أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -2















المزيد.....


تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -2


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 20:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يتفق ممثلا المركزية الإسلامية والمسيحية ، في التوصيف والتشخيص والعرض الاثنوغرافي ؛إلا أنهما لا يعللان توصيفاتهم ولا يتساءلان عن دلالة الفوضى الكينونية المشار إليها؟ هل الفوضى عرضية تاريخية ، أم جوهرانية مرتبطة بماهية من لا يبني نسقه الثقافي عن الدلالات الخيالية للتوحيد الآسيوي ؟
والحقيقة أن نصي الوزان وكربخال دليلان تاريخيان ، يكشفان عن صعوبة إقرار المؤسسة الأرثوذكسية ببادية حاحا في القرن السادس عشر الميلادي خصوصا وبالمجال القروي – الجبلي عموما ، وصعوبة تبلور مؤسسة متخصصة في تدبير الرأسمال الديني وربطه بالمراكز الأرثوذكسية.ليست الممانعة المجالية ، فصلا عرضيا في تاريخ المغارب ؛وهي تفصح عن أمرين :
1- استمرار العرف في تفعيل آلياته،
2- عدم تمكن الرؤية الإغرابية المتعالية للأرثوذكسية من فهم إواليات اشتغال النسق العرفي .
ولا يخرج توصيف الوزان لمنطقة الريف عن نفس التمثل ؛ فالخروج عن مقتضى الارثوذكسية والارثوبراكسية ، يقتضي البقاء في التوحش وعدم التحضر .
( سكان الريف شجعان ، لكنهم تعودوا السكر والملابس الرديئة .وتقل الحيوانات في هذه البلاد ، ماعدا الماعز ، والحمير ، والقرود التي تعيش في مجموعات كبيرة بهذه الجبال . كما تقل فيها المدن ، وكل التكتل السكني المهم في قصور وقرى ذات بيوت حقيرة مكونة من طابق أرضي ومبنية بشكل الاصطبلات التي نراها في أرياف أوربا ، سقوفها من قش أو لحا الشجر .وجميع نساء هذه الجبال ورجالها مصابون بتضخم الغدة الدرقية ، وليسوا سوى غلاظ جهلة . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص.324)
يرسم الوزان صورة سوداوية للريف وللإنسان الريفي ؛ كما يمعن في عقد المقارنات الضمنية والصريحة ، لتبئير منظوره و إظهار مأساوية ودونية الاجتماع البشري بمنطقة أمازيغية ذات سمات ايكولوجية وثقافية خاصة.لا تستدعي الملاحظة الاثنوغرافية هنا ، أي تعليل سوسيو-تاريخي أو سوسيو-ثقافي ؛ بل ترتبط برؤية جوهرانية ماهوية .فغياب الضوابط المؤسسية ، يعني الانفلات وسلوك سبل التدني والتسفل وغياب الأناقة واللياقة لا سبل الترقي والتحضر .
فمما لا شك فيه أن المغارب عاشت بعد أفول الإمبراطورية المرابطية والموحدية ، أزمات مستعصية ، تمثلت فيما يلي :
1- عجز السلطة المركزية عن توحيد المغرب وتحقيق التناغم بين السلطة المركزية المستندة إلى الشرعية الدينية أو الشرعية السلالية –العقدية ( مثل دولة السعديين والعلويين )وسلطة القبائل و التنظيمات المحلية و الزوايا والطرق الصوفية ،
2- تقلص فضاءات ومساحات التحضر وتراجع العمران الحضري بسبب الحملات المسيحية على الثغور المغربية وبسبب الدور التخريبي لعرب معقل وحكيم وهلال ؛ وقد قدم الوزان اضاءات تاريخية هامة حول تراجع التقاليد الحضارية بمراكش مثلا ،
3- ضعف التقاليد الفكرية بالمغرب الإسلامي عموما ، واكتفاء المفكرين المغاربة باستنساخ النماذج الفكرية والاستدلالية المشرقية ،والانشغال المبالغ فيه بالترميق الفكري على حساب التنظير المحكم المستند إلى قواعد منهجية محكمة وإلى أصول نظرية صلبة ،
ونحيل في هذا السياق على شاهدين ، يبرهنان ، على تبعية المغرب الإسلامي ، للمنجز المشرقي السلفي ، في الفقهيات والكلاميات على السواء .
يقول ابن خلدون ما يلي :
(... وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ، ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق ؛ فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة .ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ، ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب . )
(- ابن خلدون – مقدمة ابن خلدون – تحقيق : درويش الجويدي – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت -2002-ص. 420)
يقول محمد عابد الجابري عن غياب التقاليد الكلامية-العقلية بالمغرب والأندلس ما يلي :
(...أما الأندلس ، فقد بقيت ، هي والمغرب ، بعيدة عن الصراعات المذهبية التي شهدها المشرق ، بين المعتزلة والأشاعرة ، واستطاعت أن تقلص إلى الحد الأدنى من نشاط الشيعة الباطنية على حدودها وأطرافها . وهكذا بقي " إسلام السلف " سائدا فيها وبقيت المذاهب العقدية الأخرى تتحرك على الهوامش كمجرد تموجات آتية من مركز بعيد . )
(-ابن رشد – فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل ( الدين والمجتمع) –مع مدخل ومقدمة تحليلية للجابري - مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – لبنان – الطبعة الثالثة – 2002- ص . 24)

4- استناد القرار السياسي والاستراتيجي إلى تحالف الفكرية الفقهية المالكية / الأشعرية / الصوفية مع السلطة المركزية المتغلبة بفضل استثمار الرأسمال الغيبي أو المناقبي ( المهدي بن تومرت والشرفاء السعديين على سبيل المثال ) ، وإقصاء التنظيمات والقوى المحلية .
وبسبب احتكار قلة من المدبرين للسلطة السياسية والفكرية وما ينتج عنهما من خيرات رمزية ومادية ، أقدم مجموعة من الثوارعلى التمرد على الواقع القائم ، استنادا إلى شرعية فقهية أو مناقبية أو قبلية أو مهدوية . فبالنظر إلى الترابط الوثيق في التجربة السياسية المغربية والمغاربية عموما بين السلطة السياسية والسلطة العلمية ، أي بين الفقه والسلطة ، فان الساعين إلى امتلاك الحكم كثيرا ما سعوا إلى نزع الشرعية الدينية / العلمية عن السلطات القائمة ، والى الإبانة عن مخالفتها للمقررات الشرعية ولمعايير الحكم الشرعي .
( ...فجهاد الكفرة الملثمين قد تعين على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ، لا عذر لأحد في تركه ، ولا حجة له عند الله ، فإنهم سعوا في هدم الدين ، وإماتة السنة ، ( واستبعاد ) الخلق ، وتمادوا على الفساد في الأرض ، وعلى العتو والطغيان ، وعلى هلاك الحرث والنسل ، والاعتداء على الناس في أخذ أموالهم ، وخراب ديارهم ، وفساد بلادهم ، وسفك دمائهم ، واستباحوا أكل أموال الناس بالباطل ، وأخذ أموال اليتامى والأرامل ، وتمالئوا كلهم على ذلك ، وتعانوا عليه ، فرحين مسرورين ، ولا ناهي ولا منتهي ....)
(-محمد بن تومرت – أعز ما يطلب – تقديم وتحقيق : عبد الغني أبو العزم – مؤسسة الغني للنشر –الرباط – المغرب – 1997-ص.407)

و بالنظر إلى انخراط الحسن الوزان في الفكرية السنية / الفقهية وفي دعم وتثبيت السلطة الشرعية ، فانه ينافح عن الأرثوذكسية المكرسة ،سياسيا وعسكريا ، ويرمي الثوار الساعين إلى اقتناص السلطة بالابتداع والتفسيق ومخالفة مرسخات الشريعة الإسلامية .
( مر كاتب هذه السطور أمام هذه القلعة مع فرسان الأمير الشريف ( السعدي ) ، فأصاب رماة القلعة بعضهم لكنهم لم يختطفوا منهم أحدا. وبعد ذلك تحادث المؤلف مع بعض مريدي عمرو السياف فاخبروه بحياة هذا الزنديق و أطلعوه على مذهبه المخالف للشريعة الإسلامية، وقد ذكر ذلك في كتابه " مختصر تاريخ الإسلام " . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي - ج1-ص. 108)
ونجد نفس الإدانة عند مارمول كربخال ؛ وهذا التوافق مفهوم بالنظر إلى اتفاق الأرثوذكسية الإسلامية والمسيحية على تجريح الفكريات التوليفية أو الهرطوقية :

( يوجد ضريح هذا الماكر( يقصد عمرو السياف ) داخل المدينة حيث أسس حفيده موسما ما زال العمل جاريا به حتى الآن ، ولشدة جهالة هؤلاء القوم ، يتعبدون في ضريح رجل قتل من أجل رذائله ويقدسون رفاته . )
(- مارمول كربخال – إفريقيا –- الجزء الثاني - ص . 21)

فالفقيه والسلطان، ملزمان على الدوام بمناهضة السلط المضادة لهما وخصوصا سلطة المتصوف القادر على الانتقال من التسنن إلى" التهرطق" أو" التبدع " . فالسلطة نتاج تأويل ومحصول صراع تأويلات كما أنها وليدة الصراعات السياسية والعسكرية والإستراتيجية . فالسلطة المستندة إلى معيارية مرجعية قدسانية ، والى تسويغ فقهي أو إلى دعم صوفي ليست بمعزل عن المنافسة المحاكاتية وعن بروز قوى أو أشخاص كرزميين قادرين على إقرار شرعية مضادة للشرعية القائمة بدلالة تمكن المهدي بن تومرت من استشكال الشرعية الدينية للحكم المرابطي رغم استناد شرعيته إلى الدعم المؤسسي للفقهاء المالكيين .
وبالنظر إلى موقعه الفكري والسياسي ، فإن الوزان لا يملك إلا الطعن في المنافسين الكارزميين للسلطة الهشة بمغرب القرن السادس عشر . وعليه فان إدانته الأرثوذكسية لحركة الصوفي سليمان الشياظمي المعروف بالسياف أو بالمريدي ، لا تعني إلا إلحاق هذا المنافس بالكاووس اللاارثوذكسي المميز أصلا للمغارب قبل الإسلام وبعده على حد سواء . ففوضى التصوف الهرطوقي ، ما هي إلا نتاج فوضى معممة متغلغلة في كل مسام المجال الممانع .
والواقع أنه، ينطلق من منظور فقهي أرثوذكسي ، شديد الحذر من الفكر والاهتيامات الصوفية . فلئن عجزت المؤسسة الفقهية على إقرار الحقل الديني والفضاء المؤسسي الديني والتحكم استتباعا في الفضاء الاجتماعي ، فإن مداوري النظام المعرفي التحاجي ، تمكنوا من التكيف مع المقدس المحلي ومع آلياته الترميزية والتدليلية . فالعرفاني الصوفي ، قادر على التكيف مع النظام الرمزي الأمازيغي ، ومع إطاره القدساني الشعائري ، أما الفقيه الأرثوذكسي المعتمد على الآليات الأصولية والتوجهات التسلفية للمؤسسة الفقهية ، فيجد صعوبة في التكيف مع الصور النموذجية للمخيال الاجتماعي الطرفي لاعتبارات نظرية و منهجية وسياسية ، رغم كل التسويغات والتدليلات المقدمة على سبيل المسايرة الاضطرارية أحيانا .
والواقع أن خطورة المتصوف اللاارثوذكسي ، تكمن في قدرته على خلخلة التوازن السوسيو- تاريخي ، وفي قدرته على إعادة رسم خريطة المقدس ومواقع مدبريه على نحو غير مؤسسي .فالمقدس الصوفي اللاسني ، متحول دوما ، توليفي واستدماجي ؛ أما المقدس السني فمحدد التخوم ، والآليات والمسالك ، ومتمسك بنمذجة صورية متعالية على الصورة الخيالية المنبثقة عن المخيال الاجتماعي المحلي .ولئن اختلف المقدسان في كيفية تدبير المقدس ، وتنشيطه وتكييفه ، معرفيا وسياسيا ، مع المستجدات الوقتية ، فإنهما ينطلقان من التسليم المبدئي بالخارقية أو اللاعقلاني أو الكرامة.وقد ذهبت الأشعرية بعيدا في الذب عن الخارقية الكرامية ، وفي تجويز خرق العادات وقلب الطبائع بشهادة ( معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان ) للدباغ .
فالفضاء الثقافي الأمازيغي ، لا يجنح إلى اللانسقية واللاتمأسس الفقهيين فقط ، بل يتضامن مع التذاهن الصوفي ويستمتع بالعوالم العجائبية للمناقب. فالامازيغي يجمع بين إبطال حكم الشريعة ،و التسليم الإيماني بخارقية النساك والصوفية .
( هؤلاء الجبليون أمناء جانحون للسلم ، إذا سرق أحدهم أو ارتكب أية جريمة نفوه لمدة معينة . وهم مغفلون إلى أقصى حد ، إذا فعل أحد هؤلاء النساك أي شيء عدوه من الكرامات .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –- ج1-ص. 112)
وهكذا فهو ينظر بعين الارتياب والتشكيك للمقدس الموزع في أنحاء الجسم الاجتماعي ، بدون مؤسسات مركزية منظمة ذات رهانات وتطلعات محددة بدقة . فحين يصادف المقدس اللارثوذكسي ، يتحصن بعقلانيته البيانية ، وبوضعه السوسيو- ثقافي ، وبتقاليده الحضرية المتأففة أصلا من الغير الثقافي ومن ثقافات الأطراف والهوامش . فهو ينزع الشرعية عن المقدس اللامركزي ، ليصبغها على المقدس الأرثوذكسي ، ناسيا أن المقدس الأرثوذكسي ما هو إلا مقدس لا ارثوذكسي ومحلي صار أرثوذكسيا وكونيا بقوة السياسية والتوازنات الإستراتيجية وانتظام الاستراتيجية الدعوية والثقافية . فالغير لا يحمل الذات الملاحظة والواصفة ، على تنسيب موقعها وخلفيتها الثقافية ، بل يزيدها تشبثا بمقرراتها .
وفي معرض توصيفه لأحوال ماسة بسوس ، أشار إلى حضور المقدس اللاارثوذكسي في مجرى حياة الساكنة المحلية ، وانغراس الأساطيرية والأصطورية في عقول ومخيال الماسيين .
( ويوجد في خارج ماسة على شاطئ البحر مسجد يقدسه الناس كثيرا ، ويذكر عدد من المؤرخين أن المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا حسبما أخبر به النبي محمد ( عليه السلام ) سيخرج من هذا المسجد . ويقال أيضا أن النبي يونس ( عليه السلام ) لما التقمه الحوت نبذ بالعراء في ساحل ماسة .....)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص. 114)
إن المقدس اللاارثوذكسي يجتاف الصور الميثية للمقدس الأرثوذكسي ، ويستثمرها في صياغة عوالمه الطوباوية ، وفي التمهيد لإنشاء كيانه السياسي .فالمقدس اللاارثوذكسي إذ يتأول التراث السني والميثولوجيا المؤسسية ، يبرهن على قدرة كبيرة ، على تحريك المتخيل الجماعي ، وعلى مده بالايحاءات وبالاستعارات الوجودية وبالاستيهامات الألفية المعادة الصوغ.فإذا تمسكت الكتابات الفقهية والكلامية ، باستنساخ النماذج الأصلية المشرقية ، فإن التطلعات المخيالية للاوعي الجمعي الطرفي ،تصبو إلى الحيازة والاستدماج والاستبطان . ولا يكتفي العرفاني بتذويت الحكايات الألفية ، بل يسعى إلى تفعيل اهتياماته في واقع مهووس بالوعود الخلاصية .
يقول ابن خلدون عن التوبذري :
( وقد كان لأول هذه المائة خرج بالسوس رجل من المتصوفة يدعى التوبذري ، عند إلى مسجد ماسة بساحل البحر هنالك ، وزعم أنه الفاطمي المنتظر ، تلبيسا على العامة هنالك ، بما ملأ قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنالك ، و أن من ذلك المسجد يكون أصل دعوته . فتهافتت عليه طوائف من عامة البربر تهافت الفراش . ثم خشي رؤساؤهم اتساع نطاق الفتنة ؛ فدس إليه كبير المصامدة يومئذ عمر السكسيوي من قتله في فراشه . )
(- ابن خلدون – مقدمة ابن خلدون – تحقيق : درويش الجويدي – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت -2002-ص. 150)
وقد يذهب العرفاني المحلي ، إلى حد ، ابتداع ديانة ناسخة ومستنسخة للديانة الأصلية كما في حالة صالح البورغواطي وحاميم الغماري :
( وتنبأ من البربر بعد صالح بن طريف البرغواطي ، اثنان : عاصم بن جهل اليزدجومي ، وحاميم بن من الله الملقب بالمفتري [الذي]ادعى النبوة ببلد غمارة سنة عشر وثلاثمائة ، وشرع ديانة تشبه ديانة برغوطة في الضلالة والكفر ، وهي : صلاتان : صلاة عند طلوع الشمس ، و أخرى عند غروبها ، وفرض صوم يوم الاثنين والخميس ، وعشرة أيام من رمضان ، و أحل لهم أكل الأنثى من الخنازير ، وقال : إنما حرم في قرآن محمد صلى الله عليه وسلم الذكر ....)
( - مجهول – مفاخر البربر – دراسة وتحقيق – عبد القادر بوباية – دار أبي رقراق للطباعة والنشر - الطبعة الأولى – 2005- ص 174) .

حين نتأمل شاهد الوزان عن مسجد ماسة ، نستنتج ما يلي :
1- حضور أجزاء من الميثولوجيا الإسلامية في الثقافية والروحية الأمازيغية بماسة وبسوس عموما( قصة يونس ، والمهدي المنتظر ...) ؛
2-اجتياف الذاتية الأمازيغية للمهدوية وقصة يونس وامتلاكهما بعد توطينها في الفضاء الثقافي والتاريخي لأمازيغ ماسة وسوس ، أي أن التمثل مصاحب بالاجتياف والامتلاك وإعادة الصياغة .
فالتقليد الثقافي الأمازيغي ، بماسة وسوس ، لا يكتفي باستنساخ العناصر التكوينية للميثولوجيا الإسلامية ، بل يعمد إلى ربط المنقولات الأسطورية بتطلعات واستشرافات الجماعة المحلية . ومن البديهي ، أن المخيال السوسي ، يعمد إلى تغيير الجغرافيا الميثية للميثولوجيا الأصلية ، وربط الخلاص بأرضه الميثية الخاصة . فالذات الأمازيغية لا تتمثل الروحية الأرثوذوكسية من باب الإتباع بل من باب إعادة الصياغة وإعادة التركيب أي من باب التأويل الذاتاني. والتأويل هنا لا يعني القبض على الدلالة الأولى ،بل صبغها بصبغة الذات . و من المعلوم أن تأويل الميثولوجيا المؤسسية ، مرتبط في المعهود الفكري الوسيط ، بإنشاء الدول وإحلال سلطة جديدة محل سلطة منزوعة المشروعية العقدية والشرعية السياسية .
( وتحكي العامة أنه ما مرت سمكة من هذا النوع بقرب المسجد إلا ماتت بسبب البركة التي منحها الله لهذا المسجد . وكان يصعب علي أن اصدق ذلك لولا أني رأيت بعيني سمكات منها يقذف بها البحر ميتة كل يوم .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص. 114)
فالفضاء الثقافي الأمازيغي كما يقدمه الحسن الوزان ، غارق في التقديس ، إلا أن هذا التقديس ليس معياريا وممأسسا وخاضعا لإشراف الجهاز والآلة الفقهيين المحكومين باعتبارات ثقافية – اناسية مشروطة بفضائها الأصلي ( شبه الجزيرة العربية) وبزمانها التأسيسي ( أي القرن السابع الميلادي ) . لا جدال في أن الحسن الوزان ، يتعامل مع الرمزية الثقافية الأمازيغية من منظور براني إغرابي ، أي من منظور مقدس ممأسس تراتبي ومسيس . وبناء على هذا المعطى ، فهو لا يسعى إلى قراءة الرمزيات الثقافية الأمازيغية قراءة داخلية محايثة ، باحثة عن التناسق بين المتفرقات ، وعن المعنى الثاوي وراء تمظهرات وتجليات المخيال المنفلت والمتحرر .
فمن المؤكد تاريخيا ، أن المؤسسة الفقهية فرضت مؤسساتها وفكريتها ونظامها التنظيمي ورؤيتها للعالم ، بالحواضر المغاربية ( فاس ومراكش والقيروان وبجاية ....الخ )، فيما تمسكت البوادي والقرى برأسمالها الثقافي الرمزي وترسانتها القانونية العرفية . وقد قبلت السلطة الفقهية، مرغمة ، توزيع السلطة ، وتقسيم المهام التنظيمية، واقرار "علمانية " جنينية و اجرائية كما في حالة تييوت .
( وفي مدينة تييوت قضاة وفقهاء يرجع إليهم في الأمور الدينية ، أما المسائل الدنيوية فإن من كان أكثر أهلا كان أكثر حظا فيها ....)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1 ص. 117)
لقد اصطدمت المؤسسة الفقهية بسلطة القبائل وبسلطة الثقافة الأمازيغية ، خصوصا في العالم القروي المتشبع بالقيم الثقافية والأخلاقية المنبثقة من ذاتية المجموعات المحلية ومن تاريخها المجالي . لقد لا حظنا في أسطورة مسجد ماسة ، تمرس الثقافة المحلية باجتياف الثقافة الدخيلة ، واستدخالها في قلب نظامها الرمزي الخاص ، وإعادة امتلاك الدخيل بعد تصييره جزءا أصيلا من صيرورة المجموعة وتصورها للمستقبل وللخلاص النهائي.إن الذات المجتافة ، لا تكتفي باستعارة الصور الميثية ، بل تعمل على تغيير إحداثياتها المكانية والزمانية ، ومراميها الدلالية .وهكذا يتحول المجتاف إلى ممتلك للدلالة النهائية ، وللمغزى الأخير للميثولوجيا الأصلية . أما في مثال تييوت ، فقد لا حظنا ، التوافق الضمني ، بين الثقافة الفقهية الدخيلة وبين الثقافية العرفية الأمازيغية ، المتمسكة باستقلالها التشريعي ، أي بتصورها الخاص لآليات تنظيم اجتماعها وطرائق تحصيل المعاش وحفظ المصالح ، عن طريق الكفاءة العرفية أو الاستعمال الأدائي للعقل . أي أن المؤسسة القبلية أقصت الكفاءة النصية من حقل التدبير الجماعي ، و ألغت جزءا غير يسير من الشريعة الإسلامية .
والحقيقة أن مصير بعض الحواضر آنذاك لم يكن بأحسن حالا من حال البوادي .لقد وقف الحسن الوزان على تدهور أحوال مراكش ، وتقهقر العمران والمؤسسات العلمية والسياسية بها . وأكثر من المقارنات مع سابق حالها أيام كانت عاصمة الإمبراطورية الموحدية ، و حاضرة العلماء والفلاسفة والصوفية . ومما له دلالة في هذا السياق ، تركيز الحسن الوزان على تدهور المؤسسة الفقهية وتقهقر المعرفة الفقهية وانقطاع السند الفقهي .
( وكان بالمدرسة قديما حسبما سمعت عدد كثير من الطلبة ، لكنهم اليوم لا يتجاوزون خمسة طلاب مع أستاذ جهله بالفقه فاحش ، ليس له سوى معرفة سطحية غامضة بالآداب و أقل من ذلك بعلوم أخرى .
ولما ذهبت إلى مراكش كانت لي علاقات ودية مع قاض غني عارف بتاريخ إفريقيا معرفة تامة ، إلا أنه قاصر في العلوم الفقهية ، حصل على هذا المنصب بفضل التجربة التي اكتسبها مدة أربعين سنة قضاها كعدل مقرب إلى السلطان .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص. 132)


إبراهيم أزروال
أكادير – المغرب



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 4
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية - نقد تفكيكية علي حرب 3
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية نقد تفكيكية علي حرب 1
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الرابع
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الثالث
- مفارقات المثاقفة بسوس- الجزء الثاني
- مفارقات المثاقفة بسوس - الجزء الأول
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها/الجزء الثاني
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي(5)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان -2