستان، وكيف تحول البابا وفتاواه إلى غطاء إيديولوجي لحروب المحافظين الجدد ضد ما يسمى بالإرهاب.وهذا بحد ذاته يرمينا في بحر من الشكوك فيما إن كان الدين حقا منفصلا عن الدولة في الغرب الرأسمالي.
إن النظام الرأسمالي منذ ترسخه يحاول إقناع الطبقة العاملة و الشرائح الاجتماعية المستغلة في مجتمعاته، بقبول حالة انعدام العدالة على أساس أنها مسألة اجتماعية طبيعية وإنها قضية مشروعة وأمر واقع ينبغي على الجميع قبوله . فالحكومات الملكية في أوربا حتى في في هذا العصر تضفي على الملك والعائلات الحاكمة والنبلاء مسحات قدسية ، و تشجع الفقراء على الهتاف بالحياة للملك ، مع أن الفقير العاقل يتساءل : من منح الملك والبارونات ملكية الأرض وخيراتها ؟. فمثلا، في السويد حيثما التفتُّ لوقعت عيني على اسم شارع أو مؤسسة تاريخية أو معلم قديم يحمل اسم قديس أو قديسة ، أكثر من أسماء القادة السياسيين وغير الدينيين ، فلا يحق لأي شخص حين يشتري حق السكن و العقار أن يشتري حق ملكية الأرض المبني عليها، بل عليه دفع الإيجار لمالكها الذي هو أحد النبلاء . ومن يرى البذخ الذي يمارسونه في حفلات عقد القران ، أو احتفالات بميلاد أحد أفراد العائلة المالكة ، أو حفلات خاصة ، وما يراه في الجانب من جوع ومرض و تشرد يفتك بعشرات الملايين من البشر ، ليس أمامه الا الذهول ، وإن كان المتأمل لا يعي قوانين الاستغلال و التراكم الرأسمالي لاعتقد أن ثمة قدرة الهية وراء هذه الظاهرة و لا حول ولا قوة للبشر في تغيير هذا الوضع المزري . والنظام الرأسمالي الأمريكي يشجع الفقراء بالهتاف «للحلم الأمريكي» الذي يعيش فيه أصحاب رأس المال وأعضاء الكونغرس والحكومة واقعاً، ولكن الفقير العاقل يتساءل: أيهما أفضل، أن أعيش جائعاً مع حلم قد يتحقق، أم بواقع متواضع دون أحلام ؟ والنتيجة إن نجاح الثورة والانقضاض على النظام الظالم لا يتحقق، ما لم تسيطر الطبقة العاملة و القوى التقدمية على منابع القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعليمية والقضائية والصحية.
وخلال إقامتي في السويد لسنوات طويلة اعلم أن أكثر الناس الذين يغيبون عن الكنيسة، وأداء الطقوس والشعائر المسيحية الروتينية ، باحثين عن وسائل أخرى لإشباع حاجياتهم الروحية .
فالرأسمالية بحد ذاتها أمست دينا له تعاليمه وطقوسه رغم تمظهرها بالمسيحية أو الإسلام أو الأديان الأخرى المعروفة . إنها دين يقدم للفقراء في المجتمع الرأسمالي سبباً للاعتقاد بان وجودهم ضمن الطبقة الفقيرة إنما هو عقاب للأرواح العاصية ، ولذلك فإنهم لا يستطيعون الانتقال بالمرة من الطبقة الفقيرة المحكومة إلى الطبقة الثرية الحاكمة ؛ ويقدم للأغنياء سبباً آخر للاعتقاد بان وجودهم ضمن الطبقة الرأسمالية أمر ينسجم مع طبيعة الخلق والتكوين ، باعتبار أن الغنى والتوفيق متناغم ومتوافق مع الطاعة والانقياد للدين. ولا شك أن ديناً كهذا ، يسدي للنظام الرأسمالي أعظم خدمة ، لأنه يقوم بتخدير الفقراء وإبقائهم ضمن حدود الحرمان في طبقتهم الاجتماعية الدنيا ؛ وفي نفس الوقت يقدم خدمة عظمى للطبقة الرأسمالية المتنعمة بالخيرات الطبيعية والبشرية للاستمرار في ظلمها وسحقها الطبقات المحرومة في النظام الاجتماعي
وأتذكر هنا قولا للإمام الخميني بأن الله أيضا عامل، مثلما صرح عديد من منظري البرجوازية أن الله عامل في أكبر مخزن كوني ، وكلنا أي البشر مالكون لهذا المخزن مفندين بذلك الطاقة الثورية الكامنة في الطبقة العاملة ، وقدرتها على تغيير المجتمع وإقامة الاشتراكية .

وحسب منظري البرجوازية و الديانة البروتستانتية أن الأساس الفكري الرأسمالي ينسجم مع طبيعة الإنسان في الجد والعمل. وما الفقير إلا فرد متقاعس عن العمل، مستسلم لقبول الواقع الاجتماعي والاقتصادي. وهذا الإسقاط النفسي بلوم الفقراء على فقرهم، وتشجيعهم على الإيمان بالحظ والمصير المكتوب، وحتمية القدر يخدم بالطبع النظام الرأسمالي؛ لأنه يحاول تخدير العمال والكادحين إلى أمد غير محدود. ولذلك فإن شعارات أية حركة فكرية تحاول إيقاظ الغافلين من غفلتهم ونومهم تواجه بأقذر وسائل التضليل والتمويه.
لم يعد شعار " فصل الدين عن الدولة" شعار البرجوازية في أوروبا بعد أن تحولت إلى سلطات حاكمة سياسية . إنه كان شعار مرحلة لم تشكل فيها بعد الطبقة البرجوازية جهاز حكم منظم و متكامل من كل المناحي، و لم تتحول الحكومة بعد إلى مؤسسة منظمة إنتاجية وسياسية و مدنية تحتاج إليها الرأسمالية. فالبرجوازية بطرحها هذا الشعار عبرت عن نيتها الواقعية لفرض سيادتها الطبقية ، إذ طمحت إلى حكم رأسمالي منظم ومتكامل ، و شامل.
كانت سلطة الكنيسة والدين إبان صعود البرجوازية عقبة كأداء أمام هذا الطموح، إذ أطلق ماركس على حكومة هذه الفترة "باللاحكومة " وكان يقصد أن هذه الحكومات بسبب افتقارها إلى منظومات راسخة كانت بحاجة إلى الدين لكي تكتمل حيث لم تكن الكنيسة والدين في تلك الفترة تمثل رأس المال و المدنية و الحكومة و العلاقات الاجتماعية الرأسمالية التي كانت تتعارض معها ، لذلك كانت البرجوازية بحاجة إلى شعار فصل الدين عن الدولة. وقد رحبت الطبقة العاملة بهذا الشعار إيمانا منها بضرورة توفر حياة مدنية آمنة لتتقدم إلى أمام و تناضل من أجل تحقيق أهدافها . وقد تراجعت البرجوازية بعد تجاوزها هذه المرحلة و تحولها إلى سلطة اقتصادية وسياسية عن تبني هذا الشعار، و أخذت تستخدم الدين والكنيسة والخرافات الدينية و سلطات الباباوات و رؤساء الكنيسة سلاحا فعالا إلى جانب ألأسلحة الأخرى، ضد حركات العمال المناهضة للعلاقات للرأسمالية، كما أشرت في بداية المقال . والتاريخ سجّل لنا كيف قامت البرجوازية الفرنسية بحماية الكنيسة و سلطات القساوسة حين أصدر ثوار كومونة باريس قرار حل الكنائس و تدمير الجهاز الديني المكرس لقمع العمال والكادحين. وبمرور الزمن غدا الدين عصا بيد الرأسمالية وفق الحاجة و بالتناسب مع الظروف و مقتضيات الصراع الطبقي .

شعار " فصل الدين عن الدولة" أودعته البرجوازية في متحف التاريخ منذ إقامة سلطاتها الرأسمالية، فرفعه أشباه الشيوعيين وقوى اليسار القومي و التقليدي وخاصة في " العالم الثالث". هذه التيارات التي لم تكن تهدف إلى إلغاء النظام الرأسمالي والعمل الأجير و الاستلاب الإنساني ، بل دعت إلى بناء الصناعة الوطنية ودعم " البرجوازية الوطنية" و الطريق اللا رأسمالي للتطور، ومعاداة "الامبريالية والصهيونية" . و كانت أكثر راديكاليتها تعمل على صياغة نوع خاص من برمجة أنظمة الإنتاج والسياسة و المدنية للرأسمالية وغيرها من شعارات تتفق مع رأسمالية الدولة التي أوهمونا بأنها اشتراكية واقعية.
هذه الحركات في الجوهر كانت غارقة في الدين، و كانت تغازل الكنيسة في أوربا ، وبايعت الإسلام السياسي في شرقنا في سوق معاداة الامبريالية والصهيونية .
واليوم تغيرت الظروف كثيرا عن ظروف قبل جريمة 11 سبتمبر 2001 و باتت القوى الرجعية والإرهابية تتحكم بالعالم ، ويتم سحق الجماهير المحرومة تحت وابل قنابلها و أسلحتها الفتاكة وما على الشيوعيين واليسار التقدمي و العلمانيين التقدميين والإنسانيين إلا الكفاح المرير لوضع كل الحقائق أمام الجماهير. إن حركة الطبقة العاملة بقيادة الشيوعيين لا تهدف إلى إزالة الدين،بل إلى تغيير العلاقات الرأسمالية التي تستخدم سلاح الدين في الدفاع عن وجودها .. هذه الدولة التي لم تكن إلا أداة قمع واستغلال العمال والكادحين. وهذا لا ينفي صحة شعار فصل الدين عن الدولة إن رفعته الطبقة العاملة والشيوعيون ، كشعار مرحلي .



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفينة الشعب الكادح، وسفينة الحكام و المؤلفة جيوبهم
- شبيبة كُردستان العراق تسأل الحكّامَ الرحيلَ
- آن لليسار التقليدي أن يموت
- تشوهات في نقد الفكر الديني
- ماذا تعني الكوتا النسائية في حكومة معادية للمرأة و حريتها وح ...
- أغنية لتلطيف الألم
- حديقة المرايا للشاعر الكبير أحمد شاملو
- وثائق ويكيليكس .. ومضى عصر الحروب النابليونية
- نوبل للسلام و العلاقات التجارية
- عبادة الفرد نقيض الاشتراكية
- جعجعة بلا طحن ... الانتقادات الدائمة الموجهة للحزب الشيوعي ا ...
- خروتشوف الستاليني الذي أدان ستالين
- في مديح الديالكتيك لبرتولد بريخت
- وقت الرمال الوديع لسهراب سبهري
- أنشودة - إبراهيم في النار - للشاعر الإيراني أحمد شاملو
- ضرورة نقد الدين و الإيديولوجيات المستحيلة إلى أديان
- قصيدة الشاعر الإيراني أحمد شاملو -خطبة في مراسيم دفن-
- حديث في الجنس
- الاتجار بالنساء عالميا عار العصر
- الأسطورة ضرورية للإنسان


المزيد.....




- اجعل أطفالك يمرحون… مع دخول الإجازة اضبط تردد قناة طيور الجن ...
- ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟ ...
- الرئيس الصيني يؤكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع الدول الإ ...
- الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء شعائر ...
- “أحلى أغاني البيبي الصغير” ضبط الآن تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- لماذا تحتفل الطوائف المسيحية بالفصح في تواريخ مختلفة؟
- هل يستفيد الإسلاميون من التجربة السنغالية؟
- عمارة الأرض.. -القيم الإسلامية وتأثيرها على الأمن الاجتماعي- ...
- وزير الخارجية الايراني يصل الى غامبيا للمشاركة في اجتماع منظ ...
- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد كشكولي - هل تتبنى البرجوازية المعاصرة حقا شعار - فصل الدين عن الدولة-؟