أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - حمى















المزيد.....

حمى


أمين أحمد ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 3081 - 2010 / 8 / 1 - 00:00
المحور: الادب والفن
    


جالساً في غرفته ... الدكان معبثر في أرضيتها ملايات عتيقة , وبعض أسماك تتكوم هنا .. وهناك – فوق بعضها ترقد علب سردين فارغة .. وفي مواضع9 متعددة تختلط بعض المجلات و .. زجاجات بلاستيكية لمياه معدنية اندلق من واحدة منها – منذ زمن– فكان ذلك التكوم مصفراً , كريه الرائحة , مقززاً للرؤية – ركامات من الكتب المغطاة بالغبار , تسكب عن رف لم يحتمل ثقل الورق المتزاحم في تراكم أقرب إلى السقف .. فلم يبق منه سوى الثلث – كانت المساحة تضيق كثيراً , خاصة وأعقاب السجائر ورمادها لم يتركا إلا دائرة الوسط – كانت محشوة بثلاثة فرش إسفنجية .. عارية .. متهالكة السمك ؛ متعددة القضم في مواضع مختلفة على ظهرها المكشوف – بصق على الأرض – ما بال هذا الرأس يكاد ينفجر – نفسه تخرج متمردة عليه , تود الصراخ لكسر صمته الخانق ؛ ليكن بوحاً هامساً إن لم يكن ممكناً امتلاك الصوت الحي , لكنها .. لا تقوى على شيء – هي مشيئة الخالق.. أن يجعل المطواع حياً .. بينا أناته التي لا تكسر .. يصنعها ميتة ؛ وجوها مثل غيابها .. لا تمتلك عملاً ... أي شيء – مسكينة .. هذه الخليقة !! ...


....... أكتب
.. اكتب ( هاتف )
ملل يجعل كل شيء صدئاً .. حتى الأصدقاء .. أقنعة و .. شكوى تعم المكان .. أينما ذهبت – من أين يبدأ , ماذا يجري , لماذا هذا يحدث , ماذا تريد ؟ ما هو الممكن ؟ لماذا ليس لنا ممكن.. في أتفه الأمور , ماذا يريدون ؛ أي مجتمع هذا , لماذا كتب علي أن أكون منتسباً لحياة كهذه , كيف لك أن تختار وطنك , لماذا هو وطن الجميع ؛ لكنه يمنح الواطين سيادة علينا – كل شيء ملكهم, و .. نحن ملكهم – كلنا نحب هذا البلد , لكن لحبهم أن يظل .. مالكون لكل شيء – ماذا سيأتي , لماذا سيبقى .. فالعمر يرحل به دون توقف إلى نصف قرن – ما هي الحياة ؛ يقولون أن لها طعماً ورائحة – أيعقل أن يكون ذلك حقيقة ! – نصف قرن تغير الكون كثيراً , حتى أصبح الإنسان يحصل على ما يتمناه دون صعوبة أو تضحية – تريد طفلاً متطابقاً مع صورة وهيئة أبيك .. لك ذلك ؛ تريد كل شيء يأتيك وأنت في بيتك – أم تراك تريد خادماً يغسل لك الصحون ؛ ينظف المنزل , بل و .. يطعمك وأنت جالس .. لك ذلك – أيعقل أن للحياة مذاقاً – كيف ذلك ولم أعرف ؛ لم أصادق ما يجعلني أصدق – أم أنني لست إنساناً !! ...

.... أعتقد أنه يعرف كل شيء , فهناك آلاف الكتب والمجلات التي قرض معلوماتها أثناء حياته ؛ بل أنه اجتاز حدود المعرفة , إنه أصبح يقرأن المستور في العقل والنفس , وإذا ما وقع في يده أي كتاب .. يدركه تفصيلاً من صفحاته الأولى – لا .. بل إنه يستغرب الهالات الأسطورية المروجة لمؤلفات طازجة , وعندما يطلع عليها يجد كل جديد .. سطحياً تماماً .. حتى تلك الأفكار قبل قرون كانت أكثر عمقاً و .. اتزاناً – لكن ما يجري .. هو القاعدة – اللهم أَعِنِّي . لم أعد أفهم شيئاً – كل ليلة يخلو إلى نفسه . قبل عودة مسعد وعلى بعد منتصف الليل وتزداد الوحشة إذا ما سافر إلى القرية – في المناسبات – وفي الليالي التي يكون على مسعد دوام الحراسة الليلية ؛ وعلى الذي يتكرر نونه خارجاً؛ عند الأصدقاء – يخلو إلى نفسه بين عدد من الخطوات .. أو السرحان مع نفثة للدخان غير المنقطع .. يدعو الله – كثيراً هو ما يدعو لأجله ؛ لكنه لا يعرف لماذا يكثر الدعاء – سنوات على ذلك الحال ؛ لم يختلف شيء – يسرح مفكراً .. لم تعد هناك أفكار.. تصورات , لا يعمل العقل إلا كجهاز يعيد صورة الحياة التي يمقتها , وفي أحسن الحالات .. بكاؤه المكتوم .. الرافض لما يحدث .. شكاء .. شكاء .. كلهم – لم يعد قادراً على فهم أبسط الأشياء – الجميع .. لا يفهم شيئاً !! ..

- تحرك .
- تحرك .
بصوت ضيق وهو يحرق قلمه بنظراته القاتلة – وقتاً ليس بقليل يقف رأسه على ذات النقطة الساقطة على الورق من طول ضغطه عليها .
ما بالك أيها الدماغ العبقري .. المحلل لكل الأمور – ألم يصفك أساتذتك بذلك – في كل مراحل التعليم التي قدتني فيها .. دون نفع – لم تقف عاجزاً كامرأة تقادم بها الهرم .. ولم يعتقني القدر فشلها في سرطان مزمن – ما بك .. وأنت من صنعتني مصادماً , رافضاً – كيف جعلتني مطارداً .. وطفا .. حتى عندما يتصارع المختلفون .. لا أحد منهم يعتقني , حتى عندما يريد أي فاسد أن يستعرض سلطته محذراً غيره الاقتراب .. لا التماس معه.. أكون الهدف – كل يعرض قوته علي , كل يتعلم علي .. حتى صغارهم .. الذين يمسحون مخالفاتهم .. مقابل مكافآت لا تُذكر , وعلى أوهام للتسلق – ما بك . حرضتني .. أكون حراً – فالأمهات يلدن أولادهن – أحراراً – لا تقبل الضيم ؛ لا تقبل السكوت حتى وإن كان الظلم يطول غيرك .. ولا يطولك – أوهمتني الإيمان بالشع9ب .. لا تخف .. فالظلم لا يدوم ؛ والسوء لا يستمر .. خاصة وأن أصبح يمس الجميع – كذبة . لا فائدة – هيا .. ما بك تتوقف كالأبله – عودتني كلما اختنقت التنفسات.. تقودني للـــ... ـــكتابة .. ما بك .
- تحرك . تحرك .
.. حتى أنت أيتها (( اليسرى )) .. ما يوقفك الآن .. وأنت لم تجبني – قلع الأظافر .. شواء ظاهر الكف – حتى عندما أرهبوك بتلفيق قصة اختلاس .. ليقطعوك – إنها الطريقة الوحيدة لإيقاف الكتابة – لم يأسركِ الخوف .. بل تزدادين غرقاً في الرقص على وجه الورق الأبيض .. ما إن تتعب الصفحات تحت ثقل تشنج الأصابع الملتوية على القلم , وتقترب الكلمات في وصولها المتدفق كريح عاصف من الحد الأخير – لم تتبق حتى وريقة بجانبه لحمل المتبقي من مزدحمات الرأس – إذاً (( اليمن )) تبعثر أكوام زبالات البلد ..
تلتقط جمع وريقات مصغرة , علق بها مزيج روائهم الـ .. نتنة, وبعض منها كانت تتساقط كلمات عنها في سطور مقطوعة : سيدي الحصان .. قد ضاق بنا الحال , وأخرى سماحة العلامة قاضي القضاة .. ألا تخافون الله في حكمكم – وهنك من كتب بأحرف مرتعشة : لعنة الله .. عليكم – دعكت الغبار المترسب عليها ؛ قطعت مكتوب الأماني .. تحييا – كيف لها أن تكون مغدورة هكذا .. لتنام مع مهملاتهم – كم كان لها أن تحفظ معززة في رفوف يعين الرجوع إليها لــ .. تذكر الله – وما تبقى دون كتابة .. منحتك لتستكمل تمردك – كم كنت ِ غير مطواعة ؛ كنت تفرزينني منسكباً .. على التاريخ – هذا ما قاله المفكرون ؛ التاريخ هو الصفحات , وحركته هي للكتابة – كنت تحكمين عضلات جسدي , تسيلينني مع تضاريس الحبر المنسكب .. وأجدني مسكوناً خارج الزمن !! ..
- ماذا يجري ؟!
يطير قلمه – المخنوق بين أنامله لزمن طويل – ضارباً به لمبة الغرفة .. فقيرة الضوء .. تنفجر غير تاركة سوى حقوها العاجي.. معلقاً بسلك الكهرباء المتدلي ساقطاً عبر حفرة مخرومة في باطن المتعرجة .. المائل للاصفرار – كان واضحاً تشربه نيكوتين السجائر منذ زمن طويل – كان السلك المغطى بمتراكبات بيض الذباب ... متلاشياً .. صمت ظلام يعم غرفته .. الدكان – برهة.. حتى اعتادت العين بتوسع بؤبؤها أن تتكيف مع المكان – كان هناك شريط ضي رفيع يعبر أسفل الباب الأثري الغالق للغرفة– كان يسترق متلصصاً خلال مجيئه عبر الممر الضيق .. المشترك بين غرف دكاكين الإيجار الأخرى .. الأثرية – لأول مرة يخرج الضوء عن صمته , عن قدريته – إنه بشر مثلنا – انسكب مرتخياً بحزن عليه – كان ينطرح أرضاً دامع العينين , يده اليمنى تقبض على ورقة صفراء تسقط قرب رأسه – كانت تغرق في بركة الدم .. المتقاطر عن رسغه المذبوح – وسكنت الأخرى دون حراك .. مشيرة إلى موضع – كانت آخر ورقة أغرقت بالسائل الأحمر القاني عدا فراغ صغير .. عبر علبة إصبعه – كانت مفردة مرتعشة تصب قراءتها – بدأ حبرها الدموي متجلطاً , كأن مر عليه عهد بعيد .
...... لا فائدة .



#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشهار المرصد العربي لمكافحة السرطان
- ( ورقة العمل بفكر الضرورة ) مشروع التحرر الإنقاذي اليمني (ال ...
- مؤتمر لندن - مكشاف عورة العقل السياسي اليمني ( الجزء الأول + ...
- مشروع رؤية إستراتيجية لمكافحة السرطان يمنيا ، قابل للتطبيق ع ...
- مرآة . . في وجه طفل راحل
- أقدر . . ممكن له أن يأتي نثر شعري
- ملخص رؤية مشروع إستراتيجي - يمني . . عربي لمكافحة الأورام وا ...
- اليمن : السياسي السائد . . والهجرة الخارجية
- جامعة تعز . . غرائبية الوجود والإستراتيجية التطويرية (2)
- يامجور . . يظل لنا وطن
- جامعة تعز . . غرائبية الوجود والإستراتيجية التطويرية
- في الثقافة ... مقدمة لما قبل النص
- المسألة الإسلامية. . وجدل الضرورة ( الجزء الأول )
- المجتمع العربي . .قراءة في الدوران في الفراغ خارج مسار التار ...
- مجموعة أغنيات مرتبكة . . لبغداد 2000 - 2004 م. نثر شعري
- بيعة . . لباحث عن ثمن نثر شعري
- وحدك . . ايقونتي نثر شعري
- اغاني حزينة في المقابلة اقصوصات نثر شعري
- حين . . . نثر شعري
- القادم مع الشروق قصة قصيرة


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمين أحمد ثابت - حمى