|
ألحريه .. حينما تولد ميته .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2944 - 2010 / 3 / 14 - 17:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ثمة مفردات أضحت مسامعنا معتادة على استقبالها في كل لحظة نرتاد فيها المقهى ، او مكان العمل ، أو يطيب لنا قراءة صحيفة ومشاهدة برامج التلفزيون ، الى غير ذلك من نشاطاتنا الانسانية اليوميه .. بل ان البعض من تلكم المفردات ، راحت تشكل ركنا مهما من اركان مفاهيمنا المتداوله عن السياسة والاقتصاد ، وحتى علم الاجتماع في بلداننا المضطربة أساسا بسبب ذلك الجدل غير المنقطع ، بحثا عن سبل ارتقاء سلالم الحياة المتمدنة أسوة ببقية البلدان المتحضره .
وفي مقدمة ما نسعى لفهمه والتعايش معه من معاني ، هي ( الحريه ) .. تلك المفردة العنيده ، والتي بدت لنا جميعا دون استثناء ، صيغة من صيغ الحلم العام ، حيث تتمحور أمانينا وتتركز مطالبنا .. وبلغ بنا الشوق لنيل الحرية تلك ، حدودا جعلتنا نتنازع على الدوام في كيفية بلوغها والارتقاء الى مكامنها المبهجه .
لقد بدت مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .. الخ من المفردات التي تحمل في مضامينها أشكال معينة لطبيعة السلوك البشري عموما ، وكأنها أحجار للشطرنج تدار من قبل هياكل خفية على رقعة الواقع ، دون أن تسيرها ذات القوانين التي تحكم لعبة الشطرنج الفعليه ، فليس هناك من نهايات يتوقف عندها اللاعبون .. إنها لعبة بلا نهايات تلك التي تدور فصولها في بلداننا على وجه الخصوص ، والدليل على ذلك ، هو أننا ومنذ أن تم تأشير ملامح استقلالنا عن سيطرة مستعمرينا ولحد الآن ، لم نفلح في اختيار نظاما بعينه نقف عنده مساندين ومنتمين ، ولم تتحدد بعد أطر الحرية المنشودة والتي لا زلنا نحاور بعضنا ، ونتقاتل في كثير من الاحيان في سبيل اختيار شكلها ، وكيفية البناء الذي تنتهي عليه .
كل الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز التنوير الديني في بلادنا ترفع في قمم شعاراتها مفردات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، وجميعها لم تحقق جزءا من واحدة من هذه المفاهيم حتى على مستوى بنائها التنظيمي الداخلي ، حينما يقدر لها ان تعتلي منصة اتخاذ القرار .
إن الاشكالية الحقيقية وراء هذا العجز المزمن لدا القوى المؤمنة بالحرية باعتبارها ركنا هاما من أركان البناء الديمقراطي الشامل ، حينما تجد تلك القوى نفسها حائرة ، أمام حقيقة أن الحرية لا يمكن ان تتجزأ وبأي شكل من الاشكال ، وأن أي بتر مهما جرى البحث عن مبررات إحداثه في جسد الحرية ، سيؤدي لا محالة الى احتضار ذلك الجسد وهلاكه مع مرور الزمن
ولكن .. أين نحن من حقيقة ان الحرية ، لابد وان تكون مشروطة بشروط تجعل من ديمومتها متحققة ، وبدون توفر تلك الشروط ستنتهي تجربتها وبذات الطريقة التي تنتهي بها إن تجزأت واختفى احد عناصرها عن الظهور ؟ .. أليست هذه مقولة يرددها الكثيرون من مثقفين وسياسيين وحكماء في بلادنا ، حينما يصار الى وضع مباديء الحريه على بساط البحث ؟ ..
بمعنى آخر ، أية حرية بالضبط ، تنشدها شعوبنا لكي تستطيع السير على طريق البناء الصحيح ، سعيا نحو بناء نظامها المتطور بهيكليته المتلائمة مع ما تفرزه الحضارات المتقدمة في العالم ؟ .. أهي الحرية بلا شروط ، أم تلك التي تحكمها شروط محددة تنظم حركة المجتمع وتخط مسارات انظمته العامه ؟ .. وإن خلصنا الى أن الحرية لا يمكن تشضيتها الى أجزاء وبالتالي فهي عبارة عن نظام شامل متلازم الاطراف ، فكيف لنا ان نضع لها شروطا تحكمها مهما كان نوع تلك الشروط ؟ .
لقد مر الشعب العراقي بشتى انواع الحريات منذ ان قرر إزاحة النظام الملكي باعتباره نظاما كان يمثل مصالح ( الاجنبي ) ، ويسعى لتحقيق اطماعه في ثروات البلاد .. وانبثقت عقب ذلك انظمة بعضها قد منح الحرية للجماهير في ممارسة حياتها السياسية والاجتماعية والتعبير عن شعائرها الدينية والمذهبيه ، والبعض الاخر قام بحز جسد تلك الحرية الى نصفين ، وانظمة اخرى وئدت الحرية بكامل جسدها في التراب لتميته وتشبعه موتا وتدمر من يذكره بخير .. وفي عهود تلك الانظمة جميعها كانت الجماهير تصفق وتصرخ بشعارات التمجيد ، سواء لمانحيها الحريه او لسالبيها على حد سواء .. ولم يتحقق للشعب العراقي ، ولم يتضح بانه سيتحقق على المستوى المنظور، أي مكسب يبيح لنا ان نقرر كون ان العراق قد نال حريته في فترة من فترات تاريخه المعاصر ، عدا عن أن جميع حكامه قد وافتهم المنية بابشع الطرق ، وبصقت عليهم نفس الجماهير لحظة موتهم ونهاية عهدهم المشهود .. وخلال كافة المراحل التي حدثت فيها هزات تغيرت فيها أنظمة الحكم في العراق ، تعرضت البلاد الى خراب عام ، سببه ذلك النهب المتعمد والغوغائي للممتلكات العامه ، وتدمير البنى التحتية ، وسرقة محتويات المتاحف ، وحرق دوائر السجل المدني ومخازن أرشيف الدوائر المعنية بتنظيم العقارات ، وتهديد المصارف ، ومطاردة موظفي القطاع العام .. كل ذلك جرى من قبل جماهير منحت على حين غرة حريتها في التحرك كيفما تريد ، وغابت عنها ملامح الحاكم القاسي والدكتاتور المتجبر . . ولا زالت مراحل هذا التحرك العشوائي قائمة ولحد الان ، بعد ان ذهب ضحيته الالاف من الابرياء ، والذين سقطوا بلا جريره ، عدا عن كونهم كانوا صدفة ليست في محلها ، واجهت مجاميع من البشر المهووسين ، فانتقموا منهم شر انتقام .
ولم يكن الامر في نهايته ، يحمل من الغرابة القدر الكبير ، لو أن ما حدث ويحدث في العراق اليوم ، هو نتيجة الاوضاع الطارئة ، والتي مر بها هذا البلد المبتلى بازماته التي لم تنتهي بعد ، إذ أن الجماهير المنطلقة بحريتها لاختيار ممثليها في البرلمان والحكومه الجديده هذه الايام ، قامت مرة اخرى باختيار ذات الاطراف التي أمعنت بسرقة قوتها وتدمير سبل عيشها طيلة السنين السابقه ، وادارت تلك الجماهير ظهرها وباصرار غريب ، للقوى العلمانية المعروفة بنزاهتها وانحيازها الى صفوف المعوزين ، وتمتلك برامج اكثر وعيا بمتطلبات المرحلة وكفيلة بتصحيح المسار الاقتصادي للبلاد .. ولم تعبر تلكم الشكاوى المستمرة في الشارع العراقي من تردي الاوضاع في البلاد ، عن النية الحقيقية للناخب حين عبأ صناديق الاقتراع باختياراته من جديد لسارقي قوته والعابثين بمقدراته المعيشية ، كي تعود نفس الدورة ولاربع سنين أخرى ، يتحكم من خلالها بسبل عيش العامة من الناس ، نفر لا يمتلكون القدرة على بناء دولة تتسم بتوفر الصيغ الحديثه .
فأين العلة ياترى .. هل في شكل الحرية الممنوحة للجماهير ؟ .. هل في قابلية تقبل تلك الجماهير لمضامين الحرية أساسا ؟ .. أم أن الامر لا هذا ولا ذاك ، وإنما يتعلق بالتركيبة الاجتماعية ( الشرقية ) للفرد العربي عموما ، والتي لا تنزع إلا إلى الانتظام بظل نظام منضبط يحرص على التلويح بالعصى دائما ، ولا يبتسم بوجه الشعب ، حتى لا يطمع بالتصرف على هواه ؟ . ما يترسب في داخلي من يقين ، بعد هذا كله ، هو أن الحرية في محيطنا ، لا زالت طريدة النحس ، لتولد ميتة في كل مرة يقدر لها ان تولد .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزمن العربي .. وسوء التسويق
-
حلوى التمر
-
سلام على المرأة في يومها الأغر
-
مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
-
بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
-
أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
-
نحن والتاريخ
-
بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
-
حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
-
عمار يا مصر ... 2
-
عمار يا مصر
-
نذور السلطان .. 5
-
ما لا يدركه الرجال .
-
نذور السلطان ... 4
-
نذور السلطان ..3
-
نذور السلطان ..2
-
نذور السلطان
-
الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
-
رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
-
رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
المزيد.....
-
شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال
...
-
مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا
...
-
إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح
...
-
في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض
...
-
لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
-
3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
-
الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
-
مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال
...
-
كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
-
واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا
...
المزيد.....
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
-
حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2)
/ جوزيف ضاهر
-
بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول
/ محمد شيخ أحمد
المزيد.....
|