أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 7















المزيد.....

الأولى والآخرة : مَرقى 7


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2964 - 2010 / 4 / 3 - 01:34
المحور: الادب والفن
    





الحكمَة أمّ الدّهاء . وكوني ما فتأتُ بصحبة رجليْن مُعتبرَيْ المَقام ، وكلّ منهما ، علاوة على ذلك ، على جانب كبير من المكر ، فكان لا بدّ أن تطغى صفة الدهاء ، المبثوثة في ثنايا طبعي ، على كلّ ما عداها . لا غروَ ، إذاً ، أن أبدوَ غير ذي عجلة من أمر توصيل الفرمان إلى المجلس ؛ أن أتظاهرَ بذلك أمامَ الحاضرَيْن هنا : لقد خمنتُ عندئذ بأنّ القاروط ، تعمّدَ أن يدعوني للتشرّف بلقاء القبَجي وعلى الفور ، لكي يُمحّص علامات التردد ، التي من الممكن أن تختلط بأخواتها في صفحة سحنتي . كنتُ على يقين بأنه ، وشمّو آغا ، قد توقعا مني أن أمتطي ورقة المرسوم ـ كسجادة سحريّة ـ وأطير فوقها إلى أصحابي في المجلس . ولكنني كنتُ أقلّ حماساً ، حينما أمسكتُ بورقة الفرمان بحركة تبجيل ورفعتها إلى فمي فقبلتها ، ومن ثمّ أودعتها فوق الطاولة أمامي . ليسَ ثمة ما يدعوَ لإنهاء هذه الصحبَة ، قبل الأوان . فإنني مدعوّ من لدن المضيف إلى غداء ، من المفترض أن يكونَ حسنَ ختام خلوتنا . وكما لوَ أنه حَدَسَ ما يدور في سرّي ، فإنّ القاروط توجّه إلى شمّو آغا قائلاً بلهجة مُحتفيَة تتصنع العذر : " سيكون علينا تناول الطعام في داري ، المتواضعة ، لتكتمل حظوة المائدة بمشاركة قبجي مولانا السلطان ، أعزه الله " . غيرَ أنّ حدَثاً طارئاً ، كان يبدو غيرَ ذي بال لو حصلَ بالأمس ، شاءَ أن يفوّتَ عليّ تلك الدعوة الكريمة ؛ وأن يَحولَ ، بالتالي ، دون لقائي بسعادة رسول السلطان .

كنا نحن الضيفيْن أمام مدخل منزل المُضيف ، ننتظرُ أن ينتهي هذا من إعطاء أمره للحاجب ، بسرعة تجهيز الكروسة . حدتُ ببصري عن المشاغل تلك ، مُتلهياً بإرساله نحوَ الربض ، المونق بالبساتين المزدهرة . هناك ، إلى الأسفل من هذا الحيّ المأهول ، كانت تتجاور أملاك وأوقاف الكثير من أعيان المدينة ، وخصوصاً منهم الصوالحة . من جهتي ، كنتُ أملكُ أيضاً مزرعة فواكه وخضار ، في الجهة الجنوبية من مقام ستي حفيظة ، حصّلتُ منها خلال موسمَيْن ربحاً يقدّر بأربعمائة غرش ؛ وهوَ مبلغ مُعتبَرٌ ولا ريب ، إلا أنه يُعدّ متواضعاً جداً قياساً بما تدرّه ، مثلاً ، أراضي الآغا الكرديّ المُجتزئة جانباً جسيماً من هذا الربض . كان بصري يدوّم ثمة ، عندما خيّل إليّ ، على حين فجأة ، أن الأرضَ ترجفُ نوعاً تحتَ قدميّ . فما كدتُ أحوّل نظرتي المُتسائلة إلى جهة القاروط ، حتى دوّى صدى قصف ما ، متأت ولا شك من جهة المدينة القديمة . بدوره ، كان الآغا قد اُخذَ بوقع التفجيرات ، المُتناهي وقعُها رويداً من تلك الأنحاء ، فتقدّم من موقف ضيفيه مُشنفاً أذنيْه بتنبّه وحرص : " إنها ، على الأرجح ، قنابرُ مدفعية الأورطات " .
" أياً تكن الجهة ؛ فإنها لحماقة بالغة الخطورة أن تخرَق الهدنة في وقت وصول القبجي للمدينة " ، قال القاروط بهدوء . هنا ، تساءلتُ بمكر ملاحظاً : " المُفترَض ، أنّ زيارة سعادته ما فتأتْ مكتومة عن أسماع المتحاربين ؟ " . كان الكدَرُ يغشى قسمات الآغا ، حينما راحً يتمتمُ إجابته : " إذا تكلمت المدافعُ ، فالحكمة مُرغمَة أن تشنف أذنيها " .

بعيدَ تناولنا طعام الغداء على مائدة شمّو آغا ، السخيّة ، دعانا الرجلُ إلى تناول القهوة في المنظرة . كانت فيّ رغبة ، حقاً ، برؤية حديقة الآغا ؛ أنا الواجدُ ولهه بالورود والعرائش والخمائل ، إلى صحبَة مهنتي ، المديدة ، لأزاهير العطارة وأعشابها. على أنّ ملاحظة الآغا ، العابرَة ، الموجّهة للقاروط ، عن تملكي لمزرعة على مقربة من أملاكه ، جعلني تأدباً أرغبهما بالذهاب إلى ذلك المكان وشرب القهوة فيه . هكذا توجّهنا بالكروسة جهة الربض ، وكان الوقتُ قد شارفَ العصر ، فيما حرارة الربيع ، المتأخر ، قد آلت إلى الزوال . كذلك كان حال الكدَر الذي هيمَن على المدينة ، والمتأثر بخرق الهدنة ؛ فإنه سرعانَ ما أخلى مكانه للهدوء الملول ، المألوف . بفضل تقصّي الآغا ، كنا خلال الغداء قد أخذنا علماً ، عن كون تلك الحركة ، الطائشة ، متأتية من وجاق الدالاتيّة ، المعيد تجمّع أنفاره في البرّ المُحاذي لأسوار المدينة تحدّياً لأهاليها الذين طردوهم منها . وكنتُ عندئذ قد توجّهتُ إلى القاروط مُستفهماً ، عما إذا كانت هذه القنابر التي إنهمرَت من مدافع الدالاتيّة على الأهالي ، متوافقة ورغبَة الوزير في إبطال مهمّة القبجي .
" نعم أيها المحترم . لقد كنتَ محقاً ، حينما سبقَ وتنبأتَ بأنّ الوالي سيمكرُ على سعادة مبعوث السلطان ، أيّده الله ، بالإدعاء أنّ قواته ملتزمة بالهدنة قطعاً ، ثمّ الإيعاز خفيَة ً للوجاقات بتفجير الوضع مجدداُ . ها هوَ ، فعلاً ، يحاولُ إستخدامَ الوقتَ لمداورة تتيح له ، بوهمه ، القضاء على الحركة العموميّة ؛ وبالتالي ، البقاء في منصبه " ، قال لي البك وهوَ يحدّقُ بتمعّن في عينيّ .

ينبغي لي القول ، أنّ المُهتم بشؤون المزرعة ما كان سوى معاوني في محل العطارة ، وكان قد أبدى رغبته بالإشراف على العمل هنا ، إثرَ الواقعة ، المعلومة ، في سوق العطارين . تابعي هذا ، وأسمه يحيى ، كان فتىً حسن السيرة ، أميناً ، مع فضول شديد فيه للمساهمة بحلّ أيّ عارض أو مشكل يدهمُ تجارتنا ؛ وهيَ المساهمة ، التي كانت تخيب غالباً ، لأنّ صاحبنا كان ذمّياً في مدينة منعوتة بالشام الشريف : إنه بالأصل من برّ صيدنايا ، من ملة الأروام المشرقية ، وقد هجرتْ أسرته تلك الأنحاء بسبب تعدّيات الجند وقسوة الملتزمين بجباية الرسوم . كما كنتُ مؤملاً ، رأيتُ الفتى متواجداً في البيت البسيط ، الملحق بالمزرعة ، والمشغولة عمارته من التبن وخشب الحَوْر . تناهضَ يحيى على الفور لخدمتنا ، فهتف لبعض المزارعين ، العاملين بتصرفه ، ليعينوه على تحضير القهوة ولوازمها . قال القاروط وهوَ يُعاين المكانَ بعينيه الضيقتيْن نوعاً ، المائل لونهما إلى الخضرة المُعتمة : " أعتقدُ أنّ معشبتكَ لا بدّ ومصدرها هذا المكان المؤتلق ، الرائق "
" لم تعُد لديّ تجارة تستحقُ العناءَ ، أيها المبجّل . لقد ذهبتْ الفوضى بكل شيء " ، أجبته بتأسّ صادق . تطلع إليّ الرجلُ عندئذ بدهشة ، ثمّ هز رأسه بحركة غموض ، يُجيدها بشكل جيّد على ما يبدو . بيْدَ أنه لم يستعجل التعليق على كلمتي . فإنّ بصرَه حادَ عن عينيّ ليستقرا فوق رقّ الجلد ، الفاخر ، المضموم بين يديّ ، والمحتوي مفخرة الفرمان العليّ . قال لي أخيراً : " لا بأس عليكَ ، يا صديقي . لقد خلعتَ عنكَ صفة العَطار لتتقمّصَ صفة القبجي " . فكرتُ عند ذلك ، مغتمّاً ، بأنه ربما يسخرُ مني . ولكن كان عليّ ، في ساعة تاليَة ، أن أستعيدَ كلمة القاروط هذه ، على محمل آخر يمتّ حتماً للنبوءة .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأولى والآخرة : مَرقى 6
- الأولى والآخرة : مَرقى 5
- الأولى والآخرة : مَرقى 4
- الأولى والآخرة : مَرقى 3
- الأولى والآخرة : مَرقى 2
- الأولى والآخرة : مَرقى
- الأولى والآخرة : توضيحٌ حولَ خطة التحقيق
- الأولى والآخرة : مقدّمة المُحقق
- لماذ قتلتم مروة ؟
- رؤى
- بحثاً عن طريدةٍ اخرى
- قيثارة الأطياف
- تراتيل
- ترانيم
- الأسبار
- الصفعة في السينما المصرية
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الأولى والآخرة : مَرقى 7