سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 3268 - 2011 / 2 / 5 - 11:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا شك أن مصر تمر بمرحلة فارقة في غاية من الخطورة فبالرغم من الإجماع على عظمة ثورة الشباب غير المسبوقة والتي لم يحركها أي تنظيم أو حزب سياسي فالأحزاب السياسية بالإجماع فاشلة كل الفشل كما كان الوضع تماما قبل ثورة 1952، وبالرغم من كل ما حققته ثورة الشباب العظيمة فإن استمرار الوضع دون حل ودون عودة مصر لوضعها الطبيعي يُعرِّض مصر بكل شعبها لمخاطر جسيمة. المتربصون بمصر كثيرون جدا سواء من خارجها أو عملائهم في الداخل. الإسلاميون يبذلون الجهد الأكبر للسطو على مكاسب الثورة البيضاء العظيمة، وهي الفرصة السانحة لأمريكا وإسرائيل لتحِّول النظام المصري لنظام إسلامي، لتكميل منظومة المنطقة من النيل إلى ما بعد الفرات في الخراب المتأسلم. إيران أحدي القوى الخطرة المتربصة بمصر، ولا يمكنا أن ننسى الثورة الإيرانية العظيمة التي قامت ضد أحمدي نجاد وحاولت تحرير إيران من الفساد والذل الخوميني البشع، وكيف قوبلت تلك الثورة بمنتهى العنف والإرهاب وسحقها النظام الفاسد. الحكم الإسلامي المستبد المستند حتما على الإمبريالية الأمريكية الصهيونية يستحيل الخلاص منه. لذلك أرى أنه من الخطورة بمكان أن تعطي تلك القوى الفرصة لتخريب مصر، والمحتمل أن يتم بشكل مرحلي خبيث. الشعب المصري شعب واعي جدا وكل مثقفيه يعلمون حجم خطر الإسلاميين العملاء. لكننا يلزم أن نعرف أن الشعب الإيراني أيضا كان شعب واعي، لكن أساليب الإمبريالية والمخابرات الأمريكية - ممثلة في هنري كسنجر- فرضت الخومينية على حكم إيران، مع تغطية إعلامية تصور انهزام أمريكا أمام الإسلاميين، بينما هي من يخطط لكل جرائمهم لتخدع الشعوب الساذجة من أمثالنا. أمريكا اليوم تمد يدها بكل قوة للإخوان المسلمين، فلن تجد لها عميل أفضل ليحقق الخراب واختراع المشاكل، ليس فقط لمصر بل للمنطقة كلها. لذلك وجب علينا جميعا سرعة إيجاد حل مصري خالص لمشاكلنا، وعودة الأمور لطبيعتها، قبل أن يجد المستغلين والعملاء الفرصة لتحقيق أهدافهم الخطرة.
المشكلة في صعوبة الحل وفي الوضع القائم يتلخص في النقاط التالية:
أولا: كان مبارك بطيء جدا في تحركه وفي اتخاذ قرارات حاسمة واضحة تطمئن الشعب على الحفاظ على مكاسبه التي تحققت بالثورة. أعتقد أنه لو تحرك من اليوم الأول كان سيحقق قبولا من عقلاء الشعب وسيكون أكثر قوة، ولكن كما قلت سابقا فلقد أصبح فاشلا يتصرف بغباء سياسي شديد.
ثانيا: موقف مبارك المتعالي الذي لم يستخدم أسلوب الحوار ولا مرة في تاريخه، لكنه يفرض قراراته في أسلوب سيادي، بحسب التسمية الجديدة التي اخترعها لقراراته الإلهية التي لا يمكن التراجع فيها. هذا الأسلوب الفاشل في ظل ثورة شعبية لا يزيد الأمر إلا سوءً. إعلان قراراته في شكل خطاب سيادي دون أي فرصة للحوار مع فقد ثقة الشعب فيه كان مثارا لإشعال الثورة أكثر ولتعقيد الأمور.
ثالثا: بعد خطابه الأول بإعلان إقالة الحكومة قامت وزارة الداخلية وأجهزة الأمن باتخاذ موقفا خيانيا مروعا، إذ تركت الشرطة مواقعها في كل الأجهزة الأمنية في الجمهورية عن تعمد، لإثارة الفوضى ونشر الجريمة في مصر، لدرجة إخراج جميع المساجين والخطرين والمحكوم عليهم بالإعدام من كل السجون، لإثارة الفزع ولترويع الشعب المصري كله. وقبل أن يخرج حبيب العادلي من مكتبه بوزارة الداخلية لآخر مرة في حياته قام بإطلاق الرصاص على المتجمهرين ثم خرج من الوزارة في عربة مدرعة تطلق الرصاص على المارة بشكل عشوائي فسقط عشرات القتلى والجرحى. وظل الشارع المصري في حالة من الفوضى والرعب على الأقل لثلاثة أيام بعد ذلك. كل ذلك بالتأكيد محسوب على نظام مبارك، فكيف يمكن للشعب أن يتسمع لحديثه مهما قدم من وعود. هناك من يعتقد أن حبيب العادلي صار قوة إرهابية لا يستطيع مبارك نفسه أن يتحكم فيها. إن ذلك لا يعفي مبارك من المسئولية فهو الذي اختار أمثاله من الإرهابيين ليتحكم ويذل الشعب وكان يدافع عن قراراته ويبرر جرائمه.
رابعا: خطاب مبارك الثاني الذي أقتنع به بعض المثقفين وطمأنهم عل مستقبل مصر أعقبه مباشرة تصرفات بربرية من الحزب الوطني، حيث خرج بلطجية الحزب يركبون الخيل والجمال ويحملون السنج والمطاوي والجنازير وقاموا بضرب الشباب المتظاهر الذي يعتبر أمل مصر بعد ثورته العظيمة. هذا التصرف البربري الجبان كان له الأثر القوي في الشعور بالإحباط لدى الشعب، ففقد مبارك مصداقيته تماما، في كل ما قال في خطابه، الذي اعتبر خطابا مضللا آخر يحمل نفس أسلوبه القديم. أسلوب البلطجة ضد المتظاهرين هو نفس الأسلوب البربري الذي عرفه الشعب في انتخابات مجلس الشعب والشورى. واستمرت أعمال البلطجة لأكثر من يومين مما ترتب عليه آلاف القتلى والجرحى. هذا الموقف البربري الذي قام به الحزب الوطني ولجنة سياساته يمنع أي عاقل من أن يقبل أي نوع من التفاهم مع مبارك وعصره الأسود. وأشيع أن الذي نظم هذا العمل الأحمق هو جمال مبارك نفسه مما حطم كل ثقة في كل ما قاله أبوه. يبدو أن المشكلة ليست فقط مشكلة حكم وسياسة بل هي أيضا مشكلة تربية. هذا الجمال لم يوفق في أي شيء قام به هو وشلته الفاسدة في لجنة السياسات.
خامسا: الحوارات والأحاديث التي قام بها نائب الرئيس ورئيس الوزراء الجديد لم تكن أحاديث قوية ولا مقنعة والكثير منها كان يحوي الكثير من التعتيم على الحقائق بنفس الأسلوب القديم. أمن مصر كان هو أحد أهم مشاكل الشعب، ولم يكن أي منهما قادرا على إعطاء إجابة وافية، ولم يستطع أحدهما أن يحسم أمر الأمن والبلطجية المنطلقين بلا رادع في الشارع المصري يؤيدون حكم مبارك. واستمرت الفوضى لوقت طويل جدا والشعب يتابعه في هلع وضيق. قد يكون الأمر أكبر من قدرة الحكومة الجديدة على احتواء الأزمة، لكنهم تحت جميع الظروف هم المسئولين أمام شعب فقد الثقة تماما بالحكومة بعد ثلاثين عاما من المعاناة.
سادسا: الإصلاحات السياسية التي قدمها مبارك أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يتطلع إليها الشعب الثائر بسبب الفساد. فمن الطبيعي إلا ترضي الشباب الذي قدموا أرواحهم ودمائهم. وهي لم تعطي ضمانات كافية لعدم استمرار الفساد. فمن الطبيعي أن ما يراه مبارك إصلاحا، لا يعتبرها الثوار مسوغا بها يقبل استمرار مبارك في الحكم لي فترة زمنية. أرى أن الحد الأدنى للإصلاح السياسي المطلوب هو الآتي:
1- حل مجلسي الشعب والشورى فورا وعمل التحقيق اللازم في كل الجرائم والبلطجة التي حدثت في الانتخابات الأخيرة، مع وضع كل من فتحي سرور وصفوت الشريف تحت التحفظ لحين إتمام التحقيق معهما في كل الجرائم التي ارتكبت.
2- تشكيل لجنة قانونية من أساتذة القانون في مصر لدراسة ووضع دستور جديد يتناسب مع المستوى الحضاري لمصر على أساس ديمقراطي يضمن حق المواطن والمواطنة، على أساس المساواة الكاملة بين كل أفراد الشعب دون اعتبار للدين أو الجنس. مع إعلان قيام الدولة المدنية.
3- تشكيل محكمة الشعب لمحاسبة المسئولين عن الانهيار الأمني في مصر وإهدار كرامة المواطن المصري وإشاعة الإرهاب البوليسي. كما تتولى محاسبة المسئولين الذين تربحوا من بيع أراضي الدولة وشركات القطاع العام وإمكانيات الدولة للأجانب بأثمان رمزية، مما دمر الاقتصاد القومي. لكن المشكلة أن مبارك نفسه وابنه سيكونا بين المتهمين.
4- عزل المحافظين الذين روعوا الشعب من تلاميذ حبيب العادلي، ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبت في محافظاتهم، دون إعطاء الفرصة للعدالة أن تأخذ مجراها مما أفسد الأمن وأشاع الفساد والظلم والابتزاز. مع إعادة التحقيق في جميع قضايا الرأي العام والطائفية على أساس يضمن عدم إفلات المجرم.
5- وضع أسس العمل على إنقاذ الوضع المتدهور في التعليم والصحة والزراعة والتصنيع مما ينقذ الشباب من البطالة ويحقق انضباط الأسعار. وإحكام الرقابة الحكومية على الأسواق حتى تتناسب الأسعار مع الدخل. مع تقديم حلول سريعة ومؤكدة.
أعتقد أن ما تقدم يمثل الحد الأدنى من مطالب الإصلاح التي كان ينبغي لمبارك أن يقدمها كأساس ليثبت حسن نيته لو كان هناك حسن نية. إن عدم إسراع مبارك بإعلان خطة جديدة للإصلاح السياسي والتشريعي والأمني والاقتصادي هو سبب في تأخر الأمور وتدهورها حتى الآن. كل ذلك يزيد فرصة كل المزايدين على أمن مصر وحريتها. مصر تحتاج أن تستعيد أمنها بسرعة لتعود للحياة الطبيعة بعد تلك الفترة التي أرهقت كل المصريين من جميع النواحي، ولكن يلزم أن تكون العودة على أسس قوية تضمن كرامة كل مصري وحريته وحقه في الحياة لتحقق أهداف ثورة الشباب العظيمة.
فهل يستمر مبارك في عناده مصرا على البقاء في موقعه حتى آخر مصري؟!!!
#سامي_المصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟