أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - هيلكا شوبرت.. أبي















المزيد.....

هيلكا شوبرت.. أبي


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3016 - 2010 / 5 / 27 - 17:33
المحور: الادب والفن
    


هيلكا شوبرت
ترجمة: وديع العبيدي
أبي

في الخامس من ديسمبر أفكر به، كل عام. كان عليهم تذكيري مبكراً بهذا التاريخ. أمي، جدّتي، كانتا تقولان عندها: اليوم هو الخامس من ديسمبر.
لكن في السنوات الأخيرة تخطر المناسبة بالبال تلقائيا، قبل أيام من ذلك بالتحديد.
أواخر ديسمبر، يبقى الشارع رطباً طيلة النهار، عندما يندى الصباح. طعام العشاء كالعادة تحت ضوء الشموع، الدفء عند دخول الشقة، المدفأة القاعدية ذات الأقدام في الحمام صباحاً. انه الشتاء. خارج المدينة لابدّ أن تكون أثلجت.
بداية ديسمبر. النهارات القصيرة. في هذا اليوم كان إذن في الثامنة والعشرين من عمره. ثمانية وعشرين عاماً وثلاثة أشهر ويوم واحد بالضبط.
كل شيء في هذا اليوم جرى بالنسبة لي بدقـّة الثواني. مثل فيلم رأيته أمامي ولكنني لم أره. لا أحد، ممن حدثني، رآه بعينيه. ومع ذلك أعتقد، أنهم يعرفون أفضل، وفي كل مرة سألتهم.
انه يقف إذن، في صف واحد مع رجال آخرين، النظارة بحمالتها الدائرية. رجل يتقدم ويأمره، ان يبحث عن ناس في عمق الغابة، ان يجد آثارهم، لتنظيف المنطقة منهم، مع جماعة آخرين.
ولكن هل صدرت له أوامر على الاطلاق؟ هو أراد أن يكون ضابطاً، قرأت هذا في رسائله. ألم يلتحق إذن برغبته؟ لقد اعتراه خوف.
الأوامر، نعم،، أسلحة الآخرين القاتلة، الأسر؟
على مقربة توجد مقبرة، ثمة يرقد زملاء. لقد حظوا بقبور، كل له قبره الخاص. الأرض ترفع نفسها نحو الأعلى.
لقد ركض إذن، مع الآخرين على الجليد، على ذراع ميتة للفولغا، ببسطال جلدي، قيافة صيفية، وهدف واحد. مجموعة جنود ثلاثة، عدو واحد، على المرء حماية الوطن منهم، فكّر الرجال في الغابة، وألقوا بقنيلة يدوية. موجهة إليه. كان عليهم الادخار بالعتاد.
هل انتبه لها، بينما هو ينظر بخوف في اتجاه آخر؟ في غابة عصيّة الاختراق.
كيف يستطيع هناك العثور على بشر، في ثقوب الأرض، المنتشرة في الغابة، في كل مخبأ؟ كيق يمكنه هناك العثور على شخص واحد، في هذا البلد الغريب، في في وطنهم....
ألقى بنفسه مباشرة في اتجاه القنبلة. وللحال سقط ميتاً. في الخامس من ديسمبر ألف وتسعمائة وواحد وأربعين. في هذا اليوم بدأ الهجوم الروسي المقابل.
ماذا أعرف منه؟.
لقد أنجبني في سلام. في وقت هتلر، ولكن سلام. يناير ألف وتسعمائة وأربعين ناقصاً تسعاً، أي أبريل ألف وتسعمائة وتسعة وثلاثين. يومذاك كان لا يزال سلام.
عندما علمت أمي، أنها حامل، لم تكن الحرب قد بدأت. لقد كان ذلك أول يونيو، عندما تأكدت من الحمل. طفلها الأول. ووحيدها.
خمس سنوات كانوا مخطوبين سرّاً ، سنة واحدة بشكل رسمي، الآن تزوجوا وكانوا منذ ثمانية أسابيع رجل متزوجاً بشكل صحيح وامرأة متزوجة بشكل صحيح. لهم شقة في كرويسبيرغ في برلين. الستائر الثقيلة، طقم الجلوس الجلدي، السجادة الأصلية، المائدة الفضية، وطقم بورسيلان ماريا الأبيض. ووجات النظر العصرية للزواج: الاثنان كانا يرغبان في العمل، الغداء عادة في المطعم.
ثمانية أسابيع من حياة زوجية مضبوطة، انتظار، ينتظرونك، أحاديث حول الأعمال اليومية، خطة شراء مصابيح.
في الرابع من سبتمبر عيد ميلاد أبي، السادس والعشرين. في هذا الوقت كان جندياً، . من يناير 1940 إلى ديسمبر 1941، بضعة أيام إجازة في البيت.
أثناء التعميد صورته بجبينه نصف الأبيض، حيث يختفي النصف الآخر تحت الخوذة الفولاذية.
في الخريف صورة بملابس أنيقة، أمي بثوب من حرير، في بارك مع الطيور، مع طفل صغير بالحضن. في الشتاء في القيافة العسكرية في الجليد مع الأم وطفل في عربة للأطفال، كذلك في البارك.
ثم هذه الصورة لطفله ذي العامين وزوجته، الاسنان بانت للضحك، وعيون جادة. هذه الصورة أعيدت للمرسل، مرفقة مع محتويات العلبة، هدية عيد الميلاد، قفازات الأيدي المحاكة، الياكته مع الحمالات، خاتم الزواج مع خاتم الخنصر، حجر ثمين. هذه العلبة لم تصل إليه.
[من أجل وطن الآباء، في ميادين الشرف، في القتال ضد البولشوية وعلى أرضهم].
في البيت مباشرة يخلع ثيابه العسكرية. لا يقوى على ايذاء حشرة، ولكن في الحرب سلب روسياً عجوزاً بقرته الوحيدة. أمر الحصول على اللحم. كتب هو.
كان كبيراً وعريض الكتفين، عندما كان طالباً كانت له نشاطات عديدة، مغنياً، وعداء مسافات متوسطة. ثمة صورة له في ..
للم يكن يحتمل الدخان – كان على أخيه خلع بدلته قرب الباب عند عودته من الرقص. نشأ نشأة صارمة. في الساعة السادسة مساء بالضبط يكون في البيت على مائدة العشاء، ولا يوجد عشاء بعد هذا الوقت. لقد اعتاد الأطفال منذ الصغر على النظام. عندما كان طفلاً صغيراً جلس، كما قالت أمه، ساعات بطولها أمام النافذة، عندما يكون ثمة ضيوف. طفل بهذه التربية الصارمة لم يكن قد وجد في شفيدت ذلك الوقت.
ولكن حتى في كرايفسفالد، بعد انتقال العائلة، كانت العائلة في موضع حسن. الأم تعطي دروساً منزلية لأبناء فلاحين اغنياء من القرى المجاورة، لايفاء متطلبات الطفل ذي العام الواحد. الأب عمل في مركز أبحاث علمية تابع للدولة، هذا ما مدرج على شاهدة قبره، مشرف مدرسة متوسطة. كذلك هو كان يعود الساعة الثانية عشرة في استراحة الغداء الى المنزل. عندما يدق الناقوس تصبّ جدتي حساء البطاطا في الصحون.
الأخ كان أصغر بعامين وتوفي بعده بعامين. أيضاً في الحرب. أمه رافقته سبعة وعشرين عاماً، لكن والده أربعة أعوام فقط.
لا أستطيع تذكر والدي. لكنني أعيش معه: أمثاله الحكمية، لغته الطفولية، صوره مع عيونه القصيرة النظر، خدوده البارزة، بنطاله الواسع، الصفارة في يديه، حنانه، مزاحه، ثقافته اواسعة، جاذبيته، حركته المتزنة، أصدقاءه الأوائل، كبرياءه، تجعيدات شعره وهو في الثالثة، خاتم إصبعه المنقوش عليه بلوتو، الذي تمّ تضييقه ليناسب إصبعي.
لأنني كنت مثله، أملك حركته المتزنة، ثقافته الواسعة، كثرة انتقالاته، قدرته على الاعجاب، يديه الكبيرتين، جفونه المتثاقلة.
لم أكن فقط أبي تماماً، لقد كنت محبوباً كطفل من أمه وزوجته. ورغم هذا التشابه، لم تنظرا إليه بوعي على الاطلاق. ليس لك أنفه قطّ، فليكن لك قلبه، كانتا تنشدان مساء عند سريري.
لقد مرّ بتجارب كثيرة، وهناك الكثير للحديث عنه، كانت حياته مثل كتاب مفتوح الصفحات أمامي. لقد كنت في العشرين. ماذا فعل هو في هذه السنّ؟.
1933 كان ذلك. لقد درس القانون. فتاة من أصول جيدة من مدينة صغيرة استغلته. لكنه لم يرغب، عندما يقف أحد إزاءه. لذلك لم يرد رئاسة جمعية الطلبة، التي عرضتها عليه. لم يسحب قدميه من منضدة الكتابة، هي أجابت من أنفها. والدي.
ثم كنت في الخامسة والعشرين. ماذا فعل هو في هذه السنّ؟. 1938 كان ذلك. وتوجد هنا ثلاث صور ملصقة، له، لأخيه ووالده، الثلاثة في زي عسكري. ووالدي كانا يحبان بعضهما. في هذه السنّ أنهيت زواجي الأول بالانفصال.
لقد عشت حياة موازية لحياته: 27، 28، الان 28 عاماً ، ثلاثة أشهر ويوم واحد: الثامن من أبريل 1968 . من الآن فصاعداً، فكرت، أنفصل عنه، أعيش حياتي الخاصة، لا أعيش في ظل شخص بالغ، شخص متوفى، أتذكره.
لقد أحصيت الأيام، ثم السنوات. عشرة سنوات تماماً. أحد عشر. أثنا عشر سنة.
له شبه كبير بي، يقول الناس من طرف أبني، سيما العيون.
مجدداً رأيته، قالت والدتي، زوجة أبي، وهنا لاحظت من أول وهلة، أي شبه له مع أبيك، الحركة، المشي، لكنه لم يره. كذلك وجوده، هذا الطابع العائلي، هذه الأريحية. نعم، كل شيء بلا شكّ، انه شبهه- نعم، انه جدّه.
أنا متأكدة تماماً، قالت ونظرها على أبني.
ـــــــــــــــــــــــــ
* هيلكا شوبرت (1940 برلين)، 1963 ماجستير علم النفس، كاتبة متفرغة منذ 1977. عملت في مكتب للاستشارات العائلية والجنسية. ترجمت قصصها لأكثر من لغة. كتبت تمثيليات للاذاعة وسيناريوهات أفلام، إضافة الى كتب للأطفال. هذه القصة من مجموعتها الصادرة عن دار نشر لوخترلاند بعنوان [الحجرة المحظورة] / ص22.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيرنهارد فيدر..قصائد
- قليلاً مثل الموت شعر: بيرند ماينكر
- في انتظار الحافلة
- المرأة الطحلبية!..
- Hal؟..
- قراءة في القصة العراقية
- محرّم غير الحرام
- زمان يا حليمة..
- دروس في أنانية الأنثى
- قليلاً مثل الموت
- عن.. الترجمة الشعبية
- عن طحلب الدهيشان
- أين خبز الملائكة؟!..
- من مركزية الجماعة إلى مركزية الفرد
- حديث.. مع امرأة
- المرأة السعودية وحقوق الانسان
- الهجرة.. (و) العلاقة بالأرض..
- كيمياء المعادلة الاجتماعية (الحياة المُشترَكة)
- إزدواجيتنا..
- نصفان..!


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - هيلكا شوبرت.. أبي