أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أنور نجم الدين - مادية لينين مادية ميكانيكية -4















المزيد.....

مادية لينين مادية ميكانيكية -4


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 10:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المادية: 1900 - 1950

بنهاية القرن الثامن عشر، أطلق كلمة العلم على الأعمال التجريبية لتمييزه عن الفلسفة بالتحديد، فالعلم والفلسفة افترقا كليًّا كمجالات معرفية مختلفة، أما الفرق الرئيسي بين العلم والفلسفة، هو الاختلاف بين المنهج التجريبي، والمنهج العقلي، أي المنطق الجدلي بالتحديد. أما المنهج العلمي، فيعني اللجوء إلى إجراء التجارب على الأشياء الطبيعية والاقتصادية والتاريخية، فلا يمكن استنتاج قوانين العالم المادي، إلا من خلال تحري الأشياء، لا بالفكر والوسائط الفكرية -أي المنطق الجدلي- بل بالفكر والوسائط المادية، أي الأجهزة التقنية. ولكن على العكس من المنطق الجدلي الهيغلي، والإحساسات الطبيعانيين، فلم يحتاج البشر هذه الأجهزة، للتحري عن وجود الروح، بل لتطوير حياتهم المادية، وسلوكهم المادي فيما بينهم، ثم سلوكهم إزاء الطبيعة، فالبشر يغير سلوكه ومعارفه مع التاريخ، وهذا هو منشأ تغيير علاقته بالطبيعة وفهمه لقوانينها المادية، وكلما يغير البشر فهمه للطبيعة، كلما يطور حياته المادية بناءً على ما يكتشفه من القوانين المادية. وهكذا، فلم يكن من الممكن تطوير أداة عمل زراعية إلى الكمبيوتر مثلًا، دون فهم مسبق لقوانين الطبيعة. فالمعرفة المادية إذًا معرفة تاريخية وليست حسية، فالإحساسات لا تعطينا شيئًا سوى معرفة حسية عن العالم، والمعرفة الحسية عن الأشياء لا تميز معارفنا عن معارف أجدادنا.

وإذا أردنا إلقاء نظرة على مادية لينين (1870 - 1924)، فنرى أنه ينطلق من هذه النقطة بالتحديد، فلينين يبدأ من نفس النقطة التي تنطلق منها فلسفة هوبز، وسبينوزا، وديكارت، وفيورباخ، فيبدأ لينين من المفاهيم المجردة: المادة وانعكاساتها الحسية، لا من التاريخ وعلاقة البشر ووعيه به، ولدى لينين هناك تياران فلسفيان: المادية والتي تعترف بوجود (الأشياء في ذاتها) أو خارج الذهن، وتعتبر الأفكار والإحساسات بالنسبة اليها نسخًا أو صورًا عن هذه الأشياء. والمثالية التي تنادي بأن الأشياء لا توجد (خارج الذهن): فالأشياء هي (تراكيب إحساسات) - انظر لينين، المادية والمذهب التجريبي النقدي، ترجمة الدكتور فؤاد أيوب، ص 13.
ويقول لينين: "ذلك هو المفهوم المادي: أن المادة تثير الإحساس بتأثيرها في أعضاء حواسنا. ويرتبط الإحساس بالدماغ، والأعصاب، والشبكية، الخ - لينين، نفس المرجع، ص 43".

وهكذا، فينطلق لينين من المادية التي ينتقدها ماركس بالضبط، أي المادية الميكانيكية. ومن منظور هذه المادية، فيتلخص الصراع الفكري العالمي في الصراع بين فلسفة أفلاطون وفلسفة ديمقريطس، ثم بين الدين والعلم:

يقول لينين: "هل يمكن للصراع القائم بين المثالية والمادية، الصراع بين اتجاهي أو خطَّي أفلاطون وديمقريطس في الفلسفة، والصراع بين الدين والعلم، والصراع بين إنكار الحقيقة الموضوعية والتسليم بها أن يشيخ خلال السنوات الألفين التي انقضت على تطور الفلسفة؟"، "كما ولا يمكن أن تشيخ مسألة معرفة فيما إذا كان البصر، واللمس، والسمع، والشم، هي ينبوع المعرفة البشرية - نفس المرجع، ص 122".

هذه هي مادية لينين: الصراع بين الروحانية والطبيعانية، بين المؤمنين والملحدين، والذي يمثل الصراع بين الدين والعلم، حسب لينين، وإن مصدر كل هذا الصراع لدى لينين، هو إحساساتنا! أما المؤسس الفعلي لهذه المادية السبينوزية - الفيورباخية في مدرستها الروسية، فهو بليخانوف (1856 - 1918).

يقول بليخانوف: "وهكذا، يتضح إن (النزعة الإنسانية) لفيورباخ ما هي إلا سبينوزية منعتقة من الزوائد اللاهوتية لسبينوزا. وإن ماركس وإنجلس، عندما تمردا عن المثالية، قد انتقلا بالذات إلى رأي هذه السبينوزية التي حررها فيورباخ من الزوائد اللاهوتية - بليخانوف، الماركسية: قضايا أساسية". "ينبغي، رغم كل شيء، الإقرار بأن نظرية المعرفة الماركسية تنحدر بشكل مباشر من نظرية المعرفة الفيورباخية - بليخانوف، نفس المرجع".

وهنا، هنا بالتحديد، يجب أن نعود إلى الأسئلة التي طرحناها منذ بداية عرضنا: ما مصدر المعرفة؟ هل هو نظرية المعرفة الهيغلية (الجدل)، أو نظرية المعرفة الفيورباخية (الإحساسات)؟ وهل يفكر ماركس مثلًا، مثل هيغل وفيورباخ حول مصدر المعرفة البشرية؟ وما القوانين المادية لدى كارل ماركس؟ هل هي قوانين الجدل؟ وهل يعتبر ماركس بأن منشأ معرفة القوانين المادية، هو الإحساسات البشرية؟ وهذا يعني هل الفرق بين الأحمر والأخضر (البصر)، وصوت الإنسان والحيوان (السمع)، والروائح الجميلة والكريهة (الشم)، والنار والثلج (اللمس)، يأتينا بأي فكرة جديدة عن العالم المادي بالمقارنة مع الأفكار القديمة عن العالم؟ كانت إحساسات البشر قبل آلاف السنين، تميز هذه الأشياء عن بعضها البعض، بنفس الطريقة التي تميزها إحساسات الإنسان المعاصر، ولكن لا يعيش بشر اليوم، ولا يفكر مثل البشر الأقدمين، وكما هو معلوم لدينا اليوم، فلا يمكننا فهم الاختلاف المادي، بين هذا اللون أو ذاك مثلًا، دون إجراء التجارب، أو الاختبارالعلمي على التركيب المادي لهذه الألوان، كما ولا يختلف مادي عن مثالي إذ يقول: إن البصر، أو السمع، أو اللمس، هو مصدر معارفنا عن العالم المادي، ومن المعروف لدينا إن الإحساسات الخمسة الإنسانية، قابلة للأخطاء كل يوم خسمة مرات على الأقل، وإذا كانت الإحساسات مصدر المعارف البشرية عن القوانين المادية، فكيف إذًا نعبر عن التطور المعرفي البشري فيما بين 1550 و 1950؟

إن المنهج الذي يؤكد بأن مصدر معارفنا هو الإحساسات، هو في الواقع، نفس المنهج المادي الميكانيكي القديم، فالحس البصري مثلًا، لا يعكس لنا سوى ما تعكسه حركة ميكانيكية. وهذه المادية الميكانيكية، تمثلها العلاقة الميكانيكية بين المادة والوعي بالذات، فهذه العلاقة وكل ما نكتسبها من المعارف من خلالها، هي في واقع الأمر، علاقة ميكانيكية بين الإنسان والطبيعة المحيطة به لا أكثر، مثال: إن البصر يعكس لنا ما تعكسه آلة التصوير، أو لوحة مرسومة بالألوان المختلفة، من خلال حركات ميكانيكية، وتعكس لنا الآلة، أو الرسام، قصة واقعية عن العالم الموضوعي، فالحس البصري إذًا، يمكنه أن يقدم لنا صورة حسية عن الأشياء الموضوعية، ومن هذا المنظور بالذات، يمكننا القول بأنه حتى المفاهيم (الواقعية) و(الموضوعية) مفاهيم غير دقيقة بالنسبة للماديين، إذا أردنا البحث تحديداً عن القوانين المادية للعالم المادي، لأن هذه الواقعية والموضوعية البصرية، يمكنها خدعنا كل يوم عدة مرات، وكل العلوم الاقتصادية والتاريخية البرجوازية، تنتمي في الأساس إلى هذه النظرة الموضوعية، فالاقتصاد العامي، وحتى نظرية مالتوس (1766 - 1834) للسكان، معرفة واقعية موضوعية عن المجتمع، وإنها تحل بالفعل مشكلة اجتماعية موضوعية من منظور البرجوازية، وإن هذه النظرية، تمثل الكوارث البشرية، والإبادة الجماعية للبشر في العالم المعاصر.

وهكذا، فمصدر المادية الميكانيكية الروسية، والتي يمثله بليخانوف، هي (نظرية المعرفة الفيورباخية) التي تمتد من سبينوزا إلى فيورباخ.

يقول لينين: "يقول فيورباخ: إن إحساسي ذاتي ولكن أساسه أو سببه موضوعي - المرجع نفسه، ص 122"، "يجب لنكون ماديين أن نسلم بالحقيقة الموضوعية التي تكشفها لنا أعضاء الحواس - المرجع نفسه، ص 125".

يواصل لينين ويقول: "إن المادة مقولة فلسفية تدل على الواقع الموضوعي المعطى للإنسان في إحساساته التي تنسخه، وتصوره، وتعكسه، بينما هو قائم بصورة مستقلة عن هذه الإحساسات - نفس المرجع، ص 121". "أن ما يميز بصورة جوهرية المادي عن نصير الفلسفة المثالية يستقيم في حقيقة أن المادي يعتبر الإحساس، والإدراك، والفكرة، وذهن الإنسان عامة بمثابة صورة للواقع الموضوعي - نفس المرجع، ص 266".

وهكذا، فكل أطروحات لينين المادية، تعبر في الأساس عن المادية الميكانيكية التي تبشر بها بليخانوف في مدرستها الروسية، أي أنها تنص على: إن معرفتنا لها مصدرها في عالم الحواس. أما لينين نفسه، فلم يبذل أي جهد لا لاكتشاف هذه المادية، ولا لتطوير فقرة من فقرات هذه الفكرة الطبيعانية، وأنه لم يفعل شيئًا سوى إنشاء صيغ عقيمة من المفاهيم الفلسفية القديمة، تعود جذورها إلى أواسط القرن السابع عشر (1650م)، أي المادية الميكانيكية بالتحديد. لذلك، لا يطرح لينين حتى أسئلة واقعية عن الموضوع، فتتلخص الأسئلة الأساسية لأطروحاته من الآتي: هل الشعور حالة باطنة أم لا؟ هل يفكر الإنسان بواسطة الدماغ؟ هل عمليات النفسية تابعة لعمليات الدماغ؟ وهذه الأسئلة التي هي في الأساس أسئلة سايكولوجية، يطرحها لينين لإثبات شيء واحد، ألا وهي العلاقة الميكانيكية بين الإحساسات وعالمها الخارجي، العلاقة التي لا تعطينا فهم القوانين المادية بأي شكل من الأشكال. وفي هذه الأسئلة، يميل لينين في أطروحاته إلى علم النفس، لا العلوم الاقتصادية والتاريخية، أو حتى المادية الميكانيكية.

يقول لينين: "اذا لم يكن اللون إحساسا إلا بسبب تبعية للشبكية (كما تجبرك علوم الطبيعة على التسليم به)، فأنه ينتج عن ذلك أن الأشعة المضيئة تحدث حين تصل إلى الشبكية الأحساس باللون - لينين، نفس المرجع، ص 43".

وهكذا، فصورة الأشياء، الألوان مثلًا، هي مصدر المعرفة المادية لدى لينين، أما الإحساس بالألوان، فلا تأتينا بأي فكرة عن المصدر المادي للألوان، أي المصدر المادي للأشياء، فمعارفنا ستبقى ناقصة، بل وخاطئة، دون النزول إلى داخل الأشياء المادية من خلال العمل التجريبي، أما الفلاسفة، على العكس من الماديون، فيبحثون من جهة العلاقة بين الظاهر والباطن، بين المكونات الأرضية (الجسد)، والمكونات السماوية (العقل)، ومن جهة أخرى، بين صور الأشياء والإحساسات البشرية من خلال الجدل، فالجدل هو إذًا سبيل معرفة صورية في كلتا الحالتين، فمن غير المعقول أن يلجأ الماديون إلى نفس السبل العقلية التي كان يلجأ إليها زينون، وسقراط، وأفلاطون، وهيغل للإحساس بعالم ما وراء الطبيعة، أو المادية القديمة مثل سبينوزا، وهوبز، وفيورباخ، فلا طريقة هيغل ولا طريقة فيورباخ، ولا بليخانوف ولا لينين، لا تقربنا من التركيب المادي للأشياء، أو القوانين المادية للطبيعة أو التاريخ.

يتبع



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مادية لينين مادية ميكانيكية -3
- مادية لينين مادية ميكانيكية -2
- مادية لينين مادية ميكانيكية -1
- كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (1)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (4)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (3)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (2)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (1)
- حول ملاحظات قوجمان الدِّياليكتيكية
- التَّاريخ بين ماركس وهيغل
- تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 2
- تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 1
- تعارض ماركس مع المنهج الدِّياليكتيكي
- تعارض المنهج المادي للتَّاريخ مع المنهج الدِّياليكتيكي
- التَّناقض بين المادية والدِّياليكتيكية
- تعارض ماركس مع الاقتصاد السياسي
- تعارض ماركس مع فلسفة هيغل وفيورباخ
- مدخل إلى: تعارض ماركس مع الفلسفة الألمانية، والاقتصاد السياس ...
- التناقض بين المادية التاريخية والفلسفة الماركسية - 2- المارك ...
- التناقض بين المادية التاريخية و الفلسفة الماركسية - 1- المار ...


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أنور نجم الدين - مادية لينين مادية ميكانيكية -4