أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان - الجزء الثالث















المزيد.....


تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان - الجزء الثالث


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2901 - 2010 / 1 / 28 - 02:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فالفقه- فكرا ومؤسسة- مرتبط برسوخ التحضر واستقرار البنية الاجتماعية ، وتوافر المقتضيات السياسية والاقتصادية الملائمة ، إلا أن مراكش مدينة الفقه والفقهاء ، دخلت في مرحلة تدهور ، انتفى فيها الفقه نظرا وعملا ، وتفككت أثناءه مفاصل المؤسسة الفقهية بوصفها النظام الفكري المتغلب على سواه من الأنظمة المعرفة في الحضارة العربية-الإسلامية .
وحين يغيب النظر الفقهي ، يقفز المقدس غير الممأسس إلى مقدمة المشهد الرمزي ، وتتجلى قسمات الفكر المناقبي التحاجي جلية ، و تستبد الفوضى التجويزية بالأذهان .
( وقد أراد كثير من الملوك أن يزيلوا هذه التفاحات ويسكوها نقودا عندما اشتدت حاجتهم إلى المال ، ولكنهم في كل مرة تحدث لهم حادثة غريبة تلزمهم بتركها في محلها حتى إنهم تطيروا من مسها ، وتقول العامة إن التفاحات وضعت هناك تحت تأثير احد الكواكب ، بحيث يستحيل أن ينزعها احد من مكانها ، كما تقول بأن من ركز تلك التفاحات قرأ عليها عزائم سحرية ألزمت بعض الأرواح برصدها على الدوام . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص. 131)
فقد تحولت مراكش المرابطية والموحدية ، إلى محض بلقع فكري ، حاضن للفكرية الإحيائية والسحرية والمناقبية .فحين ينقطع السند الفقهي وتفقد السلطة الفقهية هيمنتها على عقلنة وتنظيم المقدس ، يرتد الاجتماع البشري إلى الفوضى الدلالية ويصعب التحكم في مسارات الترميز والعقلنة وفي تدبير العلامات الكونية والإنسية ، ويجد الإنسان صعوبة بالغة في تحديد وتعيين من يمتلك شرعية تدبير المقدس .
لقد رسم الحسن الوزان صورة مأساوية لحاضرة إمبراطورية ، فقدت بوصلتها الثقافية والحضارية وارتدت إلى السيكولوجيا البدوية أي إلى المعرفة السحرية . والأنكى أن المخيال الأمازيغي ، يعيد امتلاك المقدس الممركز والأرثوذكسي ، أي فضاء المسجد ، وذلك بإخضاعه لسلطة المقدس اللاممركز واللاارثوذكسي . لم يجد المتخيل الأمازيغي إذن ، أي ضير في وضع الفضاء القدساني التوحيدي ، تحت رعاية القوى العلوية للفكر التعديدي التشريكي .
فقد تماهى امازيغ مراكش بصنيعهم المخيالي ، المتمثل في الدمج بين المقدس التوحيدي الإسلامي ( صورة المسجد ) والمقدس التعديدي . فقد أقدمت الذات الأمازيغية ، في غياب سلطة المؤسسة الفقهية الممركزة ، على إعادة تأويل وقراءة المقدسين ، وإعادة صياغتهما بما يتفق مع نظامها الترميزي .
لقد نسب الحسن الوزان هذا التركيب وهذا الاجتياف ، لسذاجة العامة ، أي لغفلة العقل الجمعي غير الخاضع لمعايير النسق الفقهي وموجهات النظام المعرفي البياني . كما أشار ، إلى اعتداد امازيغ مراكش آنذاك بتفاحات جامع يعقوب المنصور بالقصبة السلطانية بمراكش ، واعتبارهم إياها جزءا من هويتهم الثقافية .
( وفي أيامنا هذه أراد ملك مراكش الذي كان عليه أن يصد هجمات المسيحيين البرتغاليين ولا يبالي بسذاجة العامة ،أراد أن ينزع هذه الكرات ، لكن السكان منعوه من ذلك بدعوى أنها تمثل أشرف حلية لمراكش . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص. 131)
من المحقق أن الذات الأمازيغية ، استملكت مقدس التفاحات الذهبية الثلاث ( الأربع عند مارمول كربخال ) واعتبرته تجليا لهويتها القدسانية ، ورمزا لاستقامة اجتماعها ، خصوصا في الأوقات العصيبة ،أي في أوقات احتدام حروب المقدس .
وقد بلغ التماهي مع هذا الرمز، حد دفع بالمراكشيين إلى التصدي للسلاطين أيا كان نصيبهم من القداسة أو حظهم من الشرعية القدسانية أو المناقبية . مما ينهض دليلا على تشكل سلطة سياسية للمقدس اللاممركز ، وقدرة الذات المجتافة للمقدس المنقول ، على تسييس حصيلة التركيب بين مأصولات الذات ومنقولات الغير القدساني .
وقد قدم مرمول كربخال إفادة هامة في هذا السياق ، أي في سياق اجتياف فكرة رمزية والتماهي معها إلى درجة الاستعداد للاستعباد . فمن يستعبده الرمزي القدسي ، لا يضيره الاستعباد السياسي أو الاجتماعي .
( وعندما كنت في هذه المدينة قال لي فقهاء الجامع إن الملك ناصر بوشنتوف أراد أن يقلع هذه التفاحات ليؤدي الأجور لجنده عندما كان يزعجه مولاي إدريس والأعراب من جهة ، والبرتغاليون ويحيي وملك فاس الذي أراد أن يسلبه هذه المدينة من جهة أخرى . لكن السكان عارضوه قائلين إنهم يفضلون أن يبيعهم وأبناءهم على أن يزيل شرف مدينتهم . )
(- مارمول كربخال – افريقيا – الجزء الثاني - ص . 49)
فالشاهد السابق لمارمول كربخال ، يؤكد ما أكده الحسن الوزان من تعظيم المراكشيين لأمر التفاحات الثلاث ، ولتقديس العوام لها واستماتتهم في المحافظة عليها باعتبارها علامة الهوية القدسانية ، وقرينة دالة على ارتباط العالم المحايث بالعالم المفارق ، وعلى لا تناهي العالم وعدم انحصاره في أفق المادة وعالم التدافع البشري المفضي إلى المآسي في الغالب .
والحقيقة أن الحسن الوزان قدم افادات ، هامة جدا عن صراع الرمزيات في مغرب العصر السعدي ، وارتباط تماسك الاجتماع المغربي وانتظام الشرعية السياسية ، باعتماد مقاربة مخصوصة للمقدس . فالحواضر المغربية ، فقدت آنذاك ، ألقها الحضاري وتماسك معناها الثقافي وتلاحم عناصر نظامها الاشاري والتأويلي . ففي غياب التعقيل والمعاقلة والفعالية الاستدلالية والبرهانية ، يكتسح المقدس كل المظاهر الاجتماعية ، وتضيع العلامات والحدود المرسخة فقهيا ، بين العوالم الثلاثة أي بين عالم العناصر وعالم الحوادث وعالم الأكوان .
فلئن عمدت المؤسسة الفقهية إلى تعيين الحدود بين الشاهد والغائب ، وترسيم احياز الغيب ، وتقنين المؤسسة المشرفة على تدبير واستثمار المقدس ، فإن المقدس المحلي اللاارثوذكسي و غير الممركز ، يعمد إلى توسيع نطاق المقدس ،وتحكيم صوره الميثية وأنماطه النموذجية ، ونماذجه الفكرية اللاسببية في كافة مفاصل الاجتماع الإنساني .
ففي معرض حديثه عن مدينة تاغية ، أورد افادات سيرية ذات قيمة هامة ، في تحليل موقف الحسن الوزان من المقدس غير الممركز ، وفي تدبر أحوال المقدس في حاضر فقهية معتزة برسوخ أقدام ساكنتها القيروانية- الأندلسية في التحضر وفي آليات التدبير البياني للمقدس .
( وهذه المدينة بسيطة جدا ، دورها مبنية بناء رديئا دون جير ، وفيها ضريح ولي عاش في عصر الخليفة عبد المؤمن ، يقال إن له كرامات عديدة ضد السباع ، ومكاشفات عجيبة . وقد ترجم له ترجمة حافلة عالم يدعى التادلي وذكر كراماته واحدة واحدة واعتقد شخصيا بعدما قرأت قصة تلك الكرامات أن الرجل كان يتصرف بفن سحري أو باستعمال بعض الأسرار التي كانت له ضد الأسود .وشهرة هذه التصرفات وتقديس العامة لهذا الولي الصالح هما السببان اللذان جعلا الناس يشذون الرحال إلى هذه المدينة بكثرة ، فيخرج أهل فاس لزيارة هذا الضريح بعد عيد الفطر من كل سنة ، في جموع كثيرة رجالا ونساء و أطفالا وكأنهم جيش زاحف ، يحمل كل واحد خيمته على ظهر دابته ، بحيث تكون جميع البهائم محملة بالخيام والأشياء الأخرى الضرورية للمعاش .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص.205)

فالحسن الوزان لا يقرأ كرامات يلنور بن ميمون ، من داخل مقولات النظام البياني ، أي من داخل المقولات العرفانية المدمجة في المتصورات السنية .فقد حاولت المؤسسة الفقهية ، محاصرة المقدس غير المنضبط لمعاييرها ولآلياتها التفسيرية والتأويلية ، وسعت إلى حصر الأفق العرفاني في التماهي واستعادة واقع التروحن المحمدي وعدم تجاوزه . إلا أنها أرغمت أمام استحالة تلك المحاصرة ، على فتح كوى للتحاج والتجويز والتروحن العرفاني ، والى قبول شرعية التجربة الصوفية غير المغالية في الشطحات ووفي اختراق السياجات المعيارية للفكرية الفقهية والأصولية .أما الحسن الوزان ، فلا يبحث عن الموافقة ، بل يرفع ، صراحة ، راية المخالفة ، إذ يعزو كرامات أبي يعزى إلى تمرس كبير بالسحريات .
لا جدال في أن التصوف اكتسب قوة كبرى في المغارب منذ أواخر العصر المرابطي . وترجع غلبته ، السوسيولوجية إلى ما يلي :
1- عجز المنظومة الفقهية والأصولية عن تدبر الخصوصيات الانثروبولوجية للثقافات الإفريقية ،
2- ارتباط المؤسسة الفقهية في الغالب بالمؤسسة السياسية( ارتباط الفقهاء المالكيين بالسلطة المرابطية مثلا ) ،
3- انطواء الفكر الفقهي على مفاهيم تحاجية كمونية وصدور تشريعاتها عن مصدر غيبي ، فأركان العقيدة والشريعة غيبية في الأصل ،
4- حصر المؤسسة الفقهية للتجربة الروحية في حدود التروحن المحمدي ، في ثقافات خبرت أشكالا مختلفة من العرفان والتروحن ( احتجاجات أبي يزيد البسطامي والحسين بن منصور الحلاج وعبد القادر الجيلي وعبد الحق بن سبعين على حصر الروحية في تكرار النموذج المحمدي مثلا ) ،
5- عجز النظام البياني عن تجفيف ينابيع الفكر الإحيائي السحري وتطويق المقدس التعديدي .
لا جدال في أن التصوف المغربي استهدف تفكيك التحالف بين الفقهاء والسلاطين ، وتغليب منظوره العقدي والروحي ومسالكه المعرفية على المنظور العقدي والروحي للفكرية الفقهية . وتكشف محنة ابن العريف وابن برجان وصالح بن حرزهم وابي عبد الله الدقاق والميورقي وإحراق كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي عن استشراء الصراع الفكري والتأويلي القائم بين المنظومة الفقهية والفكرية الصوفية في الأوان المرابطي .وقد طبع هذا الصراع مجل التاريخ المغاربي ، مما يكشف عن صدوره عن اختلافات منهجية ومعرفية وفكرية وسياسية ، جوهرية .كما أن المسلك العرفاني ، قادر على اختراق العقيدة والشريعة ، وتجاوز الأفق النبوي كما في حالة الصوفي أحمد بن يوسف الملياني ..
( جاءت ب" البستان " ثلاث شطحات منسوبة إلى الشيخ أحمد بن يوسف ، وتدخل في باب التعبير عن تجربته الذاتية في مضمار العلاقة مع الله ، وهي :
-"أنا جالس في حجر الحق سبحانه يفعل بي ما يشاء "
-" المولى جل جلاله مدني بمده ووصفني بأوصافه ، أنا هو وهو أنا "
- " والله ثم والله لولا خفت أن أعبد من دون الله لأظهرت لكم الحق عيانا " )
(-عبد الله نجمي – التصوف والبدعة بالمغرب –-ص. 170) .

وبالنظر إلى الوضع السوسيو- ثقافي للحسن الوزان ، فانه يقف موقفا تشككيا من الفكر الكرامي والمناقبي ويرجع كرامات الولي العارف أو القطب أبي يعزى ، إلى تحكمات سحرية أو اسرارية . فمن الواضح أن الحسن الوزان يكاد يحصر كرامات أبي يعزى في ترويض الأسود ، فيما تتسع تجربته الصوفية وامداء كراماته إلى مجالات وحقول فكرية وذهنية ونفسية واجتماعية وسياسية اكبر ، بشهادة ابن الزيات التادلي في ( التشوف إلى رجال التصوف ) و التادلي الصومعي صاحب ( المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى ) .فالفكر الصوفي يربط صحة الكرامة بصحة الولاية ، أما الحسن الوزان فيستبعد الولاية في تفسير واقعة خرق العادة ، ويحيل عجائب أبي يعزى إلى نظام باطني غير موصول بالتأله .
ويقدم الحسن الوزان افادات ذاتية ، تكشف عن عمق حضور الفكر الكرامي في المجتمع المغربي ، واختراق الوجدان المناقبي ، لحاملي مشعل الفكر الفقهي ، المتعالي على تأويلات ومسلكيات الصوفية .
( وقد كان أبي يأخذني لزيارة هذا الضريح ، ولما بلغت مبلغ الرجال ذهبت إليه مرات للوفاء بنذور نذرتها عندما تعرضت لخطر الموت بسبب الأسود . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا –-ج1- ص.205)
من القسمات الواضحة في الاجتماع المغربي ، سيولة المقدس وتوغل الجذوة القدسانية في نفوس ومهج المغاربة والمغاربيين خصوصا في أزمان الارتجاجات الكيانية الكبرى ؛ فالالتفاف حول الأشخاص الكارزميين آنذاك يرجع إلى الملابسات التالية :
1- تأزم المنظومة الفقهية وعجز التركيبة التوفيقية ( المالكية / الأشعرية / الجنيدية – الغزالية ) عن الإجابة العملية والدينامية على استعصاءات الزمن المغاربي ، الحضارية والثقافية ، لا السياسية فقط ؛
2-تذرر النظام السياسي وصعوبة اضفاء الشرعية السياسية على الأنظمة القائمة ،
3- تدهور البنيات التحتية والبنية الاقتصادية ،
4- اختلال البنية الاجتماعية والسياسية بسبب الحضور التخريبي لقبائل حكيم ومعقل وهلال ،
5- احتداد المنافسة والاقتتال الإسلامي – المسيحي حول شمال إفريقيا ،
6- عدم تمكن المنظومة الفكرية الرسمية من سبر التاريخ والواقع المغاربي وارتهانها لاستيهامات الفكرية العربية الإسلامية وفضاءاتها الرمزية ،
7- الإيغال في ترميز الكون واستملاك الطبيعة لاهداف دعوية أو اسكاتولوجية وغياب أي مشروع لتعقل الطبيعة والسيطرة على مفعولاتها ؛

وقد حاول المؤرخ التونسي هشام جعيط من الاقتراب من هذه الملابسات ، بقوله :
( وربما كانت تلك القرون الخمسة ( 1000-1500) من الحكم البربري ، ولكن وفقا لنموذج إسلامي ، قد مثلت اسطع حقبة من العصر الإسلامي لتاريخ المغرب ، على ثلاثة مستويات : مستوى تنظيم الدولة ، وازدهار الحضارة ، وانفتاح الثقافة . وحطمت ثلاث قوى ذلك التوازن : البداوة العربية الناشطة اعتبارا من القرن الحادي عشر والتي ينبغي التفريق بينها وبين الفتح العربي ؛ العدوانية الاسبانية التي نجم عنها ، من جملة العواقب ، وضع يد الأمبراطورية العثمانية على تونس والجزائر . )
(- هشام جعيط – أزمة الثقافة الإسلامية – دار الطليعة – بيروت – لبنان - الطبعة الأولى 2000- ص . 168)
لهذه الاعتبارات ، تمسك المغاربة ببنى المقدس ، وانشغلوا بأسطرة الأشخاص النموذجيين ، وفق الآليات الرمزية المتجذرة في الذاكرة الجماعية وفي نظام التمثلات الإفريقي . والحقيقة أن الحسن الوزان ، لا يولي أي اهتمام معرفي ، لمسار انبثاق الحقائق السوسيولوجية ولا لكيفية بروز الأشخاص الكارزميين ، ولا لسيرورة التماهي مع الدلالة المخيالية ؛فالخطاب العالم يكتفي بإحالة الصور والمجازات والرموز العرفانية والمناقبية ، إلى الوعي الجمعي لكتل عامية ، منغمسة كليا في اللامعقول وفي عوالمه العجائبية .
( ذهبت إلى تازا واتصلت بشيخ مشهور عند العامة بالصلاح ، وكان واسع الثراء من محصول أملاكه ومن الهبات التي يقدمها له أهل تازا و أهل فاس ، ويشد الفاسيون الرحال لزيارته من مسافة خمسين ميلا . وكنت من الذين يرتابون فيما يفعله هذا الشخص قبل أن أراه ، فلما رأيته تبين لي أنه كسائر الناس ، لا يعمل إلا أشياء ( عادية ) تخدع العامة . )
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا -ج1- ص.355)
إن الاستمرار المدهش للمقدس اللاارثوذكسي في مغارب شهدت "مثاقفة" ارغامية ، وقرضا منهجيا للبنى الانثروبولوجية للمتخيل الأمازيغي ، ليدل على صعوبة أسلمة المغارب ، وإحلال الدلالات الخيالية العربية الإسلامية محل الدلالات الخيالية المحلية .
فالأرثوذكسية تستخدم آليات منهجية للسيطرة على السوى الفكري والانثروبولوجي ، و تستعمل استراتيجية تسمية دالة في الحجاج والإقناع وتحريك ذاكرة ومخيال المتلقي ؛ كما أنها كثيرا ما تقرأ تراثا معينا بمفاهيم تراث آخر . وتكثر من إصدار أحكام القيمة العقدية ، على تراثات ثقافية غير مدروسة ، بالدقة العلمية المطلوبة، مما يسم مناولاتها المقارنة أو التحليلية للتراثات الغيرية بالتحيز والعندية والنسبية التاريخية .
ثم إن الذات المركزية الواثقة من علمها الشرعي ومن موقعها العالم ، غالبا ما تستحضرالممارسات الجنسية للتدليل ، على دونية الموصوف وعلى اتضاعه الإنساني .فالتأنيس مرتبط باكتساب سلوكيات جنسية شرعية ؛ وأي ممارسة جنسية خارج العقل الجنسي التوحيدي ، هي دليل قاطع على البهيمية وعلى التوحش .واستنادا إلى هذا التسويغ ، فإن الحسن الوزان لا يلتفت إلى بنية ووظيفة الطقوس ، ولا يبحث عن الرموز الثاوية خلف السلوكيات الجنسية اللاارثوذكسية .فالآخر لا يحفز مخيلة وعقل الملاحظ هنا ، على استشكال الدلالات والأحكام المرسخة وعلى تنسيب مواقع عقله ومخياله الجنسي بالذات .

(....ويعني اسمها منبع الأوثان ، يحكى أن الأفارقة عندما كانوا وثنيين ، وكان لهم قرب هذه المدينة معبد يجتمع فيه الرجال والنساء عند غروب الشمس في فصل معين من السنة ، وبعد أن ينتهوا من تقديم القرابين كانوا يطفئون الأنوار ويستمتع كل واحد بالمرأة التي توجد صدفة على مقربة منه . وإذا أتى الصباح منعت كل امرأة قضت تلك الليلة في المعبد من أن تقترب من زوجها لمدة سنة ، و الأطفال الذين تلدهم أولئك النساء في تلك الفترة يربيهم كهان المعبد .وكان في هذا المعبد عين مازالت موجودة لحد الآن .لكن المسلمين دمروا المعبد والمدينة ولم يبق لهما أثر .)
( -الحسن بن محمد الوزان الفاسي – وصف إفريقيا - ص.364)
تأتي هذه الاستعادة لدعم البرنامج الحجاجي للحسن الوزان ؛ وهو برنامج قائم على قياس جدارة الثقافة بمطابقتها للعقل الجنسي التوحيدي عموما وللعقل الجنسي الإسلامي تخصيصا .والواقع أن استعادة الوزان ، تستحضر طقوس الجنس المقدس ، الراسخة في التقاليد الفكرية للشرق الأدنى نفسه . فمما لا شك فيه أن نسقه الفكري ، لا يدفعه إلى التفكير في اقتصاد المقدس الجنسي ولا في أنماطه ولا في مسوغاته الدلالية والتداولية ، وكأن العقل الفقهي قال القول الفصل في علائق المقدس بالجنسي .
والأغرب أن الذاكرة السنية احتفظت بنفس الطقس ، واعتبرته صك ادانة ضد كل المخالفين في التدبر والتأويل .فقد نسبت المراجع السنية ليلة الغلطة أو الخلطة أو ليلة الفتيلة إلى الطائفة اليوسفية ، لاعتبارات فكرانية وسياسية :

( يقيم المحسانيون وليمة في نهاية الخريف من كل عام ، ويسمونها تصحيفا ب"اللامة " . وفي ليلة هذا الاحتفال ، يلجأ الرسمة وعددهم خمسة عشر نفرا إلى كهف فسيح ، يضيئه نور خافت ، وتتربص فيه نسوة في مثل عددهم . ويبتلى الرسمة قبل دخولهم الكهف بنفس الامتحان المهين المذكور عند قبيلة الزكارة . وبعد دخول الرسمة إلى الكهف ، وانفرادهم بالنسوة القابعات في عتمته ، يأمر أحدهم بإطفاء الأنوار . ويختلط الرجال بالنساء . وتدوم هده الحال حتى مطلع الفجر. )
(-عبد الله نجمي – التصوف والبدعة بالمغرب ––-ص. 354) .
فهل يتعلق الأمر بتهمة باطلة ، وجهت للطائفة اليوسفية أو العكاكزة ، لانتسابهم العميق للطريقة الراشدية ؟ أم أن الأمر ، دليل على استعصاء العقل الجنسي الأمازيغي على الترويض التوحيدي بدلالة الاختراقات اللاارثوذكسية المسجلة في كتب التاريخ العام والرحلات والجغرافيا ؟ أليس" التبشيع "الجنسي مساوقا للتبديع والتكفير في التقاليد السنية – الأشعرية / بدلالة قول الغزالي :
( وقد بقي من البابكية جماعة يقال يقال إن لهم ليلة يجتمع فيها رجالهم ونساؤهم ويطفئون سرجهم وشموعهم ، ثم يتناهبون النساء ، فيثب كل رجل إلى امرأة يظفر بها ؛ ويزعمون أن من استولى على امرأة استحلها بالاصطياد ، فإن الصيد من أطيب المباحات .ويدعون – مع هذه البدعة – نبوة رجل كان من ملوكهم قبل الإسلام ، يقال له شروين ويزعمون أنه كان أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن سائر الأنبياء قبله .)
(- ابو حامد الغزالي- فضائح الباطنية – اعتنى به وراجعه : محمد علي القطب – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – الطبعة الأولى – ص.2000-ص.24)



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان ...
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 4
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية - نقد تفكيكية علي حرب 3
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2
- الانسداد النظري لما بعد العلمانية نقد تفكيكية علي حرب 1
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الرابع
- مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الثالث
- مفارقات المثاقفة بسوس- الجزء الثاني
- مفارقات المثاقفة بسوس - الجزء الأول
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها/الجزء الثاني
- الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة /الج ...
- التمركز العقدي في الرحلات السفارية / المثاقفة المستحيلة
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي(5)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )


المزيد.....




- رد فعل المارة كان صادما.. شاهد لص يهاجم طالبة في وضح النهار ...
- شاهد.. عراك بين فيلة ضخمة أمام فريق CNN في غابات سيريلانكا
- وزارة الصحة في غزة: 37 شخصا قتلوا خلال الـ 24 ساعة الماضية.. ...
- الضربة الإسرائيلية على إيران.. صور أقمار صناعية حصرية تظهر ا ...
- الحرب على غزة في يومها الـ 197: قصف على رفح رغم التحذيرات ال ...
- غرسة -نيورالينك- الدماغية: هل تستولي الآلة على ما بقي لنا من ...
- وزارة الدفاع الروسية: أوكرانيا هاجمت أراضينا بـ 50 طائرة مسي ...
- العراق.. قتلى في قصف على قاعدة للجيش والحشد الشعبي
- فرقاطة ألمانية تنهي مهمتها ضد الحوثيين في البحر الأحمر
- وفاة رجل أضرم النار في نفسه وسط نيويورك.. ماذا قال في بيان م ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم ازروال - تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان - الجزء الثالث