أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الريع النفطي في العراق : تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتاج 1952-2010















المزيد.....

الريع النفطي في العراق : تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتاج 1952-2010


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 2995 - 2010 / 5 / 4 - 23:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الريع النفطي في العراق
تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتاج
1952 - 2010


تمهيد

تعد حالة العراق , ودور الريع النفطي في تحديد سمات وطبيعة نمط الانتاج القائم ,والانتقالي , والمستهدف فيها , احد حقول البحث الخصبة والواعدة بالنسبة للاكاديميين والباحثين العراقيين .
وتحاول هذه الورقة توسيع دائرة الاهتمام بالدراسة الاصيلة للاستاذ مظهر محمد صالح ( مستشار البنك المركزي العراقي ) حول " الريع النفطي والنمط الاسيوي للانتاج / حالة العراق " , ومنح الباحثين الاخرين اسبابا وجيهة تدفعهم " للنبش" في جدار علم اجتماعيات الاقتصاد السياسي للنفط , او الاقتصاد السياسي للنظم الاجتماعية ما قبل الرأسمالية , في محاولة للتوصل الى نتائج او مقاربات , قد تتفق او لاتتفق ( وربما تتقاطع ) مع افكار واراء الاستاذ مظهر بصدد دور الريع النفطي في احياء أنماط الانتاج ماقبل الرأسمالية , او اعاقة سيادة وهيمنة نمط الانتاج الرأسمالي في التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية العراقية .
وتؤكد هذه الورقة ايضا على دور الدولة العراقية , بتحولاتها السلطوية, ( البعيدة جدا عن حداثوية الدولة العصرية ) , ومن خلال نمط تصرفها بالريع النفطي , في انتاج او اعادة انتاج تناقضات اجتماعية حادة بين ارياف العراق ومدنه من جهة , وبينهما (معا) وبين سلطة توزيع الريع من جهة اخرى .
ان هذه الورقة في مجملها تحاول ان تقدم خلاصة ( او جردا ) لمجموعة من الافكار ( او الرؤى ) ذات الطابع الاولي ( العمومي – السردي ) والتي قد تصلح , او لاتصلح , لكي تكون نقطة انطلاق نحو دراسات قيمة واصيلة ( على غرار دراسة الاستاذ مظهر محمد صالح ) .. دون ان يعني ذلك بالضرورة التوصل الى ذات النتائج التي توصل اليها , بما في ذلك تحديد ماهية نمط الانتاج الذي افرزه الريع النفطي في الحالة العراقية , وقياس المدى الزمني الذي يمكن ان يبقى فيه هذا النمط ( ايا كان ) انتقاليا , وتحديد الوجهة اللاحقة لهذا الانتقال ( سواء اكانت تطورية ام انتكاسية ) .
وربما كان التحدي الاكبر امام الباحثين هو تفكيك اليات عمل الدولة الريعية العراقية , كسلطة استبدادية بالضرورة , حتى في تجلياتها وتحولاتها الحالية , وعدم امكانية تحولها الى دولة ديمقراطية- ليبرالية الا عندما تكون ادارة الريع النفطي تحت سيطرة سلطة خارجية قاهرة ( المملكة المتحدة في مرحلة تاريخية معينة , والولايات المتحدة الامريكية في المرحلة الحالية ) .



( 1 )


• في العام 2003 تم تقويض مؤسسات الدولة الريعية العراقية , التي بدأت في ممارسة سلطتها الريعية ( المطلقة) في العام 1974 (بعد الطفرات الكبيرة في اسعار النفط ,المرتبطة بتداعيات الحرب العربية – الاسرائيلية).
• وهذه المؤسسات , في معظمها , هي " مؤسسات لتوزيع الريع النفطي ", بما في ذلك تلك الاطر المؤسسية المنظمة والحاكمة لهذا التوزيع .
• وهذه الاطر , في مجملها , كانت اطر ضامنة لتوزيع عادل نسبيا للريع النفطي , ان كان بين اوجه الاستثمارات المختلفة ( بعده عنصر التمويل الرئيس للاستثمار في رأس المال المادي والاجتماعي ) , او لاعادة توزيع الدخل بين الافراد ( من خلال ممارسة مهام دولة الرفاه , التي طبقت معايير تبذيرية للدعم السلعي , لم يشهد العراق لها مثيلا من قبل .
• ومفارقة الدولة الريعية – المركزية خلال تلك المرحلة , هو انها ارست (رغم استبداديتها المفرطة ) اسسا راسخة لنظام اقتصادي – ريعي يتسم بكفاءة توزيعية ALLOCATIVE EFFICIENCY مقبولة , وذلك من خلال توزيعها لجميع السلع والخدمات العامة التي يحتاجها المجتمع العراقي , في حدود الموارد التي كانت متاحة انذاك .
• كما رسخت هذه الدولة ايضا انماطا للسلوك والتفكير والقيم , قلبت موازين القوى بين الفئات الاجتماعية القاطنة في المدن من جهة وبين الريف والمدينة من جهة اخرى , وذلك من خلال سياسة الانفاق العام التي انتهجتها مع استمرار تراكم الفوائض النفطية لديها بمعدلات غير مسبوقة .
• وباستثناء المدة 1990 – 2003 كان الاقتصاد العراقي يقع ( ويعمل ) خارج منحنى امكانات الانتاج , المتسق والمتناغم , مع درجة تطوره , ونمط الانتاج السائد فيه . وكان نمو الريع النفطي ( بمعدلاته النسبية او باحجامه المطلقة ) هو الذي وضع الاقتصاد العراقي على نقطة خارج منحنى امكانات الانتاج , ماكان يمكن لاقتصاد متخلف أخر ( غير ريعي ) ان يصلها ( لولا وجود هذا الريع بداهة ) .
• ولاتشكل المدة 1980- 1988 استثناءا لما سبق . فقد قامت الدولة الريعية العراقية بالاستدانة لضمان بقاء الاقتصاد العراقي خارج حدود منحنى امكانات انتاجه المنطقية , مع ضمانها للحد الادنى المقبول ( بمعيار الكفاءة التوزيعية ) لتوزيع الريع النفطي ( كمورد وكدخل ) بين الاستخدامات الاستثمارية والاستهلاكية المختلفة .
• وخلال المدة 1996 – 2003 مارست الامم المتحدة وظيفة ودور الدولة العراقية الريعية الظامنة لتوزيع عادل للريع النفطي يتسم بدرجة مقبولة من الكفاءة . وهذا التوزيع اقتصر على " اعادة توزيع الدخل " فقط , لأن توزيع الريع النفطي بين الاوجه المختلفة للاستثمارات كان مقيدا باشتراطات واليات العقوبات الدولية المفروضة بصرامة على " سلطة ادارة الريع العراقية الاستبدادية " , وبطريقة كانت تحول ( بشكل صريح ومباشر ) دون قيام تلك السلطة بأي استثمار حقيقي في أي مجال من مجالات الاستثمار المادي او البشري .




( 2 )
وفي اطار المباديء العامة لعلم الاقتصاد , ومنظوماته , والياته , واشتراطاته , وضمن العناصر الحاكمة للنظم الاقتصادية واهدافها وفلسفتها المعلنة ( وكلها معروفة ومتاحة للباحثين ) , فأن الدولة الريعية العراقية ( التي بدأت بالتبلور مع اتفاقيات مناصفة الارباح مع الشركات النفطية العاملة في العراق مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ) , كانت قد نجحت ( مع استثناءات قليلة , وذات اماد زمنية قصيرة ) في تحقيق مايأتي :
1. المحافظة على مصدر الريع النفطي ( حمايته وضمان استدامته ) .
2. تنمية مصدر الريع النفطي ( الاستكشاف , الاستثمار , الانتاج , التصدير ) .
3. تحقيق قدر مقبول من الكفاءة في توزيع الريع النفطي بين الاستخدامات المختلفة .



( 3 )


• ان الاخفاق الرئيس للدولة الريعية العراقية كان مرتبطا على الدوام بسلوكها الاستبدادي (المرتبط بادارتها الشخصانية المنفلتة , وغير العقلانية) . ويتجلى هذا الاخفاق في التخصيص السيء للموارد النفطية بين اوجه استخداماتها (الاستثمارية) المختلفة , وليس في مجال العدالة في توزيع الدخل . وقد يكون مثل هذا الفصل في معيار كفاءة توزيع الموارد " تعسفيا " , بل ومناقضا للمنطق الاقتصادي السليم , وليس من السهل الدفاع عنه حتى بمعايير النظم السياسية المقارنة , ولكنني ارى ( وقد اكون مخطئا جدا في ذلك ) , بان الدفاع عن مثل هذه الافتراضات , او اثبات وجودها , ربما كان ممكنا باستخدام الادوات المتاحة لعلم الاقتصاد الحديث , وبالذات في المجال التطبيقي / المختبري .


( 4 )

• وبرزت من خلال سطوة سلطة الريع النفطي ظواهر اخرى , ماكان لها ان تعتاش وتتطفل على الفائض الاقتصادي الكلي , الا من خلال اليات وسلوكيات ابتدعتها ( اوقامت بدعمها ) السلطة الريعية – الاستبدادية .
• ومن هنا برزت وترسخت مظاهر " الحراك الاجتماعي الزائف " ,والاستهداف المبرمج لقيم الطبقة الوسطى , وتقاليدها الاجتماعية , وسلوكياتها الاقتصادية والسياسية , والشروع في عملية التصفية المادية والمعنوية للكثير من رموزها واطرها المؤسسية , الاكثر فاعلية وتأثيرا .
• كما ترسخت خلال تلك المرحلة ظاهرة ترييف المدن (وخاصة بغداد) ... فتريفت السلطة , ونمت النزعات المناطقية والمذهبية والعرقية والطائفية .. واستعادت العشائر هيمنتها , وعادت لفرض قيمها وسلوكياتها من خلال نمط السلطة المحابي لها , والمتشكل اصلا في اصلابها وارحامها وبطونها الممتدة الى حقب ماقبل الدولة .

( 5 )

• وخلال المدة التي تتنامى فيها سطوة السلطة الريعية , ويتراجع فيها الدور التقليدي للدولة ( حتى بالمعايير العامة للدول الريعية التقليدية ) , تزدهر سلطة " المافيات المستقرة " و "العصابات الجوالة " , ويتسع دورها في اعادة توزيع الريع النفطي (الذي سيصبح في الغالب هو الشكل الوحيد والمتاح للفائض الاقتصادي) .
• وشهد العراق خلال المدة 1990 – 2003 شكلا مقاربا لحكم " المافيات المستقرة مناطقيا " في بلدان اخرى . كما شهد تقهقرا واضحا - (بفعل الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطة الريعية المحاصرة , والمعرضة لضغوط اقتصادية وسياسية هائلة ) - لسلطة ونفوذ " العصابات الجوالة " .
• والمفارقة في هيمنة " المافيات المستقرة " على السلطة الريعية , تكمن في سعي هذه المافيات لادامة مصادر اتاواتها . ومصدر الاتاوات هنا هو الناتج المحلي الاجمالي , او عناصر توليد هذا الناتج ( ايا كانت ) .
• وزعيم المافيا المستقر مناطقيا ( والمنطقة هنا هي العراق باسره ) ليس من مصلحته تدمير المصدر الرئيس لتوليد الناتج المناطقي , لانه بهذا السلوك سيلحق الضرر بالمصدر الرئيس للاتاوات التي يحصل عليها , ويعيد توزيعها, ويعزز سلطاته العديدة من خلالها .
• وهذا السلوك يتناقض تماما مع سلوك " العصابات الجوالة " التي تستهدف عادة نهب المنطقة ( اي مصادر توليد الناتج المناطقي ) , والفرار بغنائمها , حتى لو تطلب ذلك تدمير هذه المصادر بالكامل . فالهدف هنا هو استباحة الغنيمة كما هي ( كريع معطى ومشاع ) وليس تنمية او استدامة هذا الريع للحصول على حصة ثابتة ( او متزايدة ) منه .
• ولهذا شهد العراق خلال الحقبة الاخيرة من حكم السلطة الريعية – الاستبدادية السابقة , اوضاعا امنية مستقرة نسبيا , ومعدلات فساد غير منفلتة (ومنضبطة بايقاع فساد الاليات المافيوية السائدة) . كما شهد اصرارا على اعادة انتاج الريع وادامته , وانكفاءا ( يكاد يكون تاما ) لانشطة العصابات الجوالة , وتحجيما صارما لقدرتها على نهب الفائض الاقتصادي ( او حتى الحصول على حصص مهمة منه ) .


( 6 )

• بعد احتلال العراق في العام 2003 , لم تتغير الخصائص الرئيسة لنمط ادارة سلطة الريع في العراق , في مجالات انتاج واعادة انتاج وتوزيع واعادة توزيع الريع النفطي , التي كانت سائدة خلال مدة حكم السلطة الريعية الاستبدادية السابقة .
• وهناك مؤشرات ومعطيات كثيرة ( بعضها موثوق , وبعضها الاخر بحاجة للمزيد من الدراسة والتمحيص بصدد دوافعه واهدافه , وموقفه من السلطة الجديدة) , وجميعها تشير بوضوح الى تدني درجة الكفاءة في توزيع الريع النفطي ( بين الاستخدامات المختلفة ) , والى تفاقم وتعزيز جميع المظاهر السلبية , والاختلالات الاقتصادية والمجتمعية , والسلوكية , التي كانت تطبع ادارة الريع السابقة بسماتها الاستبدادية – التبذيرية , ونتائجها الكارثية المعروفة .
• وبعد العام 2003 ظهرت معطيات ومؤشرات تدل على بروز قوة " العصابات الجوالة " , وتنامي دورها , والتوسع في حجم الوظائف والادوار المناطة بها , ودخولها في صراع شرس على السلطة والثروة مع " المافيات الجدبدة , المستقرة نسبيا في مناطقها " .
• وهناك معطيات ومؤشرات كثيرة تدل على تعرض المصدر الرئيس للفائض الاقتصادي للتدمير او النهب , وفي مناطق نفوذ المافيات المستقرة .. والعصابات الجوالة على حد سواء .
• والاكثر خطورة من كل ماسبق هو فشل سلطة الريع الحاكمة بعد العام 2003 في اعادة بناء " دولة ريعية جديدة " بدل " سلطة توزيع الريع السابقة " , تأخذ على عاتقها توزيع الفائض الاقتصادي بدرجة مقبولة من الكفاءة ( حتى وان تم ذلك بالمعايير السياسية الهادفة لمقايضة الريع النفطي بالصوت الانتخابي , وليس بالمعايير الاقتصادية – العلمية – المنطقية , التي تجهلها – او تتجاهلها - الفئات السياسية الحاكمة حاليا بالمطلق) .
• ويعتقد " روجر أوين " ( الباحث البريطاني , والاكاديمي في جامعة هارفرد ) الى ان سعي العراق الى التحول من " سلطة ريعية استبدادية " الى " دولة ريعية , تحكمها بشكل اساسي النخب الطائفية " غير ممكن حاليا لاسباب عدة اهمها مايأتي :
1. هشاشة السلطة المركزية . فهذه السلطة ليست قوية بما يكفي لتتولى توزيع الريع النفطي على النحو الذي تشاء ( كما كان الحال في عهد السلطة الريعية السابقة ).
2. ان الجيش (بادواره ووظائفه التقليدية المعروفة في الانظمة الديموقراطية – الدستورية) لايزال قوة وطنية غير جديرة بالثقة .
3. ان السلطة التنفيذية لاتحصل على حصص كافية من الريع النفطي تتيح لها (او تخولها) تنظيم ماكنة انتخابية ناجحة .


( 7 )

• واظهرت نتائج الانتخابات الاخيرة , بوضوح , ان العراقيين (على اختلاف دياناتهم وطوائفهم ومذاهبهم واعراقهم ) لايعيرون اهمية تذكر " للشرعية الدستورية " مالم تكن مرتبطة بنوع ما من " شرعية الانجاز" ( كتوفير السلع والخدمات العامة , على سبيل المثال لاالحصر ).
• ولهذا لم يتمكن أي حزب سياسي , أو ائتلاف او مكون (ايا ماكانت طبيعته) من الفوز بعدد كاف من مقاعد البرلمان , يؤهله لوحده , في رسم برنامج , او تحديد شكل (وحدود امكانات) السلطة التنفيذية- الريعية القادمة . ويعود ذلك , بصفة اساسية , لدور الريع النفطي في تشكيل"الوعي السياسي العراقي". فهذا الوعي ملتبس وزائف ( لدى النخب ولدى عموم المواطنين على حد سواء) . ولهذا السبب لم يتمكن اي رئيس للسلطة التنفيذية المتحكمة بتوزيع الريع النفطي , من اقناع المواطنين بانه الرجل المناسب الذي ينبغي عليهم ان يتبعوه , بفضل المكافئات المرتقبة التي قد يقدمها , فيما لو فاز في الانتخابات. ولان هذا الامر لم يحدث .. فأن "السلطة الريعية العراقية الجديدة" ذاتها , باتت مهددة بالتفكك , وليس "الدولة الريعية العراقية التقليدية" التي تسعى هذه السلطة الى اعادة بناءها منذ العام 2003 وحتى هذه اللحظة .. ولكن دون جدوى .


( 8 )

• وبينما يعمل "الاقتصاد السياسي للاستبداد" على فك رموز لعنة النفط في ارض السواد , " فأن مخاطر الركوب المجاني free riding في الامم الريعية يؤسس بمرور الوقت ( كما يقول الاستاذ مظهر محمد صالح) لظاهرة سياسية غير مرغوبة تتمثل بمقايضة الصوت الانتخابي , بحق الحصول على السلعة العامة VOTE-PUBLIC GOOD TRADE OFF , مما يؤدي الى تدني مستوى الديموقراطية السياسية " .. والممارسات المختلفة المرتبطة بها .
• ويضيف الاستاذ مظهر الى ان " مخاطر استمرارهذا التلازم في المدى البعيد ستكون اما على حساب التضحية بالنمو الاقتصادي او الديمقراطية... وذلك من اجل الحصول على شئ من الرفاهية الاستهلاكية في المدى القصير ".
• وفي النظام السابق كانت هناك ايضاً مقايضة كهذه... " فالولاء" او "الصمت" كان هو الريع Rent الذي يدفعه المواطن لكي يحصل على اجر يسد الرمق , او على سلعه عامة في اطار المنظومة المركزية .
وفي هذا النظام ايضاً استمرت عملية "تمدين الريف" . وهذه المرة لم يتم انجاز هذا "التمدين" من خلال استمرار هجرة سكانه الى المدن , بل من خلال اختلال توزيع الدخل الاسري لصالحه خلال حقبة الحصار الاقتصادي. وكما يرى الاستاذ مظهر فأن "النمط الاستبدادي للدولة المركزية الشرقية قد عمل على تحويل الريف الى مجتمع اساسي core society مقابل تحويل المدن الى مجتمع هامشي , بفعل هجرة , او تهجير, مثقفيه وقواه المهنية وغيرها ( اي الطبقة الوسطى بالتحديد) , في ظاهرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المدنية العراقية.
• وفي هذا الصدد يصل الاستاذ مظهر محمد صالح الى استنتاج مفاده " ان النفط والديمقراطية لا يمكن ان يلتقيان في الانماط الاقتصادية لما قبل الرأسمالية . وان ارياف العراق (التي تحتضن ما بين 8-10 مليون من سكان البلاد وتعاني 50% من قوة العمل فيها من البطالة) هي في مخاض لاستعادة سلطتها المركزية الكامنة (التي سبق لها وان فقدتها مع ظهور الربع النفطي وهيمنة الدولة المركزية عليه) .
• غير ان المدخل لاستعادة هذه السلطة لن يتوقف فقط على مظاهر العنف الوحشية المسلحة التي ضربت قلب المدن العراقية بعد العام 2003 ... " ان المدخل هو في الاستمرار في عملية ترييف المدن , ومنح هذه العملية الاولوية على ماعداها ,في مقابل استمرار تجريد المدن من صوتها الديموقراطي , وتحويل وجودها الى هيكل اجتماعي ساكن ضمن المؤسسة المركزية البيروقراطية , ثم الشروع لاحقا ( وسريعا ) في تأسيس دولة مركزية ذات استبداد شرقي عال , والعودة الى انماط الانتاج ماقبل الرأسمالية . "





خاتمة

• هل يمكن ان تفضي هذه الورقة الى "دعوة " ما , مجرد دعوة, لفعل شيء ما , من اجل تصحيح مسار هذه العملية الانتكاسية لنمط الانتاج القائم , والمحتمل تبلوره في العراق ( اذا ما استمرت الممارسة الاقتصادية والسياسية العراقية بالعمل وفق نهجها السائد الآن ) ؟
• هل يمكن فعل شيء ما , من اجل وضع العراق على عتبة الانطلاق من جديد نحو شكل من اشكال النظم الاقتصادية الاكثر تطورا , بدلا من هذه الفوضى السائدة الآن ؟
• هل يمكن العمل على تحديد عناصر واشتراطات ومحددات وامكانات عمل هذا النظام " كدالة هدف" باقل كلفة ممكنة, وبأسرع وقت ممكن , وقبل فوات الاوان.... ( اذا لم يكن هذا الاوان قد فاتنا فعلا ) ؟
انها مجرد اسئلة... وهي اسئلة لن يتمكن باحث واحد من التصدي لحل اشكالاتها بمفرده .
ولهذا ستبقى الدعوة للاجابة عنها( وعن غيرها من الاسئلة ذات الصلة ) مفتوحة للجميع .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اول اوكسيد الكراهية
- الابعاد الاقتصادية لاتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق
- وطن لايتسع لصباحات أمي
- قطار بغداد...
- يومياتِ يُتم ٍ غيرُ مُعْلَنْ
- اعداد ومناقشة واقرار الموازنة العامة الاتحادية في العراق
- ملاحظات عن الشأن الاقتصادي في مذكرات بول بريمرعن مهمته في ال ...


المزيد.....




- المغرب وفرنسا يسعيان لتعزيز علاقتهما بمشاريع الطاقة والنقل
- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عماد عبد اللطيف سالم - الريع النفطي في العراق : تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتاج 1952-2010