أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )















المزيد.....


في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2333 - 2008 / 7 / 5 - 10:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


6-الاستلاب والتحرر:
" ولم يكن منهم كذلك من يتصور الرسالة المحمدية رسالة تحرير للإنسان من قيود التقليد للآباء والأجداد – ولو كان هؤلاء الآباء " سلفا صالحا" - ؛ رسالة ترشيد للسلوك الاجتماعي وحث على تحمل المسؤولية في تنظيم هذا السلوك ؛ رسالة تخلص المؤمن بها من الاستلاب حين لا يكون من مطلق سوى الله وكل ما عداه من الظواهر الثقافية بشري تاريخي ، أي نسبي خاضع للتغير والتبدل وموضوع للنقد والتحليل وقابل للتحسين والتعديل ومجال للخلق والابتكار". (- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 170) .
يقدم الشرفي تأويلا مفرطا في حداثته للرسالة المحمدية ضدا على الدلالات الصريحة للنصوص وعلى المنظور الكلي للقرآن . فهو يرى أن الرسالة المحمدية تتغيا تحرير الإنسان من نير التقاليد وترشيد قواعد السلوك الاجتماعي وتخليص الكائن من الاستلاب وتوسيع الأفق المستقبلي أمام الإنسان المسئول . ومما لا شك فيه ، أن المفاهيم المستعملة هنا تجد أرضيتها المفهومية والنظرية في الفكر الغربي الحديث لا في الفكر الإسلامي . فهي مستقاة من العقلانية الأنوارية ومن الفلسفات التاريخانية ومنتمية إلى مجال تداولي علماني ، فقدت فيه الثيولوجيا والثيوقراطية مكانتهما المركزية والمحورية بسبب مفعول التفكيك المتواصل لمفاصل الرؤية الثيولوجية المسيحية ، واكتشاف تاريخية الثيولوجيا مع اسبينوزا وفولتير وديدرو وفيورباخ ...الخ .
ومن هذا المنطلق، فإن مقاربة الشرفي للرسالة المحمدية غير مطابقة، للاعتبارات التالية:

1- غياب مفهوم الإنسان الحديث في القرآن وفي التراث العربي / الإسلامي جملة ، فالإنسان في القرآن هو الإنسان الموزع بين الله والشيطان،بين الإيمان والكفر، بين التوحيد والتعديد أو الشرك ، بين الدنيا والآخرة ، بين الجنة والجحيم . ومعلوم أن النزعة الإنسانية سعت إلى عقلنة البنية الميثولوجية والإسكاتولوجية للأديان باستبعاد الميثولوجي والإسكاتولوجي واكتشاف المركزية الإنسانية . وبناء على هذا الاعتبار ، فإن إسقاط الدلالات الحداثية على الإنسان القرآني تمحل وتعسف .فالكوجيطو الإسلامي كما يرسمه الدعاة ، لم يبلغ مرفأ الذاتية بعد.
2- غياب مفهوم المجتمع الحديث في القرآن وفي التراث العربي / الإسلامي جملة .
3- الإفراط في القراءة التنزيهية للقرآن ، والحال أن النص القرآني يؤسس للمؤسسة الدينية ، بشهادة النصوص التالية :
مؤسسة النبوة :
" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".( الأحزاب: 56)
"يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء : 59)
"إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله، ليحكم بينهم، أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه ، فأولئك هم الفائزون". ( النور :51-52)
فمؤسسة النبوة مؤسسة غير قابلة للتجاوز إسلاميا، والاعتقاد الإسلامي يقتضي التسليم بالسلطة التشريعية للنبي. وبناء على فحوى النصوص، فإننا نعتقد أن رؤية الشرفي الموغلة في التذبذب لا تصيب جوهر الحقيقة لا في سعيها إلى تأكيد فعالية النبوة في صياغة الوحي لفظيا، ولا في إنكار حضورها في عمق المعتقد الإسلامي من باب نفي الكهنوت والوساطات بين الله والناس.
" كما أنه لا مجال لتناسي ما لم يفتأ الوحي يكرره المرة تلو المرة من أن محمدا أرسل مثل سائر الرسل وأنزل معه ما أنزل معهم من الكتاب " ليقوم الناس بالقسط "، ليس سوى مذكر وشهيد وبشير ونذير ، ليس عليهم بمسيطر ولا حفيظ ، ليس عليه هداهم ، وليس له أن يكره أحدا على الإيمان : " كل نفس بما كسبت رهينة " و" لا تزر وازرة وزر أخرى" " .(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 78) .
وهذا الشاهد متماثل مع اعتبار محمد عبده قلب السلطة الدينية أحد أصول الإسلام:
" ...لم يدع الإسلام لأحد بعد الله ورسوله سلطانا على عقيدة واحد ولا سيطرة على إيمانه على أن الرسول عليه السلام كان مبلغا ومذكرا لا مهيمنا ومسيطرا قال تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر ) ، ولم يجعل لأحد من أهله أن يحل ولا أن يربط لا في الأرض ولا في السماء بل الإيمان يعتق المؤمن من كل رقيب عليه فيما بينه وبين الله سوى الله وحده ، ويرفع عنه كل رق إلا العبودية لله وحده ....." (- محمد عبده – الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية – تقديم : محمد عمارة – مكتبة النافذة – الطبعة الأولى – 2006- ص. 72) .
وتكمن مشكلة الإصلاحيين هنا ، في ارتطامهم العنيف ، بنصوص مختلفة الدلالات، وعدم قدرتهم على استكناه كلية النص المعياري، وتفاعل الدلالات والدلالات المضادة والدلالات الكمونية في عمق أعماق النص المؤسس .
مؤسسة الصحبة:
(لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ).( الفتح : 18) .
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ( التوبة : 100) .
( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) ( الأنفال : 10) .
( والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ) ( الواقعة : 10 ) .
مؤسسة أهل الذكر :
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (الأنبياء 7:)
( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )( التوبة : 122) .
مؤسسة الأمة :
( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ( البقرة: 143).
( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( آل عمران: 120 )
فالإيمان الإسلامي يمر عبر عدة قنوات، وليس مباشرا كما تعتقد القراءة السلفية والإصلاحية معا. ومعنى هذا ، أن الإسلام لا ينفرد بتقديس الإلوهية فقط ، بل يرسخ مؤسسة النبوة ومؤسسة الصحبة ومؤسسة أهل الذكر ومؤسسة الأمة ، لتشكل وسائط غير قابلة للتجاوز . فلو كان الاعتقاد الإسلامي يسقط وساطة هذه المؤسسات ، لانتفى من الإسلام بعده النبوي والسياسي ولفقد الجهاد أساسا جوهرا من أسسه .
4- إسقاط الفردية على النص ، والحال أن للفردية مساقات ومقامات مستقلة عن الفضاء المفهومي والنظري الإسلامي ؛ فالإسلام لا يتعامل مع الكائن المفرد القادر على تعقل الموجودات والمؤسسات على نحو سببي علّي عقلاني ، بل مع الإنسان المؤمن المنشغل بمصيره في العاجل والآجل ، أي بسعادة الدارين وفق ما هو مرسوم في الشريعة ومحدد من قبل القرآن .وعليه ، فإن إسقاط الفردية والإنسية والتحررية على الإنسان القرآني، هو عمل فكراني دال على مأزق المسلك الإصلاحي رغم بريق اللغة المفهومية ، نظير ما نجد في نص لهشام جعيط : ( توجد في القرآن مركزية إنسانية ، لكنها خاضعة للمقاصد والمخططات الإلهية . وهذا بحد ذاته يمثل شكلا من أشكال النزعة الإنسانية . ففي القرآن درجة إنسانية أرفع؛ إنها مكانة الإنسان في مغامرة الوجود، في غائية الخالق، وفي التاريخ. ) ( - هشام جعيط – أزمة الثقافة الاسلامية – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2000- ص . 50)
5- تكريس النص الصريح، لتبعية الإنسان للمقررات الشرعية، وإسقاط فعالية العقل البشري.
( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة: 3 ).
فلا بحث بعد اكتمال، ولا تشخصن في حضرة القضاء والقدر وتحديد المصائر قبليا.
7- تفريد الانسان المؤمن : أسطورة أم حقيقة ؟
( إن الحداثة غريبة المنشأ، كونية التأثير. ومن أبرز القيم التي أفرزتها ، وكانت الرسالة المحمدية تحملها بامتياز ، اعتبار الإنسان شخصا حرا ومسؤولا ، لا مجرد فرد من أفراد المجموعة . فالوجود الجدير بهذا الاسم هو غير الحياة على وجه الأرض كما يحيا الحيوان ، مهما بلغ من درجات التنظيم الغريزي .والوجود الحقيقي لا يكون بالتوكيل ، بل يتحمل فيه كل شخص تبعات اختياره وهو واع بما يختاره . وأن تكون حرا في تفكيرك معناه أن لك بالحقيقة علاقة حميمة لا يفرضها عليك احد ، وإنما تصل إلى الشعور ببداهتها وبضرورة الطاعة لمقتضياتها بواسطة حافز باطني ، بعيدا عن أي ضغط خارجي).
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 199) .
تقتضي القراءة الإصلاحية لإشكاليات الفكر الإسلامي المعاصر، رفض تأويلات النص الثقافي المتشكل في إطار حضاري محدد السمات ، واقتراح قراءة حديثة للقرآن يتم فيها استثمار الكثير من المفاهيم المصاغة في سياق الفكر الحديث المدموغ بالعقلانية والعلمانية أي برؤية للعالم تغيب فيه المتعاليات غيابا جزئيا أو كليا . وبناء على هذه التوجه المنهجي والنظري ، يعمد الإصلاحيون إلى تأول النص استنادا إلى مفاهيم وأفكار وأطر نظرية راجعة إما إلى ديكارت أو كانط أو هيجيل أو ماركس أو ايريك فروم ( النيهوم في كتاب "نقاش " ) أو سواهم من المفكرين العقلانيين الغربيين .
ومن هذا المنطلق ، فقراءة الشرفي للنص القرآني من جهة نظر حداثية ، ليست مطابقة لفحوى الخطاب القرآني . ففلسفة الشخص البشري في القرآن، تنتمي إلى رؤية للعالم مخالفة لرؤية العالم الحداثة جملة وتفصيلا. والسعي إلى المصالحة ، بين عالمين دلاليين وفضاءين أنطولوجيين مختلفين ، عمقيا ، لا تفضي في ظننا سوى إلى التلبيسات والى الإفاضة في تطريز حلول نظرية عاجزة ، عمليا عن حل أي مشكلة أو إنارة أية معضلة .وقد قدم المسلك الفكري التراجيدي لمحمد عبده وطه حسين وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد وأمين الخولي ومحمود شلتوت ومحمد النويهي ...نماذج عن استعصاء التقريب التداولي بين مجالين تداوليين مختلفين من حيث الرؤية والإبستيمي .
ففلسفة الشخص المتعالية، لا ترى الإنسان إلا في مدار المتعاليات، وفي فضاء الكائن المكلف بالعبادة والتشوق إلى عالم الغيب. فالحقائق صيغت وأحكمت ، بمعزل عن إرادته وعن فعاليته ، والمصائر حددت وكتبت ، و لا يبقى للإنسان إلا أن يؤكد مصيره الميتافيزيقي بالانخراط التسليمي في الزمان النبوي وفي الأفق الرسالي ،وإفناء ذاتيته وناسوتيته بالطقوس والتعبد أو بالجهاد القتالي بحثا عن موقع في ذروة السلطة أو عن مكرمة الشهادة . أما العقل فوسيلي، يؤكد المسلمات ويندهش برؤية المرئيات والمصنوعات ، ويغرق في الاجتهاد في الفروع والفقيهات ، وفي الرد على الشبهات وأدلة نفاة شرعية الرسالة المحمدية وبراهين المعطلين والجاحدين والمتخاذلين في أحسن الأحوال .
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). ( الأحزاب : 36)
( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) ( الأحزاب : 72) .
ورغم التحامل الصريح للمرويات السنية على الاجتهادات العقلية للقدرية والجهمية والمعتزلة ، فإنها تقف على صعوبة التدبر العقلي لنص يتجاوز المعايير المعتمدة في المنطق الصوري .
( وحدثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي ، قال : نا قريش بن أنس قال : سمعت عمرو بن عبيد يقول : " يؤتى بي يوم القيامة ، فأقام بين الله عز وجل ، فيقول لي : لم قلت : إن القاتل في النار ؟فأقول : أنت قلت يا رب – ثم تلا هذه الآية : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) [النساء : 93]".
فقلت ، له – وما في البيت أصغر مني – أرأيت إن قال لك : فإني قد قلت : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [النساء : 48]. من أين علمت أنى لا أشاء أن أغفر له ؟
قال : فما استطاع أن يرد علي شيئا) .
( - ابن قتيبة – تأويل مختلف الحديث – خرج أحاديثه وعلق عليه : أبو المظفر سعيد بن محمد السناري – دار الحديث – القاهرة – 2006- ص. 174)
فالنص القرآني ، يؤكد رغم تدافع الأدلة والأدلة المضادة على سطحه ، على رؤية جبرية ، لا مجال فيها للمبادرة الفردية للشخص البشري المتحرر من ضغوط الجماعة وإكراهاتها كما يعتقد الشرفي . فالإنسان، محكوم بحتمية دينية، وبقرارات مصاغة في اللوح المحفوظ، وإرادته محددة بإرادة عليا، وعقله إجرائي أداتي في أحسن الأحوال، وقدرته على تعديل أو تغيير مجرى التاريخ والمجتمع أو الثقافة محددة بسيناريو علوي وبمخططات غيبية محكمة.ولا مجال لمقارنة هذا المنظور ، بالمنظور الحداثي المبني على قاعدة ناسوتية دهرانية محايثة ، لا تحفل إلا بالنظر الايجابي القابل للتمحيص والخاضع للمقتضيات المنهجية للمعرفة العلمية . فالإنسان من هذا المنظور ، كائن متجذر في الطبيعة كما في نظرية التطور الداروينية ، وفي التاريخ كما في الفلسفات التاريخية والتاريخانية وفي الأنوار القاضية باستعمال العقل والخروج من القصور العقلي .
(ما هي الأنوار؟ إنها خروج الإنسان من قصوره الذي هو نفسه مسؤول عنه . قصور يعني عجزه عن استعمال عقله دون إشراف الغير ، قصور هو نفسه مسؤول عنه لأن سببه يكمن ليس في عيب العقل ، بل في الافتقار إلى القرار والشجاعة في استعماله دون إشراف الغير . تجرأ على استعمال عقلك أنت : ذاك هو شعار الأنوار).
(- كانط – جواب عن السؤال : ما هي الأنوار ؟ - ترجمة: حسين حرب – الفكر العربي – العدد 48- 1987- ص. 129) .
ومن المعلوم أن الأنوار المهيمنة في الفضاء الثقافي الإسلامي هي الأنوار العرفانية ، القائمة على الإلغاء المنهجي للعقل بوصفه أداة قاصرة ، غير مجدية في استكشاف جغرافيا عالم الملكوت .
يقول ناصيف نصار في تحليله ل"مشكاة الأنوار " للغزالي و" ما هي الأنوار؟ " لكانط :
( فالغزالي لا يعرف فيما يسميه عالم الحس والشهادة أو لا يعترف بالدور الخاص الذي يلعبه التاريخ . ولذلك نرى مقاربته للأنوار الدينية كأنها في معزل عن حركة التاريخ أو كأنها تعزل حركة التاريخ . أما كانط ، فإنه يطرح مقاربة للأنوار الدينية منفتحة على التاريخ ، لأن فلسفته في الأنوار مرتكزة على فكرة التقدم ، وبخاصة التقدم في الفكر).
( - ناصيف نصار – إشراق عرفاني أم تنوير عقلاني ؟ في سبيل تحليل نقدي لفلسفة الأنوار – الفكر العربي المعاصر – العدد : 3 ديسمبر1985- يناير 1986- ص. 36) .
-الإنسان بين الشرط الحيواني والتوق الغيبي:
( لقد كان الإسلام طيلة قرون عديدة، مثله في ذلك مثل كل الديانات، مصدر المشروعية و أهم مرجع لتبرير النظام الاجتماعي القائم ومؤسساته، من الأسرة إلى جهاز الحكم؛ أما في العصر الحديث فقد أصبح محددا للهوية أكثر مما هو مشروع ومبرر. وفي كلتنا الحالتين انحراف عن أهداف الرسالة التي تأسس عليها ، بينما يقتضي الوفاء لها تأويلا للإسلام بما هو موفر لا نظير له لمعنى الوجود والمبدإ والمصير، وبما هو غذاء روحي يسمو به الإنسان على منزلته الحيوانية ، وبما هو معتقد مبني على الإيمان الحر وأخلاقية ديناميكية لا شأن لها بالمنظومة الأخلاقية الجامدة. )
(- عبد المجيد الشرفي – بعد أحداث 11 سبتمبر : من الانفعال إلى الفعل – مقدمات – العدد 26- شتاء 2003- ص.15-16) .
يشكو هذا النص لا من قلق في العبارة بل في الإستراتيجية. فهو يؤكد الاستعمال التاريخي التراثي للنص القرآني؛ كما يلغي شرعية التأويل العصري الذاهب إلى إلباس إشكاليات الهوية والذاتية الثقافية المصطدمة بالمجرى الجارف للحداثة والعولمة والعلمانية أثواب المعتقد الإسلامي ، كما صاغته الأرثوذوكسيات المهيمنة . وتكمن أعطاب هذا الشاهد في اعتبارنا فيما يلي:

1- وصف التأويل الثقافي التراثي بالانحراف عن فحوى الرسالة المحمدية ، غير مسلم بالنظر إلى أن الرؤى التأويلية التراثية صدرت على نظر تاريخي عملي متفاعل مع النص المؤسس .أي أن المؤول التراثي، قرأ النص وفق ما يسمح به إطاره المرجعي وسياقه السياسي والتاريخي وفي توافق مع التوجهات الأساسية للنص. لقد مارس فعاليته الاستقرائية والاستنباطية ، وديناميته التوسيعية أوالتضييقية للدلالة القرآنية ، مع النص لا ضده كما يعتقد الشرفي .
لقد تميز النظر التراثي بتعددية كبيرة في مقاربة كل القضايا اللاهوتية والقانونية الإسلامية، وتحفل كتب الملل والنحل، بآراء مختلف الفرق والمذاهب والطوائف. بالإضافة إلى ذلك فان الفصل بين النص المؤسس للاعتقاد والنصوص المؤسسة للنظر الديني، ليست واردة في الاعتبارات الموضوعية، بالنظر إلى تشابك العلائق القائمة بين النص والتراث. فعكس ما يردده الاصطلاحيون ، القائلون بالفصل بين النص والتراث ، فإن المدونة الرسمية تشكيلة تراثية بامتياز .ومعنى هذا أنها تشكلت في سياقات سياسية وثقافة خاصة ، لا بد من الكشف عنها.

2- يسلم الشرفي بانطواء النص على المعنى المطلق للوجود والمبدإ والمصير ؛ والواقع أن هذه المسلمة اللاهوتية ، تمت بألف صلة وصلة إلى عالم القدامة لا إلى عالم الحداثة القائم على تفكيك المقدس وفك ارتباط الفكر بالمتعاليات وبالخطاب الجوهراني الماهوي .فالحداثة قائمة أساسا، على إخضاع المسلمات الدينية لموجبات العقل ، ولمقتضيات التاريخ الايجابي . كما دللت على أن الكثير من المثاليات الدينية ، ليست في الحقيقة ، إلا تعبيرات أسطورية عن الجرح الأنطولوجي blessure ontologique وعن الاختلاجات الميتافيزيقية للإنسان الباحث عن البلاسيبوهات الأنطولوجية placebos ontologiques .

3- ربط الترقية الايطيقية والروحية للإنسان ، بتجاوز المنزلة الحيوانية ، لا يحقق المطلوب، هنا والآن ، بالنظر إلى ما يلي :
- التوغل في الإيمانيات أضعف انفتاح المسلم على شرطه الطبيعي والحيواني، وغيب انشغاله بالبحث العلمي في نشأة الإنسان. ويقدم الأطلس المنجز بإشراف هارون يحيي، دليلا على رفض المسلمين، لنظرية علمية، هي نظرية التطور. فالتروحن والتخلق ، لا يتمان ، بنفي الشرط الطبيعي ، بل بادراك القوانين الطبيعية إدراكا علميا قويا ،وبإعادة النظر في المسلمات الأصلية بخصوص نشأة الإنسان وموقعه في عالم الكائنات ؛ إن تمييز الإنسان عن الحيوان ، وتخصيصه بمكانة أخلاقية ومعرفية فريدة ، قادته في الغالب ، إلى نرجسية مرضية والى عجز مزمن عن مراجعة خطاطته النظرية ، خصوصا متى ظهرت نظريات علمية تهز المستقر الرمزي السائد وتراجع الأفضلية البشرية ونتائجها العملية البعيدة . إننا في زمان عقد ايكولوجي جديد، وهذا يقتضي تجذير الإنسان في مادية العالم . فلا بد من اعتبار الشرط الطبيعي للإنسان ، لتتحقق إنسانية الإنسان بطرقة أفضل .
أقرت العقيدة التداولية المكانة الاستثنائية للإنسان على غرار ما أقرته التوراة، إلا أنها حددت تخوم فعالية العقل الإنسان والأخلاقية الإنسانية. فرغم استثنائية الإنسان، فهو منذور لمفارقة وضعه الإنساني بوصفه وضعا مؤقتا عابرا، واقتفاء خطوات الآخرين لنيل النجاة في الدار الآخرة. لقد رسخت الأديان بلا استثناء إطارا أخلاقيا مغلقا ينحصر بمقتضاه دور الإنسان، في إطار سكوني غير متجدد، ومحصور في الإعادة الطقوسية وفي انتظار العزاء الرحماني. أليس النقد الصوفي للأصول بحثا عن منفذ من صرامة المسالك المطروقة ؟ أليست الشطحات الصوفية خير معبر عن سعي النفس التواقة إلى تروحن بلا ضفاف، إلى الانعتاق من روحية مآلها الاستعادة لا الإبداع الروحي والأخلاقي المتناغم مع كل الكائنات ومع الأغيار بدون استثناء ؟


ابراهيم ازروال
أكادير – المغرب



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي
- المحرقة المغربية - تأملات في تراجيديا العصر الطحلبي
- أندريه كونت- سبونفيل-فضيلة التسامح
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الفكر الاصلاحي - (نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج حسن حنفي )
- في نقد الخطاب الإصلاحي-( الجابري والعشماوي )
- الفكر المغربي وثقافة حقوق الإنسان
- قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير الت ...
- شيزوفرينيا ثقافية
- الإشكالية الدينية في خطاب الحداثيين المغاربة-( نموذج الجابري ...
- واقع الثقافة بسوس-قراءة في وقائع نصف قرن
- من سوس العالمة إلى سوس العلمية
- تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير
- الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
- تأملات في المعضلة العراقية
- نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )