رحمن خضير عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 08:41
المحور:
الادب والفن
للسيدات فصول وازمان وأمكنة , ولهن حضور مهيمن وعميق في الحياة .يمتدّ بعيدا منذ طفولة البشرية الى اللحظة الراهنة . فثمة اشعاع من الأمومة والمحبة والإلفة والصفاء الروحي . تحت اقدامهن فردوس رائع , يختزل قطبي الحياة والموت . ( سيدات الفصول ) دخلن بتحدي واصرار , على شكل لمسات والوان , تضمُّ حيَوات إنسانية عريضة وعابقة بكل ما يحمله الإنسان من طاقات حميمة تشكّل اساسا جوهريا لوجوده . السيدات في كليري كورا في مدينة مونتريال , حيث تقيم الفنانة العراقية زينة المظفر معرضها المُسمّى ( سيدات الفصول ) في هذه المدينة الثلجية الباردة والتي تحتضن مزيجا هائلا من الأثنيات المهاجرة والتي انصهرت عبر عقود , لتشكل قبلة لعشاق الفن والأدب والمسرح .
حملت زينة ( سيدات الفصول ) من اوتاوة , حيث تُقيم , الى مونتريال . وكان الأفتتاح رائعا . والصالة تعبق بموسيقى الكمان من عزف وأداء فنانة اوكرانية , ابدعت في عزف بعض روائع الموسيقى العالمية . حتى استطاعت ان توائم بين جمالية اللون وعذوبة اللحن .
وكان الأفتتاح في الثاني من آذار , بحضور مميز على مستوى النوع , ولاسيما العنصر النسوي , وكأن ثمة احساسا بأن الأمر قد يعني المرأة قبل غيرها , لفحوى المعرض ولمبدعته . ولكن الشغف والرغبة في التمتع بهذا العمل المتميز انسحب على جميع الزائرين .
والفنانة زينة المظفر من مواليد البصرة . تخرجت من اكاديمية الفنون الجميلة / جامعة بغداد . اقامت معرضها الأول في مركز الفنون ببغداد ( حوار الطبيعة ) وكان ذلك قبل ان تهاجر , وكأنها من خلال ذلك المعرض ان تمنح بغداد قبلة الوداع . وحالما استقرت في كندا حتى استطاعت ان تتأقلم ضمن هذا المحيط وان تتحدى الكثير من المعوقات التي تواجه المهاجرين الجدد . ففازت بجائزة احسن تصميم اقامته بلدية اوتاوة العاصمة الكندية . وما معرضها ( سيدات الفصول ) سوى الأستمرار بهذا التحدي , والذي يشكل انجازا ليس للفنانة فحسب وانما لعموم العراقيين والعراقيات في المهجر الكندي .
لم تستطع الصالة ان تستوعب هذا العدد الكبير من اللوحات , فافترشن الطاولات او اتكأن على الجدران . وفي صوت متهدج ,ولكنه هاديء . تحدثت الفنانة زينة عن معرضها , بملاحظات سريعة , حادة ,ممتلئة,
عريضة المضامين . كانت جملها قصيرة وحافلة بالمعاني , عبرت فيها عن تجربتها في اطوار التحضير لهذا المعرض , والذي يعبر عن مضامين متشعبة , متشابكة , قد تلتقي احيانا اوتتعارض احيانا اخرى . تحدثت عن المراة كأنسان قادر على الخلق والعطاء . عن الأحلام والطموحات وكيفية المواجهة والتعامل والتوازن بين هذه العناصر .تناولت معاناة الخلق الفني التي تفرز ابداعا من خلال كيمياء اللون وايحاءات الفكرة . قالت :إن هناك قصة لكل وجه من وجوه السيدات . كما ان الفصول لها مغزى يتجاوز ماهو متعارف ففي كل لحظة فصل وكذالك في كل ساعة او يوم . فالزمن نسبي , لايتأطر بما هومتعارف , لذالك فقد حاولت ان تغوص في الطبيعة لإستنباط بعض معانيها , حتى تتحول اللوحة الى خيال او اسطورة . لكنها اكثر اقترابا من الواقع المرئي .
ولاشك أن العلاقة بين المرأة والفصول هي علاقة فلسفية شائكة . فالمرأةهي الأكثر تعبيرا عن فحوى التغيير , باعتبارها منتجة للحياة ,في تفاعلها المتواصل مع الطبيعة وعناصرها , لذالك فالفصول لاتُقاس بتفسيراتها الجغرافية بوصفها مساحات زمنية متعاقبة . فقد يتحول الفصل الى لقطة حياتية مشحونة بالأحاسيس, ويتحول الى طقس انساني يرافقه حتى في قناعاته .
لقد منحت الفنانة زينة المظفر لسيداتها جمالا اسطوريا , أناقة على مستوى التشريح للجسد , القامات السامقة التي تتطاول على اغصان الشجر , العيون الهائلة الأتساع المسكونة بسحر النظرات , تلك العيون التي تختزل التاريخ من الملامح السومرية الى اسطورة ( آفاتار ) . أما الجسد فقد كان نحيلا يحمل بهاءه بكبرياء , يختزن منابع الأنوثة , هذا الجسد الذي لايكتمل لأنه يذوب بهدوء في عناصر الطبيعة او انها تذوب فيه , احيانا يستحيل جزء من الجسد الى اغصان , او ان الأوراق تتحول الى فساتين مزدانة الألوان . ولقد استفادت الفنانة من ظاهرة طبيعية تتفرد بها الطبيعة الكندية في الخريف , وهي ظاهرة لونية ساحرة فالأوراق تكتسي اجمل الوانها قبل سقوطها . وهكذا فإن الجسد يتحول الى اسطورة وهو يتجانس بما حوله , ويقترب من صياغة معمارية لما يسمى بالنموذج الذي يلتزم بالعناصر التشريحية المتكاملة , بحيث تبدو السيدة كعارضة ازياء , فلا نجد سيدة بدينة او حتى ممتلئة . وهذا يؤكد على أن الفنانة تتطلع الى فكرة الكمال في منظوره الفلسفي , والذي يتضمن بعض المعاني الروحية ايضا , حيث أن الجسد الجميل وعاء لروح اجمل . وحتى ألأعناق المتطاولة تذكرنا بالتوصيف العربي القديم " بعيدة مهوى القرط " كناية عن طول العنق وجماليته .اضافة الى ذالك فإن ثمة تناسبا بين عري الجسد الأنثوي وكثافة الطبيعة المحيطة به والتي لم تبخل عليه بالعطاء . فهي تدثره وتكسيه وتغطيه وتحتضنه برفق حتى يتحول الى جزء منها .
وقد أكدت الفنانة زينة أنها مغرمة بالطبيعة ومسكونة بعناصرها حتى جعلت سيدات الفصول يذبْنَ في ملكوت الطبيعة / الأم حتى تُخال الجسد جزءا من الأوراق وألأغصان , وفي لوحة اخرى تذوب سيدة في غدير من الأوراق التي تشع بالألوان . كما انها كانت وفية في اسلوبها التعبيري عن البيئة الكندية التي تضجُّ بالجمال .فعكست الشتاء بكثافة ثلوجه وقد تجلى ذلك من خلال النسوة المتلفعات بالثلج وكأنه حجابا ابيض . بينما تبدو حيرة غامضة على وجوههن .
تنبض لوحاتها ببهرج لوني متجانس , وظفته بتقنية فنية رائعة , من اجل ايصال الفكرة الى المتلقي بحيث يتحول اللون الى لغة شعرية متدفقة . كما أن كثافة الألوان تبوح بما تكتنزه اللوحة من عواطف وافكار ومشاعر وعوالم خفية . وضمن هذه الرحلة اللونية الشاقة , ابرزت فنانتنا زينة مدى قدرتها على توليف الألوان لإنشاء بناء معماري متميز . فهناك الوان حادة وساخنة واخرى هادئة ووديعة . كل ذالك يأتي في سياق شروط فنية لبناء التواصل والأندماج بين الطبيعة / الأم وبين الأنسان /المرأة .
من خلال هذه العناصر كونت الفنانة زينة المظفر ثيمة لأعمالها وقد جسدت ذلك بقولها ( هي قصص ومشاهد التقطها طائر متمرد وهو يتحول في عالم الذات ..... التوقف والتأمل والتحاور والدخول احيانا مع القصة نفسها لنكون طرفا اخر حملتها الى موسمهن ..الى غابة اوسحابة , الى لون يشتعل داخل العتمة ..
الفصول هي المغامرة التي تعيشها كل امرأة مع ذاتها . حاولت ان امنح بهذه الجولة عطرا اخر ولونا متفردا ونكهة جديدة للفصول . )
كان للمعرض صبغة التحدي والأعتداد بالذات الأنثوية . فقد حملت الفنانة تطلعات وهموم المرأة , عواطفها , احلامها , مساحات الحلم في اعماقها . المعاني الخفية , القوة الأسطورية على الأصرار والتواصل والأرتباط بمعاني المحبة من خلال الطيور الوديعة التي تحط على الأذرع الممدودة . ولكن المرأة تبدو في مواضع اخرى ساكنة , حائرة , معلقة في الوهم , محاطة بعوالم غير اليفة .كما يتجلى ذالك في (رقصة الخوف ) التي تعبر عن حالة من الخوف الأزلي , في مواجهة عنف الآخر . كما اظهرت في لوحات اخرى حجم العاطفة المتأججة والكامنة وقد تكون لوحة ( عندما احبك ) من اكثر اللوحات التي عكست حجم الصراع الذاتي لدى السيدات . وهي الوحيدة التي استأنست بالمعادل الحياتي اي الرجل , ولكنها ذوّبته في زرقة متناهية . وحينما عبّرت عن استغرابي عن غياب ( الرجل ) في لوحاتها كانت اجابتها منطقية ( المعرض لسيدات الفصول فقط ) .
لقد كان معرض الفنانة زينة المظفر ( سيدات الفصول ) اضافة نوعية في مسيرة ألأبداع العراقي في المهجر . وارساءأ لمبدأ الأندماج الثقافي بين بين الهويات الأثنية المتعايشة في هذا البلد الجميل الذي يصر على مفهومي الأندماج والمحافظة على الهوية في آن واحد . وضمن هذا السياق قدمت زينة اعمالا مميزة تحمل جمالية اللون ونكهة الشعر .
أوتاوة في 13/03/2011
#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟