أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 12















المزيد.....

الأولى والآخرة : مَرقى 12


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 01:54
المحور: الادب والفن
    


لم أحتج لكثير من العناء للهَجْس بمن يكونه ذلك الشخص المَعني ، المنحوس ، الذي وضعتنا خيانته على عتبة الهلاك ، بعدما وشى بمكان وزمن جلسة العمومية . إنّ مَبْأسة الحال ، كانت قد حتمَتْ على المجلس أن يجعلَ نوباته في سريّة آجال ومواضع ، مختلفة . فمن المُفترَض ، أنّ كائناً من كان يجهل وجودَ أركان العمومية ، في مساء هذا اليوم ، في دار كبير الأعيان ؛ في هذا المكان ، أين كنا الآن ، في وقت متأخر من الليل ، على صراع مرير ، غير عادل ، مُحاطين من كلّ جانب بأنفار الأورطات الأشرار ، الشرسين . لقد سبقَ لي ، إبان وقت الجلسة وحتى مُختتمها ، أن شغلتُ بذاك الهاجس ، المُشار إليه آنفاً ؛ مذ بدأ طالعُ النحس يجوسُ مُتمهلاً فوق رأسي ثمة ، خلل قبّة الليلة ، المُقمرَة : كنتُ آنذاك أتساءلُ ، محتاراً ولا غرو ، عن مغزى إصرار آغا أميني على الخصام بخصوص مصير الوزير ، ومن ثمّ دفعه الأمور نحوَ هاوية النتيجة المُخزيَة ، المحتومة ؛ أي طرده من حضرة المجلس ، بعدما تجرأ على كبيره . هذا الأخير ، كما رحتُ أعتقدُ جازماً ، كان يتكلمُ بشكل موارَب ، حينما أنهى كلمته قبل قليل ، متجاهلاً ذكر أسم ذلك الخائن . بيْدَ أنّ كبيرَ الأعيان ، كيلا أهوّنُ من فطنته ، ربما شاءَ سلوك هذا المنحى ، المتحفظ ، لخشيته من تسمية المتهم ، أعتباطاً ، وقبل أن تتوافر أدلة أدانته . ذلك السلوك ، الموسوم ، كان مفهوماً ، ولا ريب ، إذا ما قسنا الأحوالَ بميزان شخص مؤمن ، ورع ، يجدُ نفسه موشكة على لقاء باريها : هنا ، إذاً ، محتسباً أنه يخوض الخطى القليلة ، الأخيرة ، من رحلة عمره ، يُدرك الكبيرُ أيضاً ، ولا ريب ، ما ينتظر أهله وسط النار والبارود والدّم والدّمار . في آخر الأمر ، إنّ الجوهريّ في موضوع تلك الدسيسة ، الوضيعة ، هوَ كشفُ مستور من باعها للوزير بثمن مجز أو بخس ، أو حتى مجاناً ـ كما شدّدَ الشاملي في كلمته ، وكانَ بصدد تسميَة الشخص المتورّط .

هذه المعضلة ، ما أن طرحَها سؤالُ كبيرنا ، حتى رحتُ أقلّبُ بلمحة سريعة ، مغامضها .على ذلك ، مضت هواجسي في حَوْمَة خاطفة ، واحدة ، تحلقُ حول شبهة أسماء ثلاثة ، حسب : شمّو آغا والقاروط و .. قبجي السلطان . فما أن لكتُ في شفتيّ الأسمَ الأخير ، المُبجّل ، حتى شعرتُ أنّ داخلي يرتعدُ بشدّة زلزلة داهيَة ، بعثها خاطرُ فكرة ، مُستطيرة . لأنني تذكرتُ عند ذلك ، بغتة ، ما كانَ من أمر تلك المحاورة مع القاروط ، في حجرة البستانيّ بمزرعتي ، والتي غبطني خلالها لأنني ، كما قالَ ، تركتُ صفة العطار لأتقمّصَ صفة القبجي . بدَتْ كلمة الشاملي ، الحاسمَة والمقتضبَة في آن ، تندفعُ بتهوّر ـ كموجة عاتية ، متكسّرة على صخرة النهاية : " هل عرفتموه أيها الموقرون ؟ " . تجلى ذلك بالصمت الذي خيّمَ لبرهة غير قصيرة ؛ صمت السرائر ، بطبيعة الحال ، وليس صمت المكان ؛ المكان هذا ، المُشتعل الأوار بالرمايات النارية وصيحات المتعاركين . كان السلاملك وقتئذ الهدفَ المؤكد ، الوحيد ، لأنفار الأورطات ، المتقاطرين بتصميم إلى مداخله وأبوابه العديدة ؛ أينَ يكمنُ خلفها آخرُ المدافعين عن الدار . وإذاً ، ما أن لفتني تطلعَ كبيرُ الأعيان نحوي ، حتى رأيتني أحدّق بعينيه مباشرة ، لأبادره من ثمّ القولَ وكأنما أجيب سؤاله ذاك : " سعادة القبجي "
" ماذا تعني ، أيها المحترم ؟ " ، سألني الكبيرُ فيما الدهشة تستولي ، آنياً ، على جانب من ملامحه ، الصارمة . كنا عندئذ لا نفتأ في جلستنا المتطاولة ، الملولة ، حول الطاولة المستديرة ، المشغولة من خشب مصقول ، فاخر المَصدر . حينما هممتُ أجيبُ تساؤلَ صاحب الدار ، كانت يدي تمتدّ إلى الطاولة ، فتتناول من فوقها الحافظة الجلدية ، المهملة ثمة ، والتي تكتنزُ درّة الفرمان العليّ ، الهمايونيّ : " هذا هوَ سبيلنا ، الممكن ، للنجاة من مَهْلكة الفخ " .

كانَ قوّاص آغا ، ممتعضاً ، يودّ التعبيرَ أيضاً عن حيرته ، حينما أسكته تلويحُ يدي ، نفسها ، التي تقبض بقوة على المرسوم السلطانيّ .
" عليّ أن أنتحلَ ، مُجبراً ، صفة القبجي . لن نخسر شيئاً ، بكل تأكيد ، من هذه المحاولة " ، قلتُ ذلك ببساطة ، ثمّ تلفتُّ ناحية القوّاص " إنني بحاجة لمعونتك ، أيها القابيقول باشي "
" نعم ؟ "
" أريدكَ ، لو تفضلتَ ، أن تخرجَ من فوركَ إلى مدخل القاعة ، وبيدك منديلٌ أبيض ، لكي تنادي ثمة بالأمان " . كنتُ قد أتممتُ جملتي إلى منتهاها ، حينما تصاعدَ ، على حين فجأة ، صوتُ المؤذن من المسجد الصغير ، الكائن في جيرة هذه الدار ، الكبيرة ، يدعو إلى صلاة الفجر ؛ الصوت الشجي ، الذي بدا حينئذ كما لو أنه تعهّدَ ، بنفسه ، مناداة أولئك الرجال ، المتوحشين ، المتواجدين خارجاً . وَهْلة الصّمت ، المخترَقة بلطف من لدن النشيد ذاك ، الإلهيّ ، كان عليها أن تمتدّ طويلاً ـ كأنها السّديمُ السّرمَدُ . كنتُ على مشارف الفجر ، إذاً ، متهالكاً على فرش أريكة ، ثرّة الباطن ، مظهّرة بالنسج الذهبية ، أتسلى بالتحديق بسقف قاعة السلامك هذه ، الكبرى ، طالما أنه غمز عينيّ بطرف حسنه الرائع ، الزاهي ، المتألق ثمة ، مثلَ سجادة أعجمية . الجدران الداخلية للحجرة ، الملبّسة بالجّص والإبريز ، يُضاهي نقوشها ما سبق لي ورأيته في قصور باشاوات المدينة .
" لا قصر أثمَنَ من صباح آخر للحياة " ، رحتُ عندئذ أهوّم وقد كاد النعاسُ أن يغدوَ ، بدوره ، أمنية عزيزة ـ كالحياة سواءً بسواء . في هذه الآونة ، المُفعمة بالقلق والترقب ، ما كان بالغريب أن تلتقي العيونُ بالعيون وديدنها سؤالٌ واحد ، حسب ؛ عما إذا كان البيتُ قد خلا ، حقاً ، من مهاجميه . صياحٌ ذكوريّ ، يرطنُ شتائمَ مقذعة من لسانه ، الغريب ، أطلّ في اللحظة التالية ، لكي يُبدّد وهمَ الحاضرين . ثمّ تبعَ ذلك ، على الأثر ،. صرخة ما ، أنثوية ، من تلك الناحية .

خفق فؤادي بقوة ، فوجدتني فاقدَ الصّبر ، أتناهضُ من فوري نحوَ النافذة الكبيرة ، المُشرعَة المصراعَيْن ، والقائمة إزاءَ باب القاعة ، الرئيس . عارشة المجنونة ، التي تهمي على الجدار البرّاني للحجرة ، كانت في تلك اللحَظات قد سَمَحَتْ للحْظي أن ينسلّ خلل أوراقها ، المُدبّجة بأرجوان صارخ : رأيتُ خارجاً ثمة ، جانباً من مشهد مؤلم ، كان عليه أن يُرسُخ عمراً طيّ كناش ذاكرتي ؛ مشهد الفتاة تلك ، أبنة الشاملي ، وهيَ على حالة من الرثاثة ، لا تكاد توصف . كانت تحاولُ ، بلا حَوْل في الواقع ، مدافعة يد أحد الأنفار ، تقبضً على يدها بقسوة وعنف . شرّابات حذاء جلدي ، طويل ، كانت قد اشرأبت لحظتئذ على مرأى من عينيّ ، فيما تعذرَ عليهما التنعّمَ بكمال صاحبها ؛ ذلك الدالاتي ، الوحش . وما لبثَ صوتٌ آخر ، فصيحُ النبرَة ، أن هتفَ من ذلك الجانب : " على الشاملي أن يخرجَ إلينا ، إذا كان يريدُ تسلّمَ أهله " . جَمَدتْ هاماتنا جميعاً ، ولا غرو ، فيما أبصارنا ، بدورها ، تغلغلتْ مطرقة ً في أرضيّة الحجرة ، المُرَخمَة . هنيهة أخرى ، وتصاعدت الأبصارُ من حضيضها ذاك ، إلى علوّ هامَة كبير الأعيان ، الشموخ ، والتي كانت عندئذ تهمّ بالخطو خارجاً . ولكن ، ويا للعجب ، فإنّ آغا القابيقول ، هذا الرجلُ الصلف ، سدّ البابَ بقامته الفتيّة ، مانعاً كبيرنا من التقدّم . ثمّ تلفتَ القوّاصُ حوله ، فعثرَ على ما يبدو ، على بغيته ؛ غطاء أبيض ، مرهف ، كانَ يُزيّن الوجهَ الناصعَ ، المرمريّ ، لأحدى الطربيزات . كانَ الرجلُ الآنَ هناك ، أمامَ مدخل القاعة ، وبيده تلك الراية البيضاء ، وقد أعطانا ظهره ، فما عتمَ أن هتفَ بكلّ ما تستطيعه طبقة صوته العسكريّ ، القوية : " أمان " .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : مَرقى 11
- الأولى والآخرة : مَرقى 10
- الأولى والآخرة : مَرقى 9
- الأولى والآخرة : مَرقى 8
- الأولى والآخرة : مَرقى 7
- الأولى والآخرة : مَرقى 6
- الأولى والآخرة : مَرقى 5
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3
- الأولى والآخرة : مَرقى 2
- الأولى والآخرة : مَرقى
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
- الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار


المزيد.....




- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 12