أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - لائحة 1938 والأنبا شنودة -3 دور حبيب باشا المصري















المزيد.....

لائحة 1938 والأنبا شنودة -3 دور حبيب باشا المصري


سامي المصري

الحوار المتمدن-العدد: 3103 - 2010 / 8 / 23 - 17:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مقالي الأول حول هذا الموضوع كتبت عن كيفية ظهور لائحة 1938 للأحوال الشخصية للأقباط من الناحية التاريخية، ثم عرضت لدور الأرشدياكون حبيب جرجس معلم الجيل، حيث زعموا أنه كان معارضا للمجلس الملي في إصدار هذه اللائحة، فأثبتت زيف هذا الادعاء بالوثائق، فتبين أن اللائحة هي تجسيدا للقانون الكنسي للأقباط المستخدم عبر العصور، ولا يملك أحدا العبث به، فاقره بطاركة الكنيسة المتعاقبين مع المجامع المقدسة على الأقل منذ القرن الثالث عشر.
الأنبا شنودة يهاجم لائحة 1938 كما هاجم وخالف كل القوانين الكنسية الأخرى مثل قوانين اختيار البطريرك ليفرض نفسه على الكنيسة، فقطع صلة المجتمع القبطي بتاريخه العريق. وبهجومه على اللائحة، والبشوات الذين أقروا اللائحة يعزل الكنيسة عن ماضيها، وبذلك يقطِّع أوصالها ويفتت عناصر تماسكها الحاضر فيُقضي على مستقبلها. وخرج المتملقون يرددون مقولاته في مخالفاته للقانون الكنسي في كافة المجالات بلا أساس فيدعمون هذا التخريب للكنيسة القبطية. بينما اللائحة لم تكن سوي القانون الكنسي الأصيل والذي أقرته الدولة بشكل رسمي كجزء من القانون المصري بحسب الفرمان الصادر من الباب العالي في عام 1856، المعروفة بالخط الهمايوني، لتنظيم الأحوال الملِّية، ليس فقط للأقباط بل للطوائف المتعددة من غير المسلمين التابعين للسلطان العثماني كل حسب عقيدته من مسيحيين ويهود وأزديين ودروز.... عشرات الطوائف والنحل. الأمر العالي في 14 مايو عام 1883 حدد اختصاصات المجلس الملي، والمادة 16 منه حددت مسئولية المجلس في الفصل في النزاعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.
وصدرت لائحة 1938 كلائحة تنفيذية داخلية وليس قانونا جديدا تحت إشراف وبموافقة البطريرك رئيس المجلس الملي الأنبا يوأنس المعتبر من أقوى البطاركة، الذي كان يشغل منصب البطريرك من 16 ديسمبر 1928 م. حتى 21 يونية 1942م. الأمر الذي يفضح مدى زيف زعمهم الفاضح، أن اللائحة صدرت في غياب البابا، دون دليل واحد. وعندما صدرت أقرتها محكمة النقض ، حيث أنها مجرد لائحة داخلية تتوافق مع قانون الدولة. لذلك لم يكن هناك أي ضرورة أو معني لعرض لائحة داخلية على البرلمان وهي تتفق مع كل بنود القانون القائم.
أن مهاجمة البشوات مقرري اللائحة هي وسيلة لتشويه الحقيقة مع أبعاد الأنبا يوأنس البطريرك عن الأحداث دون دليل. من هم أعضاء المجلس الملي الذين قرروا تلك اللائحة؟!! وما هي مؤهلاتهم وتاريخهم الرفيع؟!!! عندما تسمع كلمة البشوات بهذا الأسلوب التهكمي المستهتر يصور لك أنهم حفنة من الجهلة الذين يعيشون في أبراج عاجية بعيدا عن الواقع، وأنهم بلا دراية ومعرفة بالتاريخ والقانون الكنسي. فمن هم أعضاء المجلس الملي اللذين صدرت اللائحة في عهدهم؟!!!
أسماء أعضاء المجلس الملي الذين قرروا لائحة 1938 في 15 يونيه عام 1937، تحت رئاسة يوسف سليمان باشا، وكامل شحاتة (سكرتير المجلس)، وحبيب المصري بك، وإبراهيم تكلا بك، ورزق ميخائيل بك، وسليم البارتى بك، وأسعد مرقص أفندي، وحبيب جرجس أفندي وعبد الحليم اليأس نصير أفندي ولبيب فهمي البرماوى افندى وسعيد أنور بك وعريان جرجس افندى، وحسنى جورجي أفندي، ونبيه يوسف أفندي، والدكتور إبراهيم فهمي المنياوي باشا.
إن تلك الصفوة تمثل زبدة المجتمع المصري في وقت من أكثر الأوقات تحضرا واستنارة في تاريخ مصر بعد الثورة الليبرالية المصرية التي قام بها المثقفون. كل اسم من تلك الأسماء له تاريخه الوطني العريض في خدمة المجتمع المصري كله، والمجتمع القبطي بشكل خاص، حيث تاريخ كل منهم يحتاج لكتاب ليسجل إنجازاته على المستوى القومي والديني. إن مؤهلاتهم العلمية والتاريخ الثقافي لكل منهم يفضح مدى الزيف الذي يتشدق به جهلة هذا العصر حيث بلغت الثقافة والمعرفة اليوم إلى أقصى مستوى من التدني.
واحد من ألمع شخصيات هذا العصر هو حبيب باشا المصري الذي كان موضع ثقة كل البطاركة المعاصرين له، إلى جانب انجازاته العريضة على المستوى القومي. يوم وفاة هذا الرجل العظيم كتب نظير جيد (الأنبا شنودة الثالث حاليا) مقالا في مجلة مدارس الأحد في عدد نوفمبر عام 1953 ينعي حبيب باشا المصري جاء فيه:
[رحل عنا إلى العالم الآخر الرجل الكبير والفقيه القانوني الضليع حبيب المصري (باشا).....كان مجاهدا كبيرا تتمثل فيه مبادئ هامة رفيعة، كلما نذكر حبيب المصري كلنا نذكرها معه:... كلما يطرق سمعك اسم حبيب المصري كلما نذكر القوانين الكنسية التي تحرم اختيار البطريرك من بين المطارنة والأساقفة. ولقد دافع الرجل عن هذا المبدأ دفاعا مجيدا تذكره له السماء قبل الأرض. حتى عندما رشح للبطريركية رجل مشهود له بالقداسة هو الأنبا مكاريوس الثالث مطران أسيوط ، وفي غمرة التأثر بقداسة هذا المطران الجليل ، نسي الكثيرون القانون الكنسي إلا أن حبيب المصري (وكبل المجلس الملي) لم ينسه ووقف وحده يدافع عنه رغم اعترافه بقداسة الأنبا مكاريوس. إلا أن حبيب المصري لم ينسه .... واستمر حبيب ثابتا في هذا المبدأ العظيم طوال حياته] .
ثم يستطرد نظير جيد في حديثه عن رجل القانون العظيم حبيب باشا المصري وأفضاله على الأحوال الشخصية للأقباط في مصر، فيقول تحت عنوان [«الأحوال الشخصية وحفظ الأسرة المسيحية»... لا نستطيع أن نتحدث عن الأحوال الشخصية، دون أن نذكر المجهود الجبار الذي قام به حبيب المصري في هذا الشأن ...]
عجبي... هذا هو نص ما كتبه نظير جيد عام 1953 عن أحد أعظم رجال القرن العشرين على المستوى القومي المصري وعلى المستوى القبطي الكنسي... حيث كان نظير جيد من أكثر المتحمسين والمدافعين عن القانون الكنسي، فكتب في ذلك عشرات المقالات الثورية النارية التي حققت له الشهرة. فلماذا وكيف تغيرت مبادئ نظير جيد بعد ما يزيد عن 50 عاما، بل انعكست تماما بعد أن صار بطريركا فبدلا من تحقيق آمال الشعب في الالتزام بالقانون صار أكبر محاربا للقانون الكنسي في التاريخ القبطي كله. وعندما يعرض مبادئه الهدامة للقانون يطلقون حمام من خلف الستار لخداع الشعب المغيب!!!
وبلغ حد الخداع والزيف إلى درجات مخيفة، حتى أن الأنبا بيشوي، وبتكليف من البابا قام بنشر اللائحة المزيَّفة بالوقائع المصرية لإيهام الأقباط أنها أصبحت القانون بشكل رسمي دون التصديق عليها من أجهزة السلطة التشريعية بالدولة، مما أحدث شكلا من البلبلة. إلا أن محاكم لدولة لم تكن لتأخذ بذلك الهراء فعندما ذهب المتضررين إلى المحكمة تعرى ذلك الزيف.
من هم واضعي لائحة 1938؟ ومن هو حبيب باشا المصري؟ إن هذا الجيل من الأقباط يجهل تاريخه الحضاري وعظماء رجاله الجبابرة. فإليك بعض الضوء عن تاريخ الرجل العظيم .
ولد في مايو عام 1985، وبعد أن حصل على شهادة البكالوريا بتفوق في عام 1902، التحق بوظيفة حكومية ككل شباب ذلك الوقت، لكنه في نفس الوقت التحق بكلية الحقوق الفرنسية حيث كان يسافر إلى باريس لأداء الامتحان. وحصل على الليسانس في الحقوق الفرنسية بدرجة امتياز. وحتى يمارس العمل الحقوقي في مصر كان عليه أن يحصل على المعادلة من الجامعة المصرية حيث درس الشريعة الإسلامية. وبعد تخرجه تدرج في العمل الحقوقي. وفي عام 1923 ومع بدايات الحياة النيابية في مصر صدر قرارا من مجلس الوزراء بتعيين حبيب المصري سكرتيرا عاما لمجلس الشيوخ. ثم تم إيفاده في بعثة إلى فرنسا وبلجيكا لدراسة التنظيم البرلماني، واستكمل دراسته بالذهاب لإنجلترا أيضا. وبعد عودته وضع التنظيم الإداري للعمل البرلماني بمجلسي الشيوخ والنواب وأشرف علي تنفيذه حيث استمر العمل به من عام 1924 حتى قيام الثورة عام 1952.
في عام 1927 دعيت مصر لمؤتمر برلماني أوربي في باريس ورأس الوفد المصري حسين رشدي باشا رئيس مجلس الشيوخ الذي لم يكن يستطيع أن يستغنى عن حبيب المصري القانوني الضليع والمحاور المتمكن بلغات متعددة، فاختاره من بين أعضاء الوفد، ولما كان من الشروط الأساسية للاشتراك في المؤتمر أن يكون عضوا منتخبا في البرلمان، فاعتبره مستشارا قانونيا للوفد المصري وبتلك الصفة أمكن اشتراكه في المؤتمر الأوربي.
نتيجة لمعاهدة 1936 مع انجلترا والتي أعقبها معاهدة مونترو التي ألغيت بموجبها الامتيازات الأجنبية، مما حتم العمل على إرساء وتصحيح النظام المالي في مصر. ولهذا الغرض شكلت لجنة برئاسة حبيب المصري لعمل الدراسة اللازمة. فسافر لأوربا لدراسة النظم والقوانين المالية هناك وبعد عودته قام بتأسيس مصلحة الضرائب في مصر، ووضع القوانين الضريبية كما وضع كتابا عن الضرائب. ورأس مصلحة الضرائب، فقام بتحقيق كل دراساته بشكل عملي مما كان موضعا لإعجاب الجميع، وقد نال درجة الباشاوية عن هذا العمل. وآخر منصب شغله كان مستشارا ملكيا لوزارة العدل. حيث قبلت استقالته في نوفمبر عام 1943 ليتفرغ للعمل كمحامي والعمل في أنشطته المتعددة في المجال الكنسي.
بعد قيام الثورة في عام 1952 أسقط دستور 1923 وقامت الثورة بتشكيل لجنة لعمل دستور جديد في يناير عام 1953 من كبار الحقوقيين. وقد وقع الاختيار على حبيب المصري (باشا) كواحد من أشهر رجال القانون الضليعين في مصر. فتلقى خطابا موقعا من محمد نجيب يدعوه للمشاركة في تلك اللجنة. أذكر ما قالته الصحف، عند اجتماع لجنة الدستور كان هناك حاجة للإطلاع على نص القانون الفرنسي الذي لم يكن متوفرا لأحد. فقام حبيب المصري بإهداء لجنة الدستور القانون الفرنسي من مكتبته الخاصة، وحفظ كمرجع قانوني هام في مكتبة البرلمان المصري (مجلس الأمة فيما بعد). اختير على ماهر لرئاسة اللجنة، وقسم العمل لست لجان فاختير حبيب المصري لـ «لجنة الحريات العامة». لما حاول البعض إثارة النسبة العددية للأقباط ومراعاة ذلك في الترقي الوظيفي، لكن حبيب المصري عارض ذلك بشدة معلنا أن المعيار الوحيد للترقي وشغل الوظيفة هو الكفاءة بغض النظر عن الدين أو الجنس. وفي ذلك الوقت كانت الكفاءات القبطية في جميع المجالات وفيرة جدا وتزيد عن أي نسبة عددية. وقد عمل حبيب المصري في لجنة الحريات وأرسى كثير من القواعد الهامة ولم يكمل عمله حيث وافته المنية ليلاقي ربه في سبتمبر عام 1953.
وبقدر ما تميز حبيب المصري بالكفاءة والعلم والريادة، بقدر ما كان يتميز بالشجاعة والقوة في قول الحق مما عرَّضه للكثير من المتاعب أثناء كفاحه الطويل، التي كان يتغلب عليها بعبقريته وقدراته النادرة. كما كان يعتبر الأسد الهسور الساهر والمدافع عن حقوق الأقباط وحقوق المرأة، والمطالب بتحقيق دولة المجتمع المدني حتى يتحقق العدالة للجميع والاستقرار الأسري في مصر.
حبيب باشا المصري المرجع القانوني الذي شارك في المؤتمرات الدولية لم يكن أقل اهتماما بدراسة القانون الكنسي القائم على التقليد الأرثوذكسي الأصيل مع الاقتناع الكامل بكل بنوده. ولقد كان لانتخابه عضوا في المجلس الملي منذ عام 1928 واحتفظ بتلك العضوية بالانتخاب إلى آخر عمره، بل وشغل منصب وكيل المجلس الملي بكل جدارة لمدة طويلة.
حبيب باشا المصري رجل القانون الضليع في مصر الذي شارك في إعداد الدستور المصري بكل جدارة وثقة، طبقا لأعرق القوانين في العالم، لم يقف من قوانين الكنيسة القبطية العريقة إلا موقف الدارس والمحقق لما في القانون العريق من قيمة مجتمعية إنسانية أصيلة، تتفق مع أحدث ما وصل إليه العالم من فكر وفلسفة حقوقية لتحقق العدالة للفرد بما يضمن ويحفظ للكيان المجتمعي قيمه الإنسانية والحضارية. لذلك نجده يقف بكل صلابة الحق والجسارة في المجلس الملي والمجمع المقدس مطالبا بالعودة للتمسك بالقانون الكنسي الذي كانت الكنيسة قد بدأت تتجاوزه في اختيار البطريرك كصورة من أشكال بداية التحلل الكنسي. ولم يكن تمسك حبيب المصري بقوانين الكنيسة شكلا من أشكال التعصب أو الرجعية بل كان حبيب يتكلم من واقع ثقافته الأوربية كأهم مرجع للقانون في مصر.
لم يكن حبيب المصري الرجل الذي ينفرد بالقرار. وإن كنت قد عرضت اسمه في المقدمة فذلك لأنه كان أهم مرجع قانوني في مصر كما أنه كان من الشخصيات الكنسية التي لها وزنها. لم يكن حبيب باشا المصري وحده على الساحة المصرية للأقباط بل كان هناك أعداد كبيرة جدا من الصفوة المصرية من الأقباط حيث كان بجانب ثقلهم العلمي ونشاطهم البارز في العمل الوطني، كان لهم أثرهم الكنسي الكبير. من أبرز هذه الشخصيات العملاقة قليني فهمي باشا الذي يعتبر أول المشتغلين بقضايا المجلس الملي في مصر (قبل حبيب المصري بزمن كبير) حيث قام بالمصالحة الكبرى بين البابا كيرلس الخامس والمجلس الملى المنحل وكان موضع ثقة الأنبا كيرلس الخامس، فأختير ضمن أربعة للقيام بعمل المجلس الملي لأول مرة. وقد كان هناك إجماع على شخصه سواء من جانب الإكليروس والبابا أو من جانب بطرس باشا غالي وصفوة أراخنة الشعب، لما له من حنكة ودماثة خلق كما كان عالما بالتقليد والقانون الكنسي. وقد استمر في موقع الصدارة من العمل القبطي في عصر الأنبا كيرلس الخامس ثم الأنبا يوأنس 19. وبعد نياحته نشر قليني باشا مقالا في جريدة مصر في عام 1943 يعتبر وثيقة تاريخية هامة، شرح فيها الظروف الاستثنائية التي أدت لاختيار الأنبا يوأنس مطران البحيرة للبطريركية، تحت ضغط الملك فؤاد، بالمخالفة للقانون الكنسي. وشدد على ضرورة عدم تكرار هذا الخطأ الجسيم الذي حدث لأول مرة في تاريخ الكنيسة باختيار بطريرك وهو يحمل درجة الأسقفية. ونبه لضرورة التمسك بالقانون الكنسي عند اختيار البطريرك القادم. كان قليني باشا من أقرب الشخصيات وأحبها للأنبا يوأنس، لكنه كمثل كل رجال المبادئ لذلك العصر. لم يمنع محبته للأنبا يوأنس من أن يعلن تمسكه بالقانون الكنسي الذي خالفه الأنبا يوأنس. اليوم من يعترض على كسر القانون يقوم عليه العملاء ويتهموه بالعداء الشخصي للبابا حتى ينقلوا الصراع من الشكل العام للشكل الشخصي حتى يفشلوا أي عمل من شأنه إنقاذ المجتمع القبطي من شلة فاسدة تبتذ أمواله وتفرض نفسها عليه بالمخالفة لكل القوانين الكنسية

حبيب باشا المصري واحد من أعظم خبراء القانون في مصر في القرن العشرين، ومن حوله من أراخنة الكنيسة، من صفوة المثقفين والعلماء لم يجسر أحدهم أن يتطاول على القانون الكنسي بالتغيير، بل بكل التقدير للقانون الذي أقرته الكنيسة من أقدم العصور، والذي يحمل خبرة الأيام، والذي ثبت صلاحيته لألفين من الأعوام في تحقيق مجتمع قوي وصحيح، باحتواء وتضميد جراح الانحرافات الفردية بحنكة وصلابة مجتمعية. ومن ذلك المنطلق قاموا بإصدار لائحة للأحوال الشخصية عام 1938 للعمل بموجبها في المجلس الملي العام، والتي لم تكن سوى التقليد الكنسي القديم محققا بكل دقة من أعظم قانوني العصر ومصدقا عليه من المجمع المقدس تحت رئاسة البابا الأنبا يوأنس بطريرك الكنيسة القبطية، الذي هو في نفس الوقت الرئيس الفعلي للمجلس الملي الذي أصدر اللائحة. وفي عام 1955 أقرت الحكومة المصرية هذه اللائحة كقانون بموجبه يتم الحكم في قضايا الأحوال الشخصية، دون أن يعترض عليها أحد من رجال الدين أو من رجال القانون الأقباط.

الكنيسة القبطية التقليدية العريقة ذات الألفين عاما لم تكن بلا قانون قبل عام 1938 ولم تكن هذه اللائحة هي بداية عهدها بإرساء فوانين الأحوال الشخصية لكننا نجد الكثير من الوثائق التي تبين بما لا يدع أي مجال للشك أن لائحة 1938 ليست سوى القانون الكنسي بحسب التقليد العتيد.

هذا كلامك يا أنبا شنودة الذي به تحكم وتدين نفسك، فتقول عن أفضال حبيب المصري على الأحوال الشخصية وحفظ الأسرة المسيحية «... لا نستطيع أن نتحدث عن الأحوال الشخصية، دون أن نذكر المجهود الجبار الذي قام به حبيب المصري في هذا الشأن». فمن هو نظير جيد أمام حبيب المصري باشا؟!!! أقول ذلك من الناحية العلمية والحنكة والوعي الاجتماعي. نعم أضع المقارنة مع نظير جيد.. الذي لم يتلقى أي تعليم لا في مجال القانون ولا غير القانون سوى ليسانس الآداب اليتيم في التاريخ. فصار الأنبا شنودة دون أن يكتسب أي معرفة، بل لقد فقد الكثير بعد أن تخلى عن كل مبادئه الأولى. نظير جيد الذي لم يتلقى أي تعليم لاهوتي ولا قانوني ولا في أي مجال له علاقة بمهام وظيفته. فيترك من بعده ميراثا من الخراب، بل يترك من المخربين والجهلة ما يكفي لتدمير المجتمع القبطي لدهور.
نظير جيد كان ينادي بالمبادئ الأرثوذكسية الأصيلة اعتمادا على فكر حبيب جرجس وحبيب المصري وأمثالهما من عظماء العصر. إن كان الهدف من جهود حبيب المصري في مجال الأحوال الشخصية هو الحفاظ على الأسرة المسيحية كما ذكر نظير فما هو هدف جهودك العكسية يا أنبا شنودة إلا الخراب وتدمير الأسرة القبطية الذي عرَّض المجتمع القبطي كله لمخاطر جسام. فعرضت الطفل قبل الرجل والمرأة للتشريد والبيوت القبطية للخراب بسبب التعنت الشوفيني من أجل تحقيق بطولات دون كيشوتية في حروبك مع طواحين الهواء، حيث يُطربك ويمتعك تهليل الدهماء والجهلة والمغيبين، وزغاريد التعيسات، الذي يتحول لولولة وعويل، عندما يدركن حجم المهانة التي تربط رقابهن بحبال الذل في المجالس الإكليريكية تجبرا وعجرفة.



#سامي_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لائحة 1938 والأنبا شنودة -2 رد على رسالة
- لائحة 1938 والأنبا شنودة -1 تاريخ ظهور اللائحة
- الأنبا شنودة وحافة الكارثة 5- التعاون الحكومي مع البابا لذبح ...
- الأنبا شنودة وحافة الكارثة ... 4- الدولة المدنية والزواج الم ...
- الأنبا شنودة وحافة الكارثة (3)
- الأنبا شنودة وحافة الكارثة (2)
- الحاجة الإنسانية المُلحَّة للدين
- إبراهيم هلال وحوار مخجل بالمصري اليوم
- رسالة عز للأقباط «بزيارته للغول في قريته بقنا»
- «لا يا شيخ!!!»
- جريمة في مرسى مطروح... 1- «الأقباط تحت السبي»
- مرسى مطروح بعد نجع حمادي... وآليات الإرهاب
- نجع حمادي 3- « ديروط ...وجريمة القضاء المصري»
- النكسة 2- رد على مقال «من الخمسينات حتى نجع حمادي» للأستاذ ش ...
- نجع حمادي 2- «الوضع الكنسي وسقوط أقنعة السلطة الفاسدة»
- نجع حمادي 1- «الوضع السياسي وفشل النظام المصري»
- كل سنة والحوار المتمدن بخير
- ما بين عزبة الهجانة ومذبحة الخنازير
- الأنبا شنودة يتعدى ويتحدى القوانين الكنيسة 2- «القرعة الهيكل ...
- أهل القمة ... و«القمامة» و «الرفاهية»


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي المصري - لائحة 1938 والأنبا شنودة -3 دور حبيب باشا المصري