حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 2973 - 2010 / 4 / 12 - 12:34
المحور:
الادب والفن
15
لقد خسرنا .
صرخ إبراهيم في وجه ريتا ، ستة سنوات من عمرنا ، ابتعدنا فيها عن الوطن والأهل والأحبة ، لم نتوقف مرة أمام معاناتهم ، لم نفكر في مصير طفلنا ، لم نعلن جهراً حبنا للعجوزين اللذين قاما على تربيتنا من ماء روحيهما ومازالا ينتظران عودتنا بفارغ صبر ، بل ربما الحسرة تقتلهما جراء الغياب المتواصل وعدم تبادل الأخبار . الأخبار ، نعم الأخبار . ماذا نعرف عنهم؟ هل مازالوا أحياء ؟ هل ما تصرفه الأونروا يكفيهم قوت اليوم ؟
أنت تصرخ في وجهي كأنني أقف عائقاً أمام عودتك إليهم . أنت لا تشعر بالنار التي تشتعل في أحشائي جراء الغياب . لا يخامرك الشك أنني تواقة إلى العيش هنا ، إن لحظة واحدة في حضن أمي أفضل ألف مرة من ست السنوات التي قضيناها هنا ، أن أتمرغ في تراب ساحة البيت يساوي كل العلب المعقمة التي نسكن فيها بعيداً عن الأصدقاء ومرتع الطفولة ، عن أحلام الصبا وتبادل النظرات والانتظار عند باب المنزل حتى عودتك ورؤية قسوة الأيام في عينيك . سماع قصص الأمهات وحكايتهم عن القرية الأصلية ومرتع طفولتهم متعة لا تساويها متعة .
لم أكن قاصداً الصراخ في وجهك ، إنما هي حالة انفعال فرضها الحنين إلى الوطن ، هي التأكيد على خسارتنا للإرث المتوارث وعدم القدرة على التسليم بهذه الخسارة ، بل رفض مجرد الفكرة التي أنتجتها وما يترتب عنها من معاناة .
اقترب منها ، أحاطها بين زراعيه ، غرس أصابعه بين خصلات الشعر ، مسد على العنق براحتي يديه ، عادت برأسها إلى الوراء كمن تود أن تمنحه شفتيها بحب خالص ، نقي ، لا تشوبه الشوائب ؛ انسحاق عذب لصدرين ناهضين يؤجج المشاعر ويوقظ الحواس .
وتكسر الصمت تلك اللحظة .
لن أكون إبراهيم أبو الأنبياء ، ولن تكوني هاجر أو سارة ، لن أذبح إسماعيل، ولن يقول لي افعل ما شئت ، لن أنتظر طويلاً حتى أتكرش ويسمحوا لي بزيارة الوطن ، ولن تكوني عائقاً أمام عودتي ، لن تمنعي عني تنفيذ ما أزمعت عليه ، ولن أتورع عن تحطيم الأصنام من الهمزة حتى الياء . سأتحسس نبضك كلما أخذك الظمأ إلى مداراته ، وسأعرف أن حرارة الشمس في المناطق الاستوائية تساوي درجات الصقيع في القطب الشمالي عند أصحابها ، الأول يعاني من الحرارة فيما الثاني يعاني من البرد ؛ وسأكون دائماً بانتظار حكمتك في التصرف عند الشدائد ، فلا أحد يعرف مقدار المعاناة أكثر من الذي يعاني الآلام ، والجائع الذي يمزق الخواء أمعائه ، والفقير عندما لا يجد ما يتدثر به في الشتاء أو يحجب عنه سياط الشمس في الصيف .
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟