أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - المرأة الطفلة، والطفل الرجل!















المزيد.....

المرأة الطفلة، والطفل الرجل!


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3049 - 2010 / 6 / 30 - 22:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المرأة الطفلة، والطفل الرجل!
– تطبيق في قصة (ياديم فاشيم) لحنان درقاوي-
وديع العبيدي

“انا هكذا طفلة تتعثر في جسد امرأة”.- ح. د.

ماذا لو ان المرء يعيش كما يتمنى ويحلم. لماذا يبدو وكأن كل شيء في الحياة مسطور سلفا، حتى كأن لا سبيل إلى تغييره أو تبديله. لا أدري كم من البشر اليوم ما زالت تراوده هاته الأفكار.. لكن ثمانين مليون سنة، وهو أقل تقدير لعمر الانسان – هومو سافينز- على الأرض، كانت حرية بمسح تلك الأحلام، وتسليم البشر إلى يباب الواقع. أذكر من قراءاتي القديمة بعض أشياء، تفرض نفسها من وقت لآخر.. منها هاذان البيتان..
- ألا يا ليتني حجر بوادٍ.. وليت أمي لم تلدني
- صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا..
إلى الآن لم نكبر ولم يكبر البهمُ

كل من البيتين يدخل تحت باب الحلم/ الأمنية المستحيلة، أو أدب اللامعقول إذا صحّ ذلك.
ان المرء ليتمنى لو أنه لم يولد. وهذا شيء فوق المستحيل، بعدما ولد وأصبح واقع/ مشروع انسان.
لكنه طالما ولد، ولا سبيل لاستعادته إلى عدم، أو الالتفاف على الحياة والوجود، فأن المرء يتمنى لو أنه يبقى طفلا ولا يكبر، سيما حين تتوزع الطفولة في فردين. وليس في هذه الأمنية ما يبدو غريبا أو مشينا، ومع ذلك ينظر إليها البعض بريبة وعدم ارتياح. هل ثمة آلية فيزيائية أو روحية تمنع نمو خلايا الأنسجة والعظام بحيث لا يتمدد حجم المرء ولا تنمو مداركه إلى الحدّ الذي يغريه بمدّ يده إلى ثمرة التفاح وطرده من فردوس الطفولة.
قليلا من نتوقف لنفكر حقا في ماهية الطفولة، أو محاولة تعريفها وتحديد مفهوم واضح لها. ما هي الطفولة؟.. لو سأل كل شخص نفسه هذا السؤال، وحاول الاجابة عنه، وارسال إجابته على عنوان معين، هل تكون الأجوبة متقاربة بشكل ما، متفائلة، أو متشائمة، جادة أو ساخرة كالعادة؟.. كم منا يشعر بحاجة إلى الطفولة، طفولته هو؟.. متجسدة في ذاته أو متجسدا هو فيها؟..
ينظر كثيرون- في هذا الباب- إلى مفهوم التعويض من خلال الانجاب واستنساخ نماذج يجتهدون في وسمها بملامحهم وتلقينهم أفكارهم الخاصة، ورغباتهم وأحلامهم، في محاولة لمراوغة الزمن أو المجتمع، عبر قناة اجتماعية مألوفة، لغرض خاص غير مكشوف.
هنا يتفاوت كل من الذكر والأنثى في مراودة هذا الحلم. وتبدو الاناث أكثر رغبة أو حماسا للحصول على طفل يحمل ملامحها ويجسد أحلامها. أما الرجال فيتجه تفكيرهم للعمل والحاجة للأيدي العاملة، أو بمعنى ما، إثبات أبوته من خلال ابن يحمل اسمه ويكون دالة فخره وثناء المجتمع.
حواء هي التي كررت القول كلما جاءها طفل (اقتنيت رجلا من عند الله!)، قالتها عند ولادة قابيل، وعندما صار هذا قاتلا وطريدا، أنجبت شيث، تعويضا عن هابيل القتيل وقابيل الشريد.
بيد أن الناس ليسوا سواسية في هذا الأمر. ولا شك أن فئة واسعة تجد نفسها في أحسن ما يرام في وضعها، ولا تجد في موضوع الطفولة المستعادة أو المستعارة غير ترف لا طائل منه. وبالتالي، فلا مبرر لترك العقل يخرج من دائرة الواقع أو يفكر في التمرد على سنن الطبيعة، أو الانجراف مع أفكار تورد صاحبها مورد الخطل.
لكن الموضوع أكبر من مجرد الأمنيات، والأحلام. وأقرب إلى الخصائص الفسيولوجية والسيكولوجية للجنسين.
*
“وجعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها!”
وكلمة (تسكنوا) ليست من السكن فحسب وانما السكينة. والسكينة هي الطمأنينة التي تتضمن معنى الثقة والاستقرار والأمن. وفي اللغة تسكن الروح أو النفس تسكن لشخص أي ترتاح معه وتطمئن إليه، وتتمنى أن يكون ما بينهما مثل ما بين المرء وسكناه، مثل القلب والضلوع، مثل الروح والقلب، مثل الفكرة والدماغ، مثل الطفل وأمه. ومن أمثال مصر الفرعونية (المرأة بيت الرجل)!. هذه العلاقة النفسية الحسية هي احدى الحاجات الأساسية للمخلوق، خاصة من البشر، وأي نقص أو تشوّه في هذه العلاقة أو إشباع هاته الحاجة في الصغر أو أي من مراحل التربية سرعان ما ينعكس على الجوانب النفسية والشخصية للفرد مع نموه. ورغم صعوبة العناية والرصد الاجتماعي في هذا الجانب، فأن الجزء الأعظم من السلوك البشري في جانب الابداع أو الأمراض، مرده إلى تشوهات تربوية نفسية ونقصان حنان وحب في العائلة الأم.
يفضل الرجال المرأة الذكية والمثقفة على الجاهلة أو الغبية، وبدرجة تفوق أهمية الاخلاق والالتزام بالعادات والتقاليد. لأن الجهل والغباء غالبا ما يكونان طريقا لهدم العائلة أو بناء عائلة مشوهة، لا يقتصر ضررها على الزوج وانما على نتاج العلاقة الزوجية من أطفال وعلاقات اجتماعية. على العكس منه المرأة المثقفة والذكية التي تعرف كيف تتصرف وتجعل لكلماتها مذاق البلسم مهما كانت قسوة الظروف، فتكون موضع ثقة زوجها وصندوق أسراره ومركز محبته واعتزازه. المرأة الجاهلة وقليلة الخبرة تستهلك قدرات زوجها وتضيع جهده هباء، مع ملاحظة أن المرأة صعبة أن تتغير على يد الزوج، بينما يكون الزوج عموما أكثر طواعية لمسايرة زوجته عندما تتوفر على الحكمة والذكاء.
المرأة الجاهلة – محدودة الخبرة والذكاء- تحتاج إلى الرجل القوي الذكي الغني لأنها تريد الحصول على كل ما ينقصها من خلاله. أما المرأة المثقفة والذكية فهي التي تعطي الرجل ما ينقصه، وتضيف إلى قوته وذكائه قوة وذكاء، ينعكس غالبا على مستوى تربية وذكاء أطفالهما.
على الصعيد النفسي، تلعب العلاقة الشخصية ودرجة الشفافية والصدق دورا كبيرا في بناء بيت ناجح وراسخ. فالزواج مؤسسة تتكون من قسمين: علاقة اجتماعية لها متطلبات ووظائف أمام المجتمع بما فيها العائلة الكبيرة والأطفال، وقسم يشمل العلاقة الخاصة بين الزوجين داخل حجرة النوم أو الوقت الذي يقضيانه سوية بدون شخص ثالث. هذه العلاقة الشخصية الحميمة هي القاعدة الأساسية التي تبتني عليها مؤسسة الزواج والعائلة والمجتمع ككل بالنتيجة. فإذا كانت العلاقة الشخصية النفسية بين الزوجية هشة أو معدومة، فأن بناء العائلة والبيت العائلي يكون هشا عرضة للرياح وفي انتظار أي دسيسة جانبية تنقض عليه.
العلاقة الشخصية ليست مجرد علاقة زوجية وانما أكثر منه علاقة صداقة شخصية، قوامها الحاجة النفسية والبوح والاعترافات والتفاهم والاحتمال النفسي والفكري القائم على المحبة وبناء الجسور. كم من الأزواج والزوجات يعترفون لبعضهم بضعفاتهم وأشواقهم وأحلامهم ومعاناتهم، وشعورهم بالراحة في أثر ذلك وزيادة التقارب بينهما. وكم من الأزواج والزوجات يلتجئون للصديق والجارة لتفريغ همومهم الخاصة، بما فيها الشكوى من الزوج والعائلة.
هل كل علاقة زوجية هي علاقة حبّ؟.. وهل كل زوجين يمكن أن يصبحوا أصدقاء متفاهمين متشاركين؟.. ان هذا يعود لكل طرف على حدة، ويعتمد على طريقة تأسيس العلاقة الزوجية وما تتوفر عليه من خبرة وذكاء.
*
تطبيق في نص أدبي..
في قصة الكاتبة حنان درقاوي (ياديم فاشيم) تظهر الطفولة مدخلا وقاعدة لتأسيس البيت الزوجي. هذه القاعدة تبدو مثلثة الأضلاع من زاوية المرأة، الراوية، فهي أولا تعمل مرشدة نفسية أو اجتماعية مع قطاع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي أم ولها أطفال تحبهم، وفي الزاوية الثالثة ثمة أطفال آخرين يوجهون انتباهها أولا ومشاعرها لاحقا إلى شخص أبيهم، مما يشكل مفتاح علاقة جديدة تأخذ إطارا عائليا تعيش فيها طفولتها الثانية بالنتيجة .
لكن الثيمة الأساسية في القصة/ العلاقة لا ينحصر في العمل، ولا الأطفال، أو اللقاء الدوري لشخص يتكرر حضوره وصورته مما يؤثث لنوع من علاقة مشاهدة متوالية تستحضر أبنية نفسية تقرب ما بين الطرفين، وتدفع باتجاه ترسيخ المعطيات الأولية وتطويرها باتجاه المستقبل. الثيمة الأساسية تتمثل في مبلغ ما تتمخض عنه المرأة/ الأم/ الراوية وتفيض به من طفولة عارمة، تغطي على كل شيء سواه، وسرعان ما تحتل المشهد السردي بكامله دافعة مشهد الأطفال (أطفالها وأطفاله) إلى هامش اللوحة. والغنائية الطافحة وكم الفرح المتدفق من القص أنما هو مدين لطاقة الطفولة المختزنة داخل المرأة التي وجدت منبجسا لها في علاقة الحب الجديدة أو الشريك النفسي الجديد.
هذه الطفولة الأنثوية لا يمكن لها أن تستمر في التدفق والنمو، لولا أنها تصادف ما يوازيها من طفولة مرادفة، أو أبوة مقابلة. لكن المشهد القصصي لم يتضمن غير جزيئة من الصورة، وربما ظهرت أجزاؤه الأخرى في مشاهد قصصية أخرى، فيما يمكن أن يأخذ إطارا روائيا.
*
مثلث الطفولة في شخصية المرأة تشكل عبر مراحل ثلاث..
1- مرحلة الطفولة الأولى في بيت العائلة الأم وفي وجود الأب.
2- مرحلة الزواج والانجاب، التي تقدم مستوى الطفولة التعويضية، أو ممارسة الطفولة عبر أطفالها.
3- مرحلة الطفولة الثانية عقب الانفصال عن مؤسسة الزواج التقليدي، والتي تتجسد في العلاقة الجديدة والتي تكون فيها صورة الزوج أقرب إلى دور الأب لتتكامل صورة العلاقة الجديدة (الطفولة الثانية).

في تجسيدها للطفولة أو الطفولة الثانية، لا تكتفي الأنثى بما تحصل عليه من إشباع ذاتي وموضوعي عبر التكامل مع الطرف الآخر، الزوج/ الأب، وانما تحقق حالة من إشباع مزدوج يمتد إلى شخص الرجل الذي يبلغ حدّ العشق مع المرأة الطفلة، حيث تستنهض فيه شخصية الطفل الأول أو المراهق الغرير الذي يبست أحلامه على قارعة الطريق، وها هي أشخارا تأتي أخيراً لتحول أحلامه ورغباته الدفينة إلى واقع وحيوية متدفقة.
من الظواهر الاجتماعية السحيقة في تاريخ المجتمعات التقليدية هو تفاوت أعمار الزوجين، بين رجل مسن يتزوج فتاة صغيرة، وبين امرأة مسنة تتزوج شابا صغيرا. والواقع أن هذه الزيجات انما هي مجال حاجة نفسية وإشباع متأخر قلّ ما توقف المجتمع لدى ضرورته. تروي القصة التوراتية، أن داود الملك لما تقدمت به السنّ، وبلغ منه الكبر، جاءوا له بفتاة صغيرة تدفئ عظامه الخاوية، ويستدل من خلالها على مدى احتفاظه بقوته وجدارته بالاستمرار بالحكم. وعندما أنجبت منه، تحسن وضعه وصورته كثيرا.
فمزاج الشيوخ يتعدل بمياه طفولة يانعة جديدة، وليس مجرد طفولة ثانية (مستعادة) كما في هاته القصة. ونفس الأمر ينطبق مع نساء تقدمت بهن السنوات تجددها بدماء شاب صغير يبحث عن طفولة رغباته.
الرجل طفل كبير. الرجل مولود المرأة. هي تربيه وترعاه وتعرف لغة عينيه وجوع قلبه. ولا أحد يقرأ الرجل من عينيه غير مشاعر امرأة ذكية أو مختبرة. ولكن قليلا من الرجال من يسبر غور المرأة.. فأعماق المرأة سحيقة ومعتمة، ومن يدخل بين حشائشها وعوسجها يضيع أكثر ولا يشفى من غرقه. وحدها الأنثى تملك مفتاح ذاتها وكتاب ذكرياتها، وسعيد هو الزوج أو الشريك الذي تمنحه المفتاح وتكشف له صفحاته.. أما الصديق.. فيزداد شقاوة وهو يتصفح أسرار المرأة.
بين المرأة والطفولة ستين لغة مشتركة، لأن الأنثى هي التي تخلق الطفولة. أما الرجل فيشتاق للطفولة ويبحث عنها، وبدون مساعدة امرأة ورعايتها، لا يصل إلى قرار. لكن المرأة الطفلة لا تحب طفولة الرجل، وانما تحب تكامله معها في صورة الأب. على الجانب الآخر، قد يجد الرجل الطفل، المرأة التي تتكامل معه في صورة الأم.
*

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش..
• ياديم فاشيم- قصة قصيرة للكاتبة حنان درقاوي- موقع دروب الثقافي- تاريخ 20 يونيو 2010

*
لندن
الخامس والعشرين من يونيو 2010
ـــــــــــــــــــ
نص القصة..
ياديد فاشيم: Yadid Vashem

حنان درقاوي
20 يونيو 2010
الى رفائيل حبيب العمر الباقي
الحق اقول هذا الرجل هبلني، هذا الرجل وحده اسال الدمع من عيني واسهدني وتبعته وغازلته وطلبته ان يصعد بي الى غرفة نومي محمولة بين ذراعيه كطفلة.
هذا الرجل اسقط كل قلاعي ،انا المتمترسة دائما خلف العقلانية والسياسة والنسوانية المتطرفة جدا دفعا لهشاشتي. كيف يحدث لي ذلك وانا التي ما ارقت يوما وما بكيت وحين تزوجت مرتين كان ذلك ضمن استراتيجية للتوالد محضة حدثني عنها شوبنهاور.
كل هذا بسبب خيط حذاء. والامر حدث هكذا ببساطة.
كنت اشتغل في ضواحي باريس معيدة باعدادية وكان ضمن مهامي مراقبة خروج الاطفال من البوابة. كان بالاعدادية طفل مريض عقليا، مصاب بنوع من الذهان ولاسباب خاصة جدا كنت دائما مشدودة الى عالم غير الاسوياء.
ذات يوم وانا احرس البوابة خرج الطفل الذي لم يكن يكلم احدا غيري في الاعدادية كانه يعرف مابي. كان هناك رجل وسيم بانتظاره. من موقعي امام البوابة نظرت اليه وانحنى لربط خيط حذاء طفله. ارتج كل كياني وكادت اصابعي تهرب مني لتربت على كتفيه. صاحبتني الصورة طيلة اليوم وكان يغمرني حنان بالغ وانا افكر في الامر.
قلبت الامر من كل نواحيه وقلت ربما لاني اربي طفلتاي بدون اب هزتني هاته الصورة، لكنني عدت وانا متيقنة انني دائما تحملت مسؤولية بناتي دون الحاجة الى رجل.
نمت تلك الليلة وانا اعرف انه حبيب العمر الباقي وانه اسقط قلاعي بسبب خيط حذاء. تذكرت الفيلسوف نيتشه وانهياره الاخير في مدينة ايطالية امام منظر حصان يجلد. هل يعقل ان ينهار فيلسوف ارادة الاقتدار امام هذه الصورة المعهودة؟ هل يعقل ان يعبر الحب الي من خيط حذاء؟
بعدها بدأت افكر فيه طيلة اليوم وامنحه اسماء كثيرة لاني لم اكن اعرف اسمه. وحين بدا السهاد والبكاء وشد الشعر بدا محمد الحياني ينتصب امام عيني واظل انشد:
“غير البارح وانا هاني
واليوم هانا مشغول البال”
كان الحياني ومايزال امير الرومانسية بالنسية لي رغم تأثري الشديد بالرومانسية الالمانية وتحديدا بمدرسة”ايينا”، لهذا في زمن بعيد كنت اشغل كاسيط للحياني واتخذ وضعيات شرود وحين تسالني امي عما افعله اقول لها:
“كانترومانسا”
تغلق امي الجهاز وتأمرني بالذهاب الى المطبخ لاستكمال تكويني كربة بيت. اصرت امي على ان اتقن الطبخ من ألفه ليائه واذعنت واكتشفت لذات غريبة في الطبخ.
حين التقيت برفائيل لم تعد لي رغبة بالطبخ ولا حتى للاكل ،صرت جسدا اثيريا، اتنفس حبا، اكل حبا، استيقظ على صورته امامي، يراقصني التانغو، رقصي المفضل يصاحبني في عملي وانام وانا احضن وجهه الجميل بين ذراعي.
استمر الامر هكذا شهورا ستة قبل ان اسرق رقم هاتفه الجوال من حاسوب رئيستي في العمل وارسل له اول خطاب.
حدثني فيما بعد انه حين تلقى الخطاب كان وحيدا وكان ذاهبا الى الطبيب النفساني المعالج لابنه الذي اعلن له ان ابنه يدخل في مرحلة شيزوفرينيا خطيرة.
قال لي انه توقف وبكى، بكى لانه كان هو الاخر يحبني ولانه خارج من زواج فاشل كان يخاف علي لانه رجل مكسور.
الحق اقول رفائيل ليس مكسورا ، هو فقط ملاك عابر على الارض وكان يجب ان نلتقي. وكان اول لقاْنا حين دعاني الى عرض سينمائي واقترح ان نشاهد فيلم “ميونيخ” وقلت له:
= لا أضمن لك مزاجي بعد الفيلم فهو يتناول اهم منعطف في القضية الفلسطينية ولا اعرف وجهة نظر المخرج وقد اخرج في انتفاضة فردية.
= لم اكن اعرف انك بهاته الثورة تبدين هادئة.
اتفقنا على ان اختار الفيلم حفظا لسلامة اول لقاء واخترت “بروكباك مونتان” وهو قصة حب جميلة بين رجلين جمعهما حب الصيد.
لم امنع نفسي عن ان اساله ان كان يحب الصيد بعد العرض فاجاب بلا فقلت له طمأنتني. بعدها تمشينا على ضفاف السين وكان خيط جدائلي ينسل مني واعيد ربطه فقال:
= تشبهين طفلي
وقلت له
= انا هكذا طفلة تتعثر في جسد امراة.
فقال
= ضيق عليك جسدك فانت تبدين ملاكا.
= هل يؤمن الملائكة بالعنف الثوري في نظرك انا اكثر شيطانية مما تتصور
كان المطر قد بدأ في السقوط وصار يقفز على قدم واحدة ويغني
= ايم سينغين أندر رين
وانا اتبعه
= وانا ايضا اغني تحت المطر
انهينا الجنون عند الايراني بشارع مفتار وكان زبونا قديما لديه فاعتنى بنا وعرفني على اشياء جميلة من الطبخ وموسيقى ايران الجميلة.
لم نفترق بعدها لحظة واحدة وكان الموبايل بيننا رسولا في اوقات العمل الى ان سالني:
= اية ريح هبت بك تجاهي يا امراة الصحراء
فاجبته
= نفس الريح التي حين تقود رجالا طيبين الى بنات قبيلتي فلا ينفرط بينهم العقد ابدا.
يومها قال:
= اود ان اخبرك شيئا وقلت
= انا ايضا
ولكن كلمة واحدة وتغلق الموبايل بسرعة فالريح قوية ولااريدها ان تعصف بلحظة بوح جميلة
= احبك
= احبك
لم يمض وقت طويل واقمنا في بيت مشترك جميل وسط المدينة، كنا بعد ان ينام اطفالنا الخمسة نقضي الليل في الحب والرسم والكتابة، رفائيل فنان تشكيلي قوي، رجل مسرح موهوب ومغني اوبرا لكنه مثلي كان هدفه الوحيد بناء اسرة ويحيط به اطفال لهدا قتل نفسه في عمل لا يحبه وهو شركته الاشهارية التي اشتغلت معه فيها على الريداكتينغ وهو على التشخيص البصري
فتح عيني على لغات اخرى للابداع، على لغة اللون والشكل فكنا نزور متاحف باريس تكرارا. علمني كيف اقرأ لوحات لبوتشيلي، ماتيس، دولاكروا، اندي واررول ….
كنت امارس المسرح ايامها وكان يدربني وهو الذي تخرج من مدرسة “جاك لوكوك” احدى اهم مدارس التكوين المسرحي بفرنسا، معه اكتشفت جاك لوكوك، داريو فو، تينسي ويليامز ومسرح المقهور لاوكوستو بوال الذي غير حساسيتي المسرحية تماما. وكنت بين قبلة واخرى اقرأ له اشعار ابن عربي والسياب ودرويش وبعد كل عربدة ادخل به عوالم شكري وكان جنوننا متوافقا تماما.
الحق اقول مع هذا الرجل اكون كما انا جسدا من حب وكلمات
هذا الرجل جنتي وبستاني “ابو حيان التوحيدي”
الحق اقول هذا الرجل عشيق روحي
واقول هذا الرجل اعبده.
* ياديد فاشيم (أي “عشيق روحي: بالعبرية).
من رواية اصابع المطر



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوة للتضامن مع المرأة الاعلامية
- هيلكا شوبرت.. أبي
- بيرنهارد فيدر..قصائد
- قليلاً مثل الموت شعر: بيرند ماينكر
- في انتظار الحافلة
- المرأة الطحلبية!..
- Hal؟..
- قراءة في القصة العراقية
- محرّم غير الحرام
- زمان يا حليمة..
- دروس في أنانية الأنثى
- قليلاً مثل الموت
- عن.. الترجمة الشعبية
- عن طحلب الدهيشان
- أين خبز الملائكة؟!..
- من مركزية الجماعة إلى مركزية الفرد
- حديث.. مع امرأة
- المرأة السعودية وحقوق الانسان
- الهجرة.. (و) العلاقة بالأرض..
- كيمياء المعادلة الاجتماعية (الحياة المُشترَكة)


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وديع العبيدي - المرأة الطفلة، والطفل الرجل!