أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل16 من رواية تصبحون على غزة















المزيد.....

الفصل16 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2875 - 2010 / 1 / 1 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


16
في المساء ، كانت الأدلة قاطعة والبراهين لا مجال لدحضها .
تحدثا بهدوء مفرط وانسجام تام ، اتفقا على الخطوط العامة والتفاصيل ، واتخذا القرار الذي تواطئا عليه بالصمت منذ زمن ، القرار الذي لا بد له أن يكون يوماً مهما تأجل .
في الصباح كان ثلاثتهم على متن الطائرة ، ريتا ،وإبراهيم ، وولدهم إسماعيل . وكان الطفل الذي أمضى ست سنوات ، يتعلم فيها : سنعود يوماً إلى أرض الوطن ، ينظر من نافذة الطائرة قبل أن ترتفع عن الأرض كثيراً ، راسماً في مخيلته صورة وردية عن الوطن الذي على وشك الوصول إليه ، وطن يتمتع فيه الأطفال بكل مقومات المتعة والجمال ، بكل الحقوق المنصوص عليها والتي لم ينص عليها القانون ، وطنه الذي يحمي الطفولة منذ الصرخة الأولى لاستقبال الحياة ، لم يستطع عقله الصغير تصوير عالم مغاير لما تعود عليه ست سنوات ، عالم لم يشاهده قط ، لم يره كي يبني عليه ، يحذف منه أو يضيف إليه، فكان عاجزاً عن تكوين فكرة متجانسة مكتملة للمكان الذي على وشك الوصول إليه ، فبقى هلامياً عديم الملامح ، قاصراً على الموطن الذي عاش فيه مع بعض الإضافات الجانبية .
وفي أرض المطار ، حائط من الزجاج يفصله عن العالم ، عن الأشياء التي يمكن لمسها وعن الأصوات العربية التي نادراً ما يسمعها ، عن حضن الجدة وحكايتها التي حدثته عنها أمه ، عن مريم وأطفالها التي لم يكن والده يكف عن إبداء الاشتياق إليها ، عن الجدين وتجاعيد وجهيهما التي تصور عقوداً ستة من التشرد والمعاناة التي كانت دوماً تذكره أمه بهما ، عن الأقارب والجيران الذين لا ينقطعون عن تبادل الزيارات معهم .
والحائط الزجاجي مازال يفصل بينهما ، وعيون من زجاج ترصد حركاتهم ، ترسمها بأبعاد ثلاثية ، ومكبر الصوت يقرأ الأسماء فتغادر قاعة الانتظار ، والحائط ثابتاً في مكانه ، لم يتحرك قيد أنملة ، والموت دهراً أفضل من الانتظار لحظة ، لحظة ثابتة لا تتقدم ، لا تكف عن الضغط على الكبار فكيف ستكون على الصغير ، الصغير الذي لا يمكن حبسه دون تشوهات نفسية يصعب العلاج منها سريعاً ، الصغير الذي يحلم بالتحليق في الفضاءات المفتوحة والنوم في أحضان جدته .
وانطلقت أخيراً ، السيارة بعيداً عن صالة الانتظار ، صوب الوطن، الأرض ، صوب الأهل ، الأحبة ، والجيران والأصدقاء وما تبقى من سكان في الشارع الذي يسكن فيه ، أقصد ، كان يسكن فيه .
انطلقت السيارة ، خارجة من البوابة الرئيسية ، أغمض إبراهيم عينيه بعد أن ضغطت الرئتين على الحجاب الحاجز ، أخذته الأفكار إلى مضاربها بعيداً عن العمارات الشاهقة، وليالي الصقيع، والمتسولين بعد منتصف الليل :
إنه الوطن ، مرضك المزمن ، المتأصل ، بكتيرياك العضوية ، وعصارتك الصفراء ، طحالك ، ومغصك الكلوي ، دقات قلبك المتسارعة أحياناً ، وضغطك المنخفض ، ترمومتر حرارتك وجسد حياتك المتوعك مع موجات السعال .. إنه أكسيج روحك ، وأملك الوحيد في مستقبل واعد خال من التشرد والضياع والانتظار في صالات المطارات وأرصفة الموانئ بارتفاعاتها السوداء وشرطة الخيالة وكلاب حراستها .
ربما لن تري وجوهاً كثيرة تعرفت عليها ، وجوهاً خائفة واقفة وراء الآلات الضخمة ، تخوض صراعاً هي وقوده من أجل توفير أسباب الاستمرار في الحياة وعلى هامشها أحياناً ، ستبتعد كثيراً عن الحب الغريب والمشترك ، حب التآلف الوهمي والهدوء الزائف ، وستقول لنفسك : " على هذه الأرض ما يستحق الحياة "... ستعبر الصحراء المليئة بقبور الشهداء وتسأل نفسك وأنت فوق أكتافهم وعلى بعد متر واحد من التراب الذي يحجبك عنهم ، المصبوب فوق صدورهم : هل يشعرون الآن بحشد الأقدام فوق وجهوهم ؟ وهل يدركون الآن إننا لم نسلم بالهزيمة ؟ وهل يصطفون على الجانبين بانتظار قدومنا ؟ وهل سيدركون الآن أن لأسمائهم ومعناها حافزاً قوياً أشعل شرارة الثورة من جديد ؟ . وستقول لنفسك : " على هذه الأرض ما يستحق الحياة " .
واليوم ، الأصل يتساوي مع المصير ، يعبر من بوابته ، يغرس بين الاثنين أنياب الفرقة . نخرج من بين الصلب والترائب لنلاقي مصيرنا في معركة لسنا نحن من أشعل فتيلها ، نخرج من الأرض أصلنا ثم نعود إليها مصيرنا ، ولكن سنصل إلى الحرية والاستقلال وإقامة الدولة كاملة السيادة مهما طال الزمن . وستقول لنفسك :
" على هذه الأرض ما يستحق الحياة " ولكن الخوف ، كل الخوف، أن تورّث " الوجوه العذبة ، الغريبة ، بلا غدٍ لأنها تفعل كل شيء اليوم ، وتقوله اليوم ، هي الحاضر وهي في الحاضر : تقول " غداً " لأنها لا يهمها الغد : ستكون أنت المستقبل دون أن تكونه ، ستستنفد أنت نفسك اليوم وأنت تفكر في الغد : وهم سيكونون الغّد لأنهم لا يحيون إلاّ اليوم".
وهنا مكمن الخطر ، هنا بالضبط يتعين علينا تمحيص الحاضر، والتعامل معه بحذر حتى لا نشغل أنفسنا بالمستقبل فيضيع منا الغد وتجرفنا طواحين هوائه التي تهدر في العقل بلا توقف كأنها في سباق مع الوقت ، الوقت الذي بحده القاطع يجزأ اليوم إلى لحظات احتمالية متشابهة ، متتالية ، لا تتوقف عن الصخب الموجع والدال في آن معاً .
يواصل منبع الضوء رحلته اليومية المألوفة إلى عينيه ، رحلة السفر الجنوني التي يصعب قياس سرعتها في مختلف الأزمان بنفس أداة القياس ، ورغم إغماضهما يتسلل الضوء إلى الشبكية ؛ يشل قدرة العقل على التفكير المنتظم ، يحول فعله إلى شذرات من التهويم غير المتجانسة والحبيسة بين خطوط التوصيل والشبكية ،حبيسة بين إغماض الجفن ورؤية الأشياء تتحرك على انعكاس الضوء . إنه الاقتراب من نقطة البداية ..
في المساء توقفت السيارة أمام المنزل . وكانت العتمة قد أرخت ظلالها على المكان . تجمع الصغار حولها ، نظرت النسوة والصبايا من خلف الأبواب ، ترجل إبراهيم وريتا فيما كان إسماعيل مازال من الصابرين . وفجأة انفتح الشباك وأطلت أم ريتا برأسها في وقت كانت فيه أم إبراهيم تنظر صوب السيارة كي تتحقق من ركابها ، وتقاطعت النظرات في لحظة خارجة عن المعقول ، اتسمت بالصمت والرهبة وعدم قدرة الفكاك من تبادل النظر ، فيما كانت أم إبراهيم ترقب الأمر بهدوء، علّها تكتشف سر الاشتياق الجنوني غير القابل للتفسير .
وتقدم إبراهيم ، ببطء ، من باب منزلهم ، الذي يكاد يلامس جدران منزل أم ريتا وزوجها ، تتبعه ريتا بحذر أشبه ما يكون التقدم صوب أسلاك شائكة .. توقفت في منتصف الطريق بين البابين ، يدها مشتبكة بيد إسماعيل ومن خلفهما تتشكل حلقة من الأطفال توشك أن تصبح سواراً حول معصم .. نظر إبراهيم خلفه وكانت ريتا قد تسلقت شفتيها ابتسامة عريضة أخذت بالاتساع مع اقتراب حلقة الأطفال ..
خرجت مريم من باب المنزل توزع الشوكالاتة على الأطفال ، فرحاً ومحاولة لإنهاء الموقف على أحسن وجه . غنى الأطفال : الأحبة عادوا ، انتظرناهم طويلاً وعادوا ، ثم أخذوا بالابتعاد رويداً رويداً ..
احتضن إبراهيم أباه . نظر في وجهه الذي يحمل في تجاعيده ستون عاماً من المعاناة والانتظار ، من الانبعاجات والانتفاخات الحبيسة داخل الجسد الهرم ، داخل تلافيف العقل الذي مازال يحافظ على ذاكرة نصف قرن ويزيد من البطولة والتضحيات ومواجهة العدو في العديد من المدن والقرى والأماكن المختلفة ، في الأردن ولبنان وفلسطين ، وعلى حدود الخط الفاصل بين العين والمخرز ، بين القلب والقلب ، بين نصل السيف وشخير الموت .
نهض العجوز بصعوبة ، فبدت الأعوام الثمانون منتصبة شامخة يلفها الأمل والحنين وعضلات الساعدين وعرض الصدر ومتانته الناتج عن فلاحة الأرض والتمسك بها ، شامخة بلون القرية والعينين المصوبتين نحوها ، إنها عمر آخر من الحنين والتواصل وعدم التسليم بضياع الحق وسطوة الباطل .
وكانت الأم والابنة ، في اللحظة ذاتها ، تتأملان بعضهما ، وبين الاثنتين ينتصب جدار من الشوق ، وفي العيون دموع حبيسة تحاول جاهدة التماسك وعدم الانفلات . عضت الأم على جراحها ، فؤادها ، قلبها والصدر ، على سنين الذاكرة ، على الماضي الذي شكل حياتها ، فيما كانت الابنة تنظر إليها وتقول في نفسها : يوجد ثمة هامش للحياة خارج منغصات الذكرى ، ثمة فرصة لحياة متجددة نعيد بنائها، خيط شيب أبيض فوق خيط ، وإلى جانبها ، عائلة تمتلك الحاضر وتسعى لبلوغ المستقبل ، ثم قالت فجأة :
- أماه ، الحاضر بيننا فلا تجعليه يفلت من أيدينا !
- آه .. أيتها الغالية ، كم تأخر الوقت ..
- ماذا ؟
- لقد تأخر الوقت ..
- نحن من يصنع الوقت ، وما هو قائم على جور وطغيان لابد له أن يلقى مصيره على يد طغيان آخر . ومن يملك الباطل بفضل قوته ليس كالمالك الحقيقي على الإطلاق . صاحب الحق دائماً أقوى مهما بدا ضعيفاً ، والعدو ، من هذا الحق يخافنا ، يحاول طمس الحقيقة حتى في أعين بعضنا ، ولكن هذا لن يحدث ، بل سنبقى لهم بالمرصاد ، وثمة احتمالات تلوح في الأفق !
أما عطوان ، أبو ريتا ، زوج صفية ، صاحب أفضل بندقية في قرى شمال غزة ، فقد كان مشغولاً بهاجس أقوى من الحضور ، هاجس ، أمضى عمره كله في رسم ملامحه النهائية مهما بدا مستحيلاً . وحزام من التين الشوكي يلف بعباءته السوداء كل الدروب المؤدية إلى فضائه، إلى تداعيات المستقبل الغامض ودلالات الحاضر التي تؤشر بوضوح فتزيد الأمر تعقيداً ، وحزام التين ينتصب طويلاً ، بلا بداية ولا نهاية ، حزام يخطف الأبصار ، ونهاية فجائية وغير مألوفة ، بل ربما يأتي الوقت الذي يتعين على السياسيين التعلم منها حتى لا يقعوا فريسة الاحتمالات في المرات القادمة ، وقد تضاف إلى قواميس لغاتهم المختلفة ، وتكون أنت المبتكر ، وصاحب الامتياز الوحيد .
رمت ريتا نفسها بين أحضان عطوان فطار الهاجس من بين كفيه . قبلت يديه الواحدة تلو الأخرى وبكت على صدره أنهاراً من دموع الغربة، كأن بها تنتظر هذه اللحظة المشحونة بالمشاعر ، قبل فوات الأوان ، فصار عطوان يربت على كتفها كأنه يقف على حافة لحظة وداعية لا تنتظر التأخير ، ثم خيم عليهما السكون .
نظرت ريتا في عينيه وقالت :
- لماذا يا أبي تحاول أن تكبر بسرعة ؟
- وهل أستطيع أن أفعل غير ذلك ، بعد هذه السنوات ؟
- ومَن من بعدك يحافظ على حوش البيت الذي أملتنا ونفسك بالعودة إليه ؟
- أنت وزوجك وإسماعيل .
- لكن الوقت مازال مبكراً حتى تثقل على نفسك بهذه الطريقة .
- إنها الذكريات يا بنيتي ، ومعها الهموم . أنت لم تري النساء وهم يحملون بين أيديهم الأطفال الرضع ويمشون ذاهلين ؛ كان يكفي النظر إليهم حتى تتعرفي على الأعداء وحجم جرائمهم ، ناهيك عن رؤية جدران البيوت المبنية من الطوب النيئّ وهى متناثرة وسط الشوارع ، والأسقف المصنوعة من سعف النخيل وأغصان الأشجار والطين المعجون بالقصل وهي تتساقط على الأرض ، لم تري بقايا الأحلام وهى تموت مع مطلع الفجر من شدة الهجوم الذي تتعرض له مختلف المدن والقرى . لقد كان هجوماً همجياً لا يميز بين المرأة والطفل ، وكان مستعداً لحصد كل من يتنفس على هذه الأرض . ويبدو أن كل هذا الوجع والذكريات بدأت تحط عليّ حتى لا تبقيني سليماً معافى كي أشاهد جموع العائدين .
- لا عليك يا أبت ، فأنت سيفنا وعمود خيمتنا التي كانت وما تزال تظللنا من الشمس والبرد .
- ربما كنت سابقاً ، أما الآن فلا ، لا أقوى على فعل شيء سوى اجترار الماضي بكل أمجاده ومآسيه ، بحلوه ومره ، بلحظات الصفاء التي ما فتئت توقد في أحشائي روح الشباب وترانيم (علؤوف والميجانا)، نعبر من بوابة الليل نحو تلال السمر ونعود مع صياح الديكة ، نلهو ونمرح ونشارك في حلقات الرقص والدبكة إكراما للعريس وأهله ، لقد كنا آنذاك عائلة واحدة نشارك بعضنا الأصل والمصير دون تمييز بين صاحب جاه أو فقير معدم بالكاد يحصل على قوت يومه بجد وجهد بعيداً عن التسول وامتهان النفس وابتذالها .
- كنتم يا أبت ومازلتم ، كراماً مع أنفسكم ومع الآخرين ..
- أحسنت لفظاً يا بنيتي ، فو الله لو كان جاري لا يرى وأعرف أن إحدى عيني ستجعله يبصر ما توانيت عن تقديمها له عن طيب خاطر.
- نعم يا أبت ، أنا أعرف تماماً مقدار استعدادك للتضحية في سبيل الآخرين ..
وبحس دعابي سألت :
- قل يا أبت ، هل من ستعطيه عينك يرى ما تراه أنت أم ما يراه هو ؟
- لم أفكر بهذا من قبل ، ولا أعرف الإجابة ، ربما أنت المتعلمة تعرفين ؟
- لم أعرف ولا أرغب في المعرفة ، فقط ، كل ما هنالك وددت مداعبتك والتخفيف عنك حتى لا ندخل في كوابيس الذكريات المؤلمة، فلا نستطيع الخروج منها دون مضاعفات تجعلنا فريسة الأحزان وفقدان الأمان الدائم .
- ولكن ، هذا لن يمنعني من مواصلة الحديث واستحضار الماضي بكل أبعاده الماثلة أمامك الآن .
- فأنا لا أتمثله بنفس المقدار الذي تتحدث عنه مهما حاولت ، ذلك أنها انعكاس تجربة شخصية لم أقم بدور البطل فيها .
- أنا البطل في المشهد الأول ، أما الثاني ستكونين أنت شئت أم أبيت .
- كيف ذلك ؟
- هذه الخزانة مثلاً ، وهذا السرير الذي نمت عليه وما زلت ، أنا وأمك ، منذ الليلة الأولى للزواج ، تساررنا معه وشاركناه الهمس ، شاهد ويشهد كم أحببنا بعضنا .. آه .. نعم ، كم أحببنا بعضنا ! .. لقد كنت غطاء صفية في بردها القارص ، وطعامها في الجوع الشديد ، وإفطارها بعد يوم صيام في شهر آب . وكانت ملاذي الدائم كلما ضاقت الدنيا في وجهي ، أتنفس من رئتيها عندما يصيبني السعال وتنام عني عندما أصاب بالأرق ؛ ولما تخور قواي وأصبح طريح الفراش ، كان السرير يهمس في أذني : انهض . يكفي تكاسل يا عطوان ، فأنت ليس هكذا ، كنت أسمعه بوضوح .. نعم ، كنت أسمعه بوضوح قل نظيره ، وكانت أمك ، عندما تراني أنهض قوياً متماسكاً ، تضع أذنها على إحدى قوائمه كي تعرف ماذا أسر لي ؟ كيف استنهضني بهذه السرعة ؟ وأين يكمن السر ؟
أما هذه الخزانة ، فلها شأن آخر ، صحيح أنني ابتعتها مع السرير من مدينة يافا المعروفة بجودة الصناعة ، ولكن النجار الذي صنعها لي أصر أن أحضر عنده بين الحين والآخر حتى يستشيرني بالهيكل العام قبل اكتماله ، وكنا نجري التعديل الملائم كلما رأينا ذلك ضرورياً ، لقد سقيناها بعرقنا نحن الاثنان إلى أن نهضت واقفة شبراً وراء شبر ، فهي بمنحوتاتها الباذخة، ومزاليجها المتينة، وفتحات المفاتيح الحديدية، والدعامات المخروطة، والمسامير الفولاذية، وأقدام الموبيليات التي تنهض عليها، والمشطوفة عند النهايات ، تشكل لوحة فنية لا مثيل لها؛ والأهم من ذلك كله ، لا يوجد لها مثيل في فلسطين كلها ، ذلك أن الحرب التي حطت أوزارها أتت على النجار الذي لم يتسن له صناعة واحدة أخرى بعد أن راقه الشكل العام الذي أصبحت عليه . إنها من الخشب الأحمر اليوغسلافي الذي يحافظ على نضارته ومتانته مع مرور الوقت . انظري إليها بعد هذه السنوات ، فهي كما لو أنها صنعت للتو، قطعة أثرية نادرة يتوجب عليك المحافظة عليها في المشهد الثاني ، فأنت وحدك من سيكون بطلها ، واحذري أن تفرطي بها إن أغروك بالثمن ، لأنها ببساطة عهدتي إليك مع أوراق الأرض الموجودة في أدراجها ، بالإضافة إلى كونها ما تبقى لك الآن بعد غياب الوطن





#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 17من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 16من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 14 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 10 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 6 من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل16 من رواية تصبحون على غزة