جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2922 - 2010 / 2 / 19 - 19:19
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أولُ مرة شكوتُ فيها لأبي رحمه الله عن سوء أحوال التعليم وعن الضرب الذي أتعرض له دون سبب من المعلم قال لي وقتها (إترتح في ملعونك حتى يجيك الألعن منه) , وفعلاً كل أساتذة المدرسة كانوا ألعن من الأستاذ الأول , وكنت وما زلتُ أسمعُ هذا المثل أينما ذهبت ُ وما زلتُ حتى اليوم أتعرض لنفس الظلم والاضطهاد وخصوصاً للحملة الشرسة التي أتعرض لها من شهرين تقريباً وهي نشر مقالات ليست لي باسمي على شبكة الانتر نت في عدة مواقع وكل (يوم بترتح في ملعوني حتى يأتيني ملعون آخر) .
كلما يموتُ قواد من القوادين المحترفين في صناعة الكبت والارهاب يأتينا قواد آخر ألعن من الأولاني , وكلهم مثل أساتذة المدرسة , كانوا أساتذة المدرسة في كل عام يأتون لنا بأساليب جديدة قمعية وإرهابية , وكانوا مثل الحيوانات المفترسة في كل فريسة يحصلون عليها يحصلون معها على فنون جديدة وخبرات جديدة في القتل والتعذيب ,وكمان ما بنحارب الظالم الجديد وإنما بنترتح فيه , والنظرية كلها قائمة على عدم النقد وعلى عدم الاعتراض وعلى عدم المقاومة لأن الاعتراض سوف يؤدي بي لأن أتعرض لمذايقات أخرى , لذلك أينما أذهب اتذكرُ مقولة أبي لي (اترتح في ملعونك حتى يجيك واحد ألعن منه) , لذلك يأتينا في كل مرة قواد أقود من الذي سبقه وأكثر منه ارهاباً, وكلما يموت مسئول فاسد يأتينا مسئول أفضع من الذي قبله فساداً, ويأتينا يوم عصيب جداً كلما قلنا غداً يأتينا الفرج , وكلما فكرنا بالحياة الجديدة نعود إلى فكرة الانتحار , وكلما ذهبت أصوات مزعجة تأتينا أصوات أكثر منه اإزعاجاً, (وترتح يا ولد في ملعونك حتى يجيك واحد العن منه).
وهدأت قبل يومين رياحٌ كانت شديدة ومؤثرة جداً لتبدأ اليوم رياحٌ أشد منها قسوة وضراوة , وانتهت من أسبوع أزمة قديمة لنبدأ أزمة ً جديدة ليس لها أي حل , وكلما فكرتُ أنني سأسدد ديوني أصحو على ديون جديدة , وانتهى من قبل أسبوع منخفضٌ جوي وأمطار عاصفة لتسطع ومن جديد شمسٌ جديدة تنتشرُ في الساحات وفوق أسطح المنازل والأرصفة , وها هو فصل الشتاء ينذرُ بنهايته الحتمية لندخل فصل الصيف الحارق في كل شيء في الأسعار وفي الحياة العامة.
ومات في هذا العام رجالٌ أعزهم جداً وولد لهم في نفس العام ذريةً جديدة من بناتهم وأولادهم من المؤكد أنني سأبقى أعتز بهم , ونسيتُ أحزاني الكبيرة وبدأتُ أشعرُ بأحزان جديدة أكبر من التي مضت وكلما صعدتُ للأعلى درجة أنزل للأسفل ثلاثُ درجات وكلما تقدمتُ خطوة أعودُ للخلف ألف خطوة ٍ, ونسيت حبي الأبدي ودخلت مع نفس الحب مرحلة جديدة أشعرُ فيها أنني سأنتهي نهائياً , وانتهيتُ من قراءة بعض الروايات العالمية لأسرد في النهاية لهذا العالم روايتي عن أهلي وعن نفسي المغبونة جداً وكفكفتُ دموعي لكي تتساقط من جديد دموعٌ جديدة لي على الماضي والحاضر والمستقبل , وعدتُ أقرأ شخصية السيد المسيح من جديد لأبحث عن خلاص حقيقي من ذنوبي وذنوب العالم ,(وترتح يا ولد في ملعونك حتى يجيك واحد ألعن منه).
وكنتُ أراقب طوال فصل الخريف سقوط أوراق الشجر وظهور أوراق جديدة وأغصان جديدة على نفس الشجرة,ونبتت في مكان الأوراق التي سقطت آلامٌ جديدة وفُتحتْ جروحٌ جديدة وكنتُ وما زلتُ أنتهي كل يوم من كتابة مقالات جديدة لأبدأ بكتابة مقالات جديدة لذلك أنا أنامُ مبكراً لأصحو مبكراً مستنشقاً هواء جديداً وحبراً جديداً وعطراً جديداً, وتموتُ ملايين الخلايا في دمي وجسمي من شدة الألم لتولد مكانها ملايين جديدة من الخلايا تتجددُ معها أحزاني وآلامي الكبيرة.
وأحياناً يموتُ الكبار من أجل أن يعيش الصغار, وأحياناً يضحي الصغار بحياتهم ثمناً لحياة الكبار , وتنتهي قصص ملكات الجمال لتظهر في نفس اليوم ملكات جمال أقل منهن جمالاً وأحياناً أكثر منهن جمالاً وتنتهي حضارات عريقة لتظهر مكانها حضارات أكثر منها عراقة والتطور مسألة حتمية دائماً في تقدم وفي طفرات جينية ولا يعني الجديد أنه الأفضل , والمهم والأهم أن هنالك فطاحل متفننون بموتنا وإحياءنا من جديد لنذوق عذابات جديدةٍ وآلامٍ جديدة.
وتنطفئ الحروب في دولة لتشتعلَ في دولة مجاورة ويتوقف زلزال عن الاهتزاز في مكان ٍ ما ليهتز في مكان ما آخر من أجسامنا ففي أجسامنا آلاف الهزات النفسية والعاطفية والوجدانية فكل يوم تغزونا هزةٌ جديدة وكل يوم طوفان جديد وسيول جديدة تفورُ فيها دماؤنا فورة, وينتهي موسم العنب والتين في بلاد الشام ليبدأ في بلاد أخرى من العالم دون أن نذوق طعم التين والعنب في بلادنا لا ولا حتى المستورد وتأتي مواسم الفرح وتذهب دون أن نشعر بها وتبدأ مواسم ثقافية يشاركُ فيها كبار الأقزام ويستبعدون منها العمالقة الأوفياء , وينتهي موسم البطيخ في بلادنا ليظهر في بلادٍ أخرى , والنتيجة أننا عشنا موسم البطيخ والد راق كما عشنا موسم التين والعنب.
ويموت فيلسوف ليولد في نفس اليوم فيلسوف أخرفي بلد آخر تقام الاحتفالات له ويأخذ أفضل جوائز التكريم , ويولد في بلادنا عبقري كبير ويولد معه عدوه وجلاده وسجانه من نفس الجيل والبلد , فأعداء الفلاسفة والمفكرين فلكل عبقري أعداءه وأصدقاءه ومعارضون وموالون , إلا في بلادنا فلا يوجد للفيلسوف غير الجلادين والسجانين, ويولد مطرب عظيم ويولد معه موسيقار عظيم ليصنع له أعظم المعزوفات وفي بلادنا يولد معه أعظم المضطهدين له, ويموت موسيقار كبير ليولد مكانه موسيقار آخر مجدداً في عالم الموسيقا, ليعيش قصة عذاب أخرى وصراع مرير بين الثقافة وأنظمة الحكم الفاسدة , ولولا موت العباقرة لما كان هنالك تجديد ولو أن العباقرة يخلدون للأبد لتوقفت البشرية عن التطور لأن الأمزجة ستبقى ثابتة وغير متنوعة, وفي النهاية يولد الفيلسوف ليعيش قصص العذاب .
إن مجمل الحضارة الشعبية وغير الشعبية أي الحضارة المدنية والشعبية كلها قائمة على أسس مختلفة من التنوع فالتنوع هو الازدهار وهو التشكيلة التي تضيف على حياتنا رونقاً وسروراً , ولكن المائدة التي نأكلُ عليها الثقافة لا تحتوي إلا على نوع واحد من الخبز ونوع واحدٍ من الصلصة , فالناس أمزجتهم وطبائعهم مختلفة عن بعضها البعض لذلك تحتاج الناس إلى التنوع الأفقي في إطارٍ من الوحدة العمودية ومع كل هذا نأكلُ غصباً ونشربُ غصباً وننام غصباً وننكحُ غصباً, ولا توجد عندنا تفرقة بين الصديقة والعاهرة.
ومن ناحية موسيقية نحن بحاجة إلى التميع والتجدد والأصالة والمعاصرة وذلك من أجل تلبية طلبات المجتمع بما في المجتمع من مشارب مختلفة وأذواق مختلفة.
وأحياناً تنتحر الجميلة عند إحساسها بأنها بدأت تفقدُ بريقها وتغادر الحياة قبل أن تأذن لها الحياة ,وكل ملكات الجمال يمتن قبل أن يأت موعد الموت , ويصبن بالعنس قبل موعد العنس , ويأتيهن المرض قبل موعد المرض, وتموت ملكات الجمال بنفس العام الذي يولدن فيه, تماماً كما تنتحرُ الحيتان على الشواطئ الرملية.
وتجف البحيرات عند توقف جريان الأنهار, وتفيض بعض العيون بالدموع كما تفيض السدود المائية في فصل الشتاء,وتصبح الحضارات المدنية العريقة في نظر الحضارات الجديدة عبارة عن حضارات شعبية قديمة ومتلاشية وفلكلورية الشكل والمظهر.
وتخلع الأفاعي أثوابها القديمة لتلبس أثواباً جديدة , ويتمدد البحر لينكمش القمر أو ينكمش القمر فيتمدد البحر , وتصحوا أناس في آسيا من نومها على أصوات النار والمتفجرات والبارود لتنامَ أناسٌ جدد في القارة الأمريكية على أصوات من الموسيقا الهادئة, ويتوقف المطر عن السقوط في بلادنا دون أن تظهر له نتائج مدوية فلا أنا شربت وارتويت ُ ولا غيري ذاق طعم الماء الوردي , ويذهب المطر ليبدأ الهطول في بلاد أخرى تظهر معه نتائج أخرى كلها مفرحة فنحنُ أنا وغيري للهجرة إلى بلاد يسقط فيها المطر بشكل طبيعي وتنبتُ فيه الأزهار والأعشاب بشكلٍ طبيعي وتنامُ فيه الناس بشكل طبيعي ,وينتهي عندنا فصل الشتاء قبل أن نأذن له بالانصراف ليظهر فصلٌ جديد في جهة جديدة من العالم ,وتسقط الحضارات والمدن لتظهر حضارات ومدن جديدة , ويموت الملوك ليولد ملوك جدد , وتنقرض المخلوقات لتظهر مخلوقاتٌ جديدة , ويموت باسم الحب آلاف المتطوعين من أجل أن تولد كراهية ٌ جديدة , وتنغرسُ السكاكين في قلوب الأبرياء , وينهض النيام من غفوتهم لينام نيامٌ جدد, ويخرج من السجن آلاف المساجين ليدخل مكانهم مساجين جدد , ويموت الظالمون ليولد ظالمون جدد , وتنتعش القلوب وتفرح لتحزن قلوبٌ كثيرة , وتبدأ دورة الحياة بالتجدد عندما تموتُ دورة قديمة .
ويتقاعد المسئولون الإداريون المترهلون من وظائفهم ليخلفهم مسئولون جدد مترهلون أكثر منهم, وتموت زهور كثيرة لتولد في مكانها أشواكٌ جديدة, ويدافع الأبطال عن أوطانهم ليعيش الجبناء ويبيع كبار الأدباء كتاباتهم ليصعد مكانهم أدباء مثل الطحالب يعيشون على قمامة الآخرين.
وتحط الطائرات في المطارات لتقلع من نفس المطار والمدرج طائراتٌ جديدة , وتنتهي موديلات لتظهر موديلات جديدة , فتذهب مئات الأشكال من الملابس لتصبح قديمة ومستهلكة وهي ما زالت في فترة نمائها , وتبيع الناس موبايلاتها الجديدة لتصبح قديمة وهي ما زالت تعمل لتقتني موبايلات جديدة, وكذلك السيارات يذهب موديل ثم يأت موديل آخر ثم يذهب ذاك الموديل ليأت محله موديل آخر أكثر منه رونقاً وجمالاً, وتهاجرُ العصافير من أوطانها لتموت غريبة في أوطان الهجرة , وتغادر العقول العربية من المدن العربية لتعيش حياة أخرى في بلاد ليست بلادها , وتجف الأرض لترتوي أرضٌ جديدة في مكان آخر من الكُرة الأرضية , ويتخرج من الجامعة طلاب لا يعرفون شيئاً عن المجتمعات المدنية ليدخل مكانهم طلاب جدد يتخرجون كما تخرج أسلافهم, وتنتهي رائحة بعض العطور لتنتشر مكانها رائحة عطور الموت ويموت الحب القديم ليولد مكانه حبٌ أسوء منه , وتموت ألحان موسيقية قديمة لتولد ألحان موسيقية أقدم من القديمة, وتهبط أسعار بعض السلع لترتفع مكانها سلعٌ جديدة بأسعارٍ جديدة , وتتلاشى في الفضاء مذنبات كبيرة وطاغية لتظهر مكانها مذنبات جديدة في أسلوب طغيانها , وتفترس الحيوانات بعضها بعضا ويفترس البشر بعضهم بعضا وتولد أناس من أجل أن تكون مفترسة وتولد أناس من أجل أن تكون ضحية وتولد أناس من أجل الإحساس بالألم وتولد أناس من أجل الإحساس بالسعادة وتغيب شمس اليوم لتظهر شمس الغد من جديد على نفس المواويل القديمة والذي ننام عليه نصحوا عليه والألم ما زال في مكانه والجرحُ ما زال مفتوحاً ويتسعَ في كل يوم بمقدار أحلامنا وآمالنا, وينتهي يوم ليولد يوم وتمضي ساعة لتأتي ساعة ويختفي شهرٌ قمري ليظهر مكانه شهرٌ قمري آخر , وتخبو نار ٌ قديمة لتشتعل نارٌ جديدة أكثر منها فتكاً ويموت نجمٌ ظالم ليظهر مكانه ظالمٌ آخر وتحترقُ المشاعر البليدة لتولد مكانها مشاعر أكثر بلادة وتموت خلايا انتقامية ٌلتعيش خلايا لها أسلوب جديد على الانتقام , ففي كل يوم يتعلمُ فينا الظلمة طريقة جديدة لقتلنا وكلما قتلونا كلما أضافوا لأنفسهم خبرات جديدة في أساليب القتل والتعذيب, وفي النهاية يموتُ الأقوياء ويعيش الضعفاء , ويموت المبدعون ويعيش المخربون , والقوي يصبحُ ضعيفاً بفضل عوامل التعرية , والضعيف يصبحُ قوياً بفضل عوامل التستر عليه ودعمه في البر والبحر والجو والضعيف يصبح ثخيناً والطويل يصبح قصيراً والقصير يصبحَ طويلاً والمربع يصبح دائري والمثلث الشكل يصبح اسطواني والاسطواني الشكل يعود مثلثاً, وينقضي عام كئيب ليأت عامٌ جديد في الكآبة والحزن, وتنتهي روايات عن قصص اضطهادنا وتظهر روايات جديدة عن أبطال جدد كلهم مثلنا ولدوا في عصرٍ ليس عصرهم وعاشوا في وطنٍ ليس وطنهم وفي زمنٍ ليس زمنهم ,وتنتهي القصص القديمة لتظهر قصص جديدة من الذل والاستعباد وشتى وسائل الملاحقات والقهر ,ويذهب الليل ليأت ليل آخر أكثر منه سواداً و اليوم الذي يذهب لا يأت مثله أبداً ويموت النهار ليأت الليل , ونرفع عن الأرض مائدة السموم لنضع مكانها مائدة طعام سموم ٍجديدة , ونخلع ملابس الفرح لنلبس ملابس الحزن وتنهار عمارات كبيرة لتظهر مكانها عمارات جديدة , وتموت العمالقة لتعيش الأقزام.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
