أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد كعيد الجبوري - الهروب عن اليسار الى اليسار في ( عرس الماي )















المزيد.....

الهروب عن اليسار الى اليسار في ( عرس الماي )


حامد كعيد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 00:56
المحور: الادب والفن
    


أربعة وعشرون قصيدة يحتويها ديوان الإعلامي والشاعر المبدع كاظم غيلان ، كل قصائد ( عرس الماي ) كتبت فترة الظلام والقمع و الشوفينية والدكتاتورية المقيتة ، إلا قصيدة واحدة كتبت بعد سقوط الصنم ونظامه المقبور ( أسرار ) عام 2007 م ، وأقدم قصائد عرس الماي ( ليل وعجد والهور ) كتبت عام 1982 م ، خمسة وعشرون سنة بين أقدم قصيدة وأحدثها ، كنت أتمنى أن أجد قصائد أخرى لكاظم غيلان مكتوبة بعد عام 1968 م عام الظلام الأول للعراق ، وصولا لتاريخ انهيار ما يسمى بالجبهة الوطنية ، واعتقال وتشريد الآلاف من قوى اليسار التقدمي العراقي ، لأفي موضوعتي حقها ولكي لا أبخس كاظم غيلان موقفا حقا أولا ، ولأنه شاهد حقيق متربص لصغائر الأمور وأكبرها ثانيا ، كاظم غيلان كغيره من الوطنيين مندفعا بكل طاقاته وإمكانياته الأدبية والسياسية لهدف سام ونبيل ، الوصول بالعراقيين وبالعراق صوب الرقي والتحضر والتمدن ، بكل ما تعني هذه المفردات من أطر جميلة نبيلة ، فانتمى لنفسه يساري الهوى والاعتناق ، لأن النفس هكذا تولد على الفطرة ، وكان شاهدا حقيقيا كما أسلفنا لسني الجبهة وإفرازاتها وتخرصاتها ومنزلقاتها ، ورأى خُلص أصحابه وأصدقائه وأخوته قد غصت بهم زنزانات السجون البعثية قبل وبعد انهيار الجبهة الوطنية ، وآخرون هاجروا طوعا وكرها صوب المنافي العالمية ، أما هو فقد عاش حياة الحرمان والتشرد والضياع والسجون ، وكل هذه الأحداث المأساوية أثّـرت وأثرت سلبا و إيجابا بحياة كاظم غيلان الشخصية والإبداعية ، فأسلمته لليل وكؤوسه ، وللنهار ومشاقه ، وهنا وفي هذه المعاناة حصرا آخَذ كاظم نفسه لسلوكها نهجا قاده لما آلت إليه حياته وتشعباتها ، أين أستاذه ومعلمه ونبراسه الكبير ( النواب ) ، وأين توأم روحه وزميله ( النعماني ) ، وأين فلان وفلان ، صراعات وتساؤلات بلا إجابة ، وحينما يضع إصبعه على صابره متأملا يجد أنه لم يسلك إلا الصواب ، فيعود من هروبه عن اليسار ليجد نفسه في حدائق وآتون اليسار مرة أخرى ، ولنحاول أن نـدّعم دليلنا بما أزعم متصفحا بطون قصائده ، فلربما نجد قصيدة كاملة ناعيا فيها المواطن والوطن ، هاربا بها بهمومه ومعاناته وفطرته اليسارية ، ومرة أخرى وبقصيدة ثانية يعود مؤملا نفسه بحلم لا بد صائر ، وقصيدة ثالثة تحمل المتناقضين ، هروب وعودة ، وقصائد أخرى نجد مقطعا كاملا يؤل للهروب ومقطعا نقيضه يؤل للعودة في نفس القصيدة ، ونلاحظ في أكثر من قصيدة شطرا يئول للهروب وشطرا بعده يئول للعودة لليسار ، في قصيدة ( فرات يا صحوة القصيدة ) يبدأ هاربا فيقول ، ( أركض يا فرات وداعة الله / وعلى الله أتفض مصايبنه على الله ) ، لكنه سرعان ما يحيد عن هروبه لأنه يرى بنفسه شجرة حية تفرع بها الهموم وهي صامدة بوجه العواصف السوداء ( أسب الليل إذا طولها وياي / تجيني الريح شرسه وتصفن أهواي / وأمطر غيض من تغفه النواطير ) ، ولأن المطر مرهون بغفوة النواطير فذلك جلد للذات المعتنقة لما تهوى ، ونتلمس العودة ليساره بصورة أوضح لا لبس فيه ، ( غسل جرحه الحسين بمايك وهاي / لجلها أيهون كلشي وخلي اليصير ) .
أنبل ما أنجبه نضال الشعب العراقي انتفاضة آذار 1991 م ، لأنها أتت هكذا كالبداهة ، فجرها البسطاء من أبناء الشعب العراقي وفقرائه ، بلا قيادات سياسية مزعومة ومدعية ، أوحت لكاظم غيلان القصيدة الديوان ( عرس الماي ) ، بالعودة ليساره الأحب وأرى أن إهدائها يفسر تشبثه بموروثه السياسي والمعرفي ، ( وكان لآذار عرسا مؤجلا في قامته الثائرة ) ، وشفيعي لما أذهب إليه ، ( يا الطولك منارة ونابته أبروحي / يا عرس / هذا الماي ) ، وربما أكثر من ذلك فهو مترقب للثورة وها هي الثورة بين يديه ، ( بهدومك أشمن ريحة القاسم ) ، في قصيدة ( الجدية ) والجدية ليس بمعنى التسول ، الجدية قرية التمرد والمعارضة التي قارعت النظام الصدامي وهي من جنوب القلب ( العمارة ) ، يبدأ هكذا هاربا ( أهناك بالجدية عثر جدم الصبح / فصل هدوم سود وطب درب مسدود ) ، ويقف تفكيره عاجزا حينما يرى أن ( بريسم ) المجنون بحب القرية ! يصبح ذا شأن كبير ، وكذا من هو على شاكلته من أزلام النظام ومتخلفيه ، ( هناك بالجدية يصير أبريسم أبكيفه وزير ) ، بعد هزئه هذا لا بد أن يرسم حالة طارئة سرعان ما تزول فيعود ليساره الأحب ، ( الجدية مفتاح المصير / أدفع شبابك فديه / يللي تحب الجديه ) ، ونجد في قصيدة ( ساحة الميدان 1 ) الهروب واضحا في كل محطات القصيدة ، ( تطلع روحي مذبوحه / تلا كيني عساكر من قهر وهموم ) ، وصولا لنهاية الهروب وقمته ، ( وأمي ترد وحدها / وتترك الحسرات والدمعات / صينية نذرها لباب المعظم ) ، في قصيدة ( ساحة الميدان 2) هروب وتفاخر بالعودة ، نحس هروبه معلنا عن نوم يساره والنوم لربما الموت ، ( والكاس اليشعل بكتاري الجرف النايم ) ، ويوضح ذلك بإهداء القصيدة التي يقول فيه ، ( متى يأتي العرس ؟ متى يأتي القاسم ؟ ) ، فيعيده الكأس الذي أوقد أكتاره لحضن يساره مجددا ، ( فزيت حسبالي تبت / ثاريني كلشي ولا توب ) ، وفي قصيدة ( سمير الليل ) عودة للفطرة اليسارية باعتداد بين وعتب أبين ، ( أنت أحلى وطيب أمدلي الضرير / وهاي أجمل أمنية وعندك تهون / برجوازي الليل وآنه أول فقير ) ، وفي قصيدة ( طير من الجنوب ) تجد العودة المشوبة بالحزن ماثلة واضحة ، فالطير حرية والحرية فطرة ، ( آنه طير من الجنوب / الشايل آذار بجبينه ) ، ويهرب ثانية في نفس القصيدة مستذكرا الأصدقاء ومنتظرا لهم ، ( آنه طير / وأصدقائي الرايحين / بلا زمان ولا مكان / أنتظر ) ، في نهاية القصيدة عودة مكللة بالفخار ، ( جدي يحفرلي كبر / ويكل للفلح / هذا أبن بنتي النهيته من المدح ) ، وفي قصيدة ( رسام الطيور ) عودة بكبرياء وتحدي ، ( كالولي تندم / كلت لا ما أندم ) ، ويتوج الكبرياء الفطرية ليقول ، ( كالولي تخسر كلت لا / لا ناكه عندي ولا جمل ) ، وهذه بزعمي يمكن أن تقرأ بشكل آخر لست بصدده هنا ، وصولا لقمة العنفوان والكبرياء الحقيقية ، ( الوطن هذا الوطن / من الفرات الكربلاء / الهور والحلاج والحر الرياحي ) ، في قصيدة ( سره الثورة ) المكتوبة عام 1996 م يبرهن كاظم غيلان عشقه ليساره الفطري ، فالعشق والطيبة فطرة ، ( يا سره الحفاي والعشاك والطيبين / صدكني سراك أحله سره / يا سرانه الهام بيك العمر كله / ومن عشكتك كلبي سويته قلم ) ، ونجده هنا قد أقر بأن كل القمم أحضرها سائرة بطريقه الأحب ، ( نزلت كل السطوح أتبوس دربك / أنت دربك حضره حلوه أمعطره ) ، ، فيتبادر له بأن هروبه عن يساره المنشود لذلك أيقن أن معشوقه الفطري قد أظهر له الجفاء والزعل ، ( ولو زعلت وياي خليني أفتح أيدي / أنت المعلم طكني بأغلظ مسطره ) ، وهذا دليل الشعور بالذنب والإقرار بالعقوبة صدقا وحقا يستحقها غيلان ، وفي قصيدة ( قفل ) المهداة للرمز العراقي الكبير ( النواب ) ، أعطي كامل الحق لكاظم بهروبه المبرر هذا ، ولا أريد أن أدخل في أبيات القصيدة لأن لها موضوعا وشأنا آخر ، سأكتفي هنا بما يدعم طرحي للهروب عن اليسار والعودة إليه بما أوردته من أمثلة حية في قصائد متعددة تناولها عرس الماي ، فالماء أصلا طبيعة والطبيعة فطرة ، وكل ما تناولته من أمثلة كانت قبل السقوط – التحرير – أيام المحنة والضياع والعتمة .
قصيدة ( أسرار ) المكتوبة عام 2007 م أي بعد سقوط صنم الدكتاتورية تحديدا ، فلنرى ما بداخلها من هروب وعودة ، بعد أكثر من قراءة لأسرار أجد أن سره هو الحرية ، والحرية فطرة كما اليسار فطرة ، وبما أنه منح حريته كما الآخرون فإن الدنيا تنزل لحريته أن علت الدنيا ، وإن نزلت حريته فبرغبتها لتلامس القرنفل وتستمتع بالعصافير الحرة ، وجهان لمسمى واحد الحرية ، ( تنصه الدنيه من تعلين / والنرجس يطش روحه / من تنصين يمشي الياس جن زافوف ) ، ولكنه يصطدم بمن يريد أن يقيّد حريته ثانية لأسباب غير خافية ، كالاحتلال وغيره من نفس الجبلة ، ( أحبس أنفاسي أريد أسمع عصافير الصبح ) ، فيؤكد لذاته العائدة بأن الطارئ يزول ، واللون الأسود سيندحر وينهار ، ( تطيح الوركه من الريح هلهوله / أفك شباج كلبي ويفلت أيلاكيج ) ، وأكثر من ذلك فمن المحتم أنه سيقف منتظرا لحريته المحلقة في سماء معاناته التي أراد لها أن تزول ، ( كل صباح يتلفت الطولج / يطرد حروب وحراميه / وعذاب إيجيبلج رف الحمام ) .
من يعرف كاظم غيلان على حقيقته لا يمكنه إلا أن يقول عنه بأنه لا زال ملتزما بما أوصى به جده القرويين ، فقبره قد حفره له ذلك الجد إن مدح طاغوتا ما ، والطاغوت موجود أمس واليوم وغدا .
هكذا قرأت ( عرس الماي ) ، بل قرأت ( كاظم غيلان ) ، تجربة وإبداعا وموقفا نبيلا ، وسأترك للقارئ أن يستنبط مواطن الهروب والعودة ، عن اليسار الى اليسار في ( عرس الماي ) بل بعرس الحرية الغيلانية .



#حامد_كعيد_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( رجعنا بخفي حنين )
- البرلمان العراقي ومجالس المحافظات و الحاجة منهما
- هل يخسر مظفر النواب العراق أم يخسر العراق مظفر
- هموم وحلم جذاب
- مراسيل الكلب*
- إضاءة الشاعر فالح حسون الدراجي ومتابعة جادة
- ( أشلون باجه وينذكر تاريخها) وللقصائد قصصها أيضاً
- سلام الله
- يمه يا يمه
- حبيت الوطن
- رسائل متأخرة لبوش الإبن
- عامر مضيف الحزب
- الشهيد أحمد عيد
- البرلمان العراقي ومجالس المحافظات و الدور التشريعي
- (عرب وين طنبوره وين)
- هل تسرق الثورات ؟
- رفض بيع وشره
- مشاهدات حيه
- فَرفحتلك
- لهوسات العراقية وقصصهاالقسم2


المزيد.....




- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد كعيد الجبوري - الهروب عن اليسار الى اليسار في ( عرس الماي )