أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - القارب الورقي














المزيد.....

القارب الورقي


طالب عباس الظاهر

الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 14:02
المحور: الادب والفن
    



بحذر شديد فتحت الباب قليلاً...أخرجت رأسي إلى الزقاق، صفعني الهواء البارد، صرخت بشوق وظفر:
- آه توقف المطر!.
لقد انتظرت هذه اللحظة بلهفة شديدة...وها قد أزفت الآن، حملت قاربي الصغير بفرح، وعشرات الصور والأخيلة الجميلة تومض في خيالي، قلت مغتبطاً:
- يا له من مطر غزير...لقد فاض الزقاق.
كانت الأرض الوعرة قد امتلأت تماماً بالبرك المائية، ستكون مرتعاً لألعاب الصبية الصغار، طوال ساعات النهار رغم قسوة البرد، وتعنيف المارة، وعقاب الأهل فيما بعد.
- سأجعله يعبر هذه البركة.
لكنه سرعان ما يتبلل، ثم يتهشم عند ملامسته الماء، وتشربه به؛ إذ ظل يسبح طويلاً في البركة...أعرف ذلك جيداً، لكني لن أتركه، فقط سأجعله يعبرها، وأعود به إلى البيت بسرعة.
- هيا يا قاربي العزيز...هيا!.
غير إني أخشى أن اخسره، فلن يصنع لي أبي قارباً آخر جميلا مثله، ألم يقل ذلك ليحذرني من المجيء إليه ثانية، والإلحاح عليه...إنه جاد كما أظن،لأنه يبدو اليوم عصبي المزاج ومنذ الصباح بسبب المطر،ولن يستطيع الخروج للعمل،لأن عربته ستغوص بالطين، ولست أدري لم أبي يكره المطر؟ غير إني أحبه!.
لقد تعبت عليه،وتوسلت بأبي كثيراً؛ حتى وافق أخيراً وصنعه لي على مضض، لكنه ظل يتأفف طويلاً، فكنت خائفاً من ثورته في كل لحظة، لحين انتهى من صنعه ففرحت بشدة.
- حتما سيتعجب أصدقائي وسيفرحون به
كم هو جميل حينما يحط رحاله في البركة، ويسير منساباً برشاقة متناهية...لا قيمة له خارج بيئته الطبيعية، جماله الحقيقي ليس بين يدي، إنما بالخوض بالماء حيث تنعكس صورته الجميلة أسفله تماماً، ويندفع كنقطة متناهية الصغر في عالم هائل شديد النقاء والجمال، بين زرقة السماء وجدران البيوت الشاهقة الارتفاع، وضعته على سطح البركة بهدوء، دفعته كي يعبر إلى الضفة الأخرى...آه إنه يخاف الغرق!.
- هيا... ما بك لا تخف إني هنا.
إنه الهواء يدفعه إلى حافة البركة، فيسير ملتصقاً ومتعثراً بها، حملته بطرف أناملي بعجلة منتقلا به إلى الجهة الأخرى، وما أن وضعته فوق سطح الماء، ودفعته بإصبعي من جديد؛ حتى شق طريقة بثقة وهدوء، منساباً برشاقة كبيرة،كأنه يطير فوق الماء،قفزت على أطراف أصابع قدمي مصفقاً بفرح، وصحت بسرور والغبطة تملأني:
- هيا...هيا...هيا أسرع!.
بخفة انتقلت إلى الجهة التي سار إليها القارب، وعيناي معلقتان به بذهول، صرخت بقوة وبلا وعي:
- هيا...تعال هنا بسرعة إني بانتظارك؟.
أخذت قدماي تضربان الأرض بشد وبلا هوادة، آه إنه في منتصف البركة، سائراً ببطء شديد...بل يكاد يتوقف، عيني مشدودة إليه بعنف، وفؤادي سيطير فرحاً وقلقاً عليه، صرخت بألم وباستغاثة:
- لقد توقف قاربي؟
صفعتني الحيرة بقوة، واعتصرني اليأس.
- كيف سأصل إليه إنه بعيد؟!
إلتفت إليه...فوجدته ساكناً، ظللت أدور وأدور حول البركة بلا جدوى، وعيناي لا تريان سواه، قلت بحزن وبوجل:
- لقد تأخر في الماء لابد إنه سوف يغرق؟!
فكرت بطريقة للوصول إليه لإنقاذه من مأزقه وبأسرع وقت ممكن، لكن دون جدوى...وذهبت حيلتي، شعرت بالندم والألم يأكل قلبي بقسوة، ولولا خوفي من وجود أبي، والعقاب الذي سأناله في البيت حتماً؛ لخضت إليه بالماء لإخراجه، متحدياً البرد والخوف وكل شيء، يا له من قدر...لا سبيل للوصول إليه؛ فكيف سأجعله يتحرك؟ وبدا كأنه مسمراً في مكانه، لا مجال لإنتشاله إذن؟! كالبرق خطرت في بالي فكرة رميه بالحجارة،كي اجعله يتحرك إلى الضفة الأخرى، بدأت التقط بعض الحجارة والحصى وكتل الطين، وأرمي بها خلفه حينما وأمامه وجانبيه أحياناً أخرى نتيجة الخطأ، بدا عنيداً لا يتحرك إلا قليلاً، بيد إني واصلت محاولاتي بسرعة، وراح يتحرك ببطء...مما ألهب حماستي، فجأة داهمني تساقط المطر، ونزوله بحبيبات كبيرة، لحظات ويهطل المطر بشكل زخات سريعة وبصورة عدوانية، فبدت النهاية حتمية للقارب الصغير وهو يواجه المصير، أحسست بالحزن يجتاحني، والرعب يملأني، وبأنياب البرد المسموم تنهش بي بقسوة، وراح جسدي يهتز بشدة، وتصطك أسناني، بدأ القارب يترنح تحت ضربات قطرات المطر المتسارعة...مع مرور الوقت وتساقط عدد أكبر من القطرات بداخله؛ أخذ القارب يتهدم، وعيناي مشدودتان إليه بعنف، إنه ينحل أمامي وأنا أراقبه بألم صامت، يكاد يتمزق فؤادي لوداعه الرهيب... فذهولي أنساني كل شيء، وشغلني عن إبتلال ملابسي تماماً، إلاّ المأساة المتمثلة على مسرح الحياة، وسط هذه البركة المتراقصة مياهها تحت المطر، ومئات الفقاعات الهوائية تطفو على سطحها المتماوج وتنطفئ، صرخت بألم والعبرات تخنقني:
- غرق قاربي المسكين انتهى!!.
وسرعان ما أخذت قدماي كأنهما تسابقان سرعة نزول المطر، بالهروب مهزوماً إلى البيت، فأجهشت بالبكاء.
[email protected]



#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصتنا اليوم - التركيب السردي وانفتاح النص
- صلصال - نص من الخيال السياسي
- القنطرة
- قصص قصيرة جداً جداً
- لحظة حصار
- نثيث أحزان كالمطر
- الزمان والمكان في منظور القصة الحديثة
- قصتان قصيرتان جداً
- تجليات بطلسوما* قبل موته الأخير
- لص ومجانين
- تشييع الذي لم يمت..!!
- أزمة وطن؟ أم أزمة مواطنة؟!
- عروس الفجر
- صراخ الصمت
- هجرة الطيور-قصة قصيرة
- رحلة إلى العالم الآخر- قصة قصيرة
- رمياً بالزواج - قصة قصيرة
- الزهايمر - قصة قصيرة
- الإنتقام الصامت
- قصة قصيرة جداً الموناليزا طالب عباس الظاهر نظر إليها، كان ال ...


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب عباس الظاهر - القارب الورقي