أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالوهاب خضر - الماركسية ليست كل ما قاله ماركس















المزيد.....



الماركسية ليست كل ما قاله ماركس


عبدالوهاب خضر

الحوار المتمدن-العدد: 855 - 2004 / 6 / 5 - 04:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


فى كتاب قيم للمفكر السياسى الكبير الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع بعنوان " ماركسية ماركس .. هل نبددها أم نجددها "طرح الكاتب أفكارا جديدة وتستحق الدراسة حيث ركز على أن النظرية الماركسية التى نادى بها ماركس منذ سنوات طويلة وفى زمن غير الذى نعيش فيه الان هى قابل للتجديد والتطوير لتتمشى مع الواقع الحالى والظروف الراهنة التى هى بالقطع تختلف جذريا عن زمن كارل ماركس ولينين وانجلز , وجاء كتاب الدكتور رفعت كالصاعقة فى وجه هؤلاء المتشددين الذين يعبدون النظريات دون الرغبة فى التطوير والتجديد ... وبين هذا وذاك تظهر اشكالية أخرى وهى أزمة الماركسية فكرا وتطبيقا وهو الامر الذى يحدثنا فيه المفكر الماركسى الكبير محمود أمين العالم :
يقول العالم : عندما نلتقي لنتناقش حول أزمة الماركسية فكراً وتطبيقاً، ونحن جميعاً، وبغير استثناء، وبدرجات متفاوتة نسبيا، لا نملك المعرفة الحقيقية العميقة بالماركسية. ليس الأمر مجرد عيب ذاتي فينا، في مثقفينا. فقد يكون بينهم من عرف الماركسية معرفة نظرية طيبة، واستوعب مراجعها الأساسية. إنما هو عيب موضوعي كذلك. فماركس لم يُترجم ترجمة كاملة شاملة في لغتنا العربية. أي أنه حتى اليوم لم يدخل في ثقافتنا العامة. فضلاً عن أنه لم يجد طريقة بشكل موضوعي في إعلامنا، وتعليمنا ومدارسنا وجامعاتنا وحتى مجلاتنا وكتاباتنا العلمية إلا في صورة عكسية أو ضدّية في أغلب الأحيان. لقد حوربت كتبه وصودر في أغلب الأوقات المترجم منها طوال السنوات السبعين الماضية. ولهذا لم يتم حوار فكري حقيقي علني مجتمعي حول الماركسية مما كان من الممكن أن يغني ثقافتنا ويُنميّ معرفتنا الموضوعية والنقدية بها، ولعل أغلبنا قد أكتفى أو لم يجد أمامه إلا بعض ما ترجم من كتب ماركسية أغلبها ترجمة ركيكة، أو تبسيطات وملخصات مرّت على المصفاة السوفيتية الإيديولوجية.ولهذا، فلنعترف أن معرفتنا الحقيقية بالماركسية معرفة محدودة مسطحة هشة، ولاشك أن هذه المعرفة المحدودة المسطحة الهشة بالماركسية، هي امتداد لمعرفتنا النظرية العامة التي تتسم بالمحدودية والتسطيح والهشاشة. فما أشد ضعف وتخلف الفكر النظري عامة في ثقافتنا العامة.
ويضيف العالم :لست أتحدث عن المعرفة النظرية في حدودها الفردية، وإنما في أفقها المجتمعي عامة، أفق الثقافة السائدة. إن الفكر النظري لم يتح له التطور والتعمق في مجتمعنا وثقافتنا سواء في ظل الاحتلال البريطاني منذ 1882 حتى 1952، أو منذ 52 حتى الآن. لقد غلب الفكر العملي البرجماتي، أو الفكر النظري الانتقائي أو التوفيقي.,والغريب أن يكون هذا هو مصير الفكر النظري الماركسي في مصر رغم نشأة الحركة المصرية منـذ بدايات القرن العشرين. وهي قضية جديـرة بالدراسـة فـي بعديهـا الذاتـي والموضوعي.
ويقول العالم :واليوم نحن نلتقي لنتساءل عن حقيقة الماركسية، وعن مصيرها وعن أزمتها، وعن دلالتها في مجتمعنا وفي عصرنا …
وتساؤلاتنا وإجاباتنا ستكون بالضرورة محدودة بحدود معرفتنا بالفكر الماركسي كما ذكرت من قبل.,ولهذا قد يكون من المفيد أن نحدد أولاً بعض المعالم الأساسية للماركسية حتى يستند حوارنا ونقاشنا على أسس واضحة، مهما كانت هذه الأسس محدودة ومجزأة .,ولهذا قد أحّرص على أن أقول منذ البداية وقبل دخولنا في الموضوع، أننا أحوج ما نكون إلى توفر ترجمة عربية صحيحة كاملة لمؤلفات ماركس، فضلاً عن العناية بدراستها دراسة معمقة في ضوء خبراتنا الخاصة فضلاً عن مختلف الخبرات العلمية العالمية حولها التي توفرت طوال السنوات الماضية.
الماركسية ليست كل ما قاله ماركس. فلقد عالج ماركس قضايا متعددة وبمستويات مختلفة وعبر مراحل زمنية ومتنوعة.
ويؤكد العالم :ولم تتشكل ما نسميه بالماركسية دفعة واحدة، بل تمت وتحددت عبر خبرة طويلة من المعرفة الفلسفية والعلمية والممارسات النضالية والعملية. وقد نتبين في بعض مفاهيمها اختلافات في التركيز على بعض الجوانب أو في بعض الدلالات. ولهذا فقد تكون النظرة التاريخية والموضوعية لماركسية ماركس، هي متابعة تطوره الفكري لا من حيث ما جاء في كتاباته ومواقفه فحسب، بل من حيث علاقة هذه الكتابات والمواقف بالسياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي الذي نشأ وعاش فيه وتأثر به. فبهذا تكون دراستنا ماركسية حقاً للماركسية. فماركسية ماركس هي ثمرة أوضاع تاريخية واجتماعية وفكرية محددة إلا أن ما يسبغ عليها صفة النظرية، أي اعتبارها ماركسية لا مجرد كتابات ماركس بل هو ارتفاعها من مستوى القراءة الوصفية للواقع الآني في عصره، إلى التحديد العلمي والفلسفي والتوجيه العملي المستخلص من هذا الواقع والذي يصلح أن يكون رؤية شاملة، وفاعلية مؤثرة في حركة الواقع في عصره، وفي تغييره تغييرا جذريا ذا طابع إنساني مستقبلي شامل.هذا معنى أنها نظرية أي أنها نسق متجانس مترابط موحد من الأفكار التي تسعى لتفسير المشاكل الأساسية التي تواجهها الإنسانية وتتضمن منهجاً لحلها أو لحل جانب منها.
وفي تقديري أن الذي يميز هذه النظرية عن غيرها من الأنساق النظرية والفلسفية السابقة أمور ثلاثة:
الأول: أنها تستمد عناصرها ومعطياتها وبالتالي قوانينها من الدراسة العلمية العينية الملموسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي الفكري والصراعي فضلاً عن حركة التاريخ عامة فهي ليست مستخلصة من أفكار ونظريات أو عقائد أو مرجعيات أو خبرات سابقة، وإن تكن تتمثلها وتستلهمها بغير شك، وإنما تستمد أفكارها من الوقائع العينية كما ذكرنا فضلاً عن الخبرة العملية والممارسة النضالية.
الأمر الثاني: هو أنها ليست مجرد نظرية معرفية علمية تستمد صدقها من الدراسة العلمية الموضوعية وإنما تتضمن كذلك موقفاً موضوعياً كنظرية، لتغيير الواقع تغيير جذرياً لإقامة واقع مغاير يتخلص فيه الإنسان من الفقر والقهر والاستغلال وتتفجر فيه إنسانيته الإبداعية وتتوفر له الحرية الحقيقية.
الأمر الثالث: أنه ليس بين الأمر الأول والأمر الثاني فواصل أو مسافات، بل هما متداخلان متفاعلان فالمعرفة لا تهتم بالفكر المجرد التأملي وإنما بالبحث العلمي من ناحية والفاعلية والممارسة العملية الإنسانية من ناحية أخرى … إن الممارسة العملية تتمّ وفق هذه المعرفة، وإن تكن الممارسة مصدراً أساسياً في الوقت نفسه لهذه المعرفة. ولعلنا نجد هذه العلاقة بين المعرفة والممارسة منذ وقت مبكر في أطروحات ماركس عن فيورباخ التي كتبها عام 1845.
وتأسيساً على هذا فالماركسية تقف من حيث جوهرها ضد أمرين: ضد التجريد المطلق من ناحية وضد التجريب البرجماتي الجزئي من ناحية أخرى، وبالتالي ضد أي فكر عقائدي دوجماطيقي غير نقدي وغير علمي وضد أي ممارسة تقوم على هذا الفكر..
ولو تتبعنا تطور فكر ماركس لوجدناه ينتقل من الإيديولوجيا الهيجلية إلى الاقتصاد السياسي عْبر المشاركة النضالية السياسية.

ويقول العالم :ولهذا، في تقديري المتواضع، ومع احترامي لقول لينين بالمصادر الثلاثة لفكر ماركس هي الفلسفة الألمانية عامة والهيجلية خاصة، والاشتراكية الفرنسية الطوبوية والاقتصادي السياسي الإنجليزي وأنها اكتمال لهذه المصادر، فأنني أرى أن الماركسية ليست مواصلة واكتمالاً لهذه المصادر على حد تعبير لينين، بل هي نقد لها وقطيعة معها وخروج عليها وبهذا المعنى، وليس بمعنى الاكتمال، تكون هذه التيارات الفلسفية والسياسية والاقتصادية في مصادر الفلسفة الماركسية. إلا أن هناك مصادر موضوعية أخرى قد تكون هـي الركائز المرجعية للماركسية، هي في تقديري التطورات العلمية في مجال الفيزياء وفي مجال علمْي التاريخ والاجتماع، فضلاً عن التغيـرات القومية والاجتماعية والاقتصادية وما صاحبها من صراعات منذ بداية عصر النهضة واندلاع الثورة الفرنسية وبخاصة الصراعات الطبقية وبروز الطبقة العاملة في مواجهة السلطات البورجوازية الجديدة.
أما من الناحية الفلسفية، فلا شك في تأثر ماركس تأثيراً نقدياً بهذه المصادر الثلاثة وبخاصة فلسفة هيجل وتجاوزه لها، إلى جانب ثقافته الإنسانية الواسعة لمختلف المجالات والتيارات الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية. بل لعل بعض الدراسات الجديدة للماركسية تتكشف تأثراً كبيراً لماركس بفلسفة أرسطو وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الوجود بالقـوة والوجود بالفعل الذي يكاد ماركس يفسر بها المراحل الانتقالية في التحولات الاجتماعية، إلى جانب تأثير فلسفة أبيقور في تطوير مفهـوم الحرية.,أردت أن أؤكد تعدد مصادر الفلسفة الماركسية في جوانبها الثلاثة الفلسفية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولست أقصد بهذا رصداً تقريرياً لمصادر الماركسية، بقدر ما أحرص على تأكيد مصادرها المتعّددة، وبيان أين تقف الماركسية من التراث البشري عامة، ليكون هذا درساً لنا عندما نتحدث عن الماركسية في العصر الراهن. إن انتقال ماركس من المثالية الألمانية إلى الاقتصاد السياسي هو دلالة رمزية موضوعية في آن واحد على انتقال من المجرد إلى العيني الملموس. أو بتعبير آخر من المثالية إلى المادية.
على أن مفهوم المادية عند ماركس مفهوم خاص مختلف تماماً عن مفهوم المادية عند الفلاسفة السابقين عليه، وبخاصة الفلاسفة التجريبيين الحسّيين في الفلسفة الإنجليزية (مثل هوبز ولوك وهيوم) أو فلسفة الأنوار الفرنسية عند هولباخ وغيرها.
ويضيف العالم :فمادية ماركس ليست تعبر عن قوانين مسبقة تقول بأن المادة هي الجوهر النهائي لكل شيء، وليست ذات رؤية جزئية حسية خالصة، وإنما تعني معرفة الأشياء والوقائع كما هي في تحققها الفعلي لا في تصوراتها الوهمية ولا في جزئياتها المنعزلة، وإنما في علاقاتها وتشابكاتها التي تتخذ أشكالاً مختلفة وفي تفاعلاتها حركاتها وتغيراتها. وبهذا المعنى كذلك فهي جدلية، وليس في فكر ماركس، هذا الفصْل -كما يكتب كثيراً- بين المادية والجدلية
بل إن المادية عنده غير مفصولة عن الجدلية، والجدلية هي جوهر المادية وحقيقتها. فلا مادية بالمعنى العملي الحقيقي في المصادر النظرية الماركسية إن لم تكن جدلية. حقاً، هناك فكر مادي غير جدلي نجده في الفلسفة الطبيعية القديمة أو بعض جوانب الفلسفة الوضعية، وهناك جدلية غير مادية نجدها في الفلسفة المثالية. ولكن المصادر النظرية الماركسية تقول بالطابع الجدلي للوقائع المادية. ولعلنا نجد في كتابات ماركس ما يجعل الجدلية هي أساس المادية وجوهرها، ولهذا قد نجد في كتاباته تعبير الجدلية المادية لا المادية الجدلية.والمهم في هذا كله هو أن المادية الجدلية والجدلية المادية التاريخية وهما مصادرتان نظريتان أساسيتان في الفلسفة الماركسية، لا يمثلات مقدمات مجردة نفرضها على الوقائع فرضا، أو نستخلص منها القوانين المتحكّمة في هذه الوقائع، وإنما نتَبينها ونستخلصها بالبحث والدراسة في الطبيعة والتاريخ.,وفي ضوء هذا نحاول أن نحدد العلاقة بين النظرية والمنهج في الماركسية. الماركسية في تقديري نظرية كما هي منهج في الوقت نفسه. وتكاد كل فلسفة وكل نظرية أن يكون لها منهجها المستمد منها. الفلسفة الوضعية مثلاً تقول إنه لا يوجد في الواقع غير الوقائع الحسية الجزئية ولهذا ترفض القول بموضوعية الأحكام العامة. ولهذا فإن منهجها هو تفكيك التعابير والأحكام العامة تفكيكا إلى وحدات لغوية جزئية لاختبار مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها مع معطيات الواقع الجزئية الحسية.
ويشير العالم :ولهذا نرى أن الماركسية بمصادرهـا المادية الجدلية بالنسبة للطبيعة والتاريخ، ترفض التجريدات المطلقة، كما ترفض القول بالجزئيات المنعزلة وتقول بالوقائع المادية في علاقتها المتشابكة المتفاعلة المتحركة المتغيرة المتصارعة. ولهذا فمنهجها يتسلح بهذه الرؤية نفسها، أو بهذه المصادرة النظرية نفسها، ويسعى لكشف هذه العلاقات وتحديد قوانين حركتها، التي قد تختلف باختلاف الوقائع والملابسات الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية.
ولهذا، اسمحوا لي أن أقف لأتحفظ قليلاً إزاء تعريف لينين للجدلية بأنها علم القوانين العامة للحركة في العالم الخارجي والفكر الإنساني، إن مثل هذا التعميم قد يوحي بأن الحركة في العالم الخارجي المادي والاجتماعي والفكر الإنساني قوانين عامة. وهذا قول يقيني قاطع يكاد يعيد -وإن يكن بشكل مختلف- في الواقع الطبيعي والإنساني. حقاً، إن لينين في العديد من دراساته يختلف مع تعبيره التعميمي السابق هذا. فهو يلجأ دائماً إلى التحليل العيني للظواهر كشفاً عن قوانينها الخاصة. بل لعلنا نذكر تعريفه للماركسية بأنها التحليل العيني الملموس للظواهر العينية الملموسة.
إن مفهوم المادية الجدلية عند ماركس رغم أنه يستند إلى مصادر نظرية مادية جدلية فإنه منهج لاكتشاف القوانين النوعية المختلفة باختلاف الأوضاع والملابسات والظروف، ولا يقول بشكل قَبْلي أن سابق على التجربة بالقوانين العامة في العالم الخارجي المادي والاجتماعي والفكر الإنساني. ولعل هذه الرؤية الإطلاقية القبْلية للجدل هي التي كانت -بعد ذلك- وراء ما يُسمى بالـ / "Dia Mat" في الاتحاد السوفيتي الذي صيغ باعتباره الفلسفة الرسمية للحزب والدولة والذي تم تقنينه عـام 1934 وسوف نشير إلى ذلك فيما بعد.
ليس معنى هذا انتقاء القوانين العامة، ولكن القوانين العامة، هي ثمرة الدراسة العينية للوقائع العينية. التي يمكن أن نرتفع بها بالبحث والدراسة إلى التعميم إلى قوانين عامة التي بدورها قد تختلف في دلالتها باختلاف الملابسات والأوضاع الاجتماعية والتاريخية. أي بتعبير آخر إنها لا تفرض مسبقاً ولا تكون لها صفة الإطلاقية والأبدية، وإنما تكون موضوع دراسة وبحث باختلاف الملابسات والأوضاع.
ويقول العالم :والواقع أن هذا الفهم الإطلاقي للمادية الجدلية يكمن وراء فهم إطلاقي لمفهوم آخر هو مفهوم الضرورة والحتمية عند ماركس. يقول ماركس في النص المعروف في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" "إن الناس، في إنتاجهم الاجتماعي لوجودهم يدخلون في علاقات محددة ضرورية مستقلة عن إرادتهم، علاقات إنتاج تتفق مع درجة التطور المحدد لقواهم المادية الإنتاجية. إن مجموع علاقات الإنتاج هذه تكون البنية الاقتصادية للمجتمع والأساس المادي الملموس الذي يقوم عليه الأساس الفوقي القانوني والسياسي والذي ترتبط به أشكال الوعي الاجتماعي المحددة، إن نمـط الإنتـاج المادي هو الذي يّحدد ويشرط سيرورة الحياة الاجتماعية والعقلية عامة. ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم وإنما العكس، إن وجودهم هو الذي يحدد وعيهـم ".
إن بعض القراءات الجامدة الإطلاقية الشكلية لهذا النص تسارع إلى القول بأن الوجود الإنساني محكوم ومشروط بشكل حتمي بالواقع المادي. وهذا الواقع المادي هو الذي يحدد مسار التاريخي الإنساني كله.
على أن القراءة الموضوعية لهذا النص، تكشف منذ بدايته أن إنتاج الناس لوجودهم الاجتماعي هو الذي يفضي إلى تحقيق علاقات مستقلة عن إرادتهم الفردية. وهذا لا ينفي أولاً مشاركتهم في تشكيل هذه العلاقات وإنما يكن بشكل غير إرادي، أي بشكل موضوعي. وهنا تلتقي الممارسة الذاتية بالتشكل الموضوعي، الذي سوف يعود بدوره إلى التأثير في الوعي الذاتي، والممارسة الذاتية، بما يفضي بدوره إلى أشكال أخرى متطورة من العلاقات.,أي هناك تفاعل بين الذاتي والموضوعي، هناك ضرورة موضوعية تتحقق بالممارسة الاجتماعية، على أن هذه الضرورة الموضوعية يمكن أن تتغير بالوعي الذاتي بها. ولهذا يقول ماركس بوضوح ساطع "إن الناس هم الذين يصنعون التاريخ" ولقد فسر ذلك قائلاً "حتى الآن فعلوا ذلك بغير وعي خاضعين لقوى اقتصادية واجتماعية لا يفهمونها ولكنهم قادرون الآن على الوعي بها" هذه -في تقديري- القيمة الثورية التاريخية الأساسية للماركسية.,إن مقولة الضرورة والحتمية عند ماركس ليست أحادية الجانب، وليست لاهوتية، أو ميكانيكية أو اقتصادية. إن المثل الذي يضربه ماركس للتعبير عن تغير نمط الإنتاج بين مرحلة وأخرى، بالطاحونة اليدوية، وبطاحونة الهواء، لا تدل على أن العامل الميكانيكي أو الاقتصادي هو العامل الوحيد المحرك للتاريخ. ولم يقل ماركس -كما أوضح أنجلز- في دراسة خاصة، أن الاقتصاد هو العامل المحدد الوحيد للسيرورة التاريخية.
إن مقولة الضرورة والحتمية تتضمن القول بالعوامل المتعددة المتفاعلة والتي يلعب الوعي الإنساني والممارسة الإنسانية دوراً أساسياً بينها وإن كان للعملية الإنتاجية -لا الاقتصاد بالمعنى الميكانيكي الآلي- الدور الحاسم في نهاية المطاف، وهذا ما يجعل مفهوم الضرورة والحتمية في الفكر الماركسي تكاد أن تكون إن لم تكن هي بالفعل مرادفة لمفهوم الإمكانية. فالعالم في الماركسية لا يحكمه قانون من التطور الكلي الذي يتوجه نحو غاية معينة، فليس هناك شيء كامن في الطبيعة والتاريخ، أي نوع من العقلانية المحايثة التي تحكم الموجودات والأحداث الفردية وتوجهها توجيهاً أحادي الاتجاه. إن ماركس يرفض بشكل قطعي هذه الرؤية القدرية للتاريخ. يرفض القول بتاريخ يّتبع غاية خاصة مستقلة عن غايات يريدها الناس، فهذه الغاية لن تتحقق إلا بمشاركة واعية وإرادية للناس الذين يستطيعون في الوقت نفس تحقيق غاياتهم الفردية في ضوء إدراكهم للظروف الموضوعية القائمة. إن سيرورة التاريخ عند ماركس يتحرر فيها الناس بأنفسهم من الضغوط والقيود الطبيعية والاجتماعية إنه تحقيق للذات وتفتّح متطور لا نهاية له، وليس مغلقاً على غاية محددة.
ويقول محمود العالم :حقاً، أن كل شيء يتحقق وفق قوانين محددة، وفق علل محدّدة، وهذا ما يمكن تسميته بالحتمية العلمية، التي تستبعد كل ضرورة مفارقة من خارج التجربة الإنسانية، وكل علّية غائية نهائية. إن ما يميز هذه الحتمية هي أنها لا تستدْعي إلاّ الأسباب والعلل الفاعلة والشروط المحدَّدَّة في التجربة والعلل والشروط المحدَّدة لها، وهي علل وشروط إنسانية واجتماعية وتاريخية وموضوعية أساساً.
وليست القوانين العامة إلا تعميمات لهذه القوانين المحدَّدة المؤسَّسْة على هذه العلل والشروط. ولهذا فهي تختلف وتتنوع باختلاف الأوضاع والملابسات. وهذا ما ينفي عنها جمودها ونمطيتها المطلقة، ويعطي لها دلالات خاصة. على أن هذه القوانين العامة نتكشفها خلال دراسة تجلياتها العينية المختلفة. ولعل من أبرز هذه القوانين العامة المعبرة عن العلل والأسباب الفاعلة، هو الصراع الطبقي، والعلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، الدور المحرّر للطبقة العاملة والمنتجة عامة.
إن الوعي بهذه القوانين وهذه العوامل والعلل الموضوعية في التاريخ وتأسيس الفاعلية الإنسانية عليها هو الذي ينتج تحقيق الحرية الحقيقية.
لهذا لا سبيل إلى القول بحتمية قدرية في الماركسية.
والواقع أن الذين يصفون نظرية ماركس بهذه الحتمية هم من خصوم الماركسية ومن أشياعها كذلك. فالخصوم يتخذون من هذا الفهم ذريعة لاتهام الماركسية بالمادية الجامدة الميكانيكية غير الإنسانية.
أما الأشياع فيتخذون هذا الفهم لتبرير ممارساتهم الإرادوية السياسية التي يفرضونها فرضاً على المجتمع والناس والواقع، في تعارض مع ضرورات الواقع وإرادات الناس.
(إن جوهر نظرية ماركس هو أبعادها العلمية والفلسفية والسياسية العملية التي تتضافر لتحقيق ثورة جذرية في التاريخ بفضل ظهور الطبقة الاجتماعية المؤهلة لتحقيقها وهي الطبقة العاملة. وهي ثورة ضرورية وممكنة في وقت واحد، بل لعل إمكانها مرتبط بأساسها الضروري، وهي ثورة تسعى لإلغاء استغلال الإنسان للإنسان والقضاء على كل قهر سياسي وذلك بإلغاء الملكية الفردية لوسائل الإنتاج والانتقال بالتاريخ من ملكوت الضرورة إلى ملكوت الحرية.
ولا يتم هذا بشكل ميكانيكي قدري، وإنما بالممارسة النضالية الثورية التي تعي وتسيطر على الشروط الموضوعية للواقع الموضوعي.
ومع الثورة السوفيتية عام 1917 انتقلت هذه النظرية الماركسية من أفقها النظري إلى الممارسة الواقعية التأسيسية. وتحولت من ممارسة ثورية لانتصار ثورة إلى سلطة ثورية منتصرة في سياق أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية وعالمية مختلفة وأصبحت الماركسية هي مصدر المشروعية لهذه الثورة ومرجعيتها الفكرية والعملية الأساسية.
ما أريد أن أدخل في تفاصيل هذه الأوضاع التي قامت السلطة الجديدة في سياقها. على أن هذه السلطة الجديدة كان من الطبيعي أن تسعى إلى تكييف النظرية بحسب هذه الأوضاع تحقيقاً لأهدافها العامة.
ويضيف المكر الكبير :فماركس لم يقدم برنامجاً عملياً للتحول الاشتراكي وإنما قدم خطوطاً عامة. ولقد استطاع لينين بأن يقود عملية الثورة وأن يحققها باقتدار عبقري في مواجهة الضرورات العملية والفكرية والتنظيمية التي فرضتها الأوضاع الخاصة والدولية وكانت هناك إبداعات فكرية وعملية عديدة مثل نظرية قيام الاشتراكية في بلد واحد، ومثل نظرية أضعف الحلقات، ومثل الربط بين السلطة والكهرباء أي التصنيع ومثل الثورة الثقافية، ومثل نظرية حق تقرير المصير، ومثل الدعوة للسلام العالمي، ومواجهة الحرب الأهلية والتدخل الإمبريالي، ولكن لعل من أبرز الإبداعات العملية في تقديري هو مشروع لـ Nep الذي سعى به لينين أن يردم الهوة بين الطبيعة الثورية للسلطة الجديدة وبين الواقع الاجتماعي البالغ التخلف، ربما اقتراباً من رؤية ماركس الخاصة بقيام الاشتراكية في البلاد الرأسمالية المتقدمة، باعتبار أن الاشتراكية هي تتويج لاكتمال المرحلة الرأسمالية.
وبرغم الطابع المحلي لهذه المنجزات تدعيماً للثورة، فإن الثورة السوفيتية، كانت ثورة ذات دلالة تاريخية إنسانية شاملة، غّيرت موازين القوى في العالم، لمصلحة الطبقات العاملة في العالم ولحركات التحرر الوطني في البلاد النامية.
ولكن مع تقديرنا للدور العبقري المبدع لقيادة لينين لهذه الثورة منذ مراحلها الأولى حتى قيام سلطتها، سواء في كتاباته النظرية أو سياساته وممارساته العملية، فما أجدرنا أن نتساءل عن مدى الإضافة النظرية التي أضافها لينين إلى الماركسية، بحيث يصح القول بالماركسية اللينينية. لعلنا نذكر مقولة ماركس الشهيرة "لست ماركسياً" في مواجهة محاولات تحويل أفكاره إلى إكليشيهات جامدة، ونظرية نهائية. وما أذكر أن لينين جعل في حياته من منجزاته النظرية والعلمية رغم أهميتها إضافة نظرية كاملة إلى الماركسية. وأتساءل:هل حاول ستالين وهو الذي صاغ مفهوم اللينينية كإضافة نظرية إلى الماركسية، أن يعطي لهذا المفهوم مشروعية وطنية للسلطة السوفيتية، وبالتالي لسلطته هو نفسه، فضلاً عن إعطاء هذه السلطة السوفيتية مشروعية أممية ؟!
إننا نستطيع أن نحدد المعالم النظرية التي صاغها ستالين لتأكيد هذه الإضافة النظرية للينينية إلى الماركسية في الأمور التالية:
ـ مسألة انتصار الثورة في بلد واحد، مسألة أضعف الحلقات، والنمو غير المتكافئ، وبناء الاقتصاد الاشتراكي، ودكتاتورية البروليتاريا، وحزب الطبقة العاملة، والمسألة الوطنية، ومسألة المستعمرات، ودراسته للإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية إلى غير ذلك. وهي بغير شك إضافات غنية فكرية وعملية إلى رصيد النضال الثوري، وهي بغير شك عناصر نظرية وإجرائية تعبر عن نظرية التجربة السوفيتية، الثورية وخاصة في بدايتها. وعندما أضافها ستالين إلى الماركسية كمرجعية للثورة الاشتراكية عامة كاد أن يجعلها في الحقيقة المرجعية الأساسية لهذه الثورة، بل كاد يُخْفت إلى جانبها الصوت الحقيقي للماركسية، لقد تحولت الماركسية في ثَوبها اللينيني بمفهوم ستالين إلى مذهب رسمي للحزب الشيوعي السوفيتي وللسلطة السوفيتية.
وهكذا تحولت (الماركسية) إلى مؤسسة حاكمة هي المرجعية الأساسية والوحيدة في الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية في الاتحاد السوفيتي، وتحولت المادية الجدلية. كما سبق أن أشرنا إلى Dia Mat?† أي إلى قواعد قانونية سلوكية فكرية للدولة والحزب. إبتداءً من 1934 باعتبارها الفلسفة العامة التي تعبر عن القوانين الشاملة للمادية الجدلية ولسيرورة الطبيعة والتاريخ والفكر والحكم والمعيار الوحيد على صحة وصدق كل فكر فلسفي أو علمي أو اقتصادي أو عملي عامة.
وأصبحت مهمة العلماء استخلاص قواعد هذه الفلسفة القبْلية من الطبيعة والتاريخ باعتبارها المبادئ النهائية لحركة الواقع، ولمنهج المعرفة. وأصبحت الـ Dia Mat بمثابة بوليس سياسي للحقيقة بل تحولت المادية التاريخية إلى رؤية تطورية اقتصادية نهائية للحركة التاريخية الاجتماعية ذات الاتجاه الواحد.
وأصبحت هذه الـ Dia Mat وسيلة لتمرير وتبرير كل سياسات السلطة البيروقراطية التي أصبحت دكتاتورية على الحزب وعلى الطبقة العاملة نفسها. والأخطر من هذا أن أصبحت هذه السلطة السوفيتية بسلاحهـا النظري هذا هي المرجعية الوحيدة للحركة الشيوعية في العالم أجمع. وهكذا جُمَّدت الماركسيـة وانتهـت كعلم وكممارسة وكفلسفة، وأصبحت أدبياتها تلقينيـة تبسيطيـة مطلقة الصحة واليقيـن بل تفرض نفسها فرضاً إجباريـاً .
ولهذا نرى ستالين يقول في كتابه حول مسائل اللينينية:
"أليست اللينينية تعميماً لتجربة الحركة الثورية في كل مكان. أليست أسس نظرية وتكتيك اللينينية صالحة وإجبارية لجميع الأحزاب البروليتارية في كل البلاد" ؟.
وهكذا باسم اللينينية فرضت الدولة السوفيتية سلطاتها على الحركة الشيوعية العالمية. وأصبحت الماركسية ترقد جثة هامدة فوق سرير بروكوست أو سرير الدولة السوفيتية البيروقراطية أو تزيـد بحسـب طـول هذا السرير -سياسياً ومصلحياً- أي بحسب المصلحة السياسية البرجماتية الخاصة لهذه السلطة.
ولا يمكن تفسير هذا بالعامل الذاتي وحده أو الفهْم المتخلف الخاص بالماركسية مع أهمية هذا العامل، وإنما هناك بعض أسباب موضوعية تتعلق بالطابع المتخلف للمجتمع السوفيتي، وبروز النازية التي كادت تشكل تحدّياً مباشراً للتجربة السوفيتية والرغبة في اللحاق بالنظام الرأسمالي إلى غير ذلك.
ويضيف العالم :ولست أنكر مع ذلك ما حققه الاتحاد السوفيتي من إنجاز عظيم في هزيمة النازية، وفي دعم حركات التحرر الوطني ومختلف حركات الطبقة العاملة في العالم. ولكنها حققت هذا في تقديري كدولة عظمى لا كدولة اشتراكية ماركسية.
وليس ما تشهده هذه السنوات الأخيرة من انهيار النموذج السوفيتي وتفكك المنظومة الاشتراكية إلا النتيجة الطبيعية لهذا الانهيار الفكري والأيديولوجي والديمقراطي والثوري عامة، وغلبة الطابع الإرادوي والبيروقراطي على السلطة السوفيتية.
لم تعد الطبقة العاملة في السلطة، ولم يعد الناس يصنعون تاريخهم، وأصبحت سياساتها رغم ما تتضمنه من مسانـدة كـبرى لبلدان العالم الثالث ولقضية السلام العالمي تسعى لتحقيق ذاتهـا كدولة عظمى تسعى لنشر نفوذها واللحاق بالرأسمالية العالمية والتفوق عليها.
إن هذا لا يعني أنه في داخل الاتحاد السوفيتي وداخل وخارج مختلف الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في العالم كانت هناك تيارات ماركسية حقيقية تناضل فكرياً وعملياً ضد هذا الاتجاه السلطوي البيروقراطي المناقض للماركسيـة وباسمهـا بالإضافة إلى اسم لينين.
ويؤكد العالم :على أنه برغم ما حدث خلال السنوات الماضية، ما تزال أعلام الماركسية والشيوعية بمستويات مختلفة مرفوعة في أكثر من بلد وفي أكثر من حزب. وما يزال الصراع الطبقي محتدما بل يزداد احتداما على مستوى كل بلد، وعلى المستوى العالمي أجمع., وبرغم البلبلة الفكرية التي تغذّيها ترسانة البلاد الرأسمالية ضد الفكر الاشتراكي عامة، والماركسي خاصة، فلم تبرز الحاجة إلى الاشتراكية وإلى الفكر الماركسي كما تبرز الحاجة إليه هذه الأيام. إن الحكم على الاشتراكية والفكر الماركسي لا يكون بما أصاب التجربة السوفيتية الاشتراكية من انهيار، وإنما الحكم الصحيح على الاشتراكية والماركسية يكون بما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم من عجز عن تقديم حلول للمشكلات الأساسية للواقع الإنساني، بل وبشراستها العدوانية والاستغلالية إزاء شعوب العالم الثالث بوجه عام، فضلاً عن تفاقم أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والقيمية.وهكذا تبرز الاشتراكية والماركسية كضرورة، ما تزال تتطلع إليها هذه الأوضاع التي تزداد ترديا في حياة شعوب العالم وخاصة شعوب البلاد المتخلفة والنامية.
وهكذا نعود إلى البداية متسائلين: هل ما تزال الماركسية كما قال بها ماركس هي نفسها لم تتغير، وعلينا أن نرفع أعلامه وأعلامها!؟ وهل ما تزال الماركسية اللينينية، التي ناضلت وضمت آلاف الناس تحت رايتها، كما هي بذات الصيغة القديمة ؟
ثم أخيراً، ما السبيل للخروج من هذه الأزمة التي تعانيها الماركسية فكراً وواقعاً ..؟!.
ويقول العالم :إن الماركسية في تقديري ما تزال تحمل من المصادرات النظرية والتوجهات المنهجية ما يجعلها مرجعية أساسية من مرجعيات الفكر الاشتراكي والنضال الاشتراكي، وخاصة فيما يتعلق باستنادها إلى البحث العلمي إختبارا لمصادراتها وكشفا متصلا لقوانين الواقع فضلا عن الممارسة الثورية المنظمة المستندة إلى هذه الممارسة العملية، إلى جانب رؤيتها النظرية الفلسفية المادية الجدلية في دلالتها التي أشرنا إليها سابقاً، وفي ماديتها التاريخية في صورتها، المتطورة بتطور الخبرات والمعارف، لا في رؤيتها التخطيطية الميكانيكية الأحادية الاتجاه، فضلاً عن الطابع النضالي للماركسية من أجل الانتقال بالمجتمع البشري من مرحلة الرأسمالية إلى المرحلة الاشتراكية كمرحلة انتقالية نحو الهدف الشيوعي -الذي وإن يكن ذا طابع يوتوبي لا يمكن أن تتحدد معالمه الآن- إلا أنه على الأقل وبشكل عام لن يكون نهاية للتاريخ، بل سيكون مرحلة تاريخية يتحقق بها التحرر الكامل للإنسان من عوامل اقهر والاغتراب والاستغلال والتي تتفتح بها آفاق إنسانية حقيقية جديدة للحرية والإبـداع.
وكما ارتكزت الماركسية على مرجعيات علمية وفكرية سابقة، فضلاً عن أنها كانت ثمرة للواقع الموضوعي وللمرحلة التاريخية التي نشأت فيها ومنها، فلا شك أن الماركسية في عصرنا الراهن، لابد أن تجدد مصادرها التي تستند إليها في تجددها الفكري والنضالي.
فلا شك انها سوف تستند في مرجعيتها إلى الماركسية وإلى ما استندت إليه الماركسية من مرجعيات علمية وفكرية وموضوعية كما سبق أن أشرنا، ولكنها ينبغي أن تضيف إلى ذلك ما استجد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم من تطورات علمية وتكنولوجية، وبخاصة ما يتحقق اليوم من ثورة كاملة في مجالي علوم الاتصال والمعلوماتية، فضلاً عن الخبرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية السلبية والإيجابية وخاصة خبرة انهيار النموذج السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وانهيار حركات التحرر الوطني واحتدام الصراعات العرقية والقومية والدينية في العالم، والأزمات التي يعانيها اليوم النظام العالمي ومحاولات الهيمنة على العالم، إلى جانب بروز حركات اجتماعية جديدة في العالم كحركات السلام، والدفاع عن البيئة، والجماعات المدنية والأهلية، والمنظمات الدولية، والصورة العامة للعولمة بدلاليْتها الإيجابية والسلبية فضلاً عن تطور مفهوم قوى الإنتاج نتيجة للثورة العلمية الجديدة ومفهوم القمية وما يفرضه هذان المفهومان من تطوير ضروري لمفهوم الطبقة العاملة، ومفهوم دكتاتورية البروليتاريا. فلم تعد الطبقة العاملة هي ذاتها في صورتها التقليدية بل أضيفت إليها قوى جديدة، كما أن مقولة دكتاتورية البروليتاريا أصبحت أضيق من أن تتسع للقوى الإنتاجية والإبداعية الجديدة التي يمكن اليوم أن تشارك في التحولات الثورية.
ويضيف العالم :وهكذا تتسع مرجعية الحركة الاشتراكية، وتتعدد مصادر قوتها وفاعليتها عن الحدود الماركسية القديمة، وان تكن امتداداً إبداعياً لها. وهنا يثار سؤال مشروع قابل للمناقشة لأنه يطوف في أذهان كثيرة: ألا تعدّ مقولة "الاشتراكية العلمية" والاكتفاء بها أكثر ملاءمة تعبيراً عن الأوضاع الجديدة بدلاً من الانتساب النظري إلى اسم ماركس دون إغفال اسمه كمصدر أساسي من مصادر الفكر الاشتراكي العلمي؟ هذا فيما يتعلق بالماركسية، أما فيما يتعلق بإضافة اللينينية إلى الماركسية، فقد يكون من الملائم الإشارة إلى منجزات لينين الفكرية والعملية باعتبارها مصدراً من مصادر الاستلهام شأنها في ذلك شأن العديد من الخبرات الفكرية والنضالية في التاريخ البشري عامة، بل والتاريخ الوطني والقومي، سواء في التراث الفكري أو الممارسات والإنجازات العملية.، وذلك دون الالتزام بها التزاما نظريا كاملاً ؟.
وقد تكون قضية البنية التنظيمية الخاصة للحزب اللينيني بالضرورة موضع اجتهاد جديد خاصة في ضوء التوسع في نطاق القوى الاجتماعية المؤهلة للمشاركة في التغيير الثوري، فضلاً عن ضرورة تنمية روح الديمقراطية واحترام الاختلاف وتصفية الاتجاهات البيروقراطية والتسلطية في البنية الحزبية خاصة وفي التحالفات بين الأحزاب عامة.
وهنا يثار السؤال مرة أخرى، أعتقد، أنه يدور في كثير من الأذهان وخاصة بالنسبة للينين حول الاكتفاء بمقولة الاشتراكية العلمية والاكتفاء بها كمرجع أساسي عام باعتبارها أكثر ملاءمة من الانتساب إلى اسم من الأسماء مهما كان التقدير العميق لإبداعهم الفكري والنضالي. فلعل الانتساب إلى اسم من الأسماء ممّا يحد من إمكانية تطوير الفكر النظري، بل قد يثير نوعاً من الإحساس بالاغتراب عن خصوصية الواقع الوطني لدى الجماهير الشعبية. وهذه قضية مطروحة للحوار.
وينهى العالم كلامه قائلا :إن التركز على عملية التجربة الثورية - التغييرية، وتنمية الثقافة الديمقراطية والعقلانية والنقدية والإبداعية، والتخلص من كل التعميمات الأيديولوجية المجردة، والحرص على الدراسة العينية للواقع العيني، سواء في خصوصيته الوطنية المحلية أو خصوصيته القومية العربية في تجربتنا العامة، أو في خصوصيته العالمية.والسعي إلى قيام أوسع التحالفات السياسية والنضالية بين مختلف القوى الإنتاجية والإبداعية والاجتماعية على المستوى الوطني والعربي والعالمي، بل والسعي إلى المشاركة في إنشاء أممية جديدة لا تلغي الخصوصيات الوطنية والقومية والثقافية المختلفة، بل تجعل منها قوة تخصيب وإغناءٍ لهذه الأممية الجديدة، فضلاً عن الحرص على الطابع الديمقراطي لهذه الأممية بحيث تحترم الاختلافات، والتمايزات، والخبرات المتنوعة، وتزول عنها المركزية البيروقراطية لقطب من أقطابها.
هذه في تقديري هي بعض العناصر التي قد تصلح نقطة انطلاق لمرحلة جديدة تطويرا للفكر الماركسي، وتنميةً للنضال الثوري، وتوسيعاً، وعميقا له. للخروج بالحركة الاشتراكية خاصة. وحركة النشاط الثوري الإنساني عامة من أزمتها للتصدي لمحاولة الرأسمالية العالمية فرض هيمنتها وسياساتها ومصالحها الاستغلالية وثقافتها على عالمنا المعاصر.
على أن هذه العناصر العامة لا تغني عن معالجة خبرة فكرنا الماركسي في التطبيق الحي معالجة نقدية محدّدة في إطار واقعنا المصري المحدد.



#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى الرئيس مبارك
- العائدون من السجون اللبنانية : خرجنا من سجن الفقر المصرى لند ...
- المجلس القومي لحقوق الإنسان فى مصر يرفض إلغاء حالة الطواريء. ...
- حكاية الصفقة المشبوهة مع عمال شركة الدلتا للغزل والنسيج فى م ...
- !-خبطة صحفية :ننفرد بنشر وقائع تعذيب مصريين فى السجون اللبنا ...
- أنقذوا عمال مصر من عمليات الفصل التعسفى
- الشيوعيون المصريون وضربة المعلم
- الحكومة غير لائقة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا .
- حزب التجمع المصرى يرشح - خير - لعضوية مجلس الشورى فى أكبر من ...
- مصر تخسر 1ر3 مليار جنيه سنويا بسبب برنامج الخصخصة وتوقعات بض ...
- الحكومة تتلاعب - بقوت - الشعب
- هنا مصر : بأى حال عدت يا عيد ؟؟
- من المسئول عن تدهور صناعة الغزل والنسيج فى مصر ؟
- غدا الخميس .. مؤتمر فى نقابة الصحفيين المصريين للدفاع عن أمو ...
- مستشار أتحاد الفلاحين المصريين للحوار المتمدن: حكايات الفلاح ...
- صورة الاقتصاد المصرى فى 2003 /2004
- فى مؤتمرصحفى : حزب التجمع يطرح مشروع للتغيير الوطنى فى مصر
- أفاق اشتراكية - وموقف اليسار المصرى من قضية الديمقراطية
- عجز الموازنة أم عجز الحكومة ؟؟
- المعارضة المصرية تضع ملامح - الاصلاح الوطنى - المنشود


المزيد.....




- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالوهاب خضر - الماركسية ليست كل ما قاله ماركس