|
ثورية الديالكتيك
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 11:42
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يقول ماركس: "أصبح الديالكتيك، من وجهه الصوفي، زيًّا شائعًا في ألمانيا؛ ذلك لأنه خُيِّل للناس أنه يمجد الأوضاع القائمة. أما من وجهه العقلاني فهو فضيحة وفاحشة في نظر الطبقات الحاكمة، ومفكريها المذهبيين؛ ذلك لأن الديالكتيك يُدرج في المفهوم الايجابي للأوضاع القائمة، في الوقت نفسه، مفهوم نفيها المحتوم، وتهديمها الضروري – كارل ماركس، رأس المال، ترجمة محمد عيتاني، ص 23".
فما كان الوضع القائم في ألمانيا؟ ومن كانوا الطبقات الحاكمة في ذلك الزمن؟ ولماذا كان يُدرج الديالكتيك ضمن المفهوم الايجابي، أو النقدي والثوري في ذلك الزمن؟ وأي وضع كان نفيه محتومًا، وتهديمه ضروريًّا؟ هذا ما نحاول جوابه من خلال أطروحات ماركس نفسه.
في (التاريخ بين ماركس وهيغل)، قلنا: "في (نقد فلسفة الحق عند هيغل) و(الأيديولوجية الألمانية) و(رأس المال) يكرر ماركس نفس موضوعه عن الاختلاف التَّاريخي بين الاقتصاد الإنجليزي، والفرنسي، والاقتصاد الألماني" ، وقلنا صراحة: "فبالمقارنة مع الإنجليز والفرنسيين، لم يتقدم الإنتاج الرَّأسمالي في ألمانيا، وشروط الصِّراع بين الطَّبقات الحديثة لمجتمع كهذا، أي البرجوازية والبروليتاريا، إلاَّ في وقت متأخر من التَّاريخ، وليس الإنجليز فحسب، بل وحتى الفرنسيون أيضاً، كانوا متقدمين في هذا الصِّراع، بالمقارنة مع الألمان بنصف قرن أو أكثر، فبعد أكثر من (150) سنة على الأقل، من تاريخ الصِّراع الحديث بين الطَّبقات الحديثة في بريطانيا و(50) سنة من تاريخ هذا الصِّراع في فرنسا، انخرطت البرجوازية الألمانية التي يسميها ماركس البرجوازية الصَّغيرة، بالمقارنة مع البرجوازية الإنجليزية المسنة والبرجوازية الفرنسية، في الصِّراع مع ماضي الشُّعوب العصرية"، كما وقلنا: " لذلك سيكون من الطَّبيعي أنْ تتأخر البرجوازية الألمانية، التي كانت صغيرة جداً بالمقارنة مع البرجوازية الإنجليزية العملاقة، والبرجوازية الفرنسية النَّاضجة تمام النُّضج، في الانخراط في الصِّراع مع ماضي الألمان، أو بالأحرى، أنْ يتأخر صراع البروليتاريا مع البرجوازية القزمية الألمانية، إلى أجل غير معروف في التَّاريخ، وأنْ تعبر هذه البرجوازية الصَّغيرة، غير متكاملة بالمعنى الحديث للكلمة، عن حركتها في الفلسفة الألمانية"، المصدر: الحوار المتمدن، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=191036).
وهكذا، فمن غير الممكن فهم تعبير "المفهوم الايجابي أو الثوري للديالكتيك" لدى ماركس إلا من خلال ارتباطه بالزمن التاريخي الذي كان الديالكتيك فيه زيًّا شائعًا في ألمانيا، فماركس يتبع القاعدة التاريخية الآتية في كل ما يتعلق بالأفكار:
"علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا نرى مبدأً ما ظهر في القرن الحادي عشر أو في القرن الثامن عشر ولم يظهر في عصر آخر - ماركس، بؤس الفلسفة".
وعلينا أيضًا أن نسأل أنفسنا لماذا يصبح مبدأً ما ثوريًّا في مرحلة تاريخية معينة، ويصبح رجعيًّا في مرحلة تاريخية أخرى.
ويمكن تلخيص وجهة نظر ماركس عن الأوضاع القائمة في ألمانيا آنذاك، والطبقات الحاكمة، وثورية الديالكتيك، التي يتحدث عنها ماركس، على الشكل الآتي:
يقول ماركس: "الأمراء يجدون أنفسهم في صراع مع المَلَكية، والبيروقراطية مع النَّبالة، والبورجوازية معهم جميعاً، في حين أنَّ البروليتاري لا يلبث أنْ يبدأ الصِّراع ضدَّ البورجوازي - كارل ماركس، نقد فلسفة الحق عند هيغل".
بمعنى أن الصراع بين الطبقات الحديثة للمجتمع البرجوازي، لم يبدأ بعد في ألمانيا، فكيف يا ترى بمستطاع التاريخ أن يطرح شيئًا آخر سوى ما طرحته البرجوازية؟ فالبرنامج التاريخي هنا، يلخص فيما تطمح إليه البرجوازية الناشئة، لا البروليتاريا، فكان كل تحول في وضع ألمانيا يعبر عن ثورية البرجوازية، ولا تعبر ثورية الديالكتيك والفلسفة على العموم -في هذه المرحلة- إلا عن ثورية البرجوازية بالمقارنة التاريخية مع المَلَكية.
يقول ماركس: "إنَّ ما يكون عند الشُّعوب المتقدمة (يقصد ماركس الانجليز والفرنسيون)، لهو تعبير عن صراع عملي مع الوضع السِّياسي العصري، وهو وضع لم يتوفر بعد في ألمانيا"، أو "بذرة الحياة الواقعية عند الشَّعب الألماني لم تفرّخ حتى الآن إلاَّ في دماغه" (أي في الفلسفة الديالكتيكية بالتحديد)، "إنِّ الكفاح ضدَّ الوضع السِّياسي الحاضر في ألمانيا، هو الصِّراع ضدَّ ماضي الشُّعوب العصرية – نفس المرجع السابق"، أي ضد المَلَكية، فكيف إذاً بمستطاع التاريخ أن يعبر فكرياً عن ثورية هذه الحركة خارج الفلسفة الديالكتيكية التي آنذاك زياً شائعاً في ألمانيا؟
وهكذا، فالمصيبة هي أن الجدليين لا يرون العلاقة بين الأفكار وعصورها المختلفة، فالديالكتيك (نقدي وثوري) في كل مرحلة من مراحل التاريخ، ولكن لماذا؟ لأن ماركس يقول ذلك. أما ما هي الحجة التاريخية لثورية الديالكتيك في تلك المرحلة في ألمانيا لدى ماركس؟ فهذا شيء لا يخص الجدليين؛ لأن الجدل قانون مطلق للحركة والتطور حسب إنجلس.
أما ماركس فيقول صراحة: "وبديهي أنَّ كُتاب المقالات الرخيصة في ألمانیا یصرخون متهمین بالسفسطة الهیغلیة، غیر أنَّ مجلة (الرَّسول الأوروبي) وھي مجلة روسیة تصدر في سان بطرسبرج، أعلنت في عددھا الصادر في أیار عام (1872م) في مقالة مكرسة بكاملھا للطَّریقة المعتمدة في كتاب (رأس المال) أنَّ طریقتي في البحث ھي طریقة واقعیة بصورة دقیقة، ولكنَّ طریقة عرضي لسوء الحظ، متمشیة مع الأسلوب الدیالكتیكي الألماني – كارل ماركس، رأس المال، ترجمة محمد عيتاني، ص 19".
ماذا يعبر هذا التفريق بين الطريقة الواقعية وأسلوب الديالكتيك الألماني من قبل ماركس، غير إبراز التناقض بين الطريقتين الواقعية (المادية) والدياكتيكية (المثالية)؟
يواصل ماركس ويقول: "لقد نقدت الجانب الصوفي من ديالكتيك هيغل منذ ثلاثين عاماً تقريباً، في عهد كان ما يزال فيه دياليكتيك هيغل زياً شائعاً (ولكن حين كنت أؤلف الجزء الأول من (رأس المال) كان أبناء الجيل الجديد، أولئك النَّزقون، المدعون، التَّافهون الذين يسيطرون اليوم على ألمانيا المثقفة، يزهون بأنْ يعتبروا هيغل كما أعتبر البطل موسى مندلسون، وسبينوزا، في عهد لسنج، يعني أنَّهم يعتبرونه، (كلباً ميتاً)، لذلك أعلنت نفسي بصراحة تلميذاً لهيغل، بل إنَّني عمدت في بعض أجزاء الفصل المخصص لنظرية القيمة إلى تبني طريقته الخاصة في التَّعبير) – نفس المرجع، ص 22".
وهكذا، فالدِّياليكتيك كان ثوريًّا في زمن نهوض البرجوازية ضد النظام السياسي والعلاقات الاقتصادية القديمة التي كانت تعيق تقدم النظام الاقتصادي الرأسمالي في ألمانيا. وبعد انتقال الصراع من بين النبالة والبرجوازية، إلى البرجوازية والبروليتاريا، فانتهت ثورية البرجوازية وديالكتيكها. أما الدِّياليكتيك لم يصبح إطلاقًا منهجًا لتفسير العالم، والمجتمع، والحركة، والتطور لدى الماديين، ولم يكن الدِّياليكتيك بالنسبة لماركس سوى طريقة في التَّعبير، في الجزء المخصص لنظرية القيمة فقط. أما لماذا ينسب الجدليون الدِّياليكتيك إلى ماركس، فهذا يعود إلى عدم تفريقهم بين منهج ماركس ومنهج إنجلس، فلدى إنجلس يتوقف العالم عن الحركة، ما لم يخضع لما يسمى بالقوانين الديالكتيكية، ولا يعود هذا إلا إلى الافتقار في النظرة المادية إلى التاريخ. ورغم انتقاد إنجلس بعنف الكثير من جوانب منهجه في كتابه (أنتي دوهرنغ)، فمع ذلك لا يمكن للجدليين أن ينظروا إلى هذا الكتاب إلا بشكل صوفي، فعلينا أن نردد ما يردده إنجلس من أذكار الديالكتيكية، ونقبل كل ما لا يقبل إنجلس نفسه، لأن إنجلس هو الذي يعلم بكل ما يدور حولنا في العالم، وكل ما يقوله فهو حق وصواب، وغير قابل للجدل.
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماركس وإنجلس في التناقض
-
الديالكتيك والشيوعية
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -5
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -4
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -3
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -2
-
فؤاد النمري وحسقيل قوجمان في الديالكتيك الإلهي -1
-
الحركة الكردية: من نزاع البارزاني والطالباني، إلى نزاع الطال
...
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (6)
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (5)
-
كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (3)
-
كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (2)
-
مادية لينين مادية ميكانيكية -5
-
مادية لينين مادية ميكانيكية -4
-
مادية لينين مادية ميكانيكية -3
-
مادية لينين مادية ميكانيكية -2
-
مادية لينين مادية ميكانيكية -1
-
كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (1)
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (4)
-
كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (3)
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|