أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب















المزيد.....

الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2813 - 2009 / 10 / 28 - 16:44
المحور: الادب والفن
    


ـ9ـ

ثلاثون يومًا بالتمام والكمال ، يتجول سعدي وعروسه رباب ، من أقصى الدنيا إلى أقصاها ، في شهر عسل لم يكونا يحلمان به عندما تعارفا ، أغلبه محلقين في السماء ، ينظرون منه إلى الخضرة ، وزرقة مياه البحر ، والغيوم المبعثرة التي تختبئ بها الطائرة كلما ارتفع علوها هربًا من مخاطر المطبات الهوائية ، رباب إلى جانبه يتفرس مفاتنها التي تخفيها ثياب الصيف الخفيفة، وتنغرس في أنفه رائحة العطر الملاصق الذي يمتزج مع الأنفاس ويدغدغ الحواس .. شحنة المؤثرات الهائلة ينقلها صدى الهمس الحنون المباغت الذي لا يكاد يتغلب عليه حتى يحافظ على توازنه أمام الركاب .. يخشى حماقة تنتزع أصابعه المشتبكة مع أصابعها ، وتحول الطائرة إلى ( شاليه ) يحتويها بين ذراعيه ثم يغيبان عن الوجود في لحظة تكور أقرب ما تكون إلى بدايات تكون النطفة فالجنين .
  
أقل من الثلاثين يومًا بقليل ، أمضياها طاهر ومروة في جولة سياحية تفقدا خلالها معالم الوطن .. جباله وسهوله .. خضرته ومياه بحره .. مساجده وكنائسه .. مواقعه الأثرية والسياحية .. شوارعه المتعرجة ومحاله التجارية .. مصانعه الإنتاجية ومؤسساته الأهلية .. مزارع الدواجن والأبقار ومطاحن القمح .. حماماته الزراعية وأراضي زراعته البدائية .. مستشفياته العامة والخاصة ودور الحضانة .. وكانت الفكرة السائدة الملموسة ، قبلئذ شمولية تدمير البنية التحتية الحياتية على كافة المستويات والصعد ..
العمل جار على قدم وساق من أجل إعادة دبيب الحياة إلى كل المرافئ التي أصابها الموات على مدار أكثر من ثلاثة عقود .. وفي الأيام الأخيرة كانت زرقة البحر لها وقع خاص على حياتهم الجديدة التي أخذت شكلاً مغايرًا لما كانت عليه قبل الزواج .. والرمال الصفراء الناعمة الملتصقة بالأجساد شبه العارية تبعث في النفس الطمأنينة .. وأشعة الشمس التي تتغلغل في مسام الجلد تضفي عليه لونًا برونزيًا يزداد يومًا بعد يوم ، وكلما اشتدت الحرارة تعين عليهما النزول إلى البحر ومداعبة رذاذ الأمواج المتطايرة في بهجة لا تخلو من التأمل وغسل الروح من الآثام كي تفرد لحظة الحب جناحيها على رأسي حبيبين كان للعشق بينهما طعم توجه الزواج وأضفى عليه مذاقا متميزًا ..
  
استقر الوضع بطارق وعروسه ، وفض الخلاف في أعقاب الاتفاق قبل الزواج على أن تمارس عروسه العمل مدة كافية لخوض التجربة وتقييمها ، وإذا ما تبين عدم قدرتها على الصمود أمام نظرات الرجال التي تسبح بتفرس على المواضع المكشوفة من الجسد ، وتحديدًا المساحة العارية من الصدر ، كفت فورًا عن العمل المتواجد فيه الرجال ، مهما كانت حاجتهم للأموال التي تحصل عليها كمعاش ثابت نظير وظيفتها ..
بهذا الاتفاق مارسا حياتهما كصديقين حميمين ، منسجمين في الصفات والأطباع ولكل منهما شخصيته الخاصة ، لا كزوجين للرجل فيه حق السطوة والكلمة النافذة في نهاية المطاف .

توفيق وحازم ، فضل كلاهما إثبات حضوره بالجد والعمل قبل أن يقر قرارهما على الارتباط بالزوجة التي لما يعرفا ملامح وجهها بعد ، علمًا بأن حازماً لا يحتاج إلى الاستقرار المادي الذي يعيق تطلعات الكثير من الشباب ، فهو ابن رجل أعمال له في البنوك من الأموال ما يكفي لإخماد جوع النار مدة شهر هجري ، بالتمام والكمال ، دون الحاجة إلى طلب القروض من البنوك المجاورة .. وعلى العكس منه كان توفيق ، فهو مطالب بالتوفيق بين احتياجات الحياة المعيشية المتزايدة يومًا بعد يوم ، وتوفير ما تبقى لأجل إتمام نصف دينه الآخر ..
وهكذا ، فضل توفيق الصيام والعمل على أن يتصرف بالقليل من الأموال التي تركها والده قبل أن يتوفاه الله ، حتى يتمكن من سداد احتياجات والدته وإخوانه الصغار إلى أن تتوفر الإمكانات اللازمة الضرورية للاستقرار والزواج ..

لبنى ، في مساء ليلة احتجب فيها ضياء القمر سريعًا ، ذهبت إلى بيت عادل في زيارة خططت لها أن تؤدي غرضها فورًا ، غير أن الحوار الذي دار بينهما جعل الوقت ينفد دون الإحساس به ، فبعد أن رحبت والدة عادل بها ، وقدمت واجب الضيافة تركتهما وحدهما يناقشان بعض الأمور العالقة التي لا تعرف أهميتها بالنسبة للطرفين ..
وأغلب الظن ، أن لبنى كانت تعول على نتائج الحوار كثيرًا ، إذ قبل أن تغادر البيت وبعد أن احتد السؤال داخلها أعلنت قائلة :
ـ قريبًا سأذهب إلى ألمانيا وأستقر هناك نهائيًا ..
لم يعلق عادل على قولها اعتقادًا منه بأن الأمر جاء نتيجة رد فعل على بعض النقاط الخلافية التي نشأت في مجرى الحديث سرعان ما تنتهي بعد أن يراجع كل طرف موقفه لاسيما وأن الإجازة الجامعية دخلت حيز التنفيذ ، وبالتالي بات لديهما من الوقت ما يكفي للتأمل والمراجعة واتخاذ القرار المناسب على ضوء النتائج النهائية التي يتوصل إليها كل طرف ..
وهكذا ، خلال أيام كانت قد سافرت دون إعلام أي من الأصدقاء عن موعد سفرها والسبب الحقيقي الذي دفعها نحو هذا الموقف ، تاركة رسالة إلى عادل قامت والدتها بالاتصال به من أجل استلامها ..
فض عادل الرسالة .. تأمل الخط الجميل .. نظر إلى التوقيع والتاريخ .. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها خطها .. أخذ يقرأ الرسالة :
عزيزي عادل ؛؛؛
أحسب أنك عندما تقرأ هذه الرسالة ستعرف مقدار التردد الذي انتابني لحظة الكتابة لاسيما وأنني لم أكن أتوقع أن تصل الأمور بيننا إلى هذه النهاية البشعة ، التي لن أجرؤ بعدها على تأمل نظراتك المصوبة إليّ وأنت تقول ، ليس بوسعي تحمل سياط الألسنة وهي تجلد جسدي العاري ، في وقت اعتقدت أنك ستكشف فيه عن صدرك كي تتلقى طعنات السكين عني .. ولا أخفيك أنني شعرت لحظتئذ ، أن سيف ميسون المسلط على نحرك يستنطق الكلمات رغم أنفك. كلمات غامضة ، فضفاضة ، ذات نصوص سرية لا يمتك مفاتيحها سوى من هام بك عشقًا ..
أغلقت جميع الأبواب ورفضت عروضي التي تشكل أنصاف حلول على الأقل ، إذ ذاك لم يكن أمامي من خيار آخر : ماذا يربطني بالوطن إذا لم يوفر لي الأمان ورجل المستقبل والضمان الاجتماعي ؟
أما أنت فلك الحلم والعصا التي تهش بها ومآرب أخرى لم يقيض لي معرفتها .. ربما بعدما تشوهت الحقيقة في نظر ميسون وارتبطت بشاب آخر ، وبعد أن استوى في نظري البقاء في الوطن من عدمه ، يقع اختيارك على واحدة أخرى تستحق أن تكون لها وتكون لك ..
على أية حال ، قد أكون مفيدة لك كتجربة لم تنضج ، أو كحلم صحوت منه قبل أن تحدد ملامحه ، غير أنه سيضرب عقلك بإلحاح حتى تسترجع بعض شذراته .. وإلى أن يأتي هذا الوقت سأستمر في متابعة أخبارك التي باتت تهمني كثيرًا .
مع خالص المودة . لبنى


ميسون ، تزوجت وتبعثرت أخبارها بين الأدوات المنزلية أسوة بمعـظم النساء .. من الكنس إلى المسح ، ومن الغسيل إلى الطبخ .. من كي الملابس وطيها إلى تنقية الدقيق من الشوائب وعجنه .. ومنهما إلى مشاهدة المسلسلات على شاشة التلفاز .. جسمها الرقيق الناعم وبشرتها الطرية الصافية أخذا يترهلان ، وعيناها اللامعتان بدأ بريقهما بالتلاشي .. لقد فقدت إحساسها بالأنوثة والنضارة والتميز ، ولم تعد تعبأ برشاقة الجسد ونحافة القوام وخفة الروح ، التي تقودها نحو التوهج ..










#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 6 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 5 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 4 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 3 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 2 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 1 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 14 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 12 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 11 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 10 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 6 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 5 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 4 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 3 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..


المزيد.....




- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب