أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبوعبيد - جوليانو والرصاصات الخمس














المزيد.....

جوليانو والرصاصات الخمس


محمد أبوعبيد

الحوار المتمدن-العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12 - 00:31
المحور: الادب والفن
    


بالنسبة إلى الضحية لا فرق بين رصاصة واحدة ومئة منها، مادامت الرصاصة الأولى كفيلة وكافية لإنهاء حالة وهالة فنية تقدمية يمثلها الضحية. لكن بالنسبة إلى المجرم ثمة فرق واضح وهو منسوب الإصرار والترصد على القتل إضافة إلى مدى ما يكنه الجاني من حقد على الضحية.

قد لا يكون دافع القتل حقداً على المقتول بقدر ما هو جهل به، لكن مهما اختلفت الأسباب فالنتيجة تحويل روح مفعمة بالنضال في أوج عطائها إلى مجرد جثة هامدة. ولأن دوافع الجريمة مازالت مجهولة، فليس بمقدور المرء أن يجزم بأي دافع وإن كان التنبؤ جائزاً. إلا أن جريمة في هذا القبح تسلط الضوء على وضع المبدعين في عالم يسيّر فيه طواغيت الفكر وأحقادهم جاهلين لتنفيذ ما يدغدغ تلك الأحقاد ويرضيها.
جوليانو، ابن المناضل صليبا خميس، لم ينل حقه ونصيبه من الشهرة العربية، كالكثير من المبدعين الفلسطينيين من أبناء ما اصطلح على تسميته "فلسطينيو 48"، والذين يجسدون حالات من الإبداع تستحق أن تكون فخراً للعرب وليس للفلسطينيين فحسب، لكن كان حظهم العاثر أن تُغلق بوابات العرب في وجوههم وفي وجه فنونهم نظراً لجنسياتهم "الإسرائيلية" التي يحملونها كرها لا طوعاً، باستثناء القلة من الدول العربية التي تجاوزت هذه الأعذار الجائرة وسهلت دخولهم إلى أراضيها كونهم فلسطينيين أولاً وأخيراً.

في وقت تتسابق ثلة من الفنانين العرب على العيش الرغد واقتناء كل أسباب الرفاه لدرجة الغرق في المظاهر الخادعة، تبقى هناك قلة منهم لا يغريها سوى الانتماء للفن الراقي واتخاذه أداة من أدوات الكفاح الإنساني والوطني، وهذه القلة هي التي ينتمي إليها جوليانو. إنه الفنان الذي آثر أزقة مخيم جنين على رحابة شوارع تل أبيب، وفضل "داراً" متواضعة فيه على شقة فاخرة في مكان آخر، إن لم تطل على البحر، فقد تشرف على حديقة مرصعة بالورود، فهو بذلك خطا خطو أمه اليهودية آرنا التي انتقلت للعيش في مخيم جنين حيث أسست فيه مسرح الحرية.

إن المبدعين في عالمنا في صدام دائم مع الجهل والتطرف، مع وجود بون شاسع بين أسلحة طرفي الصدام، فسلاح المبدع فنه الذي من خلاله يحاول أن يضيء شمعة في ظلمات الجهل في سبيل القضاء عليه، أو أن يجعله سلاحاً عابراً للقارات إذا كان في صِدام على جبهة أخرى غير التطرف وهي جبهة الاحتلال مثل حالة جوليانو. أما الجهل والتطرف فسلاحه رصاصة، أو قنبلة، والذي في لحظات ينهي حياة إنسان لا ذنب له سوى أنه فنان أو مبدع مكافح، سخّر فنه لخدمة قضية شعب بأكمله.

من يتذكر حادثة طعن الأديب الراحل نجيب محفوظ، يتذكر معها أن الجاني لم يقرأ نتاجات الضحية، ولم يعرف عنه سوى أن الناس قالوا له إن نجيب ملحد، فأعلن "الجهاد" عليه ليطعن رجلاً طاعناً في السن ومبدعاً. ولعل قاتل جوليانو، بل من المؤكد، كان يجهل من يكون الفنان الثائر، وإنْ كان قد عمل معه، فأعلن إخماد ثورته التي عجز الاحتلال عن إخمادها فصار المستفيد من رحيله الجهل والاحتلال معاً.

عشق جوليانو مخيم جنين، فكان قدرُه أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في أزقته. فعلاً من الحب ما قَتَل.



#محمد_أبوعبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيمان العبيدي.. ثورة المغتَصَبات
- الناطقون -باسم الله-
- الشعب يريد إسقاط -النجوم-
- لا تلُمْني في هَواها
- أحزاب الفقاعات
- ويكيكيبس
- في ذكرى التّقسيم ... تقسيمات
- حُكّام كرة القدم ...حُكْم الرّجُل الواحد
- رسالة موؤودة إلى أبيها القاتل
- أسطول الحرية .. فرصة مشهد المتوسط
- عَرَبْبُوك أمامَ فيسبوكيزم
- -ألف ليلة وليلة- على قائمة الإرهاب
- رسالةُ الحُبّ
- -صرخة حَجَر-..صرخة في وجْه الدراما العربية
- راشيل كوري بطلة أمريكية في رواية فلسطينية
- مائة عام على يوم المرأة
- نَضْحَك لأننا أضحوكة
- آفة العقول غيابها
- ديك ٌ حَسَن الصوْت
- ليسوا قدّيسين


المزيد.....




- جنوب السودان وطقوس الاستسقاء.. عندما يكون الجفاف موازيا للإع ...
- توفيق عبد المجيد سيرة مناضل لم يساوم!
- السينما في مواجهة الخوارزميات.. المخرجون يتمردون على قوانين ...
- موسكو تستعد لاستضافة أول حفل لتوزيع جوائز -الفراشة الماسية- ...
- مهرجان الجونة السينمائي 2025.. إبداع عربي ورسالة إنسانية من ...
- تنزانيا.. تضارب الروايات حول مصير السفير بوليبولي بعد اختطاف ...
- باقة متنوعة من الأفلام الطويلة والقصص الملهمة في مهرجان الدو ...
- حريق دمر ديرا تاريخيا في إيطاليا وإجلاء 22 راهبة
- الإعلان عن 11 فيلما عربيا قصيرا تتنافس في مهرجان البحر الأحم ...
- هنا يمكن للمهاجرين العاملين في الرعاية الصحية تعلم اللغة الس ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبوعبيد - جوليانو والرصاصات الخمس