أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - حلوى التمر















المزيد.....

حلوى التمر


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2937 - 2010 / 3 / 7 - 16:10
المحور: الادب والفن
    


كان النهار قد انتصف ، حينما سحبتني جارتنا أم كريم من ذراعي لاصحبها في تنفيذ نيتها بزيارة دار( السيد نور) .. والسيد نور هذا هو احد المنتسبين الى نسل الرسول ، وبذلك فقد وهبته السماء القدرة على معرفة أسباب هموم الناس ، واعطاء الحلول الناجعة لمشاكلهم .. لقد كنت اسمع باستمرار من أم كريم ، المدمنة على زيارة السيد ، بانه لا يخطيء ابدا في معرفة بواعث السحر، وتمكين المصابين بآثاره من التخلص من تلك الآثار .. إنه رجل مبروك ، ويكفي أنه يحمل من درجة القرابة لآل البيت ، ما يجعله قادر على فك طلاسم السحر وابطال مفعوله وبكل سهوله .
كنت منزعجا جدا لاصرارها على مصاحبتي لها في كل مشاويرها الخاصه ، وحجتها دائما هي انها عاقر ، وليس لها اولاد ، وعلي أنا أن أعوضها عما حرمها الله من خلفه ..
- عسى ان يمنحني السيد نور بركته ويأتيني الفرج ... يارب .. امنحني نعمتك وليكن ( كريم ) هدية منك لعبدتك الفقيره .
قالتها وهي لا زالت تمسك بيدي ، فاحس بدفيء تختلط به اشياء اخرى وكفي مندسة بين كتلة لحم ممتلئة ، تشوبها خشونة لذيذة الملمس ، وتفوح منها رائحة الحناء كلما اقتربت من وجهي اثناء مسيرتنا بين اشجار النخيل الكثيفه .
- كيف سيساعدك السيد ياخاله .. هل هو طبيب ؟
توقفت فجأة ، وحررت يدي من رباطها وقالت والخوف يكسو ملامحها :
- اياك وان تعيدها ثانية .. فمن يمسه بسوء ، قد ينقلب الى بقرة او شاة .. واكملت حديثها بعد ان عادت للامساك بيدي واستمرت بالمسير :
- سيد نور هذا هو الذي كان سببا في بتر ثدي ( فهيمه ) بعد ان اصابها المرض الخبيث .. لانها شتمته يوما في حضرته ، وامام ابنه الاكبر .
وجدتني ومن شدة الخوف أتأخر في مشيتي ، فاضطرت هي للتوقف ثانية لمعرفة السبب
- ما بك ياولد ؟ .. ليس لدي وقت ولابد من الوصول في الموعد المقرر .
- انا خائف ياخاله .. لقد نطقت بما لا يرضي السيد .. وانا لا أريد ان اكون بقرة او شاة .
- لا عليك .. فانت لم تزل صغيرا ، ولا شأن لمولانا بامثالك كي يعاقبهم ، هيا .. تحرك .
كانت الطريق بين قريتنا وصومعة السيد نور ، تسير بمحاذاة نهر الفرات ، وتحيط بها من الجانب الاخر اشجار النخيل وبكثافة عاليه ... أزعجني جدا توقف ام كريم بين الحين والآخر ، كلما صادفت واحدة من النسوه ، وكان الحديث هو ذاته في كل مره ، لم يتعدى مكرمات السيد نور وما فعله بفلانة وفلانه .. وكم كنت راغبا برمي احداهن بحجر لاصيب رأسها حينما قرصت أذني بشده بقصد المداعبه ، لقد كانت بعين واحده ، أما الاخرى بدت غائرة في وجهها ولم يعد لها ملامح العين العاديه

تسبب لي وصولي الى دار تقطنها عائلة ( المراقب شاهين ) بخوف اكثر شدة من خوفي من عقوبة السيد نور .. فشاهين هذا هو من كلفته ادارة المدرسة بتنظيم سير الامور في الصف المدرسي ، وهو المسؤول عن الاشراف المباشر والمحافظة على طقوس رفع العلم يوم الخميس من كل اسبوع في ساحة المدرسه ، حيث كنا نشكل طوابيرا يسودها الصمت والخشوع ، بينما يقوم شاهين اثناء ذلك بدفع أي طالب مخل باعراف المناسبه ، ليخرجه عن خط الوقوف الى داخل الساحه ، كاشارة منه بان ذلك الطالب قد أخل بالنظام ، وحينها ستكون العصى بانتظاره .
- سيراني شاهين ويخبر المعلم يوم الغد .
- بماذا يخبره ؟
- سيقول للمعلم بانني العب ، ولا اقوم بكتابة واجباتي المدرسيه واتعرض حينها للضرب .
- لا تخف .. لو فعلها ساكلم امه لتوبخه .. سر بسرعه ولا تؤخرني عن موعدي

أرعبني ظهور دار السيد فجأة أمامي حين ارتقينا تلة صغيرة ، لنواجه هيكل طيني تعلوه رايات خضر ، ولم يكن حينها أحد خارج الدار غير رجل واحد ، راح يمطرنا بنظراته الحاده حال وصولنا بالقرب منه .. همست ام كريم في اذني .. ( عندما نصل قبل يده فورا ، أسمعت ؟ .. انه الابن الاكبر للسيد نور ) .
كنت احاول بلوغ يد الرجل كي اقبلها وبسرعة قبل ان انقلب الى بقرة ، في حين كان هو يسحبها من أمامي ليمسح بها على رأسي ، ويده الاخرى سلمها بارتخاء تام لأم كريم ، كي تلثمها على مهل زيادة في التبرك .
استدار السيد الابن ليفسح لنا المجال بالدخول ، وما إن بلغت عتبة الباب الرئيسية حتى شعرت بيد تقتادني الى مكان آخر غير المكان الذي قصدته ام كريم .. ادخلوني غرفة مفروشة بسجاد كالسجاد الذي رأيته في بيت مدير المدرسه ، يوم اخذتني والدتي الى بيته لطلب معونة زوجته ، كي يعفو عني بعد ان غبت عن الدوام ليومين متتاليين .. لم يكن في الغرفة حينها احد سواي .. الجدران عبارة عن مساحة مغطاة بشتى انواع الخيوط المتدليه ، تتعلق بها صنوف متعددة الالوان من الهياكل الفخارية لحيونات لم ارها من قبل ، وثمة كف يكسوها اللون الازرق ، تتدلى عند قاعدة صورة كبيره لرجل ملتحي ، بدا لي وكأنه يحملق بي ويركز بنظره على مقدمة رأسي ، فيثير في نفسي خوفا واستعدادا للهروب من المكان ، لولا خشيتي مما سيحل بي بعد ذلك .
تحركت من مكاني وسط الغرفه ، غير ان الرجل في الصوره كان يلاحقني بنظراته الحاده ، واحسست وكأنه يريد ان يكلمني أو يأمرني بشيء ما .. ترى هل هذا الذي في الصوره ، هو السيد نور ؟ .. إن كان هو .. فلسوف يصيبني غضبه حتما بالضرر لو تصرفت خارج حدود رغبته .
حاولت الابتعاد عنه بنقل اهتمامي الى جوانب اخرى من المكان ، دنوت بحذر شديد من الباب لارى ماذا يحدث في الخارج .. لم يكن احد في الساحة المقابلة لباب الغرفه ، غير أنني سمعت حديثا متبادلا بين اثنين من الرجال لم يكونا بعيدين عني ، ركزت سمعي فعلمت بانهما يقفان قريبين من الباب ، ولكن في زاوية لم تتح لي مشاهدتهما .. قفزت الى داخل الغرفة خشية ان يراني واحد منهم ، وبعد لحظات وجدتني في شوق لسماع اطراف ذلك الحديث .. عدت ادراجي لاقف بحذر قرب الباب ، لم يصلني منهم سوى قول أحدهم .. ( لا تحاول إقحامها فجأة فيما لا تطيقه .. اصبر عليها وستكون بين يديك في النهايه .. المهم هو أنها بدأت تشعر بالأمان ، والخطوة التاليه ستكون اكثر نفعا .. اصبر ولا تتعجل ) .
وقفزت من مكاني بخفة حين شعرت بان الرجلين قد تحركا من مكانهما باتجاه ما .. ثم ظهرا فجأة امامي على باب الغرفة ، وعيونهما مسلطتان على جسدي الصغير وكأنهما قد علما بسرقتي لاطراف حديثهما الخطير ... كان أحدهما يلف على عنقه قطعة قماش خضراء ، وبيده مسبحة طويله ، ويكسو وجهه إصفرار لم المح مثله على وجوه رجال قريتنا .. بدت حروف كلماته وهو يوجه حديثه لي وكأنها بلا فواصل :
- ما اسمك ياولد ؟
- صابر .
- مع من جئت الى هنا ؟
- مع خالتي
- وما اسم خالتك ؟
- ام كريم .
- اسمها ياولد .. اسمها ما هو ؟
- لا اعرف .. اسمها ام كريم .
- وزوجها ما اسمه وماذا يعمل ؟
- اسمه ابو كريم .. ويعمل نجارا في المدينه .
تهامس الرجلان مع بعضهما بعد ان دنى احدهما من الاخر .
كنت خائفا جدا لكوني لم اصرح باسم ام كريم رغم معرفتي به ، ولم يكن انكاري لذلك في حينها لسبب غير انني تعودت كبقية الصبية في قريتنا بمناداة الكبار باسماء ابنائهم .. ترى هل سيكون تصرفي هذا مثيرا لغضب السيد نور ؟ ..
تخلى الرجلان عني وانصرفا الى حيث لا أعلم ، ووددت لو أنني الان مع ام كريم حيث الاحساس بالأمان اكثر ..
الرجل الذي في الصوره ، لا زال يرمقني بنظارته الحاده أينما انتقلت وسط الغرفه ، بدا لي وكأنه يبتسم لي ، وأحسست بفمه يميل الى يسار وجهه وبحركة تنم عن السخرية بوجودي ، أو أنه يريد ان يقول لي شيئا ما .. ظريف على ما يبدو هذا الذي في الصورة .. وإن كان هو السيد نور ، فأنا أميل لرؤيته شخصيا لاتحدث معه .. ولكن ماذا عساني ان اقول له لو قابلته ؟ .. نعم .. ساقول له فورا .. اريدك ان تعاقب شاهين مراقب الصف .. اجعل بطنه تؤلمه .. لالالا .. اجعله يمرض لمدة اسبوع فلا يستطيع الحضور الى المدرسه .
أفقت من أحلامي على صوت ضجيج في باحة الدار المحيطة بالغرفه .. دنوت من الباب .. استندت على حافته لاظهر صفحة واحدة من وجهي الى الخارج ، تطلعت اولا وبعين واحدة الى هناك .. الى وسط الساحه الواسعه ، ثم وجدتني اخرج بكامل جسدي حينما رأيت خالتي ام كريم وهي تصرخ بجمع من الرجال احاطوا بها وهم يحاولون تهدئتها .. احدهم يقول لها وبصوت مسموع .. ( اسمعي .. لو تطاولتي علينا اكثر فسوف يصيبك ما لا تحبين ، اخرجي فورا فنحن بانتظار زوار من مدينة اخرى سيصلون قريبا .. اعتبري الموضوع وكأنه لم يحصل ، ولا تعودي الى هنا ثانية .. ثم اسمعيني جيدا .. لو شعرنا بانك قد تحدثت بما حصل اليوم خارج هذه الدار ، فلا تلومين حينها الا نفسك ) .
ردت ام كريم عليه وهي تتحرك من مكانها ممسكة بي .. ( لن اعود .. استغفر الله العظيم .. كيف هذا ممكن ؟ .. ستنقلب الدنيا حتما .. يوم القيامة قريب .. )
إجتزنا عتبة الباب الخارجية للدار ، وهي لا زالت تتمتم بكلمات لم استطع فهمها ، بينما راحت كفها ترتجف وهي تحتضن كفي بقوه ..
- ماذا جرى ياخاله ؟ .. هل سيحدث لنا مكروه ؟ .. ماذا فعلنا ياترى ؟ .
- لم نفعل شيء .. اترك الامر ولا تهتم به ولنسرع في الابتعاد عن المكان ..
توقفت فجأة وهي ترمقني محذرة اياي ..
- لا اريدك إخبار أحد بما حدث هذا اليوم .
- وماذا جرى ؟ .. انا لم افعل ما يغضب السيد ..
- طيب .. ولكن السيد اخبرني بانك لو اخبرت احدا بالذي حصل ، فسوف تطالك العقوبه .. افهمت ؟
ورغم كوني لم اكن افهم ماذا حدث لام كريم بالضبط .. غير أنني بقيت ومنذ ذلك اليوم ، احضى يوميا بما تعده من حلوى التمر ، وعيونها لا زالت تقطر توسلا بان استمر باخفاء امر ، لم اكن اعرف عنه أي شيء .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام على المرأة في يومها الأغر
- مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
- بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
- أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
- نحن والتاريخ
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
- حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
- عمار يا مصر ... 2
- عمار يا مصر
- نذور السلطان .. 5
- ما لا يدركه الرجال .
- نذور السلطان ... 4
- نذور السلطان ..3
- نذور السلطان ..2
- نذور السلطان
- الإمساك بأمجاد الماضي ، وحده لا يكفي .
- رساله مفتوحه إلى السيده بيان صالح
- رسالة مفتوحه إلى السيده بيان صالح .
- إرفعوا أيديكم عن المسيحيين في مصر والعراق !
- أفكار من أعماق الذات


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد حمودي عباس - حلوى التمر