عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 910 - 2004 / 7 / 30 - 13:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
حددت حكومة الدكتور أحمد نظيف الجديدة أولويات عملها العشر وتناست ملف العمال!!
142 احتجاجا عماليا خلال الخمسة عشر شهرا الماضية رفضا للأوضاع المتردية التي يمر بها هؤلاء الضحايا من عمليات طرد، وفصل تعسفي، وتلاعب في الأجور والحوافز والمكافآت، وتعطيل القضايا عن طريق اللجان الخماسية المطعون فيها، وكذلك تدهور الأوضاع البيئية والصحية دخل المصانع.. فهل هذه القضايا والهموم لا تستحق أن توضع علي رأس أولويات أي حكومة جديدة؟
وإذا كان أحد العمال قد قال متأخرا في أول رد فعل له علي مجيء حكومة نظيف بأنها ستتعامل مع العمال «بالريموت كونترول»، فإن اللجنة التنسيقية للدفاع عن الحقوق والحريات النقابية قد وضعت مطالب أساسية وتوصيات عمالية عاجلة أمام الحكومة الجديدة وهي: السعي نحو صدور قانون لحماية المستهلك، يضمن مواجهة أشكال الفساد والاحتكار، الحد من تلاعبها في الأسعار، والعمل علي فضح وكشف جوانب الخلل وعدم التكافؤ في نظام الأجور والرواتب الحالي، خاصة فيما يتعلق باتساع الهوة بين فئات الدخل الأقل والدخل الأعلي، ووضع صياغة كاملة لنظام الأجور والرواتب بالتركيز علي مبدأ عمل واحد، وأجر واحد يساوي حياة كريمة، واعتماد مبلغ 300 جنيه كحد أدني للأجور، يتم زيادته مع التقدم في العمل، والتمييز بين زيادات غلاء المعيشة الموجهة لمعادلة أثر التضخم ، والزيادات المستحدثة نتيجة زيادة الخبرة في العمل، والتأكيد علي مبدأ أن الحوافز لا ينبغي أن تزيد عن الأجر الأساسي، للحد من تلاعب البيروقراطية، والتأكيد علي مبدأ الشفافية الكاملة في نظام الأجور.
مطالب عمالية
وطالبت اللجنة التنسيقية التي تضم عددا من الأحزاب والقوي السياسية والقيادات النقابية أيضا بضرورة التغطية النقابية لعمال القطاع الخاص في المدن الجديدة، والعمل علي ضمان العلاوة الدورية السنوية مقابل الأقدمية، وتكون 7% من الأجر الكامل علي الأقل، وإقرار علاوة غلاء معيشة سنوية تعادل نسبة التضخم عن العام المنتهي، وكذلك التصدي لعمليات طرد العمال في المساكن الإدارية بمخالفة للقوانين واللوائح، حيث كان يستقطع 15% من أجورهم نظير هذه المساكن بهدف تمليكها لهم بعد الخروج علي المعاش، أو توفير سكن بديل.
ولم ينس حزب التجمع والذي يضع قضية العمال ضمن أولوياته دائما، أن يحدد مطالبة وهنا يعود بنا البدري فرغلي عضو مجلس الشعب وأمين عمال الحزب إلي البرنامج الانتخابي «للتجمع» في دورة 2001 - 2006، والذي جاء بعنوان: لا استقرار بدون حماية حقوق العمال والذي حدد تسعة مطالب لتحقيق ذلك، وهي حد أدني للأجور يكفي احتياجات أسرة من 5 أفراد، قانون عمل يحافظ علي حقوق العمال ويضمنس زيادتها، ووضع ضوابط لمنع الفصل التعسفي للعمال، وعقد عمل دائم لتحقيق الاستقرار في علاقات العمل، وإطلاق حرية تشكيل النقابات بدون تدخل أو وصاية، وحق الإضراب عن العمل بدون قيود أو شروط، وتوجيه أموال العمال في التأمينات الاجتماعية لزيادة المعاشات وإعانات البطالة، وتوفير خدمات علاجية حقيقية لجميع العاملين وأسرهم بدون أعباء جديدة عليهم، والإقرار بأن أموال التأمينات الاجتماعية ملك للعمال، لا يجوز للدولة التصرف فيها.
تقلبات السوق
غاب ملف العمال عن أولويات الحكومة التي حددتها الأسبوع الماضي ولم يذكر لنا وزير واحد في الحكومة أي كلمة عن مصير 13 مليون عامل لم يكتف قانون العمل الموحد الجديد الذي شرع في زمن الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء السابق بتحويلهم إلي سلعة خاضعة لتقلبات السوق والعرض والطلب، مثل بقية السلع والخدمات، وهم تابعون للقطاعين العام والخاص، بل سمح لأصحاب الأعمال بتثبيت الأجور أو تخفيضها للحد الأدني، والغريب هنا أن تلك السياسات الحريصة علي سيادة آليات السوق والاقتصاد الحر، مازالت تحتفظ بخمسة ملايين عامل بأجرهم أسري في قبضتها وهم العاملون المدنيون بالدولة، أو موظفو الحكومة، والذين يخضعون للقانون 47 لسنة 1978، ومازالوا يتقاضون أجورا هزيلة. وهذه الشريحة من العاملين لا ينتظم منها في عضوية النقابات غير مليون و487 ألفا و371 عاملا، وفقا لبيانات اتحاد نقابات العمال، والذي يرأسه السيد راشد.. بينما يبقي ثلاثة ملايين ونصف المليون من العاملين في هذا القطاع بلا حماية نقابية، ومحرومين بالقانون من كل وسائل الدفاع عن حقوقهم أو المطالبة بتحسين أوضاعهم.
مماطلة
ولاشك أن المماطلة في تحقيق مطالب العمال في ظل السياسات السابقة والحالية، هي جزء من مناخ عام تتعرض فيه الطبقة العاملة المصرية لمزيد من الانتهاكات والإعتداءات علي حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، وعلي حريتها النقابية والدستورية، والتي تتجسد صورها في رفض تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت من محكمة القضاء الإدارية ببطلان انتخابات اللجان النقابية (2001 - 2006) بكل فروعها، بعد أن ثبت تزوريها، وكذلك التوسع والتساهل في فصل العمال بالجملة، وتقييد حق الإضراب، والاعتداء علي الحقوق والمزايا التي كسبها العمال عبر كفاحهم المرير، والتخلص من قادتهم النقابيين، والوقوف حائلاً دون توليهم مناصب نقابية. والآن تتجه السهام الحكومية صوب التشريعات الأخري مثل التأمين الاجتماعي والتأمين الصحي فالمقترحات الحكومية تمثل هجمة جديدة علي هذه الحقوق مما يحمل العمال أعباء جديدة وتسلب منهم العديد من المزايا التأمينية!!
دعاوي قضائية
وفي الأسبوع الأول لتولي أحمد نظيف رئاسة الحكومة ، تلقت المحكمة الدستورية العليا أربع دعاوي قضائية رفعها مركز هشام مبارك للقانون بالطعن في عدم دستورية نصوص المادتين 70و71 من قانون العمل الموحد الجديد. وهاتان المادتان يتعلقان بتشكيل اللجنة الخماسية ذاتها والتي تنظر جميع المنازعات العمالية وتتكون من قاضيين وممثل للقوي العاملة ممثل للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وممثل لمنظمات رجال الأعمال، وتؤكد الدعاوي أن النص علي تشكيل اللجنة علي هذا النحو، من أكثر نصوص القانون التي واجهت معارضة عمالية واسعة لما تمثله المادتين من إهدار لحقوق العمال في اللجوء للقاضي الطبيعي، وعدوان علي استقلال السلطة القضائية، حيث يجعل أمر الفصل في المنازعات العمالية بين أيدي غالبية غير مؤهلة لهذه المهمة الشاقة، وكما أدي تشكيل اللجان علي هذا النحو إلي تكدس القضايا في اللجان وعدم الفصل فيهما بسبب تعمد أعضاء منظمات رجال الأعمال عدم حضور الجلسات مما يؤدي إلي تأجيل نظر الدعاوي لحين اكتمال تشكيل اللجنة!!
سياسات التهميش
ويبدو أن سقوط ملف العمال من حسابات د. نظيف، هو استمرار لسياسة تهميش هذه الفئة من المجتمع بل والسعي نحو إهدار حقوقها و«تطفيشهما». وسوف نتأكد من ذلك عندما نقرأ تصريحات د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار الجديد وهو يقول: لا يمكنني أن أعد بالابقاء علي 164 شركة عامة، والتي قيل إن الدولة ستحتفظ بهما لأسباب استراتيجية. وقال أيضا لا قداسة لشركة بعينها الأمر الذي يعني استمرار سياسة الخصخصة العشوائية، والتي كان نتيجتها طبقا لكلام د. ليلي الخواجة أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أنه في ظل برنامج الخصخصة انخفض عدد العاملين بقطاع الأعمال من مليون إلي 405 آلاف مواطن، في حين لم يستفد بالمعاش المبكر سوي 186 ألفا!!
وتقول الباحثة الاقتصادية غادة البياع في دراسة لها عن «إهدار حق العمل» علي أن السياسات الراهنة تهدر حق العمال حيث بلغ حجم العاطلين عن العمل في مصر وفقا للبيانات الرسمية لعام 2004 ما يقرب من 1.98 مليون عاطل أي ما يعادل 9.3% من قوة العمل، وأن هناك تقديرات تفوق ذلك بكثير، وأهمها بيانات البنك الدولي التي تفيد بأنه في عام 2002 وصلت نسبة البطالة إلي 29% من قوة العمل الأمر الذي يكذب كل التصريحات والقرارات التي تؤكد توفير 150 ألف فرصة عمل سنوياً!!
غلق وتشريد
ولم يقل لنا د. نظيف ماذا سيفعل مع عمال المدن الجديدة والتي تتعرض مصانعها للتدهور طبقا لأحدث دراسة قدمها الباحث الاقتصادي إلهامي المرغني حول الأجور والأسعار ،ذكر فيها أنه تم تشريد 40 ألف عامل علي إثر إغلاق 150 مصنعا في مدينة 6 أكتوبر الصناعية، ووفقا لأرقام جمعية أعمال السادس من أكتوبر ويبلغ إجمالي استثمارات المصانع المغلقة حوالي 340 مليون جنيه، في حين تعمل المصانع الباقية بالمدينة وعددها 790 بحوالي عشرين بالمائة من طاقتها.
وتذكر الدراسة علي لسان محللين قولهم إن أزمة الصناعة المصرية يقف وراءها: ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه في مواجهة الدولار وهي مشكلة مرتبطة بشكل خاص بالصناعات التي تعتمد علي المواد المستوردة.
والصورة لا تبدو أفضل حالا في المدن الصناعية الأخري. ففي العاشر من رمضان في شهر ديسمبر الماضي تم إغلاق 15 بالمائة من مصانع المدينة.. بينما تم إغلاق 179 شركة وأربعمائة خط إنتاج في مدينة برج العرب فضلا عن خمسين بالمائة من مصانع مدينة السادات. وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية فإن عشرات الألوف من العمال فقدوا أعمالهم.. ويقول أحد أصحاب المصانع إن الإغلاق يبدو مثل العدوي التي سوف تلحق بالجميع.. إن عاجلا أم آجلا. وتنقل الدراسة علي لسان محمد فريد خميس المدير الإداري لجمعية مستثمري العاشر من رمضان قوله: لقد أرسلنا تقارير إلي رئيس الوزراء، ووزير الصناعة، وهيئة الاستثمار العامة، ولكن لا حياة لمن تنادي، والمؤكد أن الحكومة ستندم كثيرا عندما تصحو ذات يوم علي انهيار تام في الصناعة المصرية ، وأن 70% من عمال الدولة باتوا عاطلين.
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟