أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2















المزيد.....

أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 3126 - 2010 / 9 / 16 - 02:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي
الجزء الثاني
بقلم : ابراهيم ازروال



2-الرقابة على الجسد :
يخضع الجسد في الفكريّة التوحيدية، لضبط اجتماعيّ وقانونيّ دقيق؛ فالقيم التوحيدية، تقتضي رسم كلّ السيناريوهات المشروعة لاستعمال الجسد وتصريف طاقاته بما يخدم المنظومة الإيمانية والجسد الاجتماعيّ– السياسيّ. فكلّ القيم المتعالية، للفكريّة الإسلاميّة، لا بدّ أن تتمظهر في سلوك جسديّ، وأن تتجسّد في تعابير بدنية ظاهرة. فالجسد الإسلاميّ، أداة أساسية في تحقيق الاقتراب من المطلق وأداء الطقوس العبادية، وفي تحقيق انتظام الجسد الفكريّ الكلّيّ المسمّى بالأمّة. فوظائف الجسد، محدّدة بصفة نهائية، ممّا يمنع أيّ توظيف متعيّ أو جماليّ أو معرفيّ أو تقنيّ للجسد خارج الموجب الشرعيّ . كما أنّ كلّ العقوبات، ترسم على الجسد ذاته، كما في عقوبات السرقة أو القذف أو الخمر. فكلّ خرق لقواعد توظيف الجسد الفرديّ خارج المقرّرات الشرعيّة، عادة ما ينتهي بتفعيل مدوّنة العقوبات الصارمة المتحرّكة بين التعزير والرجم كما في عقوبة الزاني المحصن . فالعقل الشرعيّ يوقع العقوبة بدءا، على الجسد ويتوسّع في العقوبات بلذّة سادية، تنتشي بزيادة العنف واستفحاله وبمتعة المتحلّقين حول المعذّبين في حفلات التعذيب الممنهجة.
والأغرب من كلّ هذا، هو أنّ العقل الشرعيّ، يعتبر العقوبات البدنية، الموروثة عن العقل الإبراهيميّ، آليات تطهيرية، يتخلّص بموجبها الآثم من آثامه، وينال النجاة الأبدية. فالعقل الشرعيّ الحريص على الحياة، لا يتوانى عن التضحية بالحياة الإنسانية كما في حالة رجم الزاني المحصن باسم التطهير وإعداد النفس لنيل الجنان.
فالجسد، من هذا المنطلق، أداة للإعداد للحياة في الماوراء؛ فالجسد والحال هذه موجّه توجيها قياميا، واقتصاده منذور للمبتغى الاسكاتولوجي. وما على المسلم لينال السعادة ويتجنّب الشقاوة إلا أن يمرّن جسده على أداء الطاعات والتكاليف، بأقصى دقة طقوسية ممكنة، وأن يضع مكنونه الطاقي رهن المشروع الجهاديّ للأمّة المفضّلة، وأن يلزم طاقاته اللذية بالمقصديات الكبرى للمشروع الإسلاميّ الكونيّ. وعليه، فالجسد يخضع للطقوس والشعائر، وللمشاركة في التظاهرات العبادية الجماعية، وينتهي، في حالة أيّ إخلال بالنسق الجماعيّ إلى التقبّل الطوعيّ لرسم الحدود الشرعيّة على أطرافه. وفي حالة ما إذا تعذّر تنفيذ العقوبات التعزيرية أو الحدّية، فإنّ الجسد يتعرّض لتآكل نفسيّ من جرّاء التأثّم والإحساس المفرط بعقدة الذنب. فلا فاعلية للنسق العقابيّ، خارج اجتيافه، جماعيا، من قبل الجسد الاجتماعيّ بتمام مكوّناته.
( حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، حدثنا يحيي بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله، عن عبادة بن الصامت، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عنّي، قد جعل الله لهنّ سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ")
(- ابن ماجة القزويني – سنن ابن ماجة – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – اعتنى به وقدم له : محمد بربر – الجزء الثاني –كتاب الحدود - باب حد الزنا – ص. 445)
كما أن المنظومة القانونية الشرعيّة، تعين، بدقة، المشروع وغير المشروع في السلوكات والممارسات الفردية أو الجماعية أو بلغة دينيّة: تعيّن الحلال والحرام، وتحرص على تحديد الاستعمالات اللذية للجسد وعلى تقنين العقوبات والحدود الموضوعة لمعاقبة كلّ استعمال لذّيّ أو جماليّ أو لعبيّ أو استيهاميّ غير مشروع دينيّا .
( حدّثنا محمد بن الصباح وأبو بكر بن خلاد، قالا: حدّثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ". )
(- ابن ماجة القزويني – سنن ابن ماجة – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – اعتنى به وقدم له : محمد بربر – الجزء الثاني –كتاب الحدود - باب من عمل عمل قوم لوط – ص. 447)
فالجسد الإسلاميّ، جسد مخترق من كلّ جهة بالمصير الاسكاتولوجي؛ فهو جسد لا تحرّكه الطبيعة إلا قهرا، ولا الحضارة إلا اعتباطا، ولا الخصوصية إلا استثناء. وهكذا، فالجسد الإسلاميّ، جسد محاط بالسقوف الميتافيزيقية، وبالمحدّدات الشرعيّة، الموغلة في التقنين والضبط والمراقبة والمعاقبة. لا مناص من القول إذن، بأنّ الجسد الإسلاميّ، يخوض باستمرار، وعلى مدى الزمان، صراعا ضاريا، ضدّ نداء الطبيعة، وصبوة المهجة، واحتدام المخيّلة، وقفزات اللاشعور. فالمنظومة الإيمانية الإسلاميّة توطّن التعالي في الضمير الفرديّ، وتطالب الفرد بممارسة رقابة لصيقة على نزواته وعلى رغباته وأشواقه واستيهاماته وشكوكه وبالتضحية بمطالب الجسد وصبواته على مذبح النجاة الأخروية. ونتيجة لهذا، فإنّ المسلم، يدخل في نزاع شيزوفرينيّ، بين ضميره الفكرانيّ المكتسب عبر التنشئة الدينيّة، وبين أتواقه الإنسانية المتحفّزة والتوّاقة إلى تحقيق الصبوة الوجدانية الكبرى والتشخصن الوجوديّ المترع بالتطلّعات الكيانية المثلى.
فهو مطالب شرعيّا، بممارسة رقابة دقيقة، على كلّ أفعاله، وبتفعيل رؤية تراتبية لجسده ( تقديس اليمين وتبخيس اليسار)، و بقهر لاشعوره ومخيّلته وطاقات جسده بالإكثار من الشعائر والطقوس والعبادات. ولا يكتفي النسق الإسلاميّ، بالمراقبة الذاتية، بل أرسى معالم رقابة جماعية شديدة الإحكام بمقتضى مبدإ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب.
ورغم تحكّم المنظومة القيمية السلفية في أغلب أطوار العصر الإسلاميّ وهيمنة الإطار المرجعيّ الاتباعيّ النصّيّ، فإنّ الحضارة الإسلاميّة، عرفت اختراقات هرطوقية، حاول أصحابها إعادة النصاب الطبيعيّ أو الانطولوجيّ أو التاريخيّ للجسد إلى مكانته الثقافية المطلوبة. وهكذا، انتقلنا من رهاب الجسد، ومن "تطقيس "وترميز البدن، إلى استعمال جديد يروم سبر الممكنات المعرفية والجمالية واللذية واللعبية والطبية للجسد، والى توظيفه توظيفا انسيا محايثا. لقد اقترح الهراطقة، قراءة جديدة أساسها، عقد المصالحة بين الإنسان والطبيعة، ونزع" التطقيس " عن الجسد، وفصله عن التاريخ القياميّ وعن الاستعمال الشعائريّ لعلاماته. لقد عمل الهراطقة، على تعميق روابط الجسد، بالطبيعة وبالتاريخ وبالإنسان من حيث هو إنسان، وبالصيرورة. لقد حوّلوا الجسد من أمثولة للعقاب أو للترويض العباديّ أو أداة لتوسيع القاع الجغرافي للفكريّة الإسلاميّة ومعبر للماوراء، إلى قيمة كونية، يحتاج سبر قواها وطاقاتها، وممكناتها الجمالية إلى اشتغال فلسفيّ وجماليّ يتعدّى بما لا يقاس، حدود " الطقسنة ".
فقد قدّم أبو نواس تصوّرا شعريا معارضا وناقضا للسائد، وأعاد ترتيب علائق الجسد بالمقدّس على نحو يقدّس الجسد ويسخر من المواضعات التوافقية القديمة في ذات الآن:
وعاشقين التفّ خدّاهما — عند التثام الحجر الأسود
فاشتفيا من غير أن يأثما — كأنّما كانا على موعد !
لولا دفاع الناس إياهما — لما استفاقا آخر المسند
ظلنا كلانا ساتر وجهه — مما يلي جانبه باليد
نفعل في المسجد ما لم يكن — يفعله الأبرار في المسجد
( الحسن بن هانئ — ديوان أبي نواس — حققه وشرحه: احمد عبد المجيد الغزالي — دار الكتاب العربي – بيروت — لبنان — 2007— ص. 188)
أما المعرّي، فقد تغيّا، عقد ألفة كونية بين الكائنات، تتجاوز الإطارات الضيّقة للتمركز حول الإنسانيّ وللمشاريع الماورائية لبشرية ملتحمة بالنفق الميتافزيقيّ من جرّاء استشراء مؤسّسات الرعب الوجوديّ l’horreur métaphysique .
يقول المعرّي:
غدوت مريض العقل والدين فالفني — لتسمع أنباء الأمور الصحائح
فلا تأكلن ما اخرج الماء ظالما — ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح
ولا بيض أمات أرادت صريحه — لأطفالها دون الغواني الصرائح
ولا تفجعن الطير وهي غوافل — عما وضعت فالظلم شرّ القبائح
ودع ضرب النحل الذي بكرت له — كواسب من أزهار نبت فوائح
فما أحرزته كي يكون لغيرها — ولا جمعته للندى والمنائح
مسحت يدي من كلّ هذا فليتني — أبهت لشأني قبل شيب المسائح
بني زمني هل تعلمون سرائر — علمت ولكني بها غير بائح
(—أبو العلاء المعري – اللزوميات —تحقيق : أمين عبد العزيز الخانجي — مكتبة الخانجي للطبع والنشر والتوزيع — القاهرة — مصر —الجزء الأول — ص. 218)
وقد سعى بعض الصوفية، إلى استزراع فلسفة جديدة للجمال، في الفضاء الفقهيّ المتيبّس؛ وذلك بنقل الجمال الأنثويّ، من فضاء الشيطان إلى فضاء الرحمان، من حيز الغواية العالقة بالنجاسة إلى حيز التلذذ الروحيّ الملتحم بالطهارة.
( وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر الحافظ يقول : كان ابن طاهر يذهب مذهب الإباحية: قال: وصنّف كتابا في جواز النظر إلى المرد أورد فيه حكاية عن يحيى بن معين قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلّى الله عليها، فقيل له: تصلّي عليها؟ فقال : صلّى الله عليها وعلى كلّ مليح .
قال شيخنا ابن ناصر : وليس ابن طاهر ممن يحتجّ به.)
(— ابن الجوزي — تلبيس إبليس — تحقيق : محمد عبد القادر الفاضلي — المكتبة العصرية — صيدا – بيروت — 2006- ص. 160)
3-الرقابة على المخيّلة :
تفرض التوحيديات حدودا صارمة لحرية المخيّلة؛ فالمخيال التوحيديّ، يفترض تفوقه على ما سواه من منتجات الخيال البشريّ ومبدعاته، ويقرّ بعجز المخيّلة البشريّة عن الاستشراف الحاذق والاستبصار النافذ لحقائق الإنسان ولتشابكات التاريخ وألغاز الكون. فلمّا كانت المخيّلة العقديّة محصورة بتخوم ميتافيزيقية معينة بدقة قانونية كبرى ومسكونة باليقين الانطولوجيّ، فإنّها غير قادرة على فهم التوق البشريّ، إلى تجريب المسالك المخيالية غير المطروقة، والى التنقيب في الأوجه غير المستكشفة للكينونة وفي العتمات غير المضاءة للصيرورة وإلى الغوص في تلافيف الروح البشريّة بحثا عن طاقات جمالية وإبداعية غير مستثمرة بعد أو عن فضاءات قلبية مازال الكائن البشريّ، يخطئ استغوارها واستبئارها. ومن هنا، فالعقل الدينيّ، يكتفي بتأمّل وضع نهائيّ، معروف البدايات والنهايات، ويغرق في الاحتفالات الطقوسية، سعيا وراء نجاة ماورائية، أو في فعل سياسيّ مجاز اجتماعيا ومأجورا دينيّا. أمّا المخيّلة الدهرانية أو القلبية، فإنّها تسبح في اوقيانوس فكريّ، كأنها تعيد تشكيل الهيولى وتعيد تركيب المركّبات، وتدوزن آلات النغم الكونيّ، بما يحقق نشيدا كينونيا، يحقّق به الإنسان ألقه الكونيّ وإنسيته المستحقّة.
فالمخيّلة المحكومة بإرادة الاعتقاد، لا يمكن أن تحلّق في الفضاءات اللامتناهية للوجود أو أن تغوص في القيعان اللاحبة للذات والرغبة الإنسانيتين، أو أن تلتمس إمكانات وجودية أو ابتداعات كيانية خارج المسالك المعروفة. لا جدال إذن في أن تنحصر الفعالية البشريّة للإنسان الاعتقاديّ، في مراقبة كلّ تطلّع وجوديّ أصيل منبثق من عمق ذاتيته وكلّ انهمام باستكشاف مجاهل النفس والعالم والتاريخ والطبيعة والفنّ خارج الإملاءات الشرعيّة "للفقهتاريا" أو "الصوفيتاريا" أو اللاهوت المتحالف مع العكسريتاريا أو" الغوغئتاريا".
ولا غرابة إذن في أن تفقد المخيّلة الإسلاميّة قدرتها على الاستبصار، وعلى استنباط المجهول في الكائن والسوى والكون والإبداع ؛ فقد حوّل ثقل الكهنوت الإسلاميّ، الكائن العقديّ، إلى إنسان استوفى كينونته الأصيلة ولم يبق له إلا أن يتماهى مع الكلمات المقطوعة عن أشياء هذا العالم وعن مادية الموجودات وحدثية التاريخ الحيّ.
( من سبّح دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثا وثلاثين. ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر " (م ) .
الحديث أخرجه مسلم كما قال المصنف رحمه الله، وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سبّح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبّره ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة لا اله إلا الله الخ " وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي، وفي بعض طرق النسائي من حديثه هذا : " من سبّح في دبر كلّ صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة، وهلّل مائة، وحمد مائة غفرت له ذنوبه، وإن كانت أكثر من زبد البحر ")
(- محمد بن علي الشوكاني – تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين – المكتبة العصرية – اعتنى به وراجعه : وليد الذكرى - صيدا – بيروت -2003-ص-146)
فبدلا من استقصاء الممكنات اللامتناهية للمخيّلة والطاقات الوجودية الخصبة للجسد والرغبة والحلم والغير، انزوى الكائن العقديّ في الركن المظلم للكينونة، وشرع في الاحتيال على الوجود بالتهوّس بالأصوات أو بالحركات أو بالإيماءات أو باستمالة احتيالية لكينونة مثالية منفلتة على الدوام من قبضة المتعبّد. وهكذا، يقضي المؤمن، كينونته المهدورة، بين تسطير الذنب ومحوه بالتزام تكرار سحريّ منغّم للألفاظ، بعيدا عن واقع لا تحرّكه الألفاظ مهما كانت منظومة بدقّة فونيتيكية مذهلة.
والتكرار الطقوسيّ، يستلزم إبعاد الإنسان عن بناء الدلالة الأخرى، والرمز الآخر، وعن استشراف أفق ميتافيزيقيّ أو روحيّ أو ايطيقيّ جديد، وعن اخترام اليقين المعرفيّ أو الجماليّ السائدين وابتداع مسلكية معرفية أو ايطيقية قمينة بإضفاء أبعاد انطولوجية جديدة على الكائن.
فاليقين يقتضي، مراقبة المخيّلة وحصر فعاليتها في الاكتفاء بالمسطرات الإيمانية، وفي إبعاد النفوس القلقة عن مصادر أخرى للتعقل أو التروحن أو التخلّق أو التأنسن؛ فلئن كان الفنّ، كتابة ثانية أو ثالثة بالحروف أو بالكلمات أو بالمجازات أ وبالأجساد والألوان والأنغام ، وحفرا في البواطن العميقة للوجود ، فإنّ إرادة الاعتقاد تعامل تلك الكتابة كفعل لا أخلاقيّ خارق للضوابط والشرائط الإيمانية للنظر العقليّ أو التلذذ"الجماليّ".
( حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا عمر بن هارون، عن همام، عن فرقد السبخي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكذب الناس الصبّاغون والصواغون ")
(- ابن ماجة القزويني – سنن ابن ماجة – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – اعتنى به وقدم له : محمد بربر – الجزء الثاني –كتاب التجارات - باب الصناعات – ص. 373)
ولئن حاولت الأرثوذوكسية الإسلاميّة، مراقبة الفعالية التخييلية للمخيّلة، فإنّ اللاارثوذكسية، ذهبت بالمخيّلة إلى أقصى الذرى الروحيّة الممكنة؛ فقد نقلت المخيّلة الإبداع، من الأفق الماورائي المحكوم بدورة العقاب والثواب والخشية من الغضب أو المكر الإلهيّ، إلى نطاق التلقّي الحميم من المطلق وانعقاد الألفة بين الإنسان والمتعالي والى إعادة صياغة دلالة المصطلحية الشرعيّة وإعادة بناء الجغرافية الماورائية بما يخرق الثابت الشرعيّ والفقهي . فالمحو، لا يطال الذنوب كما في الأثر، بل يطال الحدود المرسومة بين الجنّة والنار، بين الثواب والعقاب؛ فالمعاينة أو المشاهدة العرفانية، لا تكتفي بالمرويات أو بالحدود التراتبية للفقه والتصوّف السنّيّ المتفقّه، بل تتلقّى عن المطلق مباشرة، وتحضر لحظة إعادة بناء الإيمان خارج النسق الشرعيّ أو الفقهيّ.
( أوقفني فيما يبدو فرأيته لا يبدو، فيخفى ولا يخفى فيبدو ولا معنى فيكون معنى، وقال لي: قف في النار، فرأيته يعذّب بها، ورأيتها جنة، ورأيت ما ينعم في الجنة هو ما يعذّب في النار.
وقال لي: أحد لا يفترق، صمد لا ينقسم، رحمن هو هو.
وقال لي: قف في الأرض والسماء، فرأيت ما ينزل إلى الأرض شركا، وما يصعد منها شركا، ورأيت الذي يصعد هو عما ينزل، ورأيت ما ينزل يدعو إلى نفسه، ورأيت ما يصعد يدعو إلى نفسه.
وقال لي: ما ينزل مطيتك، وما يصعد مسيرك، فانظر ما تركب وأين تقصد.
وقال لي: تنزل مسافة، تصعد مسافة مسافة بعد بعد لا يحادث.
وقال لي: كيف تكون عندي وأنت بين النزول والصعود ؟
وقال لي: ما أخرجت من الأرض عينا جمعت بها علي، ولا أنزلت من السماء عينا جمعت بها علي، إنما أبديت كلّ عين فقسمت بها عنّي، وحجبت ثم بدأت، فجمعت بي وكانت هي الطرق، وكانت جهة.
وقال لي: قف في الجنة؛ فرأيته يجمع ما أظهر فيها من العيون كما جمع في الأرض ببدوه من وراء العيون، فرأيته يبدو لا من وراء العيون فيكون الوراء ظرفا، ورأيته لا يبدو فيخفى ولا يخفى فيبدو، ولا معنى فيكون معنى .)
(محمد بن عبد الجبار النفري — الأعمال الصوفية — راجعها وقدّم لها: سعيد الغانمي — منشورات الجمل — كولونيا — ألمانيا — الطبعة الأولى — 2007—ص. 96)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول الرقابة في الفضاء الثقافي الإسلاميّ 1
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 3
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 2
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 2
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 1
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 2
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 2
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - أصول المراقبة في الفضاء الثقافي الإسلامي 2