أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة














المزيد.....

الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2928 - 2010 / 2 / 26 - 21:51
المحور: الادب والفن
    


8
في ذروة العمل اليومي يقف إبراهيم وجهاً لوجه في ساحة الغربة المكشوفة للعراء، أمام الحقائق الموجعة قبل أن تهزمه الشيخوخة، يحدث نفسه كما لم يحدثها من قبل: لم أبلغ مثل هذه السعادة، ليس لأنني حصلت على ريتا، حلم الطفولة ومرتع الصبا وأمل المستقبل، بعد كل هذا الغياب، بل لأنني مع وجودها إلى جانبي أقدر كل الأشياء حق قدرها: ملمس أغطية النوم، مذاق القهوة والتلذذ بها، رائحة أزهار الليمون مع بداية الربيع، رؤية المحال التجارية بعيون مختلفة،دور السينما والمسارح، وآخر صيحة الأزياء، العطور ومركباتها، الأدوية وما تحدثه من تهتك في جهاز المناعة، العمل على الوقاية قبل الوصول إلى الطبيب، التفكير بعمق، الصمت ومتعته التي أصبحت لاحقاً فريدة منذ غيرت اتجاه نظري وغدوت أعيش على مشتقات حنين حبها الدائم جراء الجغرافيا والابتعاد عن الوطن وعدم السماح لي بأن أصبح جزءاً من تكوينهم الاجتماعي بعد أن أعجبت بكفاءتهم وبوسائل الراحة التي يوفروها للمواطنين الأصليين، على الرغم من سلوكهم الذي لا يطاق أحياناً، وبؤسهم الذي يكاد يضغط على رئتي، وقذارتهم التي تدفع للعري مهما حاولوا ستر عوراتهم، علماً بأنني مهما حاولت، ليس بمقدوري أن أكون مثلهم ورؤيتي للأشياء لا يمكن أن تبلغ التبسيطية التي يبلغونها؛ فأنا أعرف نفسي جيداً: حاد المزاج وآخذ الأمور على محمل الجد ولا يجتمع في نظري أكثر من لونين: الأسود والأبيض، وأحكامي حادة وقاطعة ولا تقبل التأويل، لذا، لا يمكنني أن أصبح مثلهم. ربما تلتبس عليّ الأمور عندما تتعقد المسائل، ولكن أبداً لن أبتعد كثيراً حيث يجب أن أكون، وحيث من الضروري أن أقف في المناطق المكشوفة والحيادية التي تمكنّي من إعطاء الأحكام الدقيقة التي لا أتهرب من مواجهتها.
وعندما أوضع في مواقف يتعين عليّ فيها أن أختار، لن أكون سوى نفسي: واضح تماماً. واضح في المأكل والملبس والمسكن، في الألوان التي أحب، في طريقة الحديث التي أفضلها، في تفاصيل حياتي اليومية، في الخيوط التي تربطني بالآخرين، في العلاقة التي يتحتم عليّ إقامتها مع الروتين الممل مهما حاولت التجديد. ليس بمقدوري أن أكون سوى نفسي، لأن مصيري مرهون بالتربية التي نشأت عليها، لأن قطعة المعدن التي في جيبي لا تحمل سوى وجهٍ واحد، وجه الحقيقة المرة التي أجهر بها على الدوام دون أن أخشى أحداً، وسألت نفسي ذات مرة: أليس هذا أفضل من أن أنام على وسادة لها وجهان: وجه لك أنت وحدك، ووجه للآخرين تلبسه وقتما يشاءون؟ لاشك أنك ستكتشف على نحوٍ غامض، أنك تعاقب المحيطين بك من خلال هذا السلوك ولن يتبادر لذهنك أنك تعاقب نفسك بشكل من الأشكال، ذلك لأنك لا يمكن أن تعزل نفسك إلى الأبد، ولو فعلت فإنك تعاقب ريتا التي تحب كما لو أنها لا تعني لك شيئاً، ريتا التي انتظرتك كل سنوات الغربة والدراسة في ألمانيا قاطعة الوعد على نفسها أن تبقى لك مهما تأخرت ومهما طال الانتظار، تشاركك أحلام الدراسة وتربية الأبناء والمستقبل، رغم أن فضاءات الأحلام كانت موصدة أمام وعد الانتظار.
لهذا السبب، لا يكفي أن تغمض عينيك حتى تعتقد بوجود الليل ينبغي أن تحس بصمته الموحش، وأن تصغي لنباح الكلاب. يجب أن يلامس جسدك ملمسه الناعم، البارد، وأن تدغدغ شاعريته المفرطة مشاعرك الحساسة، وأن ترى النجوم مرصعة في السماء دون النظر إليها، وبغير ذلك تكون كمن يحاول خلق الليل بأعين مغمضة لا يستطيع الخروج من دهاليزه المظلمة، وفي أحسن الأحوال، كمن يبني حول نفسه غرفة محكمة الإغلاق، فلا يرى ما يحدث خارجها، ولا الآخرون يشغلهم غيابه.
ولهذا السبب أيضاً ينبغي أن تمنح حبيبتك ريتا كل الأسباب حتى يشتعل حبها لك ويزداد أواره يوماً بعد يوم، كي تداوي جروحها كلما تقرحت جراء صقيع الغربة الموحش، يجب أن تكون زوجها وأباها وابنها، وأن تشكل كل شيء بالنسبة لها، تملأ فراغ عالمها الذي يبدأ عندك وينتهي عندك، دون فضاءات مفتوحة أو مدى يطمح أن تلمسه الحواس على غير ما هو مألوف.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 7من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 6 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 5من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 4 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل3 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل2 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل1 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل16 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 31 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 23 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل22 من رواية تصبحون على غزة
- أيام السينما الخليجية في فلسطين
- حكاية بحرينية
- الروائي الفلسطيني : العزلة والحواجز
- الفصل 19من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 17من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 16من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 14 من رواية حفريات على جدار القلب


المزيد.....




- تأهل 45 فيلما من 99 دولة لمهرجان فجر السينمائي الدولي
- دمى -لابوبو- تثير ضجة.. وسوني بيكتشرز تستعد لتحويلها إلى فيل ...
- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة