أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 17 من رواية تصبحون على غزة















المزيد.....

الفصل 17 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2981 - 2010 / 4 / 20 - 18:00
المحور: الادب والفن
    


17
في الصباح يخرج إسماعيل مع أولاد عمته مريم للتعرف على غزة ، تحتضنهم الشوارع والأزقة والمحال التجارية لشارع عمر المختار . الازدحام محموم لا تحكمه قواعد سير ، لا إشارات مرورية تحدد الأولوية ، لا شرطة تحافظ على سلامة المواطن وعدم تعرضه لحوادث الطرق . يحدث إسماعيل نفسه على نحو فجائي : أنا الآن أملك حريتي كما الأطفال دون نظام صارم يحدد أماكن اللعب والأوقات . يتسكع كما الآخرين بمرح لم يعتد عليه ، تأخذه الأقدام خلف أولاد عمته وبالاتجاه الذي يذهبون إليه وتحط به في ساحة مكشوفة مزروعة بالشوك وبعض الأعشاب البرية ، يبحث معهم عن الديدان وينصبون الفخاخ ، ثم يبتعدون عنها جالسين بالقرب من جدار يظللهم من الشمس .
تبدأ الفخاخ بالإطباق على العصافير عند محاولتها التهام الديدان ، وهكذا إلى أن تعامدت الشمس فقفلوا راجعين . في الطريق سأل إسماعيل أحدهم :
- كيف تجرأت على قطع رأس العصفور بيدك ؟
- لم يعلمك خالي كيف تصطاد العصافير :
- لا ، ولم أشاهده مرة يفعل هذا .
- لقد قالت أمي أن أباك كان في صغره أمهر من كل أترابه .
- ربما ، ولكنه الآن لا يفعل ..
- حتى الكبار هنا لا يفعلون .
- لماذا ؟
- لا أعرف . قد يكون السبب انشغالهم في أمور الحياة الأخرى ، أو ربما لأن مهنة الصيد هذه لا تبني بيتاً .
- معك حق . لأن مجموع ما صدناه اليوم لا يكفي لإطعام شخص واحد ، فكيف إذن سيكفي لأسرة كاملة ..
- اعتقد أنها ليست مهنة بقدر ما هي إحدى وسائل التسلية واللهو في غياب الأماكن التي تحتوي على ألعاب الأطفال وتعنى بالترفيه عنهم .
- ربما ، وأكبر دليل ، لم أر أحداً من الأطفال في ألمانيا يتسلى بهذه الطريقة ، رغم وجود العصافير بكثرة ، وقد يكون السبب أن أماكن التسلية واللعب متوفرة في كل مكان ومجهزة بكل الوسائل التي تساعد على ذلك ، بعيداً عن التفكير في قتل العصافير بهذه الوحشية .
اقتربوا من البيت ، توقفوا عن الحديث ، في أيدي البعض منهم عصافير تكاد تموت جراء الضغط عليها ، فيما كان الجزء الأكبر الموجود في كيس من النايلون بعد أن قطعت رؤوسها في يد إسماعيل فرحاً بها وحزيناً عليها ، تتقاذفه المشاعر المتناقضة في مختلف الاتجاهات دون القدرة على تحديد الصائبة منها . دخلوا البيت ، كانت مريم بانتظارهم ، سألت :
- كم هي حصيلة اليوم من الصيد ؟
أجاب إسماعيل :
- لم نعدها !
- لماذا ؟
- لأننا لم نذهب إلى هناك من أجل الصيد ، بل من أجل التسلية والمرح ..
- وهل كنت أمهر منهم مثل أبيك ؟
- بل تعلمت منهم كيف يفعلون ..
- ولكن في المرات القادمة ستفوقهم قدرة ومهارة .
- لن يكون هناك مرة أخرى .
- لماذا يا عمتي ؟
- إنها طريقة وحشية في القتل !
- ولكن الله أحل صيد البر والبحر ، وأنتم لم تفعلوا ما يغضب الله منكم :
- ولكن الله لم يأمر بقطع رؤوس العصافير ، هذا عذاب لها .
- عندما تنصبون الفخاخ تسمون عليها بسم الله وفي هذه الحالة حتى لو وجدتها ميتة بين فكي الفخ تكون قد أصبح حلالاً وفق شريعتنا الإسلامية السمحة .
- وهل شريعتنا الإسلامية السمحة تجيز لنا نحن الذين لم نبلغ الحلم الذبح حتى تجيز لنا تعذيبها بوحشية بتر الرأس عن الجسد دون سكين حاد ؟
- الآن لا عليك ، ستتعود ذلك لاحقاً .
- أما إبراهيم الذي لاذ بالصمت ، بعد أن قطع الحوار مع أبيه شوطاً طويلاًً ، في أعقاب قول أبيه :
- أتفضل الإقامة في الدولة التي تدعم مغتصبي أرضك بمئات الملايين من الدولارات عن الإقامة في وطنك وهو في أمس الحاجة إليك؟
هدرت الكلمات في رأس إبراهيم هديراً موجعاً صاحبها احتمالات من الخوف واتخاذ قرارات سريعة من الصعب التراجع عنها لاحقاً . وكانت الشمس بخيوطها الملتهبة تسطر الحكاية من بدايتها، حكاية الإنسان وصراعه مع الطبيعة بما يتلاءم مع البقاء وتجديد النسل حتى غدا ما هو عليه الآن من تطور ترافق بالمحافظة على البقعة الجغرافية التي يسكن عليها وينتفع بها ويقوم بزراعتها كي يوفر احتياجاته الضرورية من مأكل وملبس إلى أن أصبح الصراع بين الإنسان والإنسان على ذات البقعة الجغرافية الواحدة يأخذ أشكالاً مختلفة من أجل السيطرة على أكثر المناطق فائدة للإنسان وما ترافق معها من تحالف بين دولة وأخرى تبعاً للمصالح المشتركة بغرض جعل طرف أقل شأناً من آخر يسعى إلى تنصيب نفسه سيداً وإلحاق الآخرين به كعبيد يقومون بالخدمة عليه من أجل إطعامهم القليل مما ينتجونه حتى يمنحهم حمايته ويبقيهم تحت سطوته ذاعنين للعبودية بعد أن تعودت أجسادهم وعقولهم وأنماط تفكيرهم على هذا الوضع من الحياة عبر تعاقب الأجيال إلى أن صارت ثورة العبيد وما قدمته من تضحيات توجت في نهاية المطاف بالتحرر والحصول على المساواة بالحقوق والواجبات ، فتغير على أثرها شكل العبودية لتأخذ أسما جديداً يحمل ذات المضامين ، الاستعمار المباشر ، التبعية الاقتصادية ، وبكلمة ، تحول صراع الإنسان مع الطبيعة ، إلى صراع الإنسان مع الإنسان على الطبيعة .
وفجأة ، علا صوت إسماعيل بعد أن صار قبالة أبيه مباشرة سائلاً:
- هل صحيح يا أبت أنك أمهر الصيادين في نصب الفخاخ واقتناص العصافير عندما كنت طفلاً ؟
- هذه عمتك مريم أنا أعرفها جيداً ، هي التي قالت لك ذلك ..
- نعم ، هي .
- لكل مرحلة ذكرياتها يا بني . ربما في تلك المرحلة كنت أمهرهم، ولكن اليوم هناك من هم أمهر مني .
- إذن ، سأتعلم الصيد كي أصبح أمهر منك .
- لا داعي يا بني ، فأنت أمهر مني دون تعلم .
- كيف ؟ وأنا لم اصطد عصفوراً واحداً في حياتي ..
- انظر إلى المستقبل يا بني ولا تتشبث بالماضي حتى لا يقيد حركتك !
- وهل الصيد يقيد الحركة ؟ إنه يجعلك تغدو ذهاباً وإياباً وأحياناً تركض ، ثم تقول لي يقيد الحركة !
- مازلت صغيراً على هذا يا بني ..
- كيف ؟ وأنا رأيت أولاد عمتي يتفلتون كلما اقترب العصفور من الفخ ، بل ويستعدون للركض نحوه عندما يطبق فكيه كي يصلوا إليه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة .
- هذا صحيح تماماً . يحاولون الوصول إليه قبل الموت ، يبذلون جهداً مضاعفاً في السباق مع الموت .
- ولكن في مرات كثيرة فاز الموت عليهم ، ظفر بحياة العصفور على الرغم من وضع منقاره في فمهم وإعطائه من أنفاسهم قبل أن يخمد تماماً .
- إنها فلسفة الحياة يا بني ، يموت كائناً ويولد آخر حتى يتم المحافظة على التوازنات الطبيعية التي بدونها ينهار كل شيء .
- هل تعلم يا أبي أنني لاحظت شيئاً غريباً خلال الصيد ؟
- ما هو ؟
- في اللحظة التي ينطلق فيها إبراهيم، ابن عمتي، صوب العصفور، ويصل إليه قبل الآخرين كان ينقذ حياته ، يستمر في النفخ على رأسه وفي منقاره حتى يستعيد حركته بعد الخمود ، ثم يتبادلا النظر كأنهما على موعد .
- إنه مجرد لعب أطفال ..
- أليس هناك من تفسير لهذا الأمر ؟
- ربما . لكن ليس لدي معرفة أو تفسير لهذه المسألة



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 15 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 14 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 13 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 11 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 10 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 9 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 7من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 6 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 5من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 4 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل3 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل2 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل1 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل16 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 17 من رواية تصبحون على غزة