سيمون خوري
الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 13:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك سؤال تشترك فيه البشرية جمعاء ، وهو ، ماذا يطلب الإنسان من الحياة ..؟
السعادة في الدنيا .. وللبعض الآخر السعادة في الدنيا و " الأخرة " معاً بالحصول على تذكرة دخول " جنتهم " .. المفترضة .
السعادة ، مفهوم نسبي ، يختلف بإختلاف الزمان والمكان ، والثقافة السائدة . السعادة تعني أن يعيش المرء في أمان إجتماعي ، وكفاية إقتصادية ، وحرية التصرف بحياته الشخصية دون إكراه أو تعدي على حياة الأخرين. حتى أولئك الذين يعيشون وهم الحياة الثانية ، بدورهم يتوقون للعيش في ظل مناخ يسمح لهم بحرية ممارسة ما يعتقدون أنه صائباً أو صالحاً للفوز بالحياة الأخرى . لكن في مطلق الأحوال فإن مبدأ الحصول على الحياة الأخرى هو على ما يبدو يتضمن نوعاً من النرجسية في إمتلاك الإنسان هذا لكل شئ هل هو الرغبة في الخلود التي عبر عنها " جلجامش " في رحلته التاريخية الفنتازية ..؟ وكان أسبق في زمنه من المعاصرين ..! ربما ..
يخطئ الإنسان والفلسفة معاً والدين عندما يجري تفسير أن هذه الحياة خلقت من أجل الإنسان .. فهو أي الإنسان ربما هو أخر العنقود .. وربما ستخلق الطبيعة يوماً ما شكل أخر من الحياة أكثر قدرة وذكاءاً من الإنسان الحالي . ليس مهماً طبيعة الشكل والتكوين الخارجي ، فالنمل أكثر ذكاءاً من الأسد . هناك فضاءات وشموس لا أحد بإمكانه حتى الأن معرفة طبيعة أو شكل ونوعية الحياة على كواكب أخرى إن وجدت .. لذا فمن المستحيل إعتبار الإنسان سيد الكون . في الوقت الذي لا يساوي غباراً قياساً الى الهيولى العامة للكون . كل شئ يتغير ، عندما تتغير نظرة الفرد الى نفسة بإعتباره مركز الأشياء ومحور الوجود بدأً من العلاقات الثنائية مع الأخرين ووصولاً الى الغاية من هذه الحياة ، التي أسستها الطبيعة الأم . عندما يتبين أن هذا التاريخ والعقائد المختلف عليها وحولها ، ليست سوى قصص فنتازية بعضها جميل ، وبعضها سادي لحياة بشر ساهموا بشكل أو بأخر بكتابة تاريخ الإنسان وسلوكة القائم على مبدأ الحصول على السعادة . وأولاً الدنيوية قبل الأخروية . ربما هنا قد تختلف نظرة الإنسان في حينها الى هذا التاريخ الغير مقدس . يحضرني حديث " للنبي " محمد قوله ، حبب لي من دنياكم ثلاث ، النساء والطعام والطيب . إذن هكذا إختصر محمد الحياة ، كاشفاً بشكل غير مباشر الطبيعة البشرية . المتعة أو اللذه الأيروتية ، والطعام الذي يؤمن إستمرارية الحياة ، والطيب الذي يساهم في توكيد وتوفير مبدأ الإشباع الغريزي . هكذا نحن نشارك الطبيعة ونتقاسم معها الحياة . قول " محمد " سواء أدرك أم لا، عبر عن نوازع الإنسان الداخلية دون أية مواربة . فهو إنسان لا يختلف عن أي إنسان أخر . كافة من وصفوا " كأنبياء " أوجدت الحياة لهم لغة مشتركة ، سليمان وقع في حب عشتار آلهة الصيدانيون من الكنعانيين ، و " أمين موس " وقع في غرام بنت راعي " مدين " ويوسف قد قميصه ، بيد أن الخوف من العقاب حال بينه وبين تحقيق الفعل ..! وقد يكون كتبة الأسطورة الجميلة هذه أرادوا منها شيئاً اخر أو لهدف سياسي في زمان تلك الأسطورة المحكية . حتى " نوح " جرى تبرير لفعله الأيروتي بحجة فقدانه لذاكرته بفعل الخمرة المقدسة ..؟ كافة القصص الماضي من وجهة النظر الفلسفية وعلم النفس تتضمن محاولة لكشف نوازع الإنسان الداخلية بشكل أو بأخر . وهي بإختصار تلك النزعة الأنانية في حب التملك . التي مازالت تعكس نفسها في علاقات الرجل مع المرأة ، أو في العلاقات الإجتماعية العامة من شهوة التسلط في الحكم ، والغنى الفاحش ، والشخصية المزدوجة ما بين داخل الإنسان وخارجه . مجتمع يتستر على سلوكه المريض فهو يسمح للذكر بحق ممارسة مايريد ، ولايعطى الأنثى حتى مجرد هامشاً ضيقاً للممارسة حريتها حتى سراً . ثم أن هناك شيئاً أخر قد يتفق القارئ معي أو قد نختلف سيان . أن هذه المنطقة شرقنا كانت محطة دائمة لحركة نزول " الأنبياء " قياساً مع مناطق أخرى من العالم القديم .. ترى كم هي حجم المسؤولية المعنوية التي تتحملها هذه المنطقة على ما أورثته للعالم من حروب ودماء سفكت تحت راية اللغة السحرية في الهيمنة على البشر ومقدراتهم ..
لو قدر لأحدنا أن تمنح له الطبيعة فرصة الحياة مرة أخرى ، سواء عبر حالة " تقمص الروح " أو بواسطة طريقة أخرى قد تطورها الطبيعة ..ترى ماذا يتمنى أحدنا أن تكون حياته الثانية ..؟ هل يتمنى أن يولد في ذات الزمان والمكان ، ويعايش مرة أخرى كافة تفاصيل نشأته الأولى وطفولته .. وما هي الحال التي يتمنى أن يكون عليها ..؟ أو حتى جنسه ذكر أم مؤنث .. أم حيوان أخر من صنع الطبيعة ..؟ أو حتى طبيعة أفكاره .. قد يزرع البعض فكرة القتل " الحلال " في عقلية أحدهم .. لكن إذا ما خلا هذا المرء لذاته بعيداً عن عوامل تأثير الوعي الوهمي النصي ، كيف يمكن أن تكون نظرته لنفسه .. مجرد قاتل .. أم ماذا ..؟
أحياناً عديدة تدور نقاشات ظريفة سواء مع بعض الأصدقاء أو مع الذات .. لماذا نحن مختلفون عن أمم الأرض قاطبة ؟! ونحن هنا تعود الى غالبية سكان هذا الشرق ممن إستعمرت عقولهم المادة المكتوبة .. التي كتبت في وقت سابق . هل نحن مطالبون بدفع ثمن إزدواجية شخصية " الأنبياء " في إختلاف سلوكهم مع إدعاءات الصلاح والخير والمحبة ..؟ ثم لماذا لايخشى هؤلاء الأنبياء من يوم الحساب في سلوكهم الدنيوي .. مفارقة غربية على كلا الحال . هكذا هي الحياة نوع من الدراما التراجيدية التي نبحث لها عن " بهارات " تحولها الى حياة قابل لكي تعاش وهكذا " الأنبياء " وجدوا البهارات المطلوبة التي تجعل حياتهم الشخصية قابلة للإستمرار في ذاكرة البعض .. ومع ذلك لماذا لا نحول هذه " البهارات الى " بهارات " رومانتيكية أكثر جمالاً وروعة وبعيدأ عن عقلية القتل الحيواني والإقصاء والتطرف والسادية في التعامل مع الأخر المختلف ..؟ لماذا تخنقنا " حضارة اللفظ " وشرح النصوص الميته ، وشرائع الكهان ..؟
ماذا يريد الإنسان من الحياة هذا جوهر القلق الإنساني الذي حاول سواء العالم " فرويد " في كتاباته أو أخرين الغوص في تفاصيل رغبة الإنسان وكيفية تحقيق إشباع الرغبات الإنسانية المتمثلة في تحقيق الحد الأدنى من العيش سواء كفرد أو جماعة في نوع من الكفاية الإقتصادية والإجتماعية ، وإستقلالية العقل .
كافة الصراعات الهمجية القديمة نشأت بسبب الكلأ والماء . وسيلة الحياة .. كانت صراعات لا تحتاج الى برقع يتخفى خلفه " هولاكو " أو تيمور لنك " أو أتيلا أو " الكسندر الكبير " وحتى أي غاز ٍ أخر في التاريخ . وهؤلاء كانوا أدوات تدمير الحضارات القديمة ، ثم جاءت الديانات الواحدية لتدمر ما تبقى من منظومة الأفكار الحضارية الديمقراطية لتلك الحضارات ، مكرسة فكرة الهيمنة المتمثلة في الواحد المطلق . ورغم أن فكرة الواحد المطلق ، لا تملك برهاناً على واقعيتها أو صحتها سوى الألفاظ المعبرة عنها في زخرفة اللغة . واللغة تبقى لغة . بيد أن هذه الأفكار حملت معها بؤساً إنسانياً لا تعوضه اللغة القشيبة . وبالتالي وكأن هذا الإنسان مطالب بدفع فاتورة فنتازيا الأخرين في تسييد أفكارهم حتى ولو كانت مجرد وهم .. وحرمانه من متعة الحياة ..؟
ماذا يطلب الإنسان من الحياة ..؟ يطلب حياة طبيعية ، دون حروب ردة ، ولا إغتصاب حقوق إجتماعية ،والعيش بكرامة الحد الأدنى . وإحترام إستقلالية العقل في التفكير وفي الإنتماء وفي التصرف بحياته بحرية . بعيداً عن عقلية القتل التي لا تمت لأي " إله " فنتازي بأية صلة وصل أو نسب .
#سيمون_خوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟