أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل1 من رواية تصبحون على غزة















المزيد.....

الفصل1 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 12:56
المحور: الادب والفن
    


تصبحون على غزة
1
أجمع كبار السن في حديثهم عنها عبر مراحلها وتعاقب السنين،على أسمائها المختلفة ،دون بروز أي تباين أو اختلاف جوهري يدفع نحو التدقيق وبذل المزيد من الجهد من أجل معرفة الحقيقة ،فظلت تحمل الأسماء الثلاثة التي تدل عليها دون الحاجة إلى الخوض في التفاصيل:الساقية :الخسة ،المالحة.والاسم الأخير هذا ، شاع أكثر من سواه باعتبار المرحلة الزمنية التي امتد إليها ،وسمته بطابعها ،الأمر الذي عرف جيل هذا الاسم أدق تفاصيلها دون أن يعبأ بالأسماء السابقة، إلى أن وصلها العمران وأجهز على الاسم تماماً،فصارت كباقي أشياء الماضي التي يذكرها الكبار ومعها ذكرياتهم .
وكانت الساقية مليئة على الدوام بالخضراوات والتجار الذين يأتونها كي يبتاعوا ما تم جنيه في مساء اليوم السابق ، يعرضونه في السوق ويتنافسون مع العديد من التجار الذين يحضرون من المناطق المختلفة ومعهم ذات الأصناف ،غير أنهم في نهاية المطاف يحصلون على السعر الذي يريدون جراء ما لديهم من خضراوات أفضل من سواهم .
وكان صاحب الساقية قد أذن لأبنائه بيع الجيران القريبين ما يرغبون في شرائه حتى يوفر عليهم الوقت والذهاب إلي السوق ، ومع ذلك كان البعض ينتظر مدة طويلة حتى يتمكن من الحصول على ما جاء من أجله ، والسبب بسيط جداً ، انشغال الأولاد بصيد الطيور البرية التي تبحث عن طعامها من ديدان بين الأصناف المختلفة من الخضراوات . طيور منها ما يأتي لمرة واحدة خلال السنة ، ومنها دائم التنقل من بقعة لأخرى داخل الساقية بأشكالها الجميلة المزهوة وهي ترفرف بجناحيها كخفق القلب . عصافير تعلو في السماء وتحلق ناظرة إلى الأرض تبحث بعيونها عن الديدان والحشرات المتحركة ، وأخرى تقف على الأغصان الفارعة ثم تنقض سريعاً على فريستها ، وغيرها تتريث بحذر شديد قبل أن تتحرك . ربما تحسب حساب العواقب إن هي تسرعت ، ومع ذلك كانت بين الحين والآخر تقع ضحية الحذر فيطبق عليها الفخ بقبضتيه الفولاذيتان اللتان لا مناص منهما مهما صرخت . تصفق بجناحيها تصفيقاً حاداً ما يلبث أن يتوقف فجأة، فيما يأتي أحد أبناء صاحب الساقية ويخلصه من بين فكي الفخ ثم ينفخ في فمه وعلى وجهه أملاً في إعادة الحياة إلي الجسد الصغير ، وعندما يتعذر عليه ذلك ، يفصل رأسه عن جسده ويضعه جانباً حتى يتمكن من إعادة إخفاء الفخ بالتراب وترك الدودة تتحرك فوقه بغية اصطياد المزيد .
ولما تغيرت أحوال البلاد والعباد ، تغيرت معها الساقية ، واكتفى صاحبها بذراعتها الخس مرة في العام ، وعند نضوجه ينصب ثلاثة خيام في المناطق المرتفعة من الأرض بغرض استضافة الناس الذين غدوا يتدفقون عليها منذ الساعات الأولى للصباح ، يمضون معظم أوقات اليوم داخل الخيام ويتجولون بين ضفاف الخس ، يشعلون النار ويعدون وجبة الغداء ومعها إبريق الشاي ، وعند مشارف غروب الشمس يغادرون عائدين إلى بيوتهم . وهكذا يومياً على مدار الموسم إلى أن تم خلع اسمها الأول وحلول الاسم الجديد محله .
وتطورت الأمور على نحو يرضي الناس ، فباتوا يعدون لرحلة هذا اليوم أفضل وسائل الراحة بغرض الاستمتاع من كل لحظة يقضونها في الخسة ، وانفتحت العلاقات بين الناس وأعجب الشبان بالفتيات فتقدموا لخطبتهن والزواج منهن بعد إقامة الأفراح ليالي وأيام ، وما أن يأتي العام الجديد وينضج الخس حتى يصطحب الأزواج أطفالهم ويبدأ الحديث عن هذه القصص من الكبار أمام الصغار فتنتقل المعرفة من جيل لآخر، ويعرف الطفل أن أباه تزوج من أمه قبل عدة أعوام عن حب نما بينهما في هذا المكان وأمام شهود العيان فساق لأهلها وجهاء البلد من شيوخ وأصحاب أملاك حتى لا يرد طلبه .
استمر الوضع على هذه الحالة سنوات لا يعرف مداها سوى الذين عايشوا المحلة ، يتذكرونها الآن والحسرة في قلوبهم ، تتجلى بين الحين والآخر على تقاسيم وجوههم فترتسم اللحظات المليئة بالمفارقات الغريبة التي يصعب التعبير عنها بالكلمات أو الإيماءات ، فيغدوا الصمت أبلغ دلالة عن تلك المرحلة بكل حيثياتها ، ومع ذلك ، تجد بين فترة وأخرى من يتحدث عنها بالقليل من الكلمات ذات المعاني العميقة التي تأخذك إلى غورها السحيق فتعيد تكوينك كما لو أنك تعيش على مشارف الانعطافات: كان الناس أكثر تعاضداً ومحبة وقلوبهم عامرة بالخير !
ولأن الحياة دائمة الحركة ، تكتشف مع مرور الوقت ، أنها في حالة صعود وهبوط ، تقدم وتراجع ،لا يقوي أحد على منعها من التواصل واستكمال دورتها . وهكذا دارت بالخسة فلم تعد تغطي تكلفة الإنفاق الذي يجعل من الخس إنتاجاً شهي المأكل ، الأمر الذي دفع صاحبها إلى إهمالها والبحث عن مصدر رزق آخر يجنبه الخسارة فتحولت إلى أرض بور يتناثر فيها الشوك والأعشاب التي تضر بها وغدت لا تصلح سوى للجرذان والزواحف من مختلف الأنواع ،ناهيكم عن العصافير الضالة التي تبحث عن بقايا الأطعمة وما تبقى من فضلات غيرها من الكائنات .
بهذه الطريقة أصبحت التربة مالحة لا تصلح للزراعة ، فحملت الخسة هذا الاسم ، ولم يعد أحد يذكر اسمها القديم مع مرور الوقت وتلاشي الذين عاشوا مرحلتها السابقة .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فقد صارت مرتعاً للأطفال الذين يأتون إليها من كل صوب كي يلعبوا بالكرة نظراً لعدم وجود ملاعب تحتضن رغبتهم في ممارسة هذه اللعبة ، فأصبحت عامرة على مدار اليوم دون تزاحم أو تضارب في مواعيد بعضهم البعض علماً بأنه لم يكن هذا الانسجام في إطار اتفاق موقع بين مختلف الأطراف .
ففي الفترة الصباحية تزدهم بالأطفال الذين ينصبون الفخاخ بغية اصطياد العصافير ، وعند الظهيرة تكون مرتعاً للزواحف بعد غياب الأطفال والطيور عنها جراء أشعة الشمس الملتهبة أحياناً، وأما الفترة المسائية الممتدة ما بعد آذان العصر وحتى ما قبل غروب الشمس بقليل، تصبح ملعباً للفتيان الذين تمكنوا من تطوير مهارتهم بما ينسجم وضرورات اللعب ووجوب الفوز على الفرق المنافسة بعد أن غدا الازدحام يفوق قدرة استيعاب الأرض لهم ، الأمر الذي دفعهم نحو تشكيل الفرق العديدة ومباشرة اللعب ،على أن يبقى الفائز بعد مضي خمسة عشر دقيقة داخل أرض الملعب ويحل فريق آخر مكان المهزوم،ويستمر اللعب على هذه الطريقة إلى أن يزف الوقت و يغادرون، فيتم تأجيل ما تبقى إلى اليوم التالي .
وذات صباح ، نصب طفل العديد من الفخاخ وموهها جيداً تاركاً الديدان تتحرك فوق التراب كأنها تسبح فوق صفحة ماء ، فيما ذهب بعيداً صوب العصافير وفي يده نقيفة (شديدة) موزونة جيداً ؛أخذ يهش بها العصافير عندما يقذف بها الحصى لتذهب نحو الفخاخ التي سرعان ما تطبق قبضتها الفولاذية عليها في أعقاب محاولة التهام الديدان ، غير أنه أثناء قذف الحصى صَوْبها ، تبين أن بالإمكان إصابتها مباشرة في حال أراد القيام بهذا الفعل دون عناء ، ومع ذلك ، أراد أن يتأكد قبل اتخاذ قراره ، فصوب نحو العصفور الأول وأطلق عليه. فخر صريعاً لا يقوي على الحركة ، وفعل الشيء ذاته في العصفور الثاني والثالث ، ثم أخذ قراره : من غد سأبدأ الاصطياد بالنقيفة بدلاً من الفخاخ .
في اليوم التالي ترك الفخاخ في البيت مكتفياً بالنقيفة ، وعند عودته أحصى الصيد مضافاً إليها النقود التي حصل عليها جراء بيع العصافير التي لم تصب في مقتل فوجد الفارق أكبر بما لا يقاس من الأيام الماضية .
وعند الغداء كان نصيب الفرد يزيد أكثر من ضعفين عما تعود عليه فيما مضى .ابتسم له الأب وربت على كتفه وهو يقول : سيكون لك شأن عظيم ذات يوم طالما تجيد التصويب بهذه البراعة !
ولم يعد يشغل تفكيره المنافسة مع الآخرين أو أين يصطاد . كان يكفيه الذهاب إلى المدرسة قبل الوقت بساعة حتى يتمكن من اصطياد العديد من العصافير التي تقفز من غصن لآخر أثناء مروره عبر الطريق المؤدي إلى المدرسة، غير أنه اكتشف فجأة أنه بالإمكان اصطيادها في مكان غير قاتل ثم بيعها إلى زملائه الذين لديهم من النقود ما ينفقونها على غير الضرورات؛ فأصبح لا يكف عن العمل الدءوب في أعقاب تدفق العشرات لشراء العصافير ، لاسيما أن هذا الأمر لم يكن على حساب الدراسة والتفوق على كثير من الزملاء ، الأمر الذي دفع المدرسين للتعاطف معه كلما جاءت عليه شكوى جراء بعض الهرج الذي يحدث عندما يقفز عصفور من حقيبة أحد الطلاب داخل الفصل الدراسي .
وكبرت الأحلام الصغيرة عند أول عيد جاء عليه بعد توفيره القليل من النقود . وكان الرجال يتجمعون عند السينما الوحيدة الموجودة آنذاك، يضعون القرش على الحائط عن بعد ما يزيد عن عشرة الأمتار ثم يصوبون ببندقية الصيد عليه من أجل أصابته كي يفوزوا بالقرش،غير أنه نادراً ما أصابه شخص منهم .
وقف إلى جوارهم ينظر إليهم والخوف يملؤه : هل يستطيع تسديد الإصابة والفوز ؟
ثم تقدم من صاحب البندقية بعد أن تلاشى الخوف قليلاً وابتاع منه طلقات البندقية الخمسة بقرش وانتظر أن يأتيه الدور ورعب مزاحمة الكبار يطبق عليه .
انتظر طويلاً أحلامه تنمو سريعاً ،الرجال يتزاحمون نحو التصويب على الهدف ، والوقت بطيء يحمل على ضفاف حواشيه المفاجآت .
وجاء أخيراً دوره في التصويب . حشا البندقية بالطلقة . سدد نحو الهدف ، ارتعشت يديه ، عاود السيطرة على نفسه ، نظر إلي الرجال ثم ركز نظره وحواسه على إبرة التصويب ،ضغط على الزناد ، سقط القرش على الأرض . التقطه صاحب البندقية وتقدم نحوه : لقد فزت ، القرش أصبح من نصيبك !
وضع القرش في جيب بنطاله وحشا البندقية بطلقة أخرى منتظراً صلب قرش جديد على الحائط . ومن جديد سقط القرش على الأرض صريعاً ، أخذ الرجال ينظر بعضهم إلى البعض الآخر بانتظار تكرار نفس المشهد ؛ نفذت الطلقات الخمسة كل واحدة نحو هدفها فيما اعتلت الدهشة وجوه المشاهدين .
اقترب صاحب البندقية من الفتى حاملاً في يده طلقات جديدة كي يستمر في التصويب . تقدم رجل طاعن في السن مطالباً الفتى بالتوقف والعودة إلى البيت ، نظر الجميع إليه معاتباً في حين لم يعبأ بنظراتهم وهمس في أذنه : اذهب من هنا يا ولدي قبل فوات الأوان !
غادر الفتى المكان عائداً إلى البيت ، ينظر خلفه بين الحين والآخر وكلمات العجوز تطن في أذنيه وتطرح عليه السؤال الحاد : ماذا يمكن أن يحدث لو لم أغادر المكان وأتوقف عن التصويب ؟
ولما وصل البيت كانت الكآبة قد حطت عليه بكل ثقلها . سأل الأب :ماذا بك يا ولدي ؟
روى لأبيه الواقعة فربت على كتفه وهو يقول : خيراً فعلت عندما استجبت لرغبة العجوز ، فمكانك ليس هناك وما تعلمت التصويب من أجل هذا الغرض .
انطوى الفتى على نفسه أياماً وشهوراً لا حصر لها ، حمل هموم المجتمع مبكراً وصار هاجسه الأهم منذ تلك الواقعة ، غير أن هذا الأمر لم يَحُلْ دون مواصلة حياته بشكل طبيعي تفرضه التفاصيل اليومية وما يترافق معها من ضرورات لابد من التعاطي معها مهما بلغت قسوتها أحياناً ، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالفجوة الواسعة بين الأجيال المختلفة ، ومع ذلك ، كان أي عمل يمارسه إلى جانب الصيد لا يعيق دراسته أو يقلل من العلامات التي يحصدها في نهاية العام الدراسي ، فقد حافظ على معدلها الذي بدأه منذ الصف الأول ، وهي على أية حال ،لم تكن ممتازة ، ولكنه راض ٍعنها تماماً ، علماً بأنه كان حريصاً على عدم النظر إلى الآخرين أكان الأحسن أو الأسوأ مهما كانت المسوغات ، قناعته بما هو عليه مكنه من الاستمرار والثبات بعيداً عن تداعيات القفزات الحادة التي تخلف وراءها الحسرة وأحياناً الصدمات والندم .
ويوماً إثر يوم ، كان يزيد سلوكه المنضبط انضباطاً ورجاحة عقله اتزاناً ، في وقت كان فيه الآخرون على العكس تماماً، فحظي باهتمام المدرسين ورعايتهم والتنبؤ له بمستقبل زاهر مليء بالهدوء والطمأنينة ، غير أن هذا الأمر زاده تواضعاً وجعله أقرب إلى زملائه وكل الذين عرفوه حتى غدا محل حديثهم والرغبة الجامحة في أن يصبحوا مثله ، ولكن أحداً لم يستطع محاكاته علماً بأن البعض كان صادقاً في رغباته.
وكلما ضاقت به الدنيا أو حطت الكآبة على نفسه ، ذهب إلى المالحة باكراً ومعه الفخاخ والنقيفة ، يصطاد العصافير ويفصل رأسها عن جسدها بضربة يد واحدة ، ويغلفها بورقة مبللة بالماء ويضعها في النار التي يكون قد أشعلها لهذا الغرض ، وبعد أن تفوح منها رائحة الشواء الشهية يبدأ بالتهامها في شوق قل ما تجد مثيلاً له ، لاسيما وأنه لا يلجأ لهذه الطريقة إلا عندما تصل به شحنات التشنج والغضب ذروتها فيحاول إفراغها في عمل جانبي لا يكلفه إنفاق ما ادخره من نقود في الأيام الماضية .
وما أن ينتهي من التهام طعامه حتى تنفرج أساريره ويغدو في أحسن أحواله كأني به أدى العمل الوحيد القريب إلى قلبه أكثر من سواه.
يواصل حياته بشكل طبيعي ، يتقدم ويتراجع ، وأحياناَ، يراوح في مكانه ، إنها سنة الحياة التي لا بد لها من الاستمرار بعيداً عن رغبات الناس أو عدمها ؛ تسوقهم الأحداث إلى حيث لا يودون الذهاب ، وإذا ما ذهبوا يغدو من الصعوبة بمكان العودة إلى سالف عهدهم، فتصبح الفجوة واسعة بين الرغبات وما هو قائم على أرض الواقع من ممارسات غالباً ما تخلف وراءها الحسرة، وتقود بالتالي إلى الإحباط وعدم التفاؤل بالمستقبل الذي غالباً ما ينعكس على وجوه الأطفال قبل غيرهم لما تحمله هذه الوجوه من براءة تأخذ بالتلاشي يوماً بعد يوم وكلما أضيف إلى أعمارهم يوم جديد .
وكان يرقب نفسه كما لو أنه يرقب سلوك الآخرين ، أملأ في تقويم أي خلل قبل أن يستفحل ويصعب التخلص منه ، ومع ذلك ، كان الأب بين الحين والآخر يتدخل من أجل تقويم بعض الأخطاء وتنقية السلوك من الشوائب ، كأني به ثوب أبيض يحافظ على نصاعته .
وذات يوم ، اكتشف فجأة ، كما يكتشف العصفور الدودة عندما تأتي بأدنى حركة ، أن الحرص الزائد يضر بصاحبه كالإهمال تماماً ، فعمد إلى خلق التوازن بينهما .
وبين التوازن في السلوك وكسب المزيد من المعرفة من خلال الآخرين ، قاسم مشترك يربط بينهما خيط رفيع يصعب رؤيته لمن يفتقر للوقوف عند أخطائه ومحاسبة الذات إذا تطلب الأمر . على أن المسألة لم يكن يحملها ذات البعد الذي يمكن أن يحملها إليها الكبار نظراً لضحالة التجربة وعدم نضوجها بما يكفي من خلال السنوات الاثنتي عشرة التي وصل إليها عمره ، على الرغم من أن قياس التجربة على من هو في نفس العمر يخلص إلى نتيجة تفيد بالقدرة على التميز ، ويبشر بمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات .
صحيح أن سنوات المراحل الأولى ليست بالضرورة قادرة على التأشير بوضوح لما سيلحق بها في المستقبل ، ولكن قد تعطي انطباعاً أولياً من المفيد معرفته عند تحليل السلوك في المراحل اللاحقة ،خاصة عندما تكتمل الشخصية ويغدو لا مناص من معرفة الماضي من أجل دراسة السلوك وتحليله بما يعزز من أهمية النظرية وإخضاعها للتطبيقات والقياس على الدوام .
من جديد يزداد إبراهيم غموضاً بعد أن صار يسهر على نفسه ويهتم بمظهره حتى غدا محل تساؤل بعض العائلات الارستقراطية التي تسهر على أبنائها وتهذب سلوكهم كي يصنعوا الفجوة بينهم وبين مختلف شرائح المجتمع من أجل وضوح الرؤيا في الفصل وعدم قدرة أبناء الفقراء من الوصول إليهم والتشبه بهم ،لاسيما أن هذا الفصل يجعلهم بمنأى عن الاختلاط ويعزز بقاء التعالي إلى أطول ما يكون رغم ما يحمله من ضغينة مع استمرارها تتحول إلى صراع يصعب حسمه بالتسامح .
نقول ، أصبح محل تساؤل بعض العائلات الارستقراطية ، لأنه أخذ حيزاً مهما من اهتمامهم وحديثهم ، خاصة بعد أن بات على لسان أترابه: من الذي يدفعه للتشبه بأبنائنا وكأنه واحد منهم ؟هل أصوله البعيدة على تماس بأصولنا، أم أنه فعل طارئ حتماً سيزول ؟ ولماذا يتشبه بنا في محاولة للانفصال عن شريحته الاجتماعية التي ورثها أباً عن جد ؟
أسئلة كثيرة تبدأ ولا تنتهي دون وجود إجابات قاطعة لها أبقت الأمر معلقاً بين الشك وصدفه إماطة اللثام عنه يوماً.
ويوماً بعد يوم ، كانت مساحة الاهتمام تتسع مع اتساع مداركه واهتمام المدرسين به كلما أحرز تقدماً ملموساً على صعيد المدرسة في كافة ميادين العلم بما في ذلك حصد النتائج على أرض الملاعب الكروية ، لدرجة غدا معها أبناء الأرستقراطيين يلهثون للتقرب منه ومصاحبته حتى يتقربوا من المدرسين .
ومن حيث لا يدري ، كان الآخرون يصنعون له تمثالا ًلم يكن راغبا ًبه ، ليس تواضعاً منه ، بقدر خوفه من أن يحطموه فجأة كما صنعوه ، فيصبح مهشم الأحاسيس مكسور الجناحين لا يقوي على النظر في وجوه الناس أو المستقبل ، وكان المستقبل ما زال غامضاً يصعب معرفة تفاصيله أو ماذا يخبئ له .
وفجأة ، قطع صلته بكل الأصدقاء الجدد فوضعهم في حيرة من أمرهم ، ماذا عساهم فاعلين ؟





#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل16 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 17من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 16من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 14 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 10 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل1 من رواية تصبحون على غزة