|
مقاطعة البضائع التركية الايرانية ... نكتة
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3094 - 2010 / 8 / 14 - 21:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من مُقدمات ومن الاسباب المهمة التي أدتْ الى تحَرُر الهند من الاستعمار ، هو دعوة " غاندي " الى مُقاطعة المنسوجات والملابس البريطانية الصُنع ، ولم تكن دعوةً إعلامية او فوقية ، بل ان غاندي بدأ بنفسهِ أولاً ، حين أحرق علناً ملابسه الافرنجية المصنوعة في المعامل البريطانية وارتدى اللباس الهندي المحلي البسيط ، فكانتْ الشرارة التي إمتدتْ الى كافة أرجاء الهند المترامية الأطراف وإبداعاً سلمياً بارعاً ودرساً في العصيان المدني ، هّزَ أركان الامبراطورية البريطانية . قبل يومين دعا أحد السياسيين الكرد ، الى مُقاطعة البضائع الايرانية والتركية في اقليم كردستان إحتجاجاً على قصف المناطق الحدودية بالمدفعية الثقيلة والطائرات ، بعد فشل كل المناشدات السابقة للدولتين بإيقاف الاعتداءات المستمرة بحجة وجود قواعد لحزب العمال الكردستاني داخل الحدود العراقية والتي يزعمون ان عمليات عسكرية مناوئة للدولتين تنطلق منها . أعتقد ان هذه الدعوة " رغم وجاهتها " غير واقعية وتدخل في باب التمنيات وليس إمكانية التطبيق والتنفيذ العملي . السبب الرئيسي في نجاح دعوة " غاندي " في الهند قبل عشرات السنين ، هو إستعداد " القيادة " المتمثلة بغاندي نفسهِ والمجموعة المحيطة به من المُساعدين والمستشارين والمؤيدين ، إستعدادهم للتخلي عن مظاهر البذخ والترف وتطبيق ذلك على الارض ، وجنوحهم الى التقشف والزهد . هذا من جانب ومن جانبٍ آخر ، فلقد كان عندهم " بديل " مَحَلي عن الملابس والمنسوجات البريطانية ، صحيح ان القطن والقماش والمنسوجات الهندية الصنع لم تكن بنعومة وألوان مثيلاتها البريطانية ، ولم يكن إنتاجها يكفي لسد إحتياجات السوق المحلي ، ولكن حركة العصيان المدني ومقاطعة المنتوجات البريطانية وإنضمام الأغلبية الساحقة من الجماهير الى الحركة ، كُل ذلك أدى الى التطور السريع في صناعة المنسوجات الهندية بحيث إستطاعتْ في فترة قياسية الى الاستجابة لمتطلبات السوق المحلية الواسعة ، كَماً ونوعاً . ببساطة كبيرة ، لو إفترضنا ان اقليم كردستان ، قّررَ فعلاً مقاطعة البضائع الايرانية والتركية ، فانه لامحالة : ( سيجوع شعب الاقليم ويعطش ) في خلال ايامٍ معدودةٍ فقط !. حيث انه وللأسف الشديد أصبح اقليم كردستان وخصوصاً في السنوات العشر الاخيرة ، واحةً لتصريف وإستهلاك المنتوجات التركية والايرانية بمختلف انواعها ، بعيداً عن رؤيةٍ استراتيجية تأخذ مصلحة شعب كردستان بالمقام الاول . فإبتداءاً بالعلكة مروراً بالالبان والاجبان والفواكه والخضر والحبوب كافة واللحوم والمياه والخبز ، وصولاً الى الطاقة الكهربائية و المبردات والاجهزة الكهربائية بكافة انواعها ومواد البناء ، إضافةً الى العَمالة من المهندسين الى عمال التنظيف ...الخ . كُل ذلك يأتي من ايران وتركيا ، تارة تحت شعار تحسين وتطوير العلاقات مع الدول الجارة ، واخرى بذريعة المصالح الاقتصادية المشتركة التي ستساعد على تثبيت العلاقات السياسية تدريجياً . وهذه الاسباب معقولة ومنطقية إذا كانت هذه العلاقات ذات إتجاهين ، اي تبادل السلع بين الجانبين ، او على اقل تقدير ، مساهمة ايران وتركيا في إقامة بُنية تحتية في اقليم كردستان ومعامل انتاجية للمنتوجات الغذائية والدوائية والانشائية ، لتشغيل الكوادر والعمالة المحلية ، لتنشيط الاقتصاد من جهة والمساهمة في حل مشكلة البطالة ثانياً . ولكن الذي يجري ليس كذلك بالمرة ، فأغلب المشاريع المُقامة لحد الان إستهلاكية مثل المولات وترفيهية مثل الفنادق والمجمعات ، وحتى بعض المشاريع الانتاجية الصغيرة التي اُنشِأت ، يعمل فيها الاتراك او الايرانيون فقط . اي بالمُجمَل لا أعتقد ان عندنا في الاقليم وحتى في العراق عموماً ، رؤيةً واضحة ل ( الأمن الغذائي ) ، بل ان انتاجنا الزراعي والصناعي تراجع الى الوراء بخطواتٍ حثيثة ، وبتنا نعتمد الى درجةٍ كبيرة على ما يأتينا من خارج الحدود ولا سيما من ايران وتركيا . لهذه الاسباب لا أعتقد ان الدعوة الى مُقاطعة البضائع التركية والايرانية ، مسألة جدية ، بل لاتتعدى ان تكون جزءاً من المزايدات السياسية داخل الاقليم .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطفال العراق وثقافة الاسلام السياسي
-
تخبُط قائمة الإئتلاف الوطني
-
كمْ نسبة الصائمين الحقيقيين ؟
-
حكومة المالكي وموت السيد المسيح
-
غزارة في - الموارد - وسوء في التوزيع
-
فساد ولا عدالة توزيع الثروات
-
دُعاء بمناسبة حلول شهر رمضان
-
اسطورة جسر - دلال - في زاخو
-
حمار بيك !
-
مونولوج على الطريقة المالكية
-
شؤونٌ عائلية
-
خديجة خان وخج العورة !
-
عجبتُ للعراقيين !
-
الإعرابي والمُدير !
-
سؤالٌ وجواب !
-
أنتَ مُخلص ...أنتَ مطرود !
-
بافرو !
-
الكرد في المشهد السياسي العراقي
-
مظاهرات البصرة ..بداية الإنتفاضة
-
- ألا يُسبب ضرراً للغنم ؟!-
المزيد.....
-
توقف وابتسم ثم غادر.. فيديو تصرف بايدن -الغريب- بعد سؤال عن
...
-
أكسيوس: خطاب بايدن يجدد الضغط على حماس لإبرام صفقة مع إسرائي
...
-
الغرب يشيد بمقترح بايدن ويحث حماس على قبوله
-
في يومهم العالمي.. زاخاروفا: أبلغوهم أن روسيا لا تستسلم ولن
...
-
بوتين يهنئ المواطنين الروس باليوم العالمي للطفل
-
العراق.. السلطات الأمنية تكشف تفاصيل جديدة في قضية البلوغر ا
...
-
بعد -حادثة الخريطة-.. فعاليات سياسية مغربية تطالب بإلغاء الت
...
-
-تعزز منظومة المناعة-.. فوائد الفراولة للصحة
-
Dell تطلق مجموعة من الحواسب المتطورة والأنيقة
-
كيف يؤثر النفي على فهمنا للعبارات والجمل؟!
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|