أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أنور نجم الدين - مادية لينين مادية ميكانيكية -1















المزيد.....

مادية لينين مادية ميكانيكية -1


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2913 - 2010 / 2 / 10 - 23:51
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مدخل عام

مع تطور الصناعة والتجارة والتبادل العالمي بدأت الأمم المتمدنة لا سيما الإنجليز والفرنسيين بنقد ماضيهم كما تناولوا ماضي الأمم الأخرى من وجهات نظر اقتصادية - تاريخية، وهذا بعد ما اجتاز البشر عصر فحص عناصر تكوين عالمه، ومصدر معارفه بصورة مادية. وإذا ما أردنا التعبير عن كل هذه الحركة التاريخية بإيجاز وهذا ابتداءً من القرن السادس عشر وانتهاء بالقرن العشرين فيمكننا تلخيصها في الآتي:
إن كل الصراع التاريخي في هذه القرون كان يصاحبه في نفس الوقت الصراع بين مَن يفصل الفكر عن الحواس، والنفس عن الجسد، والذات عن العالم، والتاريخ عن تطور أدوات الإنتاج المادي. وإن كل هذه الحركة تلخص في مجراها الواقعية، بأن المعرفة البشرية لا تكتمل دون التطور الصناعي تحديدا، فكانت حركة القرن السادس عشر على الأخص، تتلخص في تجديد العلاقات الفكرية والعملية بين الإنسان والطبيعة، بناء على الأمور التاريخية الجديدة، ونعني به تطور العلوم الطبيعية والصناعة -التي تتكون بموجبها- تاريخًا عالميًّا، فيعود إلى هذه الحقبة التاريخية بروز أهم الصراعات حول مصدر المعارف البشرية، بين التيارات الفكرية الفلسفية من جهة، وبين العلم والفلسفة من جهة أخرى، وبدأ الهجوم بالذات على الفكرة المنطقية الأرسططاليسية، وخاصة من قِبَل ديكارت؛ ففي عصر العلوم الميكانيكية، ومن وجهة نظر علم الرياضيات، ومن المنظور الذي يستند في الأساس على الكم لا الكيف هاجم ديكارت منطق أرسطو.
والبحث الذي يوجد بين أيديكم ليس سوى محاولة لتقديم مدخل للمادية في تطورها، أو مدخل للمصدر المادي للمعرفة البشرية بالتحديد: فهل مصدر المعرفة هو نظرية المعرفة الهيغلية (الجدل، الدياليكتيك)، أو نظرية المعرفة الفيورباخية (الإحساسات)؟ وما الأساس الفعلي للمعرفة لدى كارل ماركس؟ وهل يعتبر ماركس أن منشأ معرفة القوانين المادية هو الجدل، أم الإحساسات البشرية؟ فلدى لينين تعتبر الإحساسات، المصدر الوحيد للمعرفة، وهو يقول: "لا يمكن أن تشيخ مسألة معرفة فيما إذا كان البصر واللمس والسمع والشم هي ينبوع المعرفة البشرية – المادية والمذهب التجريبي النقدي"، ومن هذا المنظور ينطلق لينين من مادية العصر القديم -أي المادية الميكانيكية- وتعود كل أطروحاته إلى زمن صراع الروحانية والطبيعانية، ونحاول هنا تقديم عرض تاريخي لتلك الصراعات الفكرية، حول مصدر المعرفة من أواسط القرن السادس عشر، إلى القرن العشرين.

المادية: 1550 - 1750

كانت العصور الوسطى العصر الذهبي لمنطق أرسطو الصوري، المنطق الذي لا يمثل سوى الفكرة ذاتها، الفكرة المنفصلة عن الواقع، تعتمد في الأساس على برهنة غير واقعية في مقياس الأفكار من حيث صوابه أو خطؤه، وبقي المنطق الأرسططاليسي دون منازع إلى أن ظهر في التاريخ منهج جديد، يبحث الظواهر من حيث منشأها التاريخي. وكان منطق أرسطو (384 - 322 ق.م)، يمثل جدل الفلسفة الإغريقية القديمة من جدل بارمنيدس (515 - 445 ق.م)، وزينون (490 - 430 ق.م)، والجدل السفسطائي في الفلسفة التصورية عند سقراط (469 - 399 ق.م)، ثم جدل أفلاطون (427 - 347 ق.م).

ابتداءً من القرن السادس عشر، أو ابتداءً من تقدم المناهج الجديدة للأبحاث إلى مقدمة المسرح، بدأ الهجوم على المنطق الإغريقي القديم بالتحديد. وبقدر ما كان يتقدم العلم، بقدر ما يواجه المنطق الجدلي منازعًا وطيدًا في التصورات عن العالم، فلم تعد بعدُ العودةُ إلى المنطق الجدلي أمرًا ضروريًّا في النظر إلى العالم مادام التطور الصناعي قد طرح على بساط البحث أسلوبا جديدا في البحث، وهذا من خلال تقديم وسائل جديدة للبحث عن الأشياء، فجنبًا إلى جنب مع سفسطة الفلسفة بدأت العلوم بتقديم أطروحات جديدة عن العالم.

إن أول مَن وضع أصول المنهج العلمي الجديد، هو فرنسيس بيكون (1561 - 1626)، فبيكون أدرك بأن العيب الرئيسي في كل الطرق القديمة للتفكير القديم لدى فلاسفة الإغريق القدماء هو استخدام طريقة نظرية عقلية للوصول إلى العلم (المعرفة)، ووقف بيكون ضد التراث السفسطائي الأفلاطوني على الأخص، وأعلن صراحة بأن العلم الفلسفي (المعرفة الفلسفية) مليئة بثرثرة وهميةٍ، لا تؤدي إطلاقًا إلى أية نتيجة إيجابية، وليس أمام العلم أي تقدم دون اللجوء إلى منهج جديد، يؤدِّي إلى اكتشاف الوقائع، فالمنطق الأرسططاليسي، أو مقاييس الخطأ والصواب، لا يعطينا مفتاح فهم عمليات الطبيعة.

"إن المؤسس الحقيقي للمادية الإنجليزية وكل العلوم التجريبية الحديثة هو فرنسيس بيكون، وعلوم الطبيعة هي العلم الحقيقي عنده، والفيزياء التي تقوم على الإدراك هي أفضل أقسام علوم الطبيعة. وكان أناكسا جوراس (499 - 428 ق.م) بمذهبه في (الجسيمات المتشابهة) وديموقريط (460 - 370 ق.م) بمذهبه في الذرات المرجعين اللذين يرجع إليهما. والحواس بحسب تعاليمه لا تخطئ، وهي مصدر المعرفة - كارل ماركس العائلة المقدسة".

"أصبحت المادية في تطورها اللاحق أحادية الجانب، فكان هوبز (1588 - 1679) أول مَن مَذْهبَ مادية بيكون، وفقدت الحسية زهوتها وأصبحت كحسية عالم الهندسة المجردة، وضحى بالحركة الفيزيائية على مذبح الحركة الميكانيكية والرياضية، وتوجت الهندسة على أنها العلم الأساسي .. وظهرت وكأنها كائن عقلي، بل أنها طورت المنطق العنيد للعقل أيضًا"، "جعل هوبز من أفكار بيكون مذهبًا، ولكنه لم يقدم دليلاً أدق على مبدئه الأساسي بأن معرفتنا وأفكارنا لها مصدرها في عالم الحواس - كارل ماركس، العائلة المقدسة".

فلدى هوبز أيضًا، كانت المعرفة تجد أصلها في عالم الحواس، لذلك كان (الجوهر) غير المادي المحسوس، الملموس، ليس له أي معنى كالأجسام غير المادية. وكانت أطروحته تتلخص في أن الفكر لا ينفصل عن المادة المفكرة (الدماغ الإنساني)، فالمادة إذًا هي موضوع كل التغيرات حسب هوبز، وهذا يعني يمكننا فقط إدراك الأشياء الحسية.

حاول لوك (1623 - 1704) إثبات ما قاله بيكون وهوبز عن أصل المعارف البشرية، و"لوك أسس فلسفة الحس السليم، فلسفة الحس العام، أي أنه قال بشكل غير مباشر أنه لا يوجد فيلسوف يمكن أن يختلف مع الحواس البشرية السليمة والعقل الذي يقوم عليها - كارل ماركس، العائلة المقدسة".

وهكذا ظهر النقاش، وظهرت الاتجاهات المختلفة حول أساس المعرفة، فهناك مَن أعلن أن التجربة الحسية هي منبع كل المعارف البشرية، ولكن سرعان ما بدأ البعض يسأل: هل يمكن الوثوق بالتجربة الحسية المجردة؟ هل الإحساسات تنتج معارف خاطئة أم لا؟ أما البعض الآخر، إعتبر بأن المعرفة تحتاج الوسائط للبحث. وعلى أية حال فقد أنهى العلم في الخطوة الأولى الوهم الشائع بصدد معارف عقلية فطرية، أو المنطق الجدلي بوصفه مصدر المعرفة. ولكن عززت العلوم في هذه المستوى من التقدم الصناعي -الفلسفة الحسية- وكانت معارضة الروح، هي الجزء الأعظم من هذه الفلسفة، سبينوزا (1632 - 1677) مثلًا، أو فلسفة الشك الديكارتي، فبدأت معارضة الروح بالمادة. وسادت في هذه الفترة المادية الميكانيكية، وحسب كارل ماركس، لاقت مادية ديكارت (1595 - 1650)، نجاحًا عظيمًا في العلوم الطبيعية الميكانيكية، وإنها كانت أقل العلوم التي يمكن اتهامها بالرومانسية.

"عزا ديكارت في فيزيائه للمادة قوة الخلق الذاتي، وتصور الحركة الميكانيكية على أنها عمل حياة المادة. وفَصَلَ نهائيًّا فيزياءه عن ميتافيزيائه. ففي فيزيائه المادة هي الجوهر الوحيد والأساس الوحيد للوجود والمعرفة - كارل ماركس العائلة المقدسة".

جنبًا إلى جنب مع هذه الأطروحات الجديدة عن العالم، ظهر أبحاث غاليلو (1564 - 1642) في الحركة النسبية، وقوانين سقوط الأجسام، وقام غاليلو في نفس الوقت بصنع منظار بوضع عدستين. وعدا ذلك، وضعت أبحاث السير نيوتن (1642 - 1727)، أبعادًا جديدة أمام علم الفيزياء على وجه التحديد، فنيوتن بدأ بأعماله في عام (1677م) في مجال علم الميكانيكا، الجاذبية وتأثيراتها على مسارات الكواكب، وفي عام (1684م)، نشر نيوتن نتائج أبحاثه العلمية عن القوانين المادية للحركة كالاستمرارية، وقانون الفعل ورد الفعل، وهذا في وسط مجموعة أخرى من الاكتشافات الجديدة كسرعة الضوء، وسرعة الصوت، ونظرية الكهرطيسية، إلخ ...
وهكذا كان العصر الجديد متجهًا بصورة طبيعية، نحو الحياة الدنيوية، وكان النشاط البشري المادي يتجه شيئًا فشيئًا، نحو التناقض مع اللاهوت وميتافيزياء العصور السابقة، فالميتافيزياء فقدت رصيدها في النشاط العملي، كما يقول كارل ماركس، فمع تطور العلم بدأت الأشياء الدنيوية، تحتل مركز الصدارة في الأبحاث الجديدة، وبدأ العلم يفصل العالم عن الميتافيزياء، ويغير أفكار البشر عن كل العقائد القديمة، والفلسفة مع منطقها الجدلية، أي الطريقة العقلية في البحث عن العالم.

يتبع



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس: الأيديولوجية الألمانية (1)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (4)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (3)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (2)
- كارل ماركس: بؤس الفلسفة، بؤس المنطق والديالكتيك (1)
- حول ملاحظات قوجمان الدِّياليكتيكية
- التَّاريخ بين ماركس وهيغل
- تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 2
- تعارض ماركس مع المادية الدِّياليكتيكية - 1
- تعارض ماركس مع المنهج الدِّياليكتيكي
- تعارض المنهج المادي للتَّاريخ مع المنهج الدِّياليكتيكي
- التَّناقض بين المادية والدِّياليكتيكية
- تعارض ماركس مع الاقتصاد السياسي
- تعارض ماركس مع فلسفة هيغل وفيورباخ
- مدخل إلى: تعارض ماركس مع الفلسفة الألمانية، والاقتصاد السياس ...
- التناقض بين المادية التاريخية والفلسفة الماركسية - 2- المارك ...
- التناقض بين المادية التاريخية و الفلسفة الماركسية - 1- المار ...
- التروتسكية: نظرية الثورة الدائمة - )مقتطفات من: التروتسكية ث ...
- الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية - التناقض ...
- المادية التأريخية و اسطورة الماركسية – جوابا لانتقادات المار ...


المزيد.....




- شاهد: مظاهرات غاضبة في أرمينيا تطالب رئيس الوزراء بالاستقالة ...
- بوتين للغرب.. لن نسمح بتهديدنا وقواتنا النووية متأهبة
- إصابة عنصري أمن بالرصاص داخل مركز للشرطة في باريس
- -إصابة شرطيَين- برصاص رجل داخل مركز للشرطة في باريس
- مصر.. أسعار السلع تتراجع للشهر الثاني على التوالي منذ -تعويم ...
- ألعاب نارية مبهرة تزيّن سماء موسكو تكريما للذكرى الـ79 للنصر ...
- -هجوم جوي وإطلاق صواريخ متنوعة-.. -حزب الله- ينشر ملخص عمليا ...
- روسيا تجهز الجيش بدفعة من المدرعات وناقلات الجنود المعدّلة ( ...
- شاهد: لحظة اقتلاع الأشجار واحدة تلو الأخرى بفناء منزل في ميش ...
- شاهد: اشتعال النيران بطائرة بوينغ 737 وانزلاقها عن المدرج في ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أنور نجم الدين - مادية لينين مادية ميكانيكية -1