|
ميكانزم الحب الأول
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3080 - 2010 / 7 / 31 - 09:57
المحور:
الادب والفن
هناك في زقاق " الحصّانة " المختبيء في قلب الكرخ على مشارف مقبرة " الشيخ معروف " هربت معلمة " التربية الوطنية " في مدرسة " الخيزران " وهي ترتجف , ساخطة ً , ومذعورة ً من بحلقة جميع طلاب الصف الثالث الأبتدائي بساقيها الشهيتين .
****
كانت جميع الطالبات / تقريبا ً / مسّخمات ْ الا طالبة ً واحدة ً في الصف الرابع تشبه " ناديا لطفي " كثيرا ً وكان طلاب مدرسة الخيزران كلهم " يموتون عليها " ....
من الحب .
****
في الصف الرابع عام 1964 كانت الست " سرّية " تراقبنا ك " الأخ الأكبر " لجورج اورويل . غير ان هذا لم يمنع فمي الكبير من لثم كف شريكتي في " رحلة الصف " . كنت مغمّض العينين , وأنا ارتكب خطيئتي الاولى تلك وكان وجه زميلتي / الأبيض جداً / ميّتا ً من الرعب .
****
في الصف الخامس الابتدائي " أحببت " معلّمة الانجليزية . وحتى هذه اللحظة لاتفارق ذاكرتي ضحكتها الحلوة ووجهها الشبيه بوجه " فيجانتي مالا " في فيلم " سينكام " .
****
في الأبتدائية أحببت جميع طالبات المدرسة ... ألمسّخمات وناديا لطفي وشعثاوات الشعر / المّقملات / وسندريلات " سوق حمادة " وجوليتات " الشيخ علي " . الوحيدة التي لم أحبها هي " فوزيّة " . كانت تعرف متى تحّل علينا ليلة القدر . قالت لمعلّمة الدين : انها في العشر الأواخر من رمضان وقلت : انها في أيام الأثنين أو الخميس أو الجمعة . نالت عشر درجات في امتحان الدين / العصيب / وأصبحت " فارسة الصف " بدلاً مّني .
****
في الكرخ القديمة .. كان عشّاق الصف الأول من العمر يذهبون الى " شريعة خضر الياس " يوقدون شمعةً على " كربة النخل " ويتركونها تموء على ضفاف دجلة . كان دجلة أبي و" الخضر " عمّي وكل النساء / الظامئات / المحزونات / الشاحبات / نسائي . غير ان جميع " الكربات " كانت تحمل على ظهرها شمعات العشق / موقدة ً / وتعبر جسر الشهداء / مضيئة ً / كالحبيبات , الا شمعة صبوتي .. كانت كاليتيم الذي يغيب في وجهه قمر الأمنيات مطفأة ٌ قبل جسر الشهداء بعدة موجات ٍ وكأن " الخضر " كان يكرهني ويطفيء شمعي ويغرق " كرباتي ". ومن يومها .. وأنا أسأل " خضر الياس " .. لماذا ؟ لماذا تطفيءُ شمعي " خضر الياس " ... وتخذلني وتجعل حبيباتي ينفرن مني كشمعة ٍ لائذة ٍ ب " كربة " الوطن المستحيل ِ لماذا ؟
****
في السنين العشر اللاحقة لم تتغير ميكانزمات الحب كثيراً . جاءت امرأة ٌ ... ورحلت أخرى ورحلت أمرأة ٌ... وأستقرت أخرى . وحـل ّ " المنصور " محل ّ " الشيخ علي " و " راهبات التقدمة " محلّ " مدرسة الخيزران " . وبدأ الأسى ينخر في القلب فليست جميع الميكانزمات مشرقة في كتاب الهوى فبعضها أفضى الى الضوء وبعضها أدلهمّت به ظلمات روحي . وقد حكيت لكم / الى الآن / تفاصيل الضوء في ميكانزمات الحب الأول وأليكم تفاصيل الظلمات تباعا ... :
( 1 )
في الصف الأوّل .. في المستنصريّة توزعت غضاضة ُ القلب على أجسادٍ جاحدة ٍ لحبيباتٍ مفترضاتٍ / كالحلم الشيوعي / . وعبد اللطيف يحسدنا / ونحن نفترض النصر في غزوات الجسد البكر / وكانت الهزائم المّرة قادمة / وعبد اللطيف ينتشي بحلمنا / دون حلم ٍ / كان عبد اللطيف أكبر من أحلامنا الدبقة ِ على طابوق رئاسة الجامعة / وكان بوسعي , من اجل عيون ٍ عابرة ٍ باحة قلبي بالصدفة , تقبيل الجدران الطابوقية / حجراً , حجراً / .
ماذا فعلتّن بنا ياأيسر يابلقيس ويانجلة ؟
لقد التصقت قلوب الفتية الماركسيون / العبثيون / الذين لم يؤمنوا بربهم حينها / على طابوق الجدران / طابوقة ً, طابوقة ً / لكي نأكل أرغفة العشق معا ً في بيت ٍ متقد ٍ بالرغبات , وبالبهجة .
لماذا ياأيسر لماذا يابلقيس لماذا يانجلة ؟
(2 )
بعدهّن .... من يتربّص بنهار ٍ عصي ٍ على الشمس وبمطر ٍ دون أسى ً أو حنين ؟ من يقايض / عداهّن / قمرا كالحجارة بوجه ٍ لايضيء ؟ من يجعل الليل مكانا ً لاتمارس فيه الظلمة / دونهّن / قمع روحي ؟
( 3 )
كلما أطفأوا شمعة ً في باحة القلب أوقدتها بحنيني . وكلما أوقدتُ ماأطفأوا صادروا باحة القلب منيّ فما عاد لي مايضي ء .
( 4 )
في العشرينيات من العمر ِ .. كنت أتوق الى أنامل ٍ من حرير ٍ ونهد ٍ من عنبر ٍ وحلمة ٍ من عسل ٍ وأرداف ٍ من عاج ٍ وبطن ٍ كالقمر .
في العشرينيات من العمر .. كنت أتوق الى موتي وبعثي وموتي فوق شفة ٍ من رحيق أسكبه على ظمأٍ من غضب وعيون ٍ ترفض أن تنام بعيدا ً عن جسد ٍ مستحيل .
( 5 )
أين أنتنّ ؟ أين أنتم ؟ أين هم ؟ أين ذهبوا .. واستوطنوا .. وناموا .. وماتوا تاركين لي ارثا ً من دموع وأغطية ً من الهمّ ووجوها ًَََََ... وأصواتا ً ألوبُ من لهفتي عليها .. دون جدوى .
( 6 )
هذي بلاد الرماد لاأحد يدري متى أحترقت مدائنها العجيبة داخلنا لاأحد يذكر متى بدأت سيرة النار فينا .
( 7 )
كم مرة ً قلت وداعا ً لأهلي وجعلت من عينيك مثواي الاخير . لكنك أغمضت دموعك في راحتي ساكبة ً اياي تحت أقدام ٍ لاتنتهي بعضها من غضب ٍ وبعضها من ذهول .
( 8 )
في الخامسة والعشرين من العمر مهمل ٌ أنا مثل حصان ٍ عتيق وحبيبتي تغادر بيتي / لاأدري الى أين / . وحين يداهم الليل قلبي .. ألوذ بحزني مستجيرا ً من جحيمي بقبلة ٍ مستحيلة على أصابع روحي .
( 9 )
مثلُ حصان ٍ عتيق يأتي فرسان ٌ جدد بخيل ٍ جامحة ٍ كالسحاب فتربطني الحبيبة الى عربة نفط ٍ وتوميء ُ لي قائلة ً : وداعا ً ياسائس الأمنيات وداعا ً ياملك الأحلام العصيّة وداعا ً ياأنبل عشاقي وداعا ً ياحبيبي الوحيد .
(10)
أجرّ ُ العربة الى مخدعي يضمّني السائسُ الى صدره ِ.... الى متى أبيع دمي بسعر ٍ / غير ُ عادل / لكي أحظى بلحظة ٍ من بكاء على صدر حبيب ٍ يذهب ُ بعيدا ً كي لايشّم في حضوري ... رائحتي ويهرب منها .... الى وطن ٍ جديد ؟
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميكانزم الحب الأخير
-
العراق وأشكاليات الفصل السابع :الابعاد الاقتصادية والسياسية
...
-
الفساد في العراق : البنية والظاهرة ( محاولة للخروج من الحلقة
...
-
جمهورية النفط في أرض ألصومال
-
عراق مابعد الصناعة
-
الريع النفطي في العراق : تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتا
...
-
اول اوكسيد الكراهية
-
الابعاد الاقتصادية لاتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق
-
وطن لايتسع لصباحات أمي
-
قطار بغداد...
-
يومياتِ يُتم ٍ غيرُ مُعْلَنْ
-
اعداد ومناقشة واقرار الموازنة العامة الاتحادية في العراق
-
ملاحظات عن الشأن الاقتصادي في مذكرات بول بريمرعن مهمته في ال
...
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|