أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - تأملات في المعضلة العراقية















المزيد.....



تأملات في المعضلة العراقية


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 1989 - 2007 / 7 / 27 - 11:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقدم الحالة العراقية اليوم ، أحد النماذج الأكثر دلالة على الصراع الكياني القائم بين القدامة والحداثة . والحقيقة أن الحالة العراقية ليست ، على التدقيق ، إلا امتدادا للحالة الأفغانية والحالة الفلسطينية من منظور المدة القصيرة واستطالة للنماذج والابدالات القروطسية من منظور المدة الطويلة .
لقد شكلت اللحظة العراقية الحالية مؤشرا دالا على استعصاء المجتمعات التقليدية وبالأخص المجتمعات المحكومة بالإبدال الفكري والمعتقدية الإسلامية على التحديث .إن الحالة العراقية ، ليست في الحقيقة ، إلا الحالة النموذجية لاستعصاء يطال الفضاء العقدي والفكري الإسلامي بلا استثناء . لقد حاولت المجتمعات الإسلامية تعليق أزماتها الفكرية والثقافية والاجتماعية والقيمية على الواقعة الكولونيالية ، وانخرطت بعد الاستعمار في إصلاحات ، ماهي في الحقيقة إلا استعادات غير نضيجة للتراث السياسي الشرعي والمكرسات الفكرية والعقدية الكلامية التقليدية الممزوجة بعناوين ولافتات ماركسية أو ليبرالية بادية الابتذال والسطحية .
لقد كانت الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد الاستعمار ، تقليدية في العمق ، غير راغبة ولا قادرة على إحداث التغيير الجذري في العقليات والمسلكيات الاجتماعية والسياسية ، واكتفت بدعم المقررات الفكرية والعقدية والجمالية والقيمية والأخلاقية للقرون الوسطى ، وبالإجتياف التكتيكي للمكتسبات التقانية والفكرية والسياسية والدستورية للعالم المعاصر الموسوم حصرا بالحداثة فكريا وبالتحديث اقتصادا واجتماعا وسياسة .
من المؤكد أن الوعد التحريري ، انتهى إلى المأزق ، وتبين بعد مايقرب من أربعة عقود من الاستقلال أن التركيبة الفكرية المعتمدة آلت إلى الانسداد و أن آليات التدبير الاجتماعي والسياسي قد انتهت إلى عجز مزمن رغم تأكيدات وتطمينات الخبراء التكنقراطيين والإيديولوجيين الرسميين .
لقد بالغت النخب الثقافية في نقد المرحلة الكولونيالية وقدمت نقودا تشغيبية في العمق ، للتواجد الغربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، وتعاملت بعقلية تقريظية مع التراث الفكري القروسطي الإسلامي ومع العقيدة الإسلامية . وقد برهنت على عجز كبير في فهم الظاهرة الكولونيالية وفي سبر آليات التدافع الحضاري و اعتمدت الأدبيات الغربية المضادة للغرب وللحداثة ( كارلايل و شبنغلر وتوينبي وبيرك )في مطارحاتها الإيديولوجية .
لا جدال في أن أنظمة مابعد الاستعمار ، احتفظت على التقليدانية الفكرية والجمالية والقيمية القروسطية ،ودافعت عن اختياراتها باسم الأصالة والخصوصية الثقافية والممانعة السياسية .وعجزت التيارات الفكرية الرائجة ،الماركسية والليبرالية والمحافظة، على استكناه مجاهل التقليدانية وعلى استشكال الأسس الفكرية والعقدية والروحية للفكريات المهيمنة في الفضاء الثقافي والسياسي المحكوم بالظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية .
فرغم البلاغة التحديثية ، والممارسات" الثورية" سياسيا ، للأنظمة المهيمنة في العراق منذ 1958 فإنها لم تفلح في تحقيق النقلة الحضارية الحداثية ، وكرست عموما ما يمكن أن نسميه مع عبد الرزاق عيد ب (حداثة التأخر ) .
(هذه الصياغة الايديولوجية –السياسية للمشروع القوي العربي ، التي أبقت البنى المجتمعية –الثقافية- الايديولوجية بمنجاة من التشكيك والنقد ، والتي تفتقر إلى وعي كوني وتاريخي ، كانت في التحليل الأخير ، وكما بدأت اكتشف ذلك في نهاية الستينات ، ضربا من عملية تحديث للتقليد ، أثرت بقوة على قطاع واسع من الانتجلنتسيا ( تعرض فعلا لبعض ريح ثقافي غربي ، ولكن لم يمسك بوعي كوني وتاريخي مطابق ) ، في فترة كان فيها التقليد الأصلي يفقد شيئا فشيئا هيمنته عليها . )
( - ياسين الحافظ- الهزيمة والايدولوجيا المهزومة – دار الطليعة – الطبعة الأولى 1979- الصفحة 20)

وبعد أن استنفذ التحديث التلفيقي أدواره التاريخية المرحلية ، عادت السلفيات المضادة للعصر والحداثة والفكر لتحتل الواجهة ، واحتمى الفاعلون السياسيون والثقافيون والإيديولوجيون بالتراث الثقافي الشرعاني كبديل للحداثة المستعارة ولوعودها الخلبية .
وتمثل الحالة العراقية حالة نموذجية في هذا الصدد . فبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، انبرى الفكر"التحديثي " لاحتلال الواجهة ،دون أن يبرح الفكر التقليدي السني والشيعي المواقع المركزية في المؤسسات الفكرية والسياسية . إلا أن هذا الفكر بقي محصورا في التأكيدات التوتولوجية وفي التأصيلات النافلة البعيدة ،جملة، عن الاستشكال ،وعن المراجعة العميقة للثوابت الفكرية التقليدية وعلى تكريس فكرعقلاني نسقي محكم الصوغ والبرهنة ومتجاوز للأطر الفكرية والمنهجية للإبستمولوجيا العربية – الإسلامية واستتبعاتها الأخلاقية والسياسية .
من المؤكد أن الماركسية كانت احد العنوانين الفكرية الرائجة في عراق الخمسينات والستينات والسبعينات ، إلا أن اهتمام الماركسيين والشيوعيين العراقيين بالمسألة العقدية والفكرية والايطيقية في بلد تقليدي ، من ناحية تركيبته العقدية والمذهبية والفكرية ، كان ضحلا . وهذا دليل ، على أن ماركسية الماركسيين العراقيين ، كانت سياسية فيما يجب أن تكون فكرية وابستمولوجية أساسا . والواقع ، أن الماركسية والشيوعية العراقية ، لم تتوغل في أساسيات وجوهريات الماركسية باعتبارها إحدى المحطات الأساسية للفكر النقدي الجذري في التقليد الفكري والثقافي الغربي ، بل اكتفت باستلال مفاهيم ونظريات ماركسية وعزلها عن سياقاتها الفلسفية والحضارية المتعينة تاريخيا .
لا جدال في أن توطين الماركسية في التربة الفكرية والثقافية في العراق كان يستوجب استشكال المعطيات القاعدية للفكرية والمعتقدية القروسطية السنية والشيعية والثوابت المنهجية والابستمولوجية للفكر الديني التقليدي والمرسخات الميثولوجية للمخيال الإسلامي –المسيحي – اليهودي . إلا أن الماركسيين العراقيين ، تعاملوا مع الماركسية كمعتقدية وكروحية بديلة للمعتقديات والروحيات والفكريات التقليدية ، واستغنوا عن المنهجية الماركسية في التحليل و التركيب وعزلوها عن أرضية الفكر الحداثي كليا .
فالماركسية ليست إلا تجليا نقديا من تجليات الفكر النقدي الأوروبي ، وعليه فإن عزلها عن إطارها الفكري وعن أرضياتها المفهومية والتصورية لا يعني إلا إفقارها وإفقادها عمقها التاريخي وصلابتها المنهجية وملاءمتها النقدية . فماركس ليس إلا التتويج النقدي لديكارط وكانط وسبينوزا وفولتير وكوندرسيه وهيجل وشلينغ و روسو و ليسنغ وهوبز ولوك .
وعوض توطين الماركسية في أرضياتها الفكرية النقدية ، اختار المفكرون الماركسيون العراقيون ، عزل الماركسية عن سياقاتها الفكرية والإيديولوجية والابستمولوجية والتاريخية ، واختصروها في مزق ايديولوجية اقتصادوية الطابع طبقية المنزع سياسة الاستهداف قدسانية الحافز .
وأوغل الماركسيون والشيوعيون العراقيون إلى جانب الاشتغال والتشغيل التفقيري للماركسية كمنهجية وكإبدال ، في تجاهل المعطيات التراثية التاريخية للمجتمع العراقي وفي التغافل عن نقد البنيات الابستمولوجية والابستيمية والايطيقية التقليدية لمجتمع تاريخي لم يشهد أية قطيعة حقيقة مع مضمون التراث الاستبدادي الشرقي . ورافق هذا العجز عن استشكال المنظومة الفكرية والسياسية التراثية ، والبرهنة على مواطن قصورها ابستمولوجيا ومنهجيا وتاريخيا ، تقديم التنازلات العملية للعمق التراثي باسم مراعاة الخصوصيات القومية والمذهبية واحترام الهوية والوعي الجمعي ووجدان الجماهير .
فالواقع أن الماركسية العراقية أكثرت من استعمال مفاهيم نظرية ضئيلة النجاعة والفاعلية بحكم اجتثاثها من أرضيتها المفهومية والتصورية الحداثية ، وغيبت الواقع العملي المحكوم عمقيا بمنظومة تراثية مشدودة إلى مفاهيم القبيلة والعشيرة والمذهب والطائفة والاثنية والنحلة . فبدت مفاهيم الدولة والتقدم والدستور والطبقة والبورجوازية والبنية الفوقية والبينية التحتية والصراع الطبقي ووسائل الإنتاج وقوى الإنتاج والمادية التاريخية والمادية الجدلية محض مفاهيم مفارقة لا تحتاز أية جدارة على المستوى المنهجي والفكري .
فقوة الشيوعيين العراقيين التنظيمية إبان الخمسينات والستينات ، كانت مصاحبة بهشاشة نظرية تكفلت الايديولوجيا بملء ثغراثها والتغطية على هفواتها . وحين ضعفت القوة التظيمية لاعتبارات داخلية وخارجية ، ولأسباب سياسية وفكرية ، أبانت الايديولوجيا عن عجزها وظهرت البنيات التقليدية على السطح من جديد لاستعادة المبادرة التاريخية وإعلان الممانعة الفكرية الجذرية ورفض الحداثة الفكرية والتنظيمية والسياسية باسم السياسة الشرعية وبدعوى تطبيق الشرع الإلهي وعزل الفكر والشرائع الوضعية .
أما الفكر القومي فقد اظهر منذ البداية قدرة كبيرة على التوفيق والمصالحة بين المتناقضات وعلى الجمع التسويغي بين إطارات فكرية ومفهومية غير منسجمة في الظاهر . لم يتمكن الفكر القومي العربي، رغم ذلك ، من بناء منظومات فكرية متماسكة منهجيا وفكريا وبقي مشدودا إلى الاعتبارات الظرفية والى التسويغات الايديولوجية المنفصلة عن العقلانية النقدية التاريخية . وقد حملت كتابات القوميين العرب ، التفاتات تقريظية اتجاه المنظومة العقدية المهيمنة ، وحاول البعض تأصيل الفكرة القومية باستنباتها في الأرضية العربية والإسلامية التاريخية والتراثية( نموذج عبد العزيز الدوري) . فالواقع أن أعمال صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني وميشيل عفلق ومنيف الرزاز وزكي الأرسوزي .، لم تستطع رؤية أوجه القطيعة بين القدامة التراثية وبين الحداثة العصرية في النظريات وفي العمليات معا . لقد تعاملوا مع المنجزات النظرية للحداثة بما في ذلك الفكرة القومية من منظور تراثي تقليدي ما قبل حداثي . ورغم المعجم الحداثي المستعمل والنوايا النظريةالتحديثية والتجديدية المعبر عنها في كتابات المنظرين القوميين العرب ، فإن الإطار النظري لكتاباتهم وتنظيراتهم يبقى تراثيا في العمق رغم المدعى النظري. ألم يحدد ميشيل عفلق القومية بمفاهيم الحب والتذكر الحي والانصراف كليا عن التفكير المجرد ؟ أليس مفهوم البعث مفهوما ميتافيزيقيا مشبعا بالرؤى القيامية الخلاصية ؟ ألم يكرس ميشيل عفلق وزكي الارسوزي صفحات لتقريظ البداوة والصحراء وجوهر الأمة المصفى انطلوجيا وميتافيزيقيا ؟ ألا يرتبط التقومن عند عفلق والأرسوزي بلاعقلانية رومانطيقية هي المقابل العربي للتقليدانية التراثية العربية الإسلامية الرافضة لجوهر التاريخية والتاريخانية والعقلانية النقدية والحداثة السياسية ؟ ألم يدعو الارسوزي إلى العودة إلى الحدس المتضمن في الكلمات العربية والاتصال الرحماني بجوهر الأمة ونفي التاريخ العربي الإسلامي مابعد الجاهلي باعتباره تراثا مستعجما مدخولا هجينا ؟
والحقيقة أن موقف ميشيل عفلق التأويلي من الإسلام ومن رسول العرب ، كشفت عن رغبة استعمالية للتجربة الرسولية وعن تأويلها تأويلا خارج ماجريات تاريخ الأفكار والعقائد واواليات التدافع بين البشر ؛ وكان ذلك التأول غير النقدي بمثابة دليل على القابلية الكبرى للقوميين سواء أكانوا ناصريين أم بعثيين على التماهي مع الميثولوجيا الإسلامية وعلى اعتماد مخطوطاتها النظرية في قراءة العالم والحياة والذاتية والغيرية والزمان والغيب .
( وإذا كان القوميون ، تعريفا ، يشتركون في نقص اعتنائهم بالوقائع المادية المدانة ، وتقديم واقع افتراضي مثال عليها ، فإن عفلق تجاوزهم جميعا في استبداله الكامل للواقع بحفنة من الرموز والمشاعر والأوهمة . فالرسول ، عنده ، ليس الرسول التاريخي و لا الديني ، كما رأينا ، بل هو لحظة انقلابية أقرب إلى الومض الذي يضيء دنيا هي وجه آخر للصحراء .والإسلام ، عنده ، ليس الإسلام مطلقا ، بل إفصاحه عن "عبقرية الأمة العربية " .)
(حازم صاغية – قراءة ميشيل عفلق – أبواب العدد – 19-شتاء 1999- الصفحة -29) .
فالواقع أن الفكر القومي البعثي ، كان محكوما بما سماه علي حرب بالوهم الماورائي ، أي بنزعات تأسلية تراثانية غارقة في مناقضة منطق التحول والصيرورة ، ومنحازة إلى امثولات تراثية معيارية ، تشكل عماد الرؤية وشرط تسديد الممارسة الأخلاقية والسياسية .وعليه ، فرغم المفاهيم والتصورات المستلة من الرومانطيقية والقومية الألمانية والايطالية ومن الفكر الديمقراطي الفرنسي ، فإن الخطاب القومي البعثي بقيا ارتكاسيا تسلفيا ، موصولا بأخيولات واسطوريات المتخيل العربي الإسلامي . ويقدم دعاء عفلقي دليلا فصيحا عن انغماس الفكرية القومية في القيعان الاسلامانية الأكثر استعصاء على التعقيل والتنسيب و التحويل .
("اللهم أنت الذي أردت أن يكون العرب أمة موحدة قوية هادية تحمل إلى العالم رسالتك ، تريد اليوم أن تعود إليهم وحدتهم وقوتهم ليؤدوا هذه الرسالة من جديد . اللهم هب لي قوة الإيمان وصفاء الفكر وصلابة الإرادة لأكون جنديا نافعا فعالا في الجهاد الذي يقوم به العراق لوحدة العرب . " )
(حازم صاغية – قراءة ميشيل عفلق – أبواب العدد – 19-شتاء 1999- الصفحة -36-37) .
يصدر هذا الدعاء عن إيمانية مفارقة كليا للعلمانية ، وعن تقدير قروسطي للسياسية والإستراتيجية ، وعن لا عقلانية متأصلة في فكر واضعه . فالواقع أن خطاب القوميين البعثيين المتوتر بفعل محددات ومعينات لا شعورية وشعورية ، انطوى على نوى وأفكار كمونية أصولية ، ظهرت جليا في الفكر كما في الممارسة السياسية والاجتماعية والاستراتيجية والفكرية بعد الانقلابيين البعثيين بالعراق وسوريا .فكيف يجرؤ بعض مؤرخي الفكر ومحللي الخطاب على التركيز على علمانية الفكر القومي العربي ؟ أليست العلمانية المدعاة قوميا ، محض ملحق تجميلي لمتن تقليدي ينفي العلمانية والعقلانية والديمقراطية والتاريخية أصلا ويدافع عن جوهرات أسطورية ماقبل حداثية ؟
فإقدام صدام حسين على سلوكات سلفية تراثية أصولية منذ انطلاق الحرب العراقية الإيرانية ( 1980-1988) وإبان وغب حرب الخليج الثانية ، ليس انقلابا ارتداديا وتراجعا عن علمانية وعقلانية الآباء القوميين البعثيين المؤسسين ، بل هو استعادة للمتن وللنواة الفكرية الصلبة في الفكر البعثي واطراح للزائدة العلمانية غير المحتازة ، قوميا ، على مقتضيات القبول في فكريات الأمة ذات الرسالة الخالدة .
فالواقع أن المفكرين القومين ، لم يتمكنوا من مقاربة ظاهرة القدامة والتتريث في لمجتمعات الشرق الأوسط ، بشكل منهجي ، واستنكفوا عن تحليل القبيلة والعشيرة والطائفة والاثنية والمذهب والنحلة بالاستعانة بالأدوات الفكرية للأنثربولوجيا الاجتماعية والانثربولوجيا الثقافية .
لا جدال في أن الفكر القومي العربي بقي عاجزا أمام الظاهرة التراثية والتتريثية الرائجة في مجتمعات الشرق الأوسط بفعل التواجد المكثف للفكرانية والتنظيمات السلفية ( الإخوان المسلمون والوهابيون ) ، وحاول التعامل الانتقائي والتجزيئي مع المنظومة الفكرية والمعرفية التراثية العربية الإسلامية باسم التأصيلانية والهويانية والخصوصانية والاسلامانية . ورغم المرامي التحديثة للبعض والدعوة إلى تحديث الدولة والمجتمع واعتماد إحدى الصيغ الملائمة للعلمانية ، فإن الفكر القومي كثيرا ما ارتد إلى المواقع اللاتاريخية والغيبية و التراثية لمعالجة مفارقاته الفكرية وانسداد آفاق تاصيلاته التراثية ولا تماسك أطروحاته بالقياس إلى الأطروحات التسلفية للسلفيات التقليدية السنية والشيعية .
وقد كان الوصول إلى الحكم في فترة الممتدة من 1963 إلى 1965 وفي الفترة الممتدة من 1968 إلى 2003 محكا عمليا لاختبار الصلاحية الفكرية والنظرية والعملية الوظيفية للفكر القومي البعثي . وقد كانت التجربة حاسمة في البرهنة على عجز القوميين البعثيين النظري والعملي على تحقيق متطلبات القومية العصرية الحداثية ، وارتكسوا بفعل قوة الفكريات التقليدية الماقبل حداثية إلى أشكال تقليدية في التفكير والتنظير والتطبيق والى ممارسات تسلطية مناقضة، قلبا وقالبا ، للحداثة وللتحديث .
لا مندوحة عن التأكيد على أن الفكر القومي البعثي ، لم يتوافر على الأدوات والآليات الفكرية والمنهجية والتصورية المحتازة على شرائط النجاعة والإجرائية والوظيفية . لقد غيب المفكرون القوميون الفكر الليبرالي النقدي الغربي واستلوا نتفا مفقرة الصيغة من الماركسية للخروج من المأزق الفكري خاصة بعد هزيمة 1967 .
وعوض تفكيك الطائفية والمذهبية والاسلامانية السنية والشيعية المتربصة بالدولة البعثية ، اكتفى البعثيون باستلال مزق من المنظومة التراثية السلفية ومناجزة الاسلامانية عمليا ، بدون طائل .
لقد انتهى القومي" التحديثي " "والحداثي " إلى "سلفية" غير معلنة أثناء حرب الخليج الأولى والاحتلال الأمريكي للعراق ، والى" طائفية" سنية متعصبة مضادة جوهريا للشيعة" الروافض" والى اسلامانية عدوانية معادية للآخر اليهودي والمسيحي والغربي .
لقد بدأ القومي البعثي توفيقيا يروم "التحديث" وانتهى تقليديا سنيا ناصبيا جهاديا يؤمن بالجهاد ويقرأ الخريطة الدولية بمفاهيم السياسة الشرعية في بؤس لا يليق إلا بايدولوجيا معدومة القوام النقدي والفكري المتماسك ويدمن كعادته دائما على تقديس أشخاص ليسوا تأكيدا من زمن التاريخ بل من زمن الأسطورة!! .
من المؤكد أن القومية الفكرية ناصرية كانت أم بعثية سوريبة أم عراقية ، انتهت إلى التحالف الضمني أو المعلن مع السلفيات التقليدية ؛ وآلت إلى اجتياف المفردات والمضامين العقدية والفكرانية للسلفيات في النظريات كما في العمليات . مما ينهض حجة على ارتكاس هذا الفكر إلى المواقع التقليدية بعد عقود من التوفيق غير النقدي بين اطر مختلفة السياقات ومن الاستنكاف عن تفكيك الأطر الاجتماعية للمعرفة التقليدية والركائز النظرية للفكرية السلفية وللواقعة الطائفية .
لقد دفع الفكر القومي البعثي ثمن لا تاريخيته أطروحاته الفكرية ورومانسيته اتواقه التحررية ولانقدية بناه النظرية ، مما أوقعه في مآزق نظرية وعملية ، دفعته في الختام إلى العودة إلى الحظيرة العقدية الطائفية التراثية في أشد أشكالها انغلاقا وتعصبا وذهولا عن موجبات ومتطلبات وشرائط الحداثة والتحديث . فلا يكفي التغني بالشعارات الثورية ، لمواجهة البنى الانثربولوجية التقليدية والمخيال الديني الطائفي السائد في الشرق الأوسط منذ أزيد من عشر ألفيات . و في هذا السياق ، يتضمن كتاب (يوم طويل في حياة قصيرة ) للكاتب المصري غالي شكري أقوالا تثمينية للتجربة البعثية في عراق السبعينات ، تضفي هالة حداثية مثالية على تجربة سرعان ما أبانت عن افتقادها الفادح لمقومات العقلانية النقدية والمنهجية التفكيكية والوعي التاريخي الصارم . فقد كانت" التحديث "القومي البعثي ، الطريق المالكي إلى التقليد الذي يبدأ بتقديس صدام ولا ينتهي بتديين العلم العراقي والإكثار من الاستشهاد بالنصوص العقدية والاستعانة بالبلاغة والمجازات الحربية الوسيطة لتعقل بعض أزمات العصر!!
(إن صدام حسين في كتابه " أحاديث في القضايا الراهنة " نموذج لهذه القيادة التي ترفض الصورة الكلاسيكية للحكام العرب ، كما ترفض الصورة التي استحدثتها الأردية العسكرية في الوطن العربي ، وما يسمى بالعالم الثالث. إنه نموذج القائد الذي يرتبط مصيره بحركة الثورة والشعب ، لا بتوازنات القوى البيروقراطية أو القبيلة .)
(- غالي شكري – يوم طويل في حياة قصيرة – دار الآفاق الجديدة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 1978- الصفحة 162)
أليس الفكر الدعائي غير الحصيف الأداة النظرية المساعدة على استشراء باثولوجيا الاستبداد ؟ ألم تسهم تقريظات غالي شكري وامير اسكندر وفؤاد مطر في نسج اسطورة البطل القومي ، وتأكيد الهوامات الميثية لأمة الأمجاد ؟

أثناء المواجهة النظرية مع الفكر الماركسي والفكر القومي البعثي ، واظب الاسلامانيون العراقيون الجعفريون والسنيون على السواء ، على تحصين مواقعهم الفكرية وعلى ترسيخ أطرهم الاجتماعية الخاصة بدعم الاعتقاد وإنتاج المعرفة التراثية التقليدية مستغلين الهشاشة النظرية والمنهجية لأطروحات القوميين والماركسيين . فعوض نقد كلاميات وفقهيات وسياسيات أبي الحسن الأصفهاني و محسن الحكيم وأبي القاسم الخوئي وروح الله الخميني ومحمد باقر الصدر وعلي شريعتي ومواجهة الفقه الجعفري بأدوات ومناهج واليات الفكر التحليلي الحديث فضل الكثير من الماركسيين الإيغال في التحليلات الطبقية و مناجزة الامبريالية والرأسمالية والكومبرادورية والرجعية العربية . فرغم القوة التنظيمية للتنظيمات الشيوعية والماركسية بالعراق ، لم تتمكن من تفكيك الحقائق الانثربولوجية والسوسيولوجية للمجتمع العراقي ولا تفكيك المنظومة الفكرية والعقدية للمؤسسة الدينية التقليدية المهيمنة منذ قرون . فقدت كانت السياسة والايديولوجا هما السند الأكبر للماركسية العراقية في اشتغالاتها العملية ، وفي قراءتها للواقع المحلي والإقليمي والدولي . وكان اشتغال الماركسيين بالمادية التاريخية والمادية الجدلية ، ايديولوجيا يغيب سؤال الابستمولوجا والمعرفة ، والراهن المعرفي في حقول الطبيعيات والإنسانيات ، ويستبعد الامتياح أو التناص أو التفاعل مع الفكر الاسشراقي أو الاستعرابي أو الانثروبولوجي الغربي بدعوى صدوره عن منازع استعمارية أوصهيونية أوامبريالية . والحال أن الاستشراقيات المنضبطة منهجيا وابستمولوجيا ، تمثل سندا فكريا ، لا مناص من التفاعل والتثاقف معه ، في أي مشروع تحريري للذاكرة وللوجدان الجمعي في الشرق الأوسط . والانكى أن الماركسية المسفيتة الرائجة آنذاك ، اجتافت ، لا شعوريا ، الميراث الاستبدادي النقلي الشرقي ، وصدرت في توجهاتها وفي اشتغالاتها التحتية عن ذهنية تسلفية هي اقرب إلى الميثولوجيات المستحدثة منها إلى الفكر النقدي المنبثق من الروح الاستكشافية الحديثة ومن شروط النظر الاستشكالي الحداثي الرصين .
من علامات الفكر الحديث ، هي قدرته على استقراء الواقع وتفسيره وتأويله استنادا إلى دعائم منهجية دقيقة والى آليات ومفاهيم وأدوات إجرائية قادرة على استكناه وسبر المادة الميدانية المحللة . والواقع أن الايدولوجيا الماركسية ، غيبت الواقع وعوضته بخطاطات نظرية وشبكات مفهومية وتركيبات فكرية لا تستوفي، إجمالا، مقتضيات الملاءمة والنجاعة والنفاذية والصالحية .
فمن أمارات الفكر ، اختيار المادة الميدانية ذات الاستتباعات النظرية والسياسية والوظيفية ، وتييئة المفاهيم والأطر التحليلية ومساءلتها ابستمولوجيا . وبناء على هذا ، فقد كان لا زما على الماركسي العراقي ايلاء الظاهرة الدينية في الشرق الأوسط أهميتها وبلورة الأدوات التحليلية الكفيلة بإنارة مجاهلها وعتماتها والكشف عن أسرارها وعن آلياتها في الانبناء وفي تركيب المعنى وتشغيل العقل وتحفيز المتخيل الجماعي . وكان حريا بالماركسي العراقي ، أن يدشن ورشة تفكيرية نقدية ، تطال العقل الشيعي والعقل السني وبنية الخطاب الطائفي .فعوض الاشتباك الايديولوجي مع نصوص لينين وبليخانوف وتروتسكي وروزا ليكسنبورغ والتوسير ، كان حريا بدعاة (التحليل الملموس للواقع الملموس ) الانصراف إلى تفكيك المنظومة الفقهية الكلامية والفقهية الشيعية كما رسخها الكليني وابن بابويه القمي والشيخ المفيد وجعفر الصادق والحلي واستشكال الدعامات المنهجية والفكرية للنسق الفكري السني في غراراته التأسيسية ( أحمد أبو حنبل و أبو حنيفة النعمان وعبد الكريم الجيلي ومعروف الكرخي) . ولا ينفصل النقد العقلاني لأصول التسنن والتشيع عن نقد الأصول العقدية للإزيديين والصابئة المندائيين والمسيحيين والطرق الصوفية العرفانية ( القادرية والنقشبندية والكاكائية والشبك والعلي إلهية ...الخ ) .
أما الخطاب القومي العربي فقد اطرح اكتساب الوعي التاريخاني الكوني الحديث ، جملة ، واستعاد مفاضلاته التاريخية التراثية ، مدافعا ،عن الأفضلية المعيارية للعرب على سواهم من الشعوب والأمم ، وقارئا التاريخ العربي – الإسلامي بما يؤكد فرادة العرب التاريخية بطريقة ميتا-تاريخية . وذهب بعضهم إلى تدبيج قصائد المديح في البداوة ، وأخلاق البادية العربية ، وتوجيه سهام نقدهم وتشغيبهم الى الاستعجام والى الهجانة والى الأراجيف التاريخية للدخلاء والاغيار والأعاجم في خطاب اصطفائي مناظر ، كليا ، للخطاب اليهودي – الصهيوني . فلئن كانت القومية الأوروبية مظهرا من مظاهر التحديث السياسي والاجتماعي ، ووجها من أوجه الحداثة السياسية البارزة ، فإن القومية العربية كما داورها القوميون العرب السوريون والعراقيون، في الغالب ، كانت استعادة غير تاريخية وغير نقدية للميثولوجيا العربية الإسلامية وللأوهام اللاتاريخية للذاتية العربية الإسلامية وللمركزية الاسلامية( عبد الله ابراهيم ) .
من المفجع حقا أن تتحول الحذاقة القومية الأوروبية في الفضاء الفكري والسياسي للشرق الأوسط ، إلى محض استعادة ، للتراثانية القومية الأكثر رفضا للغيرية والأكثر ممانعة للمواطنة والعقلانية السياسية والاجتماعية وللوعي الكوني وللحداثة باعتبارها قطيعة مع التقليدية العقدية القومية التراثية .
وفيما غاص المنظرون القوميون في التغني بالأمجاد التليدة لأمة البعث صاحبة الرسالة الخالدة ، واظب البعثيون ، على تكريس أفضلياتهم الوظيفية الاصطفائية مما يقدم فالح عبد الجبار عينة دالة عنه .
(لكن حكم البعث أعاده إلى صوابه( يقصد الشاعر سركون بولص ) من هذا التحليق بين المجرات . حاول أن يحصل على وظيفة في وكالة الأنباء العراقية ، من دون جدوى . ولم يفهم سر رفضه وهو المتملك ناصية العربية ، إلى أن همس بعثي متنفذ ، به بقايا حنو ، في أذنه " لا يؤذن للآشوريين بالعمل في الأماكن الحساسة ")
(-فالح عبد الجبار –أن تكون بهوية أو لا تكون – مجلة أبواب – العدد -28-ربيع 2001-الصفحة -39)

كانت الثورة الخمينية واستقطابات الطائفية اللبنانية منذ 1975 بمثابة المؤشرات والأدلة الكاشفة عن محدودية التحليلات الطبقية والجدلية وعن عجز الماركسيين العراقيين عن تحليل وتفكيك البنيات الشعورية واللاشعورية للمجتمع العراقي و أركان الفكر التقليدي المهيمن في الشرق الأوسط عموما .
والانكى أن بعض الماركسيين والقوميين ، قفزوا على منظوراتهم الفكرية والسياسية وتنبوا بطريقة أو أخرى ، الرؤية الخمينية نكاية في الغرب وإسرائيل والغرب معتقدين أن الحداثة منافية، جوهريا،للحالة الوجدانية والمعتقدية والفكرية العربية الإسلامية .
لا جدال في أن المعتقدية شكلت المسكوت عنه الأكبر ،في الخطاب الفكري للماركسيين و القوميين العراقيين ، والبنية العميقة المضمرة للخطابين الفكريين الخاصين بهما . وحين ضعفت رقابة المفكر فيه ذي الغلالة "العقلانية" الشفيفة ، تدفقت قوى "المسكوت عنه" اللاعقلاني لتعلن حضورها الطاغي وتستبد بالمشهد الفكري والثقافي في مايشبه الارتداد إلى الغرائز البدائية .
فمن المفارقات الكبرى للخطاب الماركسي العراقي أنه لا يؤكد الكونية إلا لينفيها عمليا ، ولا يؤكد تراثيته إلا ليختزلها في صيغ مخثرة ومفقرة المعاني والمباني . وقد نبه ياسين الحافظ إلى خطورة الانسياق مع خطاب ماركسي قومي تنقصه المطابقة وعيا وتصوريا ، والنفاذية منهجا ورؤية ، والكونية أفقا ومبتغى .
( ج-ثالث متطلبات سياسات التغير الراديكالي في الوطن العربي هو الوعي المطابق ( ....) أي أن تملك هذه السياسات الوعي المناسب لحاجات تقدم الأمة العربية وتحررها ووحدتها . هذا الوعي المطابق ذو ثلاثة مستويات : في المستوى الأول هو وعي كوني ، وفي المستوى الثاني وعي حديث ، وفي المستوى الثالث هو وعي تاريخي . )
( - ياسين الحافظ- الهزيمة والايديولوجيا المهزومة – دار الطليعة – الطبعة الأولى 1979- الصفحة254)
لقد برهن" التحديثيون "الماركسيون والقوميون العراقيون ، عن عجز مزمن أمام الافتتان اللاعقلاني ، فانساقوا وراء الاسلامانية الأكثر احتقارا للعقل والتاريخ وأصول الاجتماع الحديث . فقد قادهم الابتعاد عن القضايا الابستمولوجية والمنهجية وعن مستجدات العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى الافتقار إلى المناهج و الأدوات الناجعة والفاعلة في تحليل وتفكيك ركام المعتقديات والتراثيات الشرقية العابرة للقرون . فقد تبوأت الايديولوجيا المبسطة مكان الصدارة فيما كان يجب أن تحتل الأبحاث والدراسات الابستمولوجية المتفاعلة مع المستدات التقنية والمنهجية للطبيعيات والإنسانيات على السواء موقع الإضاءة . ومن مفارقات بعض المفكرين الايديولوجيين العراقيين ، أنهم يكثرون من اعتبار الجدل والبراكسيس فيما لا يقدمون إلا صورا مبسطة عن الواقع العراقي لا ترقي إلى مواقع الجدل الهيجيلي بله الماركسي ولا البراكسيس الغرامشي مطلقا .فعوض تخصيب الفضاء الثقافي للشرق الأوسط بالقوة الفكرية والزخم الجدلي لأطروحات كبار المفكرين والانثروبولوجيين والسوسيولوجيين والمؤرخين الغربيين ، عمد المفكرون العراقييون القوميون والشيوعيون إلى اطراحها كليا بدعوى عدم الملاءمة المنهجية والفكرانية والوظيفية . وهكذا ، تم استبعاد أفكار وحدوس ونقود ديكارط وهيغل وكانط ونيتشه وماكس فيبر ودوركايم و مارسيل ماوس وليفي ستراوس وميشل فوكو بدعوى مثاليتها وبورجوازيتها ولاجدليتها أو عدم انطبقاها الماهوي مع الخصوصيات الرحمانية للأمة المصطفاة .
لقد كان ياسين الحافظ من المفكرين القلائل الذين انتبهوا إلى حتمية الامتياح من التراث الغربي في أية إضاءة حقيقية لوقائع مجتمعات الشرق الأوسط ، وللخروج من التبسيطية الرومانسية للقومية العربية ومن التبسيطية الإيديولوجية الطبقوية للماركسيين . وقد قدم انتقاداته الصارمة في كتاب (الهزيمة والايديولوجيا المهزومة) ، وترجم نصوص ماركس عن الدين ودعا إلى رد الاعتبار للفكر الليبرالي الغربي .
فالحداثة لن تحقق في اعتباره ، إلا باستيفاء شرائط الوعي المطابق وهي الكونية والحداثة والتاريخية ، وهي شرائط مرفوضة، مبدئيا،في النوى الفكرية التأسيسية للفكر القومي العربي ، و مغيبة ، عمليا، في التسويغات الطبقية والجدلية للفكر الماركسي الرائج بالعراق .

لقد مثلت اللحظة الخمينية ، مؤشرا حاسما على مستوى التدافع الثقافي والفكري والسياسي وعلى هشاشة المدونات الفكرية التحديثية الماركسية والقومية وشبه الليبرالية ، وافتقارها إلى الصلابة النظرية والقدرة التحليلية والنفاذية في تحليل وترتيب الأولويات الفكرية . لقد دعا هادي العلوي في بداية السبعينيات إلى استشكال الظاهرة الدينية إلا أن الفكر المؤدلج الغائص في هواماته و أطيافه ، بقي متشبثا بخرائطه الفكرانية المتقادمة وبترسانة مفهومية ليس إلا رموزا ميثية تحفل باقيانوس من الخلاصيات والمتخيلات والطوباويات والمتعاليات .
ألم يحن أوان التدبر والتأمل ، فكريا وعمليا ، في دعوى هادي العلوي خصوصا في زمن التدمير العقدي للحياة والانسان باسم المفارق وبدعوى الشهادة ؟
( وفي مواجهة هذه الأوضاع يتعين على الكتاب العرب أن يخوضوا النضال الفكري والسياسي ضد العلاقة بين الدين والأنظمة بهدف إحباط المشاريع المكرسة لتديين المجتمع العربي ، وثانيا ضد الأيديولوجية الغيبية ، ضد الدين ، والتوجه من ثم نحو تعميق الوعي العصري والثقافة التقدمية في أوساط الجماهير . )
(-هادي العلوي –رد –ضمن كتاب محاورة فكر عبد اله العروي –جمع مقالاته ورتبها : بسام الكردي – المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء-بيروت – الطبعة الأولى – 2000- الصفحة 69)
لقد استجابوا لدعوى صاحب ( مدارات صوفية ) بالاحتماء بسماء الغيب السلفي ، وبرفع صدام حسين إلى مصاف الشهداء !!
فطوبى للشهداء ، الشهداء على عنفوان مخيال لا يرتوي الا بالدم ....إلا بال...د....م !!!



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - تأملات في المعضلة العراقية