أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4















المزيد.....

في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 3115 - 2010 / 9 / 4 - 12:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يلتفت الخطاب الإصلاحي إلى الطابع الإشكالي للمقررات الإسلامية في هذا السياق .فنزع الشرعية التاريخية عن التوراة والعهد القديم ، لا يمكن تمريره في المصفاة التأويلية بدون إبطال الأصول الشرعية ،بدلالة تضمن النص القرآني لبعض المعطيات المماثلة لما في التراث الكتابي أولا ، ولصعوبة تسويغ تحريف المدونة اليهودية الرسمية في الزمان المحمدي ثانيا .
يملك المفكر الإصلاحي جسارة كبيرة في مقاربة النص الكتابي ،وتناول محتويات مروياته من منظور العقل التعليلي والعقلانية التاريخية . وحيث إن المحكيات التوراتية لا تستجيب لمعايير التعليل العقلي ، فإنها تصير محكيات لا تاريخية فكرانية مفتقرة إلى أي مستند عقلي أو تاريخي.لا مجال هنا ، للتأويل البلاغي أو للتكييف الأخلاقي أو التسويغ الفلسفي – الثيولوجي ، أو للتنسيب المعرفي أو لمراعاة البنية المجازية أو الترميزية أو الكنائية للنص .فالخطاب النقضي يتقصد القطع والحسم ومحاصرة الخطاب النقيض بأسئلة استشكالية نقضية دحضية ، دون استحضار الإشكاليات اللسانية والبلاغية والتاريخية المباطنة للخطاب التوراتي .

( وفي الحقيقة فإن قارئ التوراة ليتعجب كيف استطاع فرعون أن يجمع جيشا من المصريين بعد كل ما فعله موسى التوراتي وربه في الشعب المصري من قتل وابادة . ففي كل ضربة تحدثنا التوراة عن الدمار والخراب والابادة التي حلت بالشعب المصري ، حتى أن القارئ يصل إلى قناعة جازمة بأنه بعد كل تلك الضربات لم يبق في مصر مصري واحد على قيد الحياة وتحولت مصر إلى ارض قفراء عفراء خالية من حياة . ولكن كتبة التوراة بما لهم من خيال واسع لا يلتفتون لمنطق الأشياء وإنما يكتبون ما يروه مناسبا لدعم فكرهم وعقيدتهم . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –ص.21).
لا يبدي المفكر الإصلاحي أي تردد في قراءة المحكيات التوراتية قراءة تمحيصية بله دحضية .فالنص من منظوره ليس معيار الحكم على فحاويه ومتضمناته وافاداته السردية والدلالية ، بل لا بد من الاحتكام إلى نواميس الكون وقوانين التاريخ ومعايير العقل التاريخي في تسويغ وتعليل محتوياته .فثمة قراءة حركية دينامية ، تحتكم دوما إلى تحكيم المعطيات الخارجية في المعطيات الداخلية للنص . لا يقبل محتوى النص التوراتي إلا إذا طابق النواميس والقوانين ، أما إذا خالفها فإنه نتاج خيال جامح وذهنية ميثية .
بيد أنه لا يحتكم إلى نفس البروتوكول في تعامله مع النص القرآني .تسلم القراءة الإصلاحية بالمعيارية المطلقة للنص القرآني ؛ فدلالة النص لا تدرك بالإحالة إلى دينامية العلاقة بين النص و العالم والقارئ بل إلى" الدينامية "الغيبية للنص .وكل مخالفة محتملة أو ضمنية بين النص والعالم ، فهي نتاج تفسير قاصر أو افتقاد جزئي أو كلي لملكة السبر والاستكناه والاعتبار أو لقصور نظري أو عملي في العقل البشري .
إن اللاتماسك في بروتوكولات القراءة ، هو المسؤول عن الاجتزاء والابتسار والانتقاء وكل أشكال المسكوت عنه في النص الإصلاحي .وهكذا لا يمتلك النظر الفكراني ، إلا الصمت أمام شواهد قرآنية معضدة للفحوى التوراتي .
( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا . قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر و إني لأظنك يا فرعون مثبورا )( الإسراء 101-102-)
( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون .فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه و إن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون . وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين .فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين .)
(الأعراف 130-133)
لا يملك المفكر الإصلاحي ، إلا الابتعاد عن العقل التعليلي وعن الاستشكال العقلي للمنطوق القرآني .تغيب معقولية فحوى النص ، للتنصيص على منحاه التأشيري والاشاري .لا تستحضر النصوص القرآنية هنا ، للمقارنة في موضع التشابه والتماثل الدلاليين بين الشاهد التوراتي والشاهد القرآني ، بل في معرض تبيان تأشيرية النص القرآنية واستفاضة النصوص الثواني في تفاصيل إسرائيلية .
( لا تفصل الآية في نوع وكمية الجراد والقمل والضفادع والدم التي أرسلها الله على فرعون وملأه وما أحدثته بهم ، وهل كان على كل مصر أم فرعون وحاشيته فحسب . أما المفسرون فشطحوا في وصف النوع والكم والنتائج .) ملأه
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –ص.131).
تغيب معقولية القارئ ومعقولية العالم لتغلب معقولية النص .ويكتفي القارئ بالبحث عن نقاط الامتياز ، بعد الحسم الفكراني الوثوقي في تأبيد نقاط الارتكاز ، عبر عقد مقارنات موجهة فكرانيا بين النص المؤسس والنصوص الثواني .
تتأسس رؤية المفكر الإصلاحي إذن، على نقد التشابك الدلالي بين النصوص التوراتية والنصوص التفسيرية والتأويلية للنص القرآني .فلئن تقصد النص المؤسس ، تنقيح تاريخ الأنبيائية ، وتصحيح ما طال ذلك التاريخ من أوشاب عقدية ومعرفية وأخلاقية ، فإن النصوص التفسيرية والتأويلية عادت مجددا لمعانقة النصوص التوراتية واستعادة ما تحفل به من مضامين ومستتبعات مخالفة للتهذيب القرآني .بيد أن هذه الأطروحة الإصلاحية ، لا تقدم المسوغات والدلائل الكافية ، للبرهنة على مفارقة أفق النصوص الثواني لأفق النص المؤسس ولا لتوضيح أشكال التعالق والتشابك الحدثي بين النصوص التوراتية والتوراتية الموازية من جهة والنصوص المؤسسة( القرآن والحديث) والنصوص الثواني من جهة أخرى .
( إن التراث الإسلامي وضع قصص الأنبياء القرآنية في إطار الجغرافيا والتاريخ ، مسقطا القصص والروايات التوراتية وحديث الرواة اليهود على الآيات القرآنية ، فخرج لنا منتج هو مزيج من التراث الإسلامي والإسرائيلي . لقد امتلأ التراث الإسلامي بالإسرائيليات حتى بات يصنع لبني إسرائيل تاريخا لم يكن لهم على الإطلاق ، و أصبح داعما لادعائهم بتاريخ أسطوري في فلسطين والأرض العربية والذي بنوا عليه حقهم التاريخي المزور والمزعوم في أرضنا . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني - ص153).
لا يقدر المفكر الإصلاحي ، في غياب دراسة مقارنة للنص الكتابي والنصوص المؤسسة ، إلا على استشكال النصوص الثواني ،واتهامها ب"التأسرل " أو التصهين .والحال أن هذه النصوص ، إنما استكملت مسارا تعالقيا أو تناصيا أصليا ، ووسعت من أمدائه في سياقات تاريخية ومعرفية معقدة .وبدلا من بلورة اركيولوجيا معرفية" للتأسرل" الإسلامي ، فإن المفكر الإسلامي ،فإنه يكتفي بنقد النصوص الفرعية رغم ارتهانها الرؤيوي البين للأصول المرجعية .ولا مجال لمطالبة الفكرية الإصلاحية ، ببلورة سيكولوجيا تاريخية ، للتعالق المركب بين اليهودية والإسلام في الزمان المحمدي وفي تدوين وبناء العقل العربي- الإسلامي .وندرك حجم التداخل بين العالمين الدلاليين ، متى وقفنا على تسرب الإسرائيليات إلى المتن السني والى المتون التفسيرية ذات السلطة الفكرية المعترف بها أرثوذوكسيا .
يقول مصطفى بوهندي عن إسرائيلية أحاديث أبي هريرة ما يلي :
( وكيفما كان الحال فهذه الروايات أخبار إسرائيلية وكتابية كانت تبحث لنفسها عن موطئ قدم في الثقافة الإسلامية في عصر الرواية الشفوية ، وكان أبو هريرة أحد التلاميذ النجباء والقصاص البارعين الذين استطاعوا تحقيق هذا الأمر واستطاعوا ترويجه والاستشهاد عليه ، أولا بالحديث النبوي ، ثم برفعه ليصبح حديثا ؟!)
(مصطفى بوهندي – أكثر أبو هريرة – دراسة تحليلية نقدية – 2003-الطبعة الثانية –ص.84)
يضع التسليم بتسرب الإسرائيليات إلى المتن السني ، الفكرية الإصلاحية في احروجة ؛مما يدفع بعض أقطابها إلى رفض الحديث جملة ( الصادق النيهوم واحمد صبحي منصور ومحمد شحروروعدنان الرفاعي
... الخ ) أو إلى قبول أجزائه الموافقة للنص القرآني فقط ( جمال البنا )أو إلى قبوله مع التماس حلول تلك الاحروجة في التأويل وتوسيع الدلالات .
ولا يمكن إدراك خطورة تسرب المرويات الإسرائيلية إلى النص السني ، إلا إذا تأملنا الوضع الثيولوجي لذلك المتن وتمتيعه بالقداسة المتعالية ، بعد رسالة الشافعي خصوصا .
لقد أشار نضال الصالح إلى موضع الترابط بين التراث الإسرائيلي والإسلامي في النصوص التفسيرية ، إلا أنه لم يشر إلى تسرب الإسرائيليات إلى المتن السني أولا ، ولا إلى سياق تسرب تلك المرويات إلى التراث التأويلي الإسلامي .كان من المنتظر في كتاب مخصص للإسرائيليات في التفسير القرآني، أن يبين الملابسات المعرفية والتاريخية والاجتماعية لذلك التشابك ، إلا أن المفكر الإصلاحي ، يكتفي باستشكال ذلك المتن المستعار دون بلورة نظرية في التناص أو في التراكب النصي بين أشكال التراث أو في التنافذ الثيولوجي بين العقائد الآسيوية الثلاث .وقد سعى ابن خلدون إلى تفسير ظاهرة احتكام المسلمين الأوائل إلى التراث الإسرائيلي بقوله في المقدمة :
( ...والسبب في ذلك أن العرب لو يكونوا أهل كتاب ولا علم ، و إنما غلبت عليهم البداوة والأمية . فإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات ، وبدء الخليقة ، و أسرار الوجود ؛ فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى . و أهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ، ومعظهم من حمير الذين اخذوا بدين اليهودية .فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم ، مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها ، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم و أمثال ذلك . )
(-ابن خلدون –مقدمة ابن خلدون – تحقيق : درويش الجويدي – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – طبعة 2002-ص.409-410)
يثير الشاهد الخلدوني إشكالية بناء الذاكرة الإسلامية في الزمان الإسلامي الأول ، وحتمية التثاقف بين الفكرية العربية – الإسلامية
والمنظومة العقدية الكتابية .فهذا التثاقف ، ليس ترفا فكريا أو حاجة فكرانية أو سياسية أو مناورة سيكولوجية إلا عرضا ، بل هو تعبير عن انتقال من النص إلى المنظومة ، من النص الخام إلى الثقافة القائمة على التعليل والتخييل والأسطرة .فالنظام الثقافي الإسلامي ، لم يتأسس اعتمادا على النص القرآني فقط ، بل على النصوص الكتابية كذلك .فقد مثلت الإسرائيليات مادة هامة ، في بناء الضمير الإسلامي وفي بلورة الثقافة الدينية الإسلامية نفسها . وبدلا من المطالبة بتنقية المدونات السنية والتفسيرية والتأويلية من الإسرائيليات والمسيحيات ،يلزم كتابة التاريخ النقدي لذلك التثاقف الإشكالي ، المحكوم بالتجاذب والتنافر ، بالتقارب والتباعد ، بالتأصيل والاستئصال ، بالمسايرة والمخالفة .
( فليس هذا موضوعنا هنا و إنما نحاول أن نسلط الضوء على وقوع كتبة التراث والمفسرين المسلمين في مصيدة التفسير التوراتي للآيات القرآنية التي تخص بني إسرائيل ، و إعطاء بني إسرائيل قدسية الحق التاريخي في وطننا العربي عامة وفلسطين خاصة ، إلى جانب زرع هذا الفكر في الوعي الإسلامي مما يخلق داء الانفصام بين ما هو ديني وما هو وطني . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –ص134).
تتأسس رؤية المفكر الإصلاحي هنا ، على استشراء شيزوفرينيا قاتلة في الفضاء الثقافي الإسلامي ؛ ويحمل مسؤولية هذه الشيزوفرينيا إلى النصوص الثواني ، الطافحة بالموروث الإسرائيلي . بيد أن هذه الرؤية ، تنطوي على حصر في الاستهداف وعلى ابتسار في التعامل مع كلية المنظومة .
ونجمل ملاحظاتنا على هذا المخرج فيما يلي :
1-توزع المنظور القرآني بين تقريظ وتقريع بني إسرائيل ؛ وانتظام الرؤية القرآنية في الأفق الأنبيائي ، المخالف للتراث التعديدي لثقافات الشرق الأوسط القديم ؛
2- حاجة الأمة الصاعدة إلى تتميم وتكميل هويتها الدينية أولا ( المتن السني ) وهويتها الثقافية ثانيا ( كتب التفسير والكلام والتاريخ والتصوف ) ثانيا ؛
3- توزع النصوص الثواني بين تقريظ وتقريع بني إسرائيل ؛ فالصور المقدمة عن بني إسرائيل في النصوص التفسيرية والتأويلية ، في غاية التركيب ، بما لا يسمح بوصفها بممالأة الفكرية الإسرائيلية ؛
4-إسقاط مفهوم الوطنية على فضاء سوسيو-ثقافي ما قبل حداثي لا يعرف للوطنية معنى ؛
5- الاكتفاء باستعراض التأويل التقليدي دون اقتراح تأويل ملائم لقراءته للنص المؤسس ؛
( يعتبر المفسرون بلا منازع أن المعنيين في هذه الآية هم بنو إسرائيل ، واختلفوا فقط في تحديد "مشارق الأرض ومغاربها " التي أورثها الله لهم . ففي تفسير ابن كثير ورد أن ذلك يعني بلاد الشام ؛ وفي تفسير القرطبي أن البعض قال أرض القبط ، أي مصر ؛ فيما قال البعض الآخر إنها أرض مصر والشام ومشارقها ومغاربها ، وقيل بل أرض كل الأرض ؛ وعن آخرين أراد بذلك جميع الأرض لأن بني إسرائيل ، داود وسليمان ، ملكا الأرض كلها . )
(-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –ص-132-133).
لا يملك نضال الصالح ، إلا الإحالة على النصوص التفسيرية ، والتزام سلوك اللاتأويل أمام إفادة النص المؤسس والابتعاد عن استعمال الآليات التأويلية المتداولة عند الإصلاحيين. فثمة نصوص قرآنية صريحة ،تنتصر للطرف الإسرائيلي ضدا على الأطراف "الوطنية " وتعتبر بعض المثالات ( فرعون المصري / نمرود الرافديني / جالوت الفلسطيني ) نماذج معيارية للخطاب التعديدي وللمصير التراجيدي البائس !

( يهود اليوم يبنون بناء على هذه الأساطير حقا تاريخيا لهم في وطننا ، ونحن نلوك مقولاتهم ، ونعطيها قدسية هم في أمس الحاجة إليها .ألا يعتبر ذلك نوعا من انفصام الشخصية ، شخصية الوطني الذي يرفض ادعاء يهود اليوم بالحق التاريخي ، وشخصية الديني الذي يشرب منذ صغره من ينابيع التراث سيلا من الأساطير الإسرائيلية . )
-نضال عبد القادر الصالح – داء الفصام بين الديني والوطني –- ص8).
يفصح هذا الشاهد عن شقاء في الوعي وعن تحسس تراجيدي لفداحة المأزق الثقافي والسياسي الراهن ؛ والغريب في هذه الشكوى ، هو تلمسها للإشكال بدون تعيين مصدره الأصلي .وبدلا من تقديم تأويل للنصوص القرآنية والسنية المتضمنة للرؤية الإسرائيلية ،استنادا إلى الآليات التأويلية المتداولة لدى الإصلاحية الإسلامية التقليدية أو المحدثة، أو اقتراح آليات جديدة غير متداولة في المجال التداولي العربي – الإسلامي الراهن أو الانخراط في استشكال تاريخي اركيولوجي جذري للأصول ، فإنه يكتفي بإرجاع جذور الإشكالية إلى إسرائيلية التفاسير والنصوص الثواني .ورغم مناداته بتأويل الظاهر القرآني ، فإنه يبتعد كليا ، عن مقاربة النص المؤسس وتأويل نصوصه وفقا لأجهزة وأطر التأويل المشار إليها عرضا في مواضع متفرقة من الكتاب .
حين يفتقر الخطاب ، إلى دقة الاستهداف ، رؤيويا ، والى نجاعة الأدوات ، منهجيا ، فإنه يتوه في متاهات نظرية ومنهجية ومفهومية، بلا حدود .وحين تتسع الفجوة بين المبتغى والمتحقق ، وتضيع المفاهيم في اللااجرائية والمنهجية في التطوح ، والمقصد الإيديولوجي – السياسي في الشجن والشكوى والفصامية ، فإن الإشكالية الإصلاحية تتهاوى وتفقد مبرر وجودها من الأساس وتضيع في الفصام . ولا بديل إذاك إلا اكتشاف فضيلة الشجاعة الأدبية ، وتغيير الإبدال جذريا !

يكثر الخطاب الإصلاحي إذن ، من نقد النصوص الثواني ، إلا أنه يظهر شللا ذهنيا ، إزاء النص المؤسس .وحتى حين يسعى إلى اعتماد التأويل لتلافي المخالفة ، فإنه لا يفعل آلياته إما لاعتبارات سيكولوجية أو منهجية أو سياسية .كما أنه يكتفي بقراءة الجزئيات الحدثية دون ربطها بسياق الاستعادة التحيينية المنجزة في الأوان المحمدي للموروث اليهودي – النصراني الأصلي والموازي والهرطوقي .لا تكتفي الاستعادة باستحضار الحدث ، بل تقرأه في ضوء تناقضات ومبتغيات واستراتيجيات الذات والجماعة التاريخية .ومعنى هذا ،أنها تذوت الحدث التاريخي- الأسطوري ، وتجتافه حتى يطابق همومها و أشواقها .فكل استحضار استملاك وتفريد ؛ ولا يتم الاستملاك إلا باستبعاد الآخر الشبيه من دائرة المنازعة ؛ ولا يتم التفريد إلا بإخراج الحدث من دائرة العموم والمشترك وإلحاقه بالمصير التاريخي للذات .وهكذا ، يذوب التاريخ – الأسطورة في السيرة الذاتية للفرد المؤسس وفي السيرة الجماعية للأمة المجاهدة أولا والمفسرة ثانيا ، وترتسم ملاحم مصير تاريخي استثنائي في المدى الزماني المنفتح على الزمان الاسكاتولوجي! .
وانطلاقا من هذه الاعتبارات ، لا يمكن فك الاشتباك بين الوطني والديني ، إلا بتغيير المنظور المعرفي كليا وتجاوز الرؤية الإصلاحية جذريا .أما إذا حرص المفكر الإصلاحي ، على تغليب التضامن التاريخي مع الأمة على صياغة إبدال معرفي جديد ، فإنه سيعاني نفس الويلات الفصامية أو الشيزوفرينية ، خصوصا في حالة موسومة، إسلاميا، باستحالة تجاوز السماء الإسرائيلية !
( حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال : حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن ؟ " . )
(- البخاري- صحبح البخاري – اعتنى به : محمود بن الجميل – مكتبة الصفا – القاهرة – الطبعة الأولى – 2003-الجزء الثاني – كتاب أحاديث الأنبياء- باب ما ذكر عن بني إسرائيل –ص. 167)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 3
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 2
- في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 1
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 2
- نقد التصوف في كتاب - وصف إفريقيا - للحسن الوزان 1
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 2
- القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
- العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 2
- الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 4
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية - نقد تفكيكية علي حرب 3


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد فصام الفكرية الإصلاحية -نموذج نضال الصالح 4