أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ابراهيم ازروال - تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير















المزيد.....



تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 10:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


طالبت فعاليات أمازيغية مؤخرا بالحكم الذاتي لسوس ، وبإقرار فيدرالية سوس الكبير . وقد استندت هذه المطالبة على عدة اعتبارات تاريخية وسياسية وإنمائية . فقد ارتكزت المطالبة على لا مركزية النسق السياسي المغربي التقليدي ، وعلى تكفل القبائل بتسيير أمورها ، بعيدا عن وصاية السلطة المركزية وعن هيمنة المخزن المركزي . كما استندت على واقع الاختلالات الإنمائية بسوس منذ إقرار نظام الحماية إلى الآن ؛ فقد تعرض سوس الكبير منذ الحماية الفرنسية وبالأخص منذ 1934 ، إلى استغلال فادح لموارده الطبيعية والبشرية ، لفائدة السلطات الاستعمارية والمعمرين أثناء سريان الاستعمار الفرنسي على المغرب ، ولفائدة المخزن المركزي والبورجوازية الذيلية السائرة في فلكه منذ الاستقلال إلى الآن. ويشهد واقع الاختلالات الإنمائية ، والافتقار إلى البنيات التحتية الضرورية للتنمية البشرية ، وتعرض المنطقة إلى استنزاف كاسح وكارثي لطاقاتها وإمكاناتها ومواردها الطبيعية والى تغيير في تركيبتها اللغوية والثقافية والى الإساءة إلى مخزونها الرمزي والثقافي والفني على عمق الضرر الذي لحق الساكنة السوسية والوضعية السوسيو- سياسة لسوس باعتبارها منطقة استراتيجية وتاريخية وفضاء عابق بالإمكانيات وبالطاقات . كما تستند تلك المطالبة على إقدام السلطات المخزنية على تجاهل الموارد البشرية المحلية واعتماد مقاربات إنمائية وسياسات تدبيرية متمركزة على الثقافة العربية الإسلامية وعلى التفوق الرمزي والسياسي تاليا للمحتازين على هذه الثقافة ضدا على الثقافة الامازيغية المحلية. ومن المعلوم أن الثقافة الامازيغية السوسية اعتمدت على اوفاق وتقاليد وتنظيمات ومعايير مختلفة عن نواظم وأوفاق الثقافة المخزنية الرسمية ذات المرجعية العربية الإسلامية الكلاسيكية الأكثر أرثوذكسية وانغلاقا وتعاليا .
والحقيقة أن المطالبة بالحكم الذاتي لسوس الكبير تأتي في سياق سياسي وتاريخي موسوم بالخصائص والوقائع التالية :
1- اقتراح الدولة المغربية لصيغة الحكم الذاتي الموسع أداة لحل مشكل الصحراء ؛
2- قصورسياسة الجهوية واللامركزية واللاتمركز المعتمدة إلى الآن وعجزها عن حل الإشكاليات الإنمائية بسوس الكبير والاستجابة لمنتظرات السوسيين السوسيو- ثقافية والسوسيو-اقتصادية ؛
3- قصور سياسة القرب و صيغ التنمية البشرية المعتمدة حاليا ،وانكشاف طابعها التكتيكي والإجرائي ؛
4- انكشاف خطورة السياسات الاقتصادية والتعميرية والاستثمارية المعتمدة بالمنطقة ،ايكولوجيا وثقافيا واقتصاديا ، واستمرار استنزاف ثروة المنطقة ( المائية والمعدنية خصوصا ) على نحو منهجي دون استفادة الساكنة المحلية من مردودها ومن من فائض القيمة ؛
5- التجاهل المؤسسي للخصائص اللغوية والثقافية والتاريخية والجغرافية للمنطقة والسعي إلى طمس موروثها الثقافي واللغوي والمعماري والتاريخي ؛
6- إقصاء الطاقات والموارد البشرية السوسية من مواقع القرار السياسي والاقتصادي والثقافي ، على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية ؛
7- انتقال الحركة الامازيغية من المطالبة بالحقوق اللغوية والثقافية إلى المطالبة بالحقوق السياسية والاقتصادية ، أي الانتقال إلى جيل جديد من الحقوق ؛
8- التشكيك في نجاعة المؤسسات السياسية المركزية ( الحكومة و البرلمان ومجلس المستشارين ......) والمؤسسات السياسية المحلية ( الجماعات المحلية .....) وقدرتها على حل الإشكاليات الإنمائية المستعصية وايقاف نزيف الثروات الطبيعية بالمنطقة ( الاستعمال اللاعقلاني للمياه و التدمير المنهجي للمحيط الطبيعي ولشجرة اركان ونزع الأراضي ) ونزيف الموارد البشرية ( البطالة الصريحة و المقنعة وعدم تأهيل الموارد البشرية وعدم إشراك الساكنة المحلية في المشاريع المنجزة والهجرة القانونية و السرية ......) ..
9- الاعتماد المتزايد عالميا على التدبير المحلي للتنمية البشرية المحلية والحكامة المحلية بعد تناقص الفعالية الادارية والحكامية للدولة / الأمة ولدولة الرفاه ؛

والحقيقة أن الكثير من الحجج المقدمة للبرهنة على ملاءمة الحكم الذاتي لمنطقة سوس الكبير ، وراهنية اعتماده ، الآن وهنا ، يستدعي النقاش الاستشكالي والنظر المتروي والبحث في حيثيات وأصول بعض الإشكاليات المثارة . فنحن لسنا ضد الحكم الذاتي لسوس أو لسواه من الجهات والمناطق المغربية الأخرى ، لكننا نطالب بإنعام النظر في القرائن والحجج والبراهين المقدمة ، وباعتماد رؤية حصيفة لوضعيات إشكالية لا تحتمل مزيدا من الحلول اللفظية أو الحلول المؤسسية الصورية كما هو متداول في اجتماعنا المغربي منذ قرون .
1- لا بد من التأكيد ، على استقلالية سوس النسبية وانفلاته من هيمنة السلطة المركزية والمخزن المغربي ، المرابطي والموحدي والمريني والوطاسي والسعدي والعلوي ، وعلى تمكن السوسيين من إبداع آليات تقليدية للتضامن والتدبير السياسي والاجتماعي والثقافي البيجماعي والبيقبلي لواقع القبائل السوسية ، ومن اجتراح اواليات تنظيمية محددة للتحالف مع القبائل الأخرى أو مع السلطة المركزية عند الاقتضاء . والحقيقة أن استقلالية سوس آنذاك ، كانت ناتجة عن ضعف السلطة المركزية وافتقاد السلطة المخزنية للإبداعية والشرعية وانضباطية النسق السياسي ، ولافتقاد تلك السلطة كذلك إلى الفكر السياسي الناضج و القدرات والآليات السياسية التوحيدية بعيدا عن متصورات السياسة الشرعية وعن تحكمات الفقهاء والموظفين المخزنيين المتحكمين في آليات صياغة القرار السياسي . لا يمكن كذلك أن نتجاهل دور القوى القبلية والطرقية في تعزيز ذلك الاستقلال النسبي ؛ فالبنيات القبلية كما هو معروف في الانثروبولوجيا الثقافية والانتثروبولوجيا السياسية ميالة ، بحكم تكوينها ، إلى التنازع والى تذريرالبنية السياسية وتجزيئها .
وعليه ، فإن التنويه باستقلالية سوس النسبي عن المخزن المركزي ، لا يستقم إن لم توضع تلك الاستقلالية في سياقاتها السياسية والتاريخية والانثربولوجية .
والانكى أن السوسيين لم يتمكنوا قط من بلورة هوية سياسية خاصة بهم ، بدلالة افتقادهم إلى فلسفة سياسية أو فكر سياسي مستقل عن الأطر الفكرية للسياسة الشرعية والآداب السلطانية منذ تحركات وجاج بن زلو اللمطي وتلميذه عبد الله بن ياسين على أقل تقدير ؛ فالافتقار إلى الممارسة التنظيرية يدل على غياب فكرية ونظر يرفدان تلك الاستقلالية بالأساس الفكري المتين وبالثوابت النظرية الصلبة .
فقد كانت تلك الاستقلالية ، حصيلة دولة تخترمها التناقضات الذاتية ، وحصيلة قبائل يقع وعيها في ما دون الوعي الدولتي .
2- لقد شكل سوس إحدى المحطات الأساسية للمنظومة الفكرية العربية الإسلامية في شمال إفريقيا وفي الغرب الإسلامي عموما ، وانبرى الفقهاء والأصوليون والصوفية السوسيون إلى الاندماج في تلك المنظومة والمساهمة في تعميم اشكالياتها النظرية والعملية وقراءة واقعهم الأمازيغي قراءة تغريبية واغرابية في ذات الآن . والغريب أنهم لم يتمتعوا بأي حس هوياتي ، ولم ينصرفوا قط إلى تأهيل المأصولات التراثية الأمازيغية واستدماجها في المنظومة العربية الإسلامية على أقل تقدير كما فعل العلماء الفارسيون مثلا ، بل تعاملوا مع المفردات الثقافية الامازيغية ، من باب التراث الدوني في ، أو من باب الممارسة التراثية الواجب اسلمتها وامتصاصها وإلحاقها بالمنظومة الفكرية والعقدية العربية الإسلامية ، بوصفها المنظومة المعيارية والمرجعية القاعدية لأي نظر واعتبار وتأصيل واجتياف أو من باب البدع الواجب محاربتها باسم حماية الشرع والقيام بالحسبة في أسوأ الأحوال . لقد افتقر السوسيون إلى فن صيانة الذاتية الثقافية وعلم بناء الهوية الثقافية منذ بناء أول دولة مركزية في المغرب الإسلامي أيام المرابطين .
فالحقيقة أن استقلالية سوس كانت سياسية اقتصادية اجتماعية في أحسن الأحوال ، أما على المستوى الرمزي والثقافي والفكري ، فقدت كانت الاستقلالية الثقافية وتأصيل الثقافة الامازيغية ، بمثابة الممتنع فكريا لدى نخب اكتسبت وجاهتها من ارتباطها النظام الثقافي العربي- الإسلامي وبمتصوراته المالكية فقها ، وتدليلاته الأشعرية كلاما ، وتوفيقاته الصوفية الجنيدية عرفانا . فكيف يتحقق استقلال في ظل تبعية مفرطة لنسق عقدي وثقافي وفكري ولغوي دخيل ، لم يبق من الثقافة الامازيغية الا نتفا عجفاء ؟ كيف يمكن أن تحقق استقلالية سوس الكبير ، وهو يتقاسم المفردات المفصلية للسياسة الشرعية مع المخزن المركزي بل ويزايد على القائمين على التراث العربي الإسلامي بالمغارب باسم التحقيق الأمثل للمقاصد الشرعية ( نموذج المهدي بن تومرت مثلا ) ؟

3- يميل الكثيرون الآن إلى التباهي بالقبائل ، وبقدرتها على الصمود في وجه السلطة المركزية وفي القوات الاستعمارية إلى حدود 1934. ونعتقد أن تقريظ القبائل يستلزم التنبيه والإشارة إلى الاعتبارات التالية :
 غياب دراسات انثربولوجية وتاريخية دقيقة عن النظام القبلي بسوس الكبير وعن بنى ووظائف النظام القبلي السوسي ؛
 ارتهان القبائل السوسية إلى مسوغات لا عقلانية في التدبير وفي التحالف وفي توزيع الرأسمال الرمزي والخيرات المادية بين أبناء القبيلة أوبين مكونات اللف أو أمقون ؛
 افتقاد القبائل الامازيغية السوسية لفكرية مستقلة تؤطر الدفاع عن الأرض وتدبير الثروات المادية وتدبير العلائق البي-جماعية وارتهانها إلى الفكرية العربية – الإسلامية والى رأسمالها الرمزي والعقدي بدلالة سلطة المقدس الإسلامي في أوساطها ؛
 ارتهان القبائل السوسية إلى نظام فكري ورمزي قروسطي ، ورؤية لا عقلانية للعالم في الغالب ، واستنادها إلى آليات ومفاهيم ومتصورات وسيطية في تدبر العالم والطبيعة و تصور الآخر ؛
 التمسك بوضعية قروسطية في عالم غير جذريا مفاهيم الملكية والوجود في العالم والطبيعية والعلاقات بين الشعوب والثقافات واللغات والحضارات أي الذهول عن انقلابات عالم مابعد النهضة الأوروبية ؛

فمما لا شك فيه أن القبائل الامازيغية استماتت في الدفاع عن استقلالها ضد المخزن المركزي ، إلا أن استماتتها تلك لا تعود إلى مسوغات أو دوافع أو اعتبارات حديثة ، بل إلى اعتبارات لا عقلانية غريزية أو غيبية في العمق . فالمحاربون القبليون حاربوا الاستعمار الفرنسي ، انطلاقا من مخزونهم النفسي ومحفزاتهم الذهنية ومدركاتهم الثقافية الراجعة إلى نظام ثقافي تقليدي ، سبق للحداثة الفكرية والسياسية أن فككت أجزاء رئيسية منه منذ القرن السابع عشر على الأقل في الغرب . وعليه فالقبائل الامازيغية ، حاربت الاستعمار الفرنسي بوعي ماقبل حديث وبفكرية متقادمة وبدافع من رمزية قدسانية أبانت الكشوفات الحداثية عن اهتزاز أركانها ومؤسساتها التحتية . ألم تستند المقاومة السوسية الى الترهين الطرقي لمفاهيم ومتخيل حركة صلحاء القرن السادس عشر ؟
لقد قرأت القبائل الامازيغية العالم والطبيعة وعلائق الإنسان بها قراءة رمزية لا عقلانية كسواها من الثقافات التقليدية ، ونظرت إلى الموارد الطبيعية كاشارت وعلامات على وضع مفارق ومتعالي ؛ وهي نظرة معاكسة جوهريا للمنظور الحداثي القائم على استكشاف الطبيعية واستثمارها لصالح الإنسان . لقد وضعت الحداثة المفاهيم القبلية التقليدية موضع تأزيم فكريا وموضوع تغيير عمليا . ومشكلة الاستعمار الفرنسي ، أنه استحدث مؤسسات حديثة إلى جانب مؤسسات تقليدية وخلق وضعية مؤسسية هجينة ، أدت إلى وضعية سكيزوفرينية ثقافيا ومؤسسية . وقد ورثت دولة الاستقلال هذا التشابك وذهبت أشواطا في تعميقه وتعزيزه . وعليه، فهي تلوح بمؤسسات شبه حداثية إذا استدعت الوضعية الظهور بمظهر المساير للعصر والرياح الدولية تارة ( الملكية الدستورية ، البرلمان ، دولة الحق والقانون ....الخ ) ، وتلوح بالقدامة والقدسانية تفاعلا مع وجدان ووعي منغمسين في الفكرية القدسانية تارة أخرى . إن تجاور بنيات القدامة والحداثة في سياق سياسي قلق ، واستمرار الاعتماد على مفاهيم مختلفة فكرا وفكرية وروحا ، لا يعني إلا التمزق المأساوي والعجز عن الاستجابة الفاعلة لمتطلبات الزمان المعرفية والسياسية والتاريخية .

4- يميل الكثيرون إلى تحميل الاستعمار الفرنسي مسؤولية افقارسوس الكبير وتحطيم منظومة القوانين العرفية المعمول بها فيه منذ قرون ، وافقاد المنطقة استقلالها التاريخي عن الحكم المركزي وتشريع قوانين جائرة لفائدة السلطات الاستعمارية والمعمرين. والواقع أن إعلاء شأن التنظيم القبلي ضدا على التنظيمات الحديثة ، آلية من الآليات المتداولة في الأدبيات العالمثالثية الميالة إلى تقريظ الثقافات التقليدية وأمثلتها واستفظاع الفعالية التحويلية والتحديثة للاستعمار الغربي .
مما لا شك فيه أن الرؤية الأسطورية للتاريخ تميل إلى تبسيط الإشكاليات التاريخية والتعالي عن المقتضيات المنهجية والمفهومية للرؤية التاريخية للتاريخ . فالحقيقة أن اللاهجين بميزات النظام الفيدرالي التقليدي بمغرب وسوس ماقبل الاستعمار ، يسكتون على فوات المؤسسات الاجتماعية والتنظيمية التقليدية بالمجتمع المغربي والسوسي وعجزها النظري والعملي على استيفاء شروط العمل السياسي الفاعل والناجع ، وعلى تدبر عالم ما بعد الثورة الصناعية والحداثة الفكرية والسياسية والمكتشفات العلمية . فقد تعاملت القبائل مع القوات الاستعمارية كما تعاملت سابقا مع القوات النصرانية البرتغالية ، علما أن الاستعمار الفرنسي يندرج فكريا وايديولوجيا وسياسيا في سياقات الإبدال الحداثي وفي فضاء فكري ورمزي مختلف جوهريا عن الفضاء التصوري المسيحي التقليدي . لقد حاربت القبائل السوسية وواجهت الحداثة الاوروبية ، بايديولوجيا فقهية وطرقية ، أعدت لمواجهات القوات النصرانية والصليبية ، لا لمواجهة قوات علمانية . كان المثير حداثيا ، وكانت الاستجابة قروسطية ، فنشأت الدراما السوسية المستمرة إلى الآن تحت عناوين مختلفة!!
لقد فكك الاستعمار الفرنسي جزءا من التنظيمات التقليدية ونقل الحياة القروية في بادية وحواضر سوس إلى مواقع جديدة . لقد فكك الفرنسيون جزءا من الآليات التنظيمية التقليدية بسوس ، لكنهم احتفظوا باليات تنظيمية وتدبيرية مسايرة للحساسية الجماعية للسوسيين وللقوى التقليدية المغربية عموما . لا جدال في اعتقادنا ، في فوات تلك الآليات وفي قصورها الفكري والعملي عن مضاهاة الآليات التنظيمية الحديثة . وعليه ، فلا جدوى من تقريظ الآليات التنظيمية القبلية بسوس ما قبل الاستعمار وتحميل الاستعمار الفرنسي مسؤولية تخلف الأرياف السوسية وتدهور المؤسسات التدبيرية والتنظيمية التقليدية. والحقيقة أن الشواهد والقرائن التاريخية تبرهن على الوضع الإنمائي المزري لسوس طيلة القرن التاسع عشر أي في فترة ما قبل توقيع عقد الحماية . فالتخلف وانعدام التنمية ليست من نتائج الاستعمار كما يعتقد المنظرون الخصوصانيون أو الشعبويون العالمثالثيون ، بل هي وضعية داخلية المنشأ أفرزتها آليات التدبير والتنظيم والتفكير في المجتمعات التقليدية المحتكمة إلى منظومات تحكيمية غير عقلانية أولا ، وغير ديمقراطية ثانيا ، وغير تاريخانية ثالثا .
لقد تساقط جزء من التنظيمات التقليدية بسوس ، لأنها آليات تقليدية تفككت قاعدتها الفكرية والمادية ، وأطرها المفهومية والإجرائية كما وقع في سائر الثقافات التقليدية منذ القرن الثامن عشر على الأقل . فلا يمكن فهم وادراك تكوين وماهية المؤسسات التنظيمية التقليدية بسوس ( تيويزي وتنفلوست وتيرام او وامان وايكودار وامقون.....) إن لم توضع في سياقاتها الكلية وان لم تستحضر كافة العوامل والملابسات التاريخية في التحليل وان لم تقرأ في سياق سيرورة تاريخية ممتدة في الزمان وشاملة لتحولات التاريخ في شمال إفريقيا والسودان الغربي والشرق الأوسط وغرب أوروبا .
ولذلك فلا بد في اعتبارنا من استحضار هذه الاعتبارات من اجل فهم تحولات مغرب ما بعد الاستعمار :
 تفكك جزء من النظام الفكري والثقافي والرمزي التقليدي وظهور نظام فكري بديل ناسوتي وانسي يروم العقلنة والانسنة والدقرطة ،
 وقوع الثورة الصناعية وتغير قاعدة الإنتاج والتوزيع والتسويق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ،
 ظهور مؤسسات تنظيمية حديثة قائمة على قاعدة الانتساب الاختياري لا على قاعدة الانتساب الطبيعي أو العصبي أو الطرقي ( الأحزاب و النقابات والتعاونيات و الجمعيات والأندية ) أي مؤسسات المجتمع المدني المناقضة فكريا لمؤسسات المجتمع الأهلي ( الزاوية والقبيلة والطائفة ) ؛
 التطور التقني المذهل واتساع قدرة القوى الحديثة على الامتداد والتوسع ؛
 ظهور الدول الأمة بمثابتها الأداة التوجيهية للمجتمع والموحدة لقوى التاريخي .

وحتى تتضح الملابسات المنوه إليها أعلاه ، نستعرض المواصفات التقليدية للنظام القديم .
لقد" ازدهر" النظام القبلي بسوس في سياق محكوم بالاعتبارات التالية :
 ضعف الدولة المركزية لأسباب ذاتية مرتبطة ببنية السلطة ذاتها وبأسباب موضوعية مرتبطة بمعطيات عسكرية أو اقتصادية أو إيديولوجية أو جيو-استراتيجية ،
 غياب مشروع الدولة الأمة التوحيدي وغياب مؤسساته السوسيولوجية والايديولوجية والتقانية ،
 هيمنة بنية اقتصادية تقليدية إنتاجا وتوزيعا وتسويقا ،
 هيمنة منظومة فكرية ورمزية جامعة بين الموروثات الامازيغية التقليدية والفكرية الفقهية والصوفية المبيئة .

لقد شكلت البنية القبلية بسوس إحدى المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية للنظام التقليدي المستند إلى اطر ومرجعيات وسياقات عملت الحداثة على تفتيتها وتفكيكها وتعويضها بمؤسسات جديدة أكثر نجاعة وفاعلية ومردودية . أضف إلى ذلك أن تآكل النظام القبلي – الطرقي ، بدأ قبل الاستعمار ، بفعل عجز هذا النظام عن تحقيق المستلزمات القاعدية للاجتماع الإنساني وافتقاده إلى الفاعلية . فالنظام القبلي – الطرقي ، يكتفي بتدبير الضروري من المعاش حسب القول الخلدوني ، ويعجز عن التطلع إلى ما فوق ذلك . والسياسة فكرا وتنظيما وممارسة ، هي تطلع إلى ما فوق الضروري .
وبناء على ما تقدم ، فإننا لا نتغيا الحنين الوطاني إلى فيدرالية سوسية مؤمثلة ، قضى عليها الماريشال ليوطي والمقيمون العامون ولا التغني بالأمجاد البطولية للقبائل الامازيغية المستميتة في محاربة القوات الاستعمارية ، بل إلى قراءة السياقات الكبرى للحوادث وفهم الخلفيات المرجعية والرمزية للمؤسسات والسلوكات والواقعات التاريخية . فالفدرالية السوسية القائمة قبل الاستعمار هي جزء من تاريخ لا مناص من تعميق النظر فيه وإدراك شروطه وملابساته التاريخية والمعرفية والسياسية ، ومقارنته بتواريخ محلية أخرى بمختلف جهات المغرب الكبير .
فالمعرفة المنهجية الدقيقة بالمحطات والوقائع والمعطيات التاريخية ، قمينة بتسديد النظر وإحكام الرؤى ، وتجويد المقاربات . ومن المحقق أننا نحتاج ، لا إلى التغني بماض مصاغ بطريقة مبتورة و متحيزة ( السكوت عن وضعية امزداغن واليهود والزنوج والعبيد بفيدرالية سوس مثلا ) ومؤمثل ، بل إلى إبداع آليات تنظيمية وتدبيرية جديدة ، تدرك سياقات الماضي واكراهاته ، كما تدرك سياقات واكراهات منظومة سياسة جديدة وعلى فكر تدبيري جديد ينهض على مفردات النجاعة والفاعلية والإجرائية والحكامة الجيدة .

5- من المؤكد أن المخزن المركزي عجز عن تحقيق المطالب الإنمائية لسوس . والحقيقة أن عجز المخزن عن تحقيق التنمية ، بسوس وبسائر المناطق المغربية إجمالا ، لا يرجع إلى مركزيته الإدارية بصفة حصرية ، بل إلى اتسامه بالخاصيات التالية :
 افتقاره إلى نظام فكري وعصري وانغماسه في تأصيلات واهية وفي توفيقات شالة للحس الإبداعي ومانعة من احتيازآليات الإبدال الحداثي ،
 افتقاره التاريخي إلى فكر سياسي حديث خارج الترميقات المخزنية المعتادة وهي خليط من مفاهيم السياسة الشرعية والآداب السلطانية ومفاهيم الفلسفة الليبرالية المفرغة من محتواها ومضمونها التحويلي وفلسفتها المحايثة ؛
 توازي المؤسسات السياسية التقليدية مع المؤسسات السياسية الحديثة في غياب أية رؤية سياسية حصيفة وأي تركيب تجاوزي ناجع عمليا ومؤسسيا ؛
 شخصنة المؤسسات وهيمنة المؤسسة الملكية على المشهد السياسي المغربي ؛
 الاعتماد على سياسات تكتيكية ظرفية وغياب الرؤية السياسية الإستراتيجية؛
 تغليب المصالح الفئوية والشخصية على المصالح العامة ؛
 غياب مؤسسات مدنية وازنة نقدية ومستقلة عن اطر وهيمنة الدولة والمؤسسات الاجتماعية التقليدية ؛
 غياب رأي عام مسيس وازن وقادر على الضغط على المؤسسات والأشخاص النافذين و المنفذين للسياسات العمومية .
من البديهي إذن ، أن نصف النسق السياسي المغربي ، بالتقليدانية والشخصنة وضعف الثقافة المدنية وهشاشة البنية المؤسسية . ومن المؤكد أن وضعية مثل هذه ، لا تسمح إطلاقا بإنجاح المبادرات الإنمائية وخلق ثورة اقتصادية واجتماعية يوزع فائض قيمتها على الجهات والمناطق والأشخاص بموجب منطق الاستحقاق . فالنسق السياسي المخزني مشغول دوما بديمومته وبضمان استمراريته في وسط غير امن بشهادة الوقائع التاريخية المتواترة . وعليه فالمطلوب من النخبة السياسية والثقافية هو تجديد هذا النسق ، وبناء شرعيته ومشروعيته على مفاهيم الفلسفة السياسية الحديثة لا على مفاهيم تراثية قدسانية وشرعانية .
فتحديث النسق السياسي المغربي هي إحدى الطرائق الموصلة إلى التنمية سواء على المستوى الجهوي أم على المستوى الوطني .
إصلاح النسق السياسي المغربي ، ضرورة لا مناص منها ؛ إذ لا قيمة لأي مسلك تدبيري مهما كان لا مركزيا بشهادة استعصاءات الجهوية واللامركزية واللاتمركز ، إن لم تقرر فكرية جديدة وينجز تقويم صارم لقرون من التطوح السياسي ، وتنصب مؤسسات مستقلة ومعرضة للمحاسبة .
تأسيسيا على ما تقدم ، فالتنمية هي النتيجة الطبيعية والمنطقية لتفعيل المشروعية والشرعية الحداثية ومبدأ المواطنة ومعايير الحكامة الرشيدة والكفاءة والاستحقاق والمسؤولية . إن النسق السياسي المغربي هجين في الظاهر يروم الجمع والتوفيق بين الشرعية القدسانية والشرعية الحداثية ، لكنه تقليدي في العمق ، ترتد فيه القرارات الحاسمة إلى المحددات الأشد تقليدية وهو مطابق في الحقيقة ، لمجتمع يزاوج بين الأصالة والمعاصرة في الظاهر ، ويحتكم إلى بناه الأشد تقليدية وارتكاسا حين اتخاذ القرارات المصيرية .
فإقرار التنمية لا يمر بالضرورة بشكل وبنى المؤسسات مركزية كانت أو لا مركزية بل بمضامينها وثقافتها وجدارة معارضيها .
إصلاح الآليات التدبيرية مركزية كانت أو لا مركزية يقتضي انجاز تقويم صارم للثقافة المغربية ، و إخراجها من السياق الايدولوجي الاستعمالي لمفرداتها ومفاهيمها ومتخيلاتها ، وإعادة صياغة توجهاتها المركزية . لا سياسة جديدة من دون تطلع ثقافي جديد ، أي من دون تمرير الثقافة السوسية والمغربية الراهنة في مصفاة التاريخ ،في مصفاة التاريخ الكوني تعيينا .


6- من المؤكد أن سوس يتعرض إلى استنزاف عميق لثرواته الطبيعية وموارده البشرية . ونعتقد انه من الضروري بلورة أدوات ووسائل جديدة للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعن المتصورات الهوياتية والثقافية للسوسيين وإبراز الوجه الجديد لسوس امازيغي وحداثي ، موصول رمزيا بثقافته الألفية أي بتموزغا، وعمليا بالحضارة الحديثة .
ومن هنا ، فمن الضروري طرح قضية التنمية بسوس على نحو مغاير . ولإدراك الينبغيات لا بد من حصر العوائق والكوابح أولا . فالحقيقة أن سوس لم يعرف تنمية حقيقة منذ 1956 ، ويرجع ذلك إلى العوائق التالية :
 اعتماد سياسيات اقتصادية ظرفية ، فئوية بلا أفق استراتيجي حقيقي ؛
 استنزاف الموارد الطبيعية ( الماء والتربة والبحر ) بدون تدبير عقلاني للموارد ،
 عدم إدماج الساكنة المحلية في الأنشطة الاقتصادية وعدم استفادتها من فائض القيمة ومن المردود المالي لتلك الأنشطة ،
 عدم تأهيل الفلاحة القروية ،
 اعتماد سياسة سياحية أحادية الجانب وعدم استثمار الطاقات الايكولوجية والتراث الثقافي للمنطقة ،
 عدم تأهيل الموارد البشرية وهجرة النخب الثقافية .

وعليه فان التنمية الحقيقية تتطلب وضع سياسة جديدة لتأهيل المخزون العقاري وعقلنة استثماره لصالح الساكنة المحلية والمستثمرين الوطنيين أو الأجانب .كما تتطلب تجاوز الأطر التقليدية للإنتاج والتنظيم ( حل مشكل تذرر الملكية ) وعقلنة آليات الإنتاج الحديث والحرص على المحافظة على حقوق الشركاء أو المستثمرين المحليين وعلى الثروات الطبيعية وتكوين الموارد البشرية ، والجمع بين تأهيل الثقافة الامازيغية وتأهيل الاقتصاد شبه الحديث بسوس الكبير .
يمكن القول إجمالا ، بان المطالبة بالحكم الذاتي لسوس الكبير ، تتطلب إعمال النظر في الوضعية الراهنة لسوس ، وفي الإمكانات الإنمائية لهذه المنطقة وامتلاك الوعي بتكاملية الشروط و المقتضيات اللازمة لتفعيل هذه المبادرة . ولا بد كذلك من امتلاك الوعي التاريخي والحس النقدي للنظر مليا في الكائن وفي آليات تفكيك الممتنع وتوسيع دائرة الإمكان التاريخي والإنمائي لسوس الكبير .
وتأسيسا على هذه الملاحظات فإننا نشدد على المقتضيات التالية :
 تحديث الثقافة الامازيغية بسوس الكبير وتجاوز الروابط القبيلية والعشارئة والطرقية التقليدية ،
 بناء المؤسسات والآليات التنظيمية والتدبيرية على معطيات العصر الثقافي والحضاري بعد تمثل جوهر التنظيمات والمؤسسات التدبيرية السوسية التقليدية ،
 إقامة العلائق على أساس التعاقد والكفاءة والاستحقاق لا على أساس الانتماءات العمودية ،
 إقرار نظام معرفي حديث ورؤية حديثة للعالم وللطبيعية ( الماء والأرض والإنسان ) ،
 تدشين مبحث السوسولوجيا وتعميق البحث في السوسيات والتاريخيات والاناسيات السوسية ،
 تقوية الثقافة والتربية المدنيتين وخلق مجتمع مدني ورأي عام سوسي وازن وقادر على دوزنة الآلة التنظيمية والتسييرية والتحكم في ايقاعها سواء أكانت مركزية أم لا مركزية ،
 استثمار الممكنات الإنمائية لسوس بطريقة عقلانية والربط بين إعادة صياغة الثقافة الامازيغية وتجديد الاقتصاد بسوس الكبير .


ابراهيم ازروال
رئيس جمعية افا امازيغ
اكادير




#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
- تأملات في المعضلة العراقية
- نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - ابراهيم ازروال - تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير