أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نارت اسماعيل - الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم














المزيد.....

الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 07:32
المحور: الادب والفن
    


رأيت حلمآ، رأيت نفسي وقد ارتديت أجمل ملابسي وذهبت إلى أحد المراكز التي أقامها وطني، وجدت الناس هناك فرحين مبتسمين، تقدّمت من الموظفة وسلمتها هويتي، رحبت بي وسجلت إسمي ثم أعطتني ورقة صغيرة، شرحت لي ماذا علي أن أفعل، وضعت علامة على المربع الذي يعجبني ثم تقدمت من الصندوق
لأن هذه هي أول مرة يسألني فيها وطني عن رأيي، فإنني لم أرغب أن أفقد تلك اللحظة الجميلة بسرعة، رغبت بإطالة الزمن قدر المستطاع، أدخلت قسمآ من الورقة في الفتحة ثم توقفت كما يفعل الرؤساء والمشهورون وتلفت يمينآ وشمالآ متأملآ الناس المبتسمين ثم تركت الورقة تتهاوى في الصندوق
انتهى حلمي ولكني ما زلت أسترجع من وقت لآخر لحظاته الجميلة
ما أجمل الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم، وما أروع المدرّس الذي يسأل الطلاب رأيهم
في الصف العاشر جاءنا مدرس جديد لمادة الرسم وكان شابآ مايزال هو الآخر طالبآ في معهد الفنون، دخل علينا مبتسمآ وكان يحمل كتابآ صغيرآ بيده، وبدلآ من أن يجلس على الكرسي، جلس على الطاولة ووضع رجله على الكرسي وقال لنا: اليوم هو أول يوم لي معكم، سنتعرف على بعضنا البعض ونقوم ببعض الدردشة الخفيفة
عرّفنا على نفسه ثم بدأ يسألنا الواحد تلو الآخر عن إسمه ومن حين لآخر كان يبدي بعض التعليقات والمزاح اللطيف
بعد ذلك قرأ لنا فقرة صغيرة من الكتاب الذي كان يحمله وكانت تدور حول سؤال محدّد:
هل الفن لخدمة المجتمع، أم الفن للفن؟
بعد ذلك بدأ يسألنا الواحد بعد الآخر عن رأينا بالموضوع، وكان كلما سأل واحدآ منّا بقي هذا الطالب فاغرآ فمه من الدهشة، فهذه هي أول مرة يسألنا أستاذ عن رأينا، بعد قليل صار نصف الطلاب فاغرين فمهم!
صرنا نتساءل: من أين جاء هذا المدرس الذي يسأل طلابه عن رأيهم؟
هل أرسلنا أهلنا للمدرسة لكي نشرح للمدرس ما خفي عليه؟ أليس من المفترض أنه يعرف كل شيء ونحن لا نعرف أي شيء؟
أليس من المفترض أن يلقي هذا المدرس درسه علينا ثم ينصرف مثلما يفعل بقية المدرسين؟
بعد درسين أو ثلاثة مع هذا المدرس أصبحنا نبدي رأينا بدون أن نبقي فمنا مفتوحآ من الدهشة
أذكرأنني قرأت منذ مدة طويلة عن مدينة سويسرية كانت مرشحة لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية، انهمك مجلس المدينة بإعداد ملف الترشيح الذي سيقدموه للحكومة المركزية حول جاهزية المدينة لإقامة الدورة، وكانت هناك عقبة لا يعرفون كيف يتغلبون عليها متمثلة بوجود شجرة كبيرة أثرية في إحدى الساحات وعليهم إزالتها لكي يتمكنوا من إنشاء منشآت جديدة ضرورية لإقامة الدورة
أدرك المسؤولون أن إزالة الشجرة بدون أخذ رأي الناس سوف يجلب لهم متاعب جمّة فقرروا إجراء استفتاء لأخذ رأي الناس وشرحوا لهم فوائد استضافة الدورة والعائد المادي الذي سيدخل ميزانية المقاطعة، بالإضافة للسمعة والشهرة التي ستحظى بها المدينة، ولكن الاستفتاء أظهر تفضيل الناس وبفارق كبير إبقاء الشجرة ولتذهب دورة الألعاب الأولمبية للجحيم
يا ترى هل سيأتي يوم على وطني يصل فيه وعي الناس إلى هذا المستوى؟ وهل سيأتي يوم يسألنا وطننا عن رأينا؟
هل كانت تمت إزالة بساتين دمشق وغوطتها الرائعة وإلى الأبد لو كان وطننا يسألنا عن رأينا؟
هل كان بردى، ذلك النهر الخالد ليجف ويصبح ترعة لو كان الوطن يسألنا من حين لآخر عن رأينا؟
أعود إلى حلمي وأحلم الآن أن عزرائيل جاء إلي قائلآ:
- كفى يا نارت أوجعت رأسنا، حان وقتك وستذهب معي الآن
- إلى أين؟
- إلى الرفيق الأعلى
- حسنآ يا عزرائيل، وأنا أيضآ عندي شوق كبير لملاقاة هذا الرفيق الأعلى فأنا أعرفه منذ مدة طويلة وهو يتذلل للناس لكي يصدقوه ويعبدوه وحده دون غيره
سأخبره عن الجرائم التي ارتكبها الناس بإسمه، وعن المآسي التي سببها الناس لغيرهم بسبب تعاليمه
ولكن أرجوك يا عزرائيل ونحن في طريقنا إلى السماء أن تدعني ألقي نظرة أخيرة على وطني لأقول له:
يا حسرتي عليك يا وطني، كم كنت ستصبح أجمل لو كنت تسألنا عن رأينا، لماذا لم تدعنا نلقي تلك الأوراق الصغيرة في الصندوق؟



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادر قريط ووفاء سلطان، مشروعان متكاملان
- دعوة لتغيير كلمات العزاء
- بين زمنين
- أي الحدود أهم؟ حدود الوطن أم حدود الله؟
- أخبار سارّة من بلدي
- الطائر الحر
- أغاني وذكريات
- هل مازال الدين أفيون الشعب؟
- رد على مقالة الكاتب سعيد مضيه (لمن تقرع أجراس الليبراليين ال ...
- ترقية فتاة قبيسيّة
- العبور إلى الضفة الأخرى
- نعم، إنهم مزعجون
- مأساة تهجير الشراكس
- إصلاح القلوب أم إصلاح الجيوب؟
- جمهوريات الفيس بوك
- لا نعبد ما تعبدون
- ما أصعب العيش صامتآ
- أوجه النفاق
- مضارب البدو في جبال القوقاز
- فن صناعة الغباء


المزيد.....




- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نارت اسماعيل - الوطن الذي يسأل أبناءه رأيهم