|
الملكية اللغوية في العربية و الانجليزية
جمشيد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3042 - 2010 / 6 / 23 - 17:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كل لغة تتحول فجأة من لغة بدائية بسيطة لا تفي الا باغراض شعب بدائي يتكون من قبائل و طوائف متعددة الى لغة عالمية او تنتشر على مساحات و اسعة لاسباب دينية او سياسية او اقتصادية او عسكرية تفقد هويتها او هوياتها الوطنية والقومية تدريجيا في الطبخة الجديدة او تتمزق الى لغات متعددة بمرور الزمن . هذا ما حدث فعلا لللاتينية و تحد للغة الانجليزية و اللغة العربية اليوم.
ليست اللغات ملك لشعوبها الاصلية بعد التطور و الانتشار الواسع كما يتصور البعض كأمتلاك بيت و انما تصبح ملك او تنتقل ملكيتها لجميع الناطقين بها اي ان الاقوام الاصلية تفقد هويتها اللغوية تدريجيا و تندمج اللغة الاصلية مع لغات الناطقين بها من الذين اما تركوا لغاتهم الاصلية او تبنوا اللغة الجديدة لانتشارها الواسع او تم اخضاعهم قسرا عن طريق الغزوات.
كانت الانجليزية لغة قبائل المانية شمالية بدائية تتكلم Low German انتقلت الى انجلترا بعد الغزو و اعطت اسمها للبلد المشتق من اسم قبائل اينجلز الالمانية. تعاقبت الغزوات ( بالاخص الدنماركية) لهذا البلد الصامد كانت اهمها الغزو النورماني عام 1066 و الجدير بالذكر ان النورمان من اصل اسكندنافي ايضا (كما نراه في الاسم نورمان بمعنى رجال الشمال و لكن انتقلوا الى فرنسا) و تغيرت من جراءها الانجليزية الالمانية الى مزيج من الالمانية والفرنسية (اللاتينية) اي ان الالمانية الانجليزية بقت لغة التعامل اليومي و الفلاحين و الطبقة الفقيرة و اصبحت الفرنسية الانجليزية فيها لغة الثقافة و الطبقة الارستقراطية الغنية و الكتابة. قارن كيف تميز الانجليزية اليوم بين الكلمات التي تشير الى (الحيوانات لغة الفلاحين الالمان) و (اللحم لغة الطبقة المثقفة الغنية الفرنسية) Cow ……..beef Calf ……… veal Sheep…mutton Sow (pig)……pork Deer…..venison
تأريخ انجلترا العاصفي ومستعمراتها في الشرق (الهند) و امريكا و استراليا و كندا و نيوزيلندا حول لغتها الى اغنى لغة عالمية في تأريخ البشر اي اصبحت لغة المضاعف في المفردات و المعنى Romance vs. Germanic و خلق لها لهجات متعددة ابرزها الانجليزية البريطانية و الانجليزية الامريكية و سلبتها بعد تحولها الى اللغة العالمية الوحيدة دون منافس Global English هويتها القومية. اضافة الى هذه العوامل زادت من الطين بلة وجود جالية اجنبية كبيرة في انجلترا و انتشار شبكة الانترنيت و الموبايل و الفضائيات.
اليوم الانجليزية هي ملك لجميع الناطقين بها في العالم و هناك خوف من تقطيعها الى لغات انجليزية متعددة كالانجليزية الهندية او العربية او البريطانية او الامريكية او الفرنسية. نحن لا نعرف كيف سيكون مستقبل اللغة الانجليزية بعد فقدانها لهويتها و تمزيقها الى لهجات مختلفة كما حدثت لللاتينة التي تكسرت الى الفرنسية و الايطالية و الاسبانية و البرتغالية... و ماتت بعدها.
لقد حدثت للعربية شئ مشابه و لو بدرجة اقل لعدم كونها لغة عالمية بمستوى اللغة الانجليزية. كانت العربية لغة قبائل بدائية لاتعرف الا النقل الشفوي لتلبية احتياجاتها البسيطة. ولكن التجارة في مكة و ظهور الاسلام (و النفط حديثا) نقلتها من اصلها المتشتت في لهجات بدائية بسيطة بعد تعلم القراءة و الكتابة و اساليب الادارة الحديثة من الارامية و الاغريقية و الفارسية و الرومية و الهندية الى لغة اسلامية شرقية متطورة lingua franca. لاحظ جميع الكلمات التي تتعلق بالحضارة هي دخلية على العربية بعضها استعيرت قبل القرأن او تذكر في القرآن و بعضها ترجمت حرفيا:
اولا القلم و الدفتر و القاموس و القرطاس... من اليونانية
ثانيا الديوان و الوزير الابريق و الزرابي و الجندي و الشطرنج و لغة لعبة الدومنو و الطاولي من الفارسية... راجع Rudiger Puin و Asia Asbaghi والمعرب للجواليقي للتأثير الفارسي الواسع.
ثالثا راجع Fraenkel للتأثيرالارامي على العربية
رابعا الجمرك و العسكر من اللاتينية لانها ظواهر لا يحتاجها البدوي البسيط في الصحراء لجهله بالقراءة و الكتابة.
خامسا تأثير الانجليزية بعد الثورة الصناعية و عصر الانترنيت هائل على العربية لايمكن حصره في كلمات مثل الراديو و التلفزيون و التلفون و الكومبيوتر اوترجمتها كالهاتف و الاذاعة و الحاسوب. نستطيع ان نقول ان لغة الصحف و الاعلام و العلوم ليست الا ترجمات حرفية من لغات اوربا الغربية اهمها هي الانجليزية.
التاثير الفارسي على العربية بعد الاسلام يتبين ايضا في كتابات الفرس باللغة العربية في جميع العلوم بضمنها وضع قواعد اللغة العربية من قبل سيبويه و كتابات ابي سينا في الطب. انتشرت و تطورت العربية من لغة بسيطة الى لغة دينية كبيرة بفضل الاحتكاكات مع الاقوام التي غزتها و انتشارها على مساحات واسعة في المغرب و المشرق العربي لتتحول الى لغة الاسلام و تبدل هويتها القومية الى هوية دينية اسلامية اي ان العربية لم تبق ملك للعرب و خاصة انها منعت الاقوام غير العربية من ترجمة القرآن او الصلاة بلغاتهم الاصلية. اما العامل التأريخي diacronic factor في تغيير اللغات فان الانجليزية تغييرت اكثر بكثير بالمقارنة مع العربية لان الانجليزية لم تكن يوما ما لغة دين من الاديان لتمنعها من التغيير او تبطئ سيولتها نحو التغيير. بعض الاعتقادات العربية الخاطئة تنسى ان اللغات تتغيير الا في الموت و تنسى ان لكل لغة مرحلة طفولة و شباب و شيخوخة و موت. اللغات هي وسيلة التفاهم بين الكائنات العضوية البشرية و لكن العضويات مصيرها التغيير او الموت في الطبيعة.
اليوم تستعمل العربية في جميع الدول الاسلامية و بفضل الاسلام و النفط اصبحت لغة رسمية في الامم المتحدة. و لكن لهذه التطورات اللغوية لها ثمنها و ايجابياتها وسلبياتها كغيرها من التطورات. اللغات التي تتطور بهذه الدرجة على مساحات شاسعة و تخضع اراضي اقوام اخرى تحت سيطرتها لابد ان تفد هويتهاالقومية بالتدريج او تتمزق الى لغات متعددة. لكل شئ ثمنه.
تعيش العرب اليوم في دول مستقلة لا تربطها مع بعضها الا العربية الفصحى و هي غير قادرة على الوحدة السياسية لان الاختلافات بينها كبيرة. اللغات العامية الدارجة تختلف عن بعضها كثيرا لا يمكن التفاهم الا عن طريق الفصحى اذا زادت المسافة. من الجدير بالذكر ان اللغات العامية ليست اقل قيمة و جمالا من الفصحى كما يعتقد البعض لربما ترتفع الى مقام العربية الرسمية بمرور الزمن. ضعف الدور الديني للعربية الفصحى و ازدياد الوعي بصورة خاصة في المغرب العربي بان العامية قادرة ان تحتل مكان الفصحى كلغة رسمية قد تمزق العربية الى قطع كثيرة رغم ان وسائل الاعلام كالراديو و التلفزيون و الصحف و الانترنيت في طريقها لتحويل الفصحى الى لغة محكية اضافة الى دورها الاصلي كلغة المناسبات الرسمية و الكتابة. www.jamshid-ibrahim.net
#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دقت ساعة الصفر 3
-
دقت ساعة الصفر 2
-
دقت ساعة الصفر
-
القرآن اولا وثانيا و ثالثا 2
-
القرآن و علم الكفار
-
العائلة في العربية
-
القرآن اولا وثانيا و ثالثا
-
التفضيل و الالوان في العربية
-
اللانهاية 2
-
اللانهاية
-
الغش في السلع الغذائية
-
التجزئة و التفكيك Deconstruction
-
أليس الانسان نصا من النصوص؟
-
الديناميكية و ابعادها
-
انحطاط معاني المفردات الاسلامية 3
-
الزمن المزمن
-
الخوف من الحرية
-
كم هو معدل سعر الانسان؟
-
راود و بغى 2
-
الانسان و الموت 5
المزيد.....
-
مواقف جديدة لإيران بشأن التخصيب النووي: استئناف القتال مع إس
...
-
فيديو- مشاهد مؤثرة لطفل فلسطيني يركض حاملاً كيس طحين وسط واب
...
-
رقم قياسي - هامبورغ تشهد أكبر مسيرة في تاريخها لدعم -مجتمع ا
...
-
ويتكوف يلتقي في تل أبيب عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزي
...
-
-واشنطن بوست- تنشر صورا جوية نادرة تكشف حجم الدمار الهائل ال
...
-
المبعوث الأمريكي ويتكوف يلتقي في تل أبيب عائلات الرهائن الإس
...
-
-ما وراء الخبر- يناقش أهداف زيارة الرئيس الإيراني لباكستان
-
والد الطفل عاطف أبو خاطر: أولادنا يموتون تجويعا أو تقتيلا عن
...
-
مصادر إسرائيلية: أسبوع حاسم ستتخذ فيه قرارات تغير وجه الحرب
...
-
رئيسها زار باكستان.. هل بدأت إيران ترتيب الميدان لحرب جديدة؟
...
المزيد.....
-
السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية)
/ رحيم فرحان صدام
-
كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون
/ زهير الخويلدي
-
كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
المزيد.....
|