رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3319 - 2011 / 3 / 28 - 20:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كم قرأنا في تربياتنا الوطنية والقومية والدينية بأننا نحنُ (( الشعوب العربية )) , متقاربون ومشتركون في كلّ شيء ؟
تجمعنا الأواصر والصِلات والتأريخ واللغة والدين والمصير المشترك ؟
كم أقنعنا أنفسنا بأنّ ما نقرأهُ صحيحاً وما يحشوه المعلمون في أذهان طفولتنا , حقيقة كونيّة وأرضية , تاريخية وجغرافية ,لا ينال منها الزمان ولا يتطرق إليها الشكّ , ولا يأتيها الباطل من بين أيدينا ومن خلفنا .
ضحكَ علينا الزمانُ أخيراً , وكشف المستور وأظهرَ أننّا لم نكن مشتركين بشيء مهم , سوى تلك المدن البلهاء المغلوبة على أمرها , وتلك العاطفة التي نشأت من تعرضنا الطويل للظلم المشترك , فأصبح أحدنا يكفكف دموع الآخر .
ما الذي حصل اليوم مع هذهِ الثورات الشعبية التحررّية من الطغاة ؟
هذهِ الثورات غارت عميقاً و كشفت المستخبي حتى في أعماق النفوس .
وإن كانت (الطائفية) ظهرت بأبشع صورها بالمواقف من ثورة البحرين ,فإنّ الإنقسام الشعبي ,من جميع الثورات ,ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة !
صرخ الفيلسوف هيروقليطس صاحب فكرة (الحربُ تُحدّد مصائر البشر) ( وأنتَ لا تنزل الى نهرٍ مرتين ) , يوماً , قائلاً :
أيقنتُ الآن / أنّ من يُظهر مالا يُبطن , فهو يُبطن مالا يُظهر !
فضحكَ بعض الحضور قائلين / وما الجديد في ذلك ؟ وإستمروا في حوارهم الفلسفي كما هو شأنهم دائماً .
أمّا نحنُ , فبعدهم بقرون عديدة عندما كان( المعتزلة ) يدخلون في حوار مشابه يطال المُسلمات (الغيبية) كانت تنتهي القضية .. بالإبادة
حتى لو كان المُعترض رجل دين من وزن أحمد بن حنبل ( في محنتهِ ) الذي لم يُسلّم للخليفة المأمون بقصة خلق القرآن , بل بقدمِهِ منذُ الأزل .
تُرى ما الذي غرس فينا تلك الطبائع الإقصائية القاسية ؟
هل الجغرافية الصحراوية أم الديانات , أم جيناتنا تختلف ؟
******
إنقسام الشعوب
إذا كانت الغالبية تصرخ ليل نهار , سراً وعلناً تصف جور حكامنا , فلماذا نختلف كثيراً عند قيام الثورات الشعبية على أؤلئك الحكّام ؟
لاحظوا الإنقسام القليل في ثورة تونس ثم الواسع نسبيا في الثورة المصرية ثم الكبير في الثورات اليمنيّة والليبية والبحرينية ,ثم الشاسع في الثورة السورية .
لماذا هذا الإنقسام الشعبي الذي يطال حتى المثقفين والإعلاميين فيقودهم الى مناكفات وديماغوجية بائسة ؟
أنا أتفهّم إنقسام رجال الدين حول تلك الثورات وتقلبّهم وإنتظارهم أين ترسو السفينة قبل تحديد موقفهم , ثمّ ركوبهم أكتاف الثوّار ليستنسروا كالبغاة عليها
هذا متوقع منهم وتلك هي الطبيعة المعروفة عنهم .
لكن ماذا عن الكتّاب التقدميين والتحررين والماركسين والليبراليين ؟
لماذا يجب علينا دوماً تلقي الصدمات في مواقفهم المتناقضة ؟
كيف ينصر أحدهم ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين ؟
ولا ينصر ثورة شعبهِ السوري على إبن إبيه / الأسد وارث الجمهورية ؟
كيف يفسّر السيّد الكاتب الليبرالي / نضال نعيسة موقفه ؟
هل فعلاً هو يصدّق مايقول ؟ عن الثوّار في مقالهِ عن القرضاوي ؟
بالطبع لاخلاف لي معهُ في كلّ كلمة قالها عن القرضاوي
( عدا الشتائم المباشرة التي أبتعد عنها شهراً وقدر الإمكان )
لكن المشكلة فيما قالهُ عن الثوّار , الذين يستحقون التمجيد .. لا التخوين !
*****
وسطيّة مصرية
الأمس كنتُ أشاهد / برنامج مصر النهاردة , وكان الإعلامي تامر أمين يتحدث عن إنسحاب زميلهِ خيري منصور , وأنّهُ سيفعل مثلهِ , وسوف تأتي وجوه بديلة عنهم .
وفي هذا الخصوص ,أذكر أنّي كنتُ أمقتُ هذين الرجلين , منذ مشكلة مباراة / مصر والجزائر بكرة القدم التي ساهموا فيها علناً بإثارة العواطف الشعبية البائسة مرددين حينها , أفكار جمال مبارك ومطبلين بطريقة مقرفة للهوسة الشعبية . وكتبتُ لصديق مصري يومها , سيندمون جداً وسيكونون في ورطة كبيرة لو لم تترشح مصر الى نهائيات كأس العالم
لأنّهم صوروا الموقف كأنّ الصعود الى النهائي ,هو سرّ صلاح مصر ومشاكلها , ودونه الموت الزؤام والإنحطاط الى الحضيض .
أمس أعطى تامر أمين بيان صحفي ليقرأه زميل جديد لهُ , فيه إعتذار للشعب المصري عن موقفهم ( الذي وجدوا أنفسهم فيه ) أيام الثورة المصرية الكبرى في 25 يناير 2011
لأوّل مرّة اشعر بتعاطف معهُ وقدر ( ولو قليل ) من الإحترام .
في الواقع أنا أحبّ المصريين لصفات كثيرة , من بينها أنّهم أقلّ تطرفاً من باقي العرب .
لاحظنا التغيير التدريجي في كلّ شيء وهو مستمر وحتى في محاكمات الفاسدين وأعوان النظام وأزلامه .
طبعاً لو كانت تلك الثورة في العراق كنّا رأينا السحل في الشوارع على وذنه , ودائماً أتذكر قول معلمي الأوّل / د. علي الوردي
عندما شاهدَ مجموعة شباب يسحلون جثة بالحبال ولم يفارق بعد صاحبها الحياة , وبعضهم (على البايسكل) فسألهم لماذا تفعلون ذلك ومن هو هذا الشخص ؟
فأجابوه أنّهم لايعرفون إسمهُ , لكنّهُ من أعداء الثورة .
وقال له أحدهم , إنظر يا أستاذ / الفرنسيون إخترعوا المقصلة , ونحنُ إخترعنا السحلَ بالحبال !
ويضيف الوردي لنا : إنظروا ماذا يحصل لو سادت الغوغاء وصارت الأمور بيدها ؟
بالتأكيد التطرّف من علائم الثورات القديمة ( أيام الثورجية )
لكنّ ثورات العرب اليوم ليست كتلك ,المصريّة على الأقل ليست مثلها !
*****
نص .. ونص
وعودة الى مواقف المثقفين والشعب عموماً من الثورات العربية
وذلك المشهد الغريب / نصف الشعب يرمي صور وتماثيل الرئيس بالأحذية , ونصفهِ الآخر يحمل صورهِ ويزمر ببوق سيارتهِ دفاعاً وتمجيداً للقائد الضرورة ,
حامي حمى الوطن وسرّ وحدتهِ .
أليست تلك مفارقة ؟ بل ظاهرة عجيبة تستحق الدراسة ؟
قولوا أيّ شيء ( سأصغي لهُ ) , لكن لاتقولوا هذهِ هي الديمقراطية الحقيقية !
بالنسبة لي أسمّي تلك الحالة .. نفاق المستفدين والمؤدلجين والتطرّف عند الغالبية !
ولكم أن تسموها ما تشاؤون !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
28 مارس 2011
حواشي
1/ المعتزلة , ظهروا بداية ق 2 الهجري , في البصرة في العراق
وتسميتهم ربّما جاءت من قول الحسن البصري / إعتزلنا واصل بن عطاء
وهؤلاء إعتمدوا العقل وقدموه على النقل , وتأثروا بتراجم الفلسفة اليونانية والفارسية وأسسوا ما سميّ لاحقاً / علم الكلام .
2 / محنة إبن حنبل
كان الخليفة المأمون معتنق لفكرة المعتزلة ( بخلق القرآن ) وهي عكس فكرة ( أزليّة القرآن ) أو أنّهُ كلام الله القديم منذُ الأزل .
فكان المأمون يمتحن العلماء في وقتهِ بتلك الفكرة , فوافقتهُ الغالبية , خشية سيف البطش .
ولمّا جاء دور بن حنبل ( أصبحت محنة ) وتمنّى أن لايلاقي المأمون فيضطر للكذب والنفاق .
وقيل أنّ المأمون توفي قبل اللقاء فصعدت أسهم بن حنبل عند الجمهور , لكنّه مع ذلك تعرّض للسجن والتعذيب على يد الخليفة التالي .
وتلك هي قصتنا الحزينة دوماً في كل إختلاف , السجن أو الإقصاء أو القتل .
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟