أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - الصيف .. صديق الفقراء والعشاق / والمهاجرين والمتعبين ..















المزيد.....

الصيف .. صديق الفقراء والعشاق / والمهاجرين والمتعبين ..


سيمون خوري

الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 15:10
المحور: الادب والفن
    




لإيام عديدة إصيبت أذني اليسرى بحالة " طنين " ، عندما كنا صغاراً قالوا لنا ، هذا يعنى أن أحدهم يتحدث عنك ، أو يتذكرك ..؟ هكذا فسرَ الكبار الأمور للصغار . مرة أخرى تصاب أذني بذلك الطنين .. إستحضرت أسماء معظم الأصدقاء .. كان الطنين يتوقف ويتمهل ، ثم يعود . أخيراً تذكرت الصيف والبحر والقمر وطيور النورس المسائية ، وأسراب السنونو في الصباح الجميل . توقف الطنين . فقد شعرت بالحنين لهذا البحر العاشق للإنسان .
إنه الصيف يحضر مصطحباً صديقة البحر . الصيف صديق الفقراء والعشاق والمهاجرين والمتعبين .
عفواًً " فيروز " ومعذرة ً ، أجراس الحب ستقرع .. شايفة البحر .. شو كبير ..؟! تنهدَ النهد ، ففي الصيف يصبح النهد طفلاًً . إنه الصيف شهر إستباحة المحرمات اللغوية ، وخرق " تابو " الإقتراب من جسد الطبيعة . الشهر الذي تعالج فيه الطبيعة الروح بلا تقديس ، ويتحاور البحر مع الجسد في حوار لا يعتقل ولا يقتل المحاور . فما أبشع النحر اللغوي في علاقاتنا أو بالتحديد في علاقاتهم . الصيف والبحر ، مروض العقول المريضة وقوانين الأحوال الشخصية الحولاء وقوانين " العيب والحرام " .
الصيف .. صديق الفقراء والعشاق والمهاجرين المساكين ، والمشردين والعاطلين عن العمل والمتعبين من زحمة العمل ، وروتين الحياة القاتل الصامت للحب . وعند حضور الصيف ، يصطحب معه البحر . فلا أحد بإمكانه العيش منعزلاً على طريقة " روبنسون كروزو " أو " حي بن يقظان " يمكن أن تحضر حفلاً سينمائياً أو عرضاً مسرحياً بمفردك ، أو تقوم بنزهة راجلة قصيرة . بيد أنك من الصعب مجاورة البحر بمفردك . حتى لوكنت بمفردك ، تحضر ذكرياتك تشاطرك الغوص في أعماق البحر حتى تصل إلى قاع الذاكرة القديمة أيام الصبا . تتذكر جدائل الصبايا الجميلات ، وتتذكر الصبايا ، عنفوان وشبق الفتوة اليانعة .
في الصيف ، يتنازل المرء طوعاً عن تلك الأردية الثقيلة من حمل الشتاء . والبحر يوحد في شاطئه الجميع . ويزيل كل أشكال النفاق الإجتماعي المصطنع ، وخجل التعري . أو الإحراج من تشوهات الجسد أو نوعية الملابس . ويمزق البحر الهويات الفرعية . فلا تعرف من أي بلد هذا أو تلك الحسناء .فلا يعرف البحر معنى التمايز العرقي أو الطائفي أو الطبقي فالبحر مشاع الجميع ، يغسل كل أحزان وهموم المتعبين . ويدخل البهجة والسرور الى قلوب الجميع التي تتحول الى قلوب أطفال تضحك وتركض وتلعب . فيما يرتشف الجسد ملح البحر وعبقة . ويسهر العشاق على رصيف البحر ، قرب القوارب الصغيرة النائمة على شفاه البحر . إنه البحر يختصر المسافات بين العشاق ، ويصبح الهمس سيد الموقف . فلا بندقية ، ولا متفجرة هنا تذكرك بالموت الأعمى . ولا فتوى كسيحة من عقل مشلول
عدد كبير من الكتاب العالميين شكل البحر بالنسبة اليهم مصدر إلهام ، بل عشق بعضهم البحر كما في رواية " الشيخ والبحر" لهمنغواي ، وفي أعمال أديبنا الكبير الراحل " حنا مينة " بل تحول البحر الى أغنية كما في أغان الفنان اليوناني " يانيس باريوس " وفي قصائد " رتسوس " والشاعر الكبير الراحل " محمود درويش " . وفي الأهازيج الشعبية كما في مصر " ياشط الإسكندرية يا شط الهوى " أو أغاني السيدة " فيروز " حبيتك في الصيف وحبيتك في الشتا " . وفي أغاني الصيادين الفقراء في اليمن الجنوبي . وأغاني فقراء أهوار البصرة. إنه الصيف والبحر بوصلة المهاجرين الى عالم أفضل . وحياة أمنة .
لكن عندما يحاول وعاظ السلاطين تنقيب البحر ،وتحليل السباحة ليلاً وتحريمها نهاراً إلا إذا كانت بعيداً عن عيون البشر وليس عيون الشياطين وبذلك الثوب الداخلي الذي يلتصق بالجسد عند ملامسة الماء ، عندها يصبح " إغراء حلال " أو سباحة " حلال " . فهو لا علاقة له بالبحر ، بل بغرف النوم المظلمة .
ما أبشع النحر اللغوي للطبيعة وللإنسان معاً ، عندما تحاصر النصوص العقل ، كما تحاصر الأسمال السوداء الجسد . ويحرم العقل والجسد من التوحد مع الطبيعة في شهر الطبيعة . معظم شعوب العالم التي دفعت ثمن حريتها ، تعمل أحد عشر شهراً لقضاء شهر واحد من العام في إجازة . وغالباً ما يكون البحر أو الجبل هو الهدف . تعلمنا من الشعوب الأخرى ثقافة العطلة السنوية ، وكيفية تجديد دورة الحياة . فالحياة لا يمكن أن تكرر مرتين .
البعض من أثرياء العرب يبحث عن فنادق خمس أو عشر نجوم .. نحن نبحث عن الطبيعة عن الشجر والماء وطير البحر . نحن نفتش عن رحلات جماعية نشارك الأخرين أفراحهم . وهم وهن ، يتجولون في الأسواق والمول في بازارات الأثرياء . ولأنهم يخشون الأخر بسبب عامل الخوف فهم لا يشاركون بأية رحلات جماعية . إنها عقلية الخوف من النص والسلطان ومن الأخر . نحن نحضن الطبيعة ، وهم يحضنون الأسمنت والمباني الخرسانية . نحن يرتشف جسدنا ملح البحر ، وهم يرتشفون المسابح الخاصة وماءها الملوث برائحة المال والصديد .
نحن ننام على شاطئ البحر ، مثل كل المهاجرين وصيادي الأسماك الفقراء ، والعشاق والصبايا والشباب ، بلا خوف . وهم ينامون تحت الحراسة المشددة ، ويسكن الرعب من الحرية قلوبهم . نحن نسبح بورقة التوت ، وهم يسبحون بملابسهم أو ملابسهن .. ترى هل أن أجسادهم مصنوعة من العاج والذهب يخشون عليها ويسبحون ليلاً خوفاً من عيون البعض ، وكأنهم يملكون أجساداً تختلف عن أجسادنا . نحن أجسادنا من الطبيعة ، وهم وهن من العاج وخشب الأبنوس الميت . .؟! أو من خشب الجنة ..؟! لا أدري أهناك خشب في " الجنة " وفنادق حسب درجة المؤمن .!؟ أم أن الموضوع برمته لايعدو عن كونه مجرد سباحة في الهواء ..؟ هل رأى أحدكم كيف يتبخر الرأس ..؟ ربما فاتنا الأمر ، رغم أن المسافة الزمنية ليست كبيرة جداً قياساً لزمن " أينشتاين " الكافر . وأقسم بالهواء والماء أتمنى أن تكون هناك " جنة " لأننا أول الداخلين اليها بحكم كوننا عشاق الحياة والحب والقمر وكل الأسماك الجميلة . وسيبقى خارجها كل المنافقين وحملة نصوص القتل والرجم الحلال المعادين للبحر . اللهم إرحمنا من الشطحات ، كما شطحت الأن .. لنعود الى الموضوع بيت القصيد .
ثقافة الإجازة ، والرحلات الجماعية ، هي جزء من ثقافة إنسانية عامة غائبة عن المجتمعات العربية المسيجة بوهم النص والعيب والحرام . وسيل جارف من كلمات لا معنى لها سوى في ذهنية أصحابها وعقلهم الكسيح العاطل عن العمل .
ثقافة الإجازة السنوية ، تلبي حاجة المرء الى التحرر من عبء الحياة ومسؤلياتها وروتينها . من تلك القيود التي تحجر على الفكر والجسد معاً . والإحساس بقيمة الحياة وإدخال السعادة الى حياتك وحياة المشاركين لك في هذه الحياة .حتى في الأساطير الدينية منحت الألهة لنفسها حق التمتع بالراحة وكل ديانة خصصت لما تعبده يوماً محدداً . في الحضارة المصرية القديمة ، كان يوم " الأحد " العطلة الأسبوعية ل " أوزيريس " وهو أيضاً عطلة " أدونيس " و " كريشنا " في الهند . وفي الحضارة السومرية العظيمة ، أضربت بقية الإلهة الصغيرة عن العمل ، لأن الألهة الكبيرة ، لا تعمل شيئاً بل تقتات على جهد الأخرين وكأنها في إجازة دائمة . وكان الأضراب الأول في التاريخ القديم . الذي أدخل مفهوم النضال السلمي من أجل حقوق الأخرين .
على شاطئ البحر تكتشف سر الكلمات ، لأن المكان يتحول الى طواف حول الحب . وتبدأ بكتابة " الرواية " وأنت تقرأ ما بين السطور في حديقة السماء ليلاً ، تبدأ بقراءة فاتحة إبتسامة أفروذيتي ، ثم هذه هضبة ، وذاك تل صغير ، وهنا وادي الحياة ، وما بينهما حبل الطبيعة . فهل تضحي بهذه " الرواية " من أجل رواية كسيحة مخبأة ، تحتمي بنص مغيب ..؟ حتى من يملك عقلاً كسيحاً ، فإنه يتمنى غفرانه بعد أن يضحي بنصه الغائب عن الحضور وينحره سراً ، بعد أن كان قد نحره في تخيلاته المخملية .
مرة أخرى لنغني مع السيدة " فيروز" شايف وشايفة البحر شو كبير .. قد البحر بحبك . إنها دعوة لعشق الحرية ، والحب ، والمساواة . في البحر يضحك الأطفال ، وترقص النهود طرباً لكلمات الحب ووشوشة البحر . وفي المساء ، على صوت الموج وبصحة الأصدقاء جميعاً ، كأس عرق وسمك غافروس صغير وقطعة أخطبوط ، وصحن من البطاطا الساخنة، وسلطة خضروات ، وموسيقى جميلة . ولتسقط كافة أنواع الأدوية . وبصحة الإنسان أياً كان . ترى هل يمكن أن يزرع أحداً ما بعد ذلك متفجرة عمياء أو صاروخ أحول ..؟
* سأل الأسكندر الكبير المكدوني ، الفيلسوف " ديوجيني " وهو يتطلع بإهتمام الى كومة عظام بشرية .. عم تبحث ..؟ فأجاب " ديوجيني " أبحث عما لا أجد ، وهو الفارق بين عظام أبيك ، وعظام عبيده ..؟!
وللسيد " المسيح " قول مشابه ، تحت هذا القبر المرمري لا يوجد سوى التراب .
وللسيدة " أم كلثوم " في أغنية لها تقول أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب .. فإنما الأيام مثل السحاب .
الصيف والبحر والقمر والنورس .. صديق الفقراء والعشاق والمهاجرين والمتعبين ، والعاطلين عن العمل . أما الحرائق ، أقلها بفعل الطبيعة وإرتفاع درجة الحرارة وتغير المناخ ، ومعظمها بفعل سماسرة العقارات والأراضي .



#سيمون_خوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملائكة - الحوار المتمدن - تغني للفرح ... ولنكهة الحناء .
- ملاءات بيضاء ...وقمرُ أحمر ..؟
- أسطورة خلق أخرى/ في عشرة أيام ..!؟
- ماذا يريد الإنسان من الحياة ..؟
- أبو مين ..حضرتك ..؟!
- لماذا يعشق البحر النساء ..؟
- كتالونيا
- مطلوب دولة حضارية .. تستقبل / اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ...
- الطبيعة الا أخلاقية / لإسطورة الخلق الميثولوجية ..؟
- إنه.. زمن التثاؤب..؟
- العالم العربي .. وظاهرة إزدواجية السلطة مع الأصولية
- من إسطورة نوح الى المسيح المنتظر / الى سوبرمان العصر القادم ...
- بلدان للبيع .. أو للإيجار ..؟
- التكنولوجيا.. آلهة العالم الجديد / من مبدع لها الى عبد لها
- التكنولوجيا ... آلهة العالم المعاصر .؟ / من مبدع لها الى عبد ...
- البحث عن نموذج جديد للعدالة
- إرهاصات ماقبل التغيير القادم ..؟/ اليونان نموذجاً
- مسيرة المليون / شهود على ما حدث في أثينا
- مارغريتا .. آه ..يا مارغريتا
- مشاعية - الجنة الفردوسية - / حرية جنسية - مساواة إجتماعية - ...


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيمون خوري - الصيف .. صديق الفقراء والعشاق / والمهاجرين والمتعبين ..