هل تنهى صلاة المسلم عن الفحشاء والمنكر ؟

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2909 - 2010 / 2 / 6 - 19:52
المحور: المجتمع المدني
    

كنت أسمع وأنا حديث العهد بحياة الناس من أن رجلاً كان لا يقبل أن يدخل المسجد ولم يكن شيوعياً ولا نصرانياً ولا يهودياً , فكان الشيوخ يقولون له : صلي عشان بكره بس اتموت نوخذك على المسجد وانصلي عليك بعين قويه , فكان يرد ويقول :

بكره بس أموت حطوني بشوال وزتوني على الوداي من فوق أعلى جبل , وقيل أن هذا الشخص قبل موته بعام واحد صلى وصام وحسن اسلامه وعمله .
علماً أن أعماله وهو يصلي لم تختلف أعماله عنه وهو لا يصلي أو أن صلاته لم تغير من طبيعة الرجل شيئاً , وكذلك المصلون كلهم فالصلاه لا تنهاهم عن أي شيء يرغبون بمزاولته .

أنا لا أقولُ بأن الصلاه للمسلم لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر , وإنما سلوكه الذي أمامي والذي أراه يدلُ دلالة واضحة أنه لا ينهاه عن الفحشاء والمنكر , وهذا ليس بشهادتي أنا شخصياً وإنما بشهادة تلامذة أبي حنيفة النعمان كما سنرى بعد قليل .

دائماً أسمع الشيوخ يقولون ويرددون : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .

وهذا الكلام من ناحيه نظريه لا نستطيع أن نقول عنه أي شيء ولكن من الناحية العملية نستطيع أن نقول عنه الكثير الكثير من عدم ملامسته لأرض الواقع , فكل المصلين يكذبون ويزنون , والمشكله في وجود باب التوبه المفتوح فهذا الباب يجعل المؤمن دائم الارتكاب للرذائل , فنجده طوال السنه يكذب ويسرق ويظلم الناس وفي شهر رمضان يجوع من الفجر حتى المغرب , ويعذب نفسه من أجل أن يكفر عن ذنوبه بحقنا , وبصراحه المعادله مش داخله مخي , كيف واحد بظلم وبكذب وبسرق وبصوم رمضان وبعذب نفسه عشان الله يبعد في كل يوم النار عن وجهه سبعين خريف , مش كان الأولى في هذا المسلم في رمضان أن يصارحنا بعدد الكذبات أو على الأقل يتصالح مع نفسه وبدون ما يقول لينا أنا سرقت وكذبت , حتى الزكاة التي يدعيها من المستحيل عليه أن يؤديها كاملة النصاب وأتحدى كل أصحاب العمائم بأن يثبتوا لنا عكس ما أقول .


وحين غنى أحد المطربين الأردنيين أغنية (عبد القادر على البيادر) قامت الدنيا وقعدت ووقف له الشيوخ أمام مسجد حارتهم ومنعوه من دخوله للصلاه , ومنع من الغناء ومن حضور الحفلات وحُرم من الدعوات كما هو جهاد العلاونه محروم من عام 1998م من حضور أي نشاط أو من دعوته لأي نشاط ثقافي, وعلى كل حال كان ذنب ذلك الفنان أنه قال :

عبد القادر ع البيادر

ناصب شادر للزينات


عبد القادر قوم صلي

ماني قادر

عبد القادر قوم إتجوز

آه هسع قادر .


يا حلالي وافتحيلي

بس الليله خلني أبات


ما بفتحلك روح لهلك

قوطر لهلك للممات.


يا ابن عمي ظلك يمي

وهكل همي للممات


ياابن خالي ضل اقبالي

لا تنسالي هالعادات.

عبد القادر قوم صلي

ماني قادر.

وطلبوا منه الاعتذار وتبديل الكلمات وفصارت الأغنيه:

عبد القادر قوم (ذَري) بدل قوم (صلي) والتذرايه هي تطيير حبات القمح والشعير في الهواء , علماً أن كلمات الأغنيه من التراث الشعبي الأردني والفلسطيني , ولا أدري ما العيب فيها , لقد صور الفنان حالة عبد القادر وأي شخص آخر في حالة النفور من الأعمال التي لا يحبها وإقباله على الأعمال التي يحبها .

انا بصراحه ما بصليش , ولكن أتحدى كل الناس الذين يصلون خمس أوقات بأن يمسكوا على لساني كلمه كاذبه , وأنا لا أصوم وأتحدى كل الناس إن رأوني قد سرقت أو قطعت على أحدٍ الطريق , وأنا ما حجيت (حكيت) لبيت الله ولكني أتحدى كل الذين حجوا (حكوا) لبيت الله أنهم ما رأوني يوماً أكيد لأحد .
سمعت ذات مره من أن أحد أقربائي لم يكن يصلي أيام الحكم العثماني لبلاد الشام وقد جاءه ذات مره (الجابي) وكان في ذلك الوقت للجابي سلطة كبيره فكان يأت ومعه حرس وعسكر قضائي تنفيذي ينفذون قراراته بخصوص المتخلفين عن دفع الضرائب , وحين حضر الجابي أخذ من كل شخص ضريبة على قدر الأرض الممنوحة إليه وعلى قدر المواشي التي يملكها , فلما سأل عن قريبي قال له الناس : هذا ما بدفع ولا حتى بقعد مع الناس ولا حتى كمان بصلي , يعني بحياته ما كان يوجه وجهه للقبله , فأرسل في طلبه فلما حضر سأله الجابي :

-بتصلي يا بو مرعي ؟

-لا.

-ليش ما بتصلي ؟ انت قديش عليك ضريبه ؟

-80 قرش يا طويل العمر .

-شوف يا أبو مرعي : انا عفيتك من ال 80 قرش هذي السنه والسنه اللي جايه علينا بشرط أن تصلي , ماشي ؟.

-طبعاً ماشي وشكراً إلك.

وفي العام القادم حضر الجابي وطلب رؤية أبو مرعي وسأله أن يدفع الضريبه , فاستنكر أبو مرعي وقال : انت وعدتني إذا بصلي ما توخذش مني الضريبه , فقال الجابي : لالا أنا هيك كنت بعمل خير على شان اشجعك واتصير اتصلي وتعرف ربك.

فقال أبو مرعي : طيب ما أنا أصلاً لا بكذب ولا بسرق ولا بزني ولا ...ولا ..وكل هذول اللي شايفهم بصلوا وبسرقوا وبقتلوا إذا سنحت لهم الفرصه, وأنا أصلاً كنت عارف إنك جابي هامل وابن هامل وصدقني إني طول السنه ما صليت يوم واحد أو فرض واحد وأنا على وضوء , صدقني كنت أصلي بالناس وأإم فيهم من غير وضوء , عشانك زلمه هامل ومش راح اتكون صادق معي .

وهذا ما كان يحصل مع الشعوب التي فتحها المسلمون أقصد البلدان التي فتحها المسلمون , كانوا يصلون ويدخلون في الإسلام من أجل التهرب من الضرائب والمكوس .
صلاة المسلم مش دليل كافي على نزاهته , ويا ما في ناس بدخلوا المسجد خمس مرات في اليوم وفي نفس الوقت بسرقوا خمس مرات في اليوم , وفي ناس بتصوم رمضان 30 يوم وبكذبوا 30 كذبه في كل يوم , وفي ناس بتبادلوا بنساءهم مع ناس آخرين في نهاية شهر رمضان أي في ليلة الوقفه , وفي ناس بحجوا في حياتهم للبيت المعمور أكثر من مره وبتوبوا في حياتهم أكثر من مره والنتيجه هي الكذب والدجل في كل مره .

اليوم في ناس حكولي إنت ما بتصليش يا أستاذ أبو علي فقلت لهم تلامذة الإمام ابو حنيفة النعمان كان يقولون صلاة المؤمن وقيامه وسجوده وصيامه والتزامه مع الله لا يعني هذا أن المسلم لا يكذب ولا يسرق فجادلهم الشافعي فقال : الآيه القرآنيه تقول : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات , والواو هنا ليست واو فصل جملة عن جملة , فلا يجوز أن يكون المؤمن مؤمناً ولا يعملُ صالحاً, بل هي واو عطف جمله على جمله.

وسواء أكانت عطف جمله على جمله أو واو فصل فهذا لا يعني شيئاً مقابل مراقبتنا للسلوك السوي للإنسان المؤمن بأي ديانه , سواء أكان مسلماً أو حتى بوذياً , فكل الناس تصلي وكل الناس تصوم أو غالبية الناس تصلي وغالبية الناس تصوم وغالبية الناس لديها نيه للحج أو لأداء فريضة العمرة , وكل هؤلاء أو غالبية هؤلاء يزنون ويسرقون ويكذبون ويقتلون ويخدعون ويتآمرون على بعضهم البعض ويكيدون للناس ويكذبون على الله وعلى الناس وعلى أنفسهم .
من الملاحظ أن سلوكيات الناس مخالفة كثيراً لما يفعلونه وهذه ازدواجيه في الشخصيه.

السلوك السوي للشخصيه السويه الاعتباريه له قانون واحد وهو كما قال فرويد : تطابق المنظومه المعرفيه مع المنظومه السلوكيه للفرد, يعني لا يجوز لي أن أحارب الفساد وأكون أول المفسدين ولا يجوز لي محاربة السرقة وأكون أول من يخرج من بيته متلصصاً في جوف الليل, وإن كان سلوكي مغايراً لمنظومتي (الإبستمولجية) المعرفيه ومخالفاً لها فهذا يعني أنني شخصيه غير سويه أو دجال أحتال على الآخرين.

وطالما أننا جميعنا نعرف بأن السلوك العام للناس لا يتطابق مع منظومتهم المعرفيه , فلماذا نصر على أداء الصلاه وهي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي والكذب والدجل وكبت حياة الناس وإكراههم على قبول الواقع العام ؟
نظرياً كل شيء مقبول ولكن عملياً كل ما نقوله غير مقبول .

لقد كان الدين ضابطاً للنفس البشرية في فترة غياب القوانين العامة وكان مفسراً للكون وللإنسان في فترة غياب العلم , وكان الدين يحل محل العلم والتنوير واليوم تقدمت العلوم وتطورت الحكومات وأصبحت قادرة على ضبط حياة الناس وكلما تقدم الانسان في الحضارة كلما أصبح قادراً على توجيه نفسه وعلى التحكم بنفسه وعقله وعواطفه , فقط الشعوب المخلفة هي التي تحتاج إلى الدين اليوم من أجل أن تحكم نفسها لكونها عاجزة عن تطوير القوانين الملائمة للطبيعة الإنسانية , فالإنسان اليوم بحاجه إلى الحريه والتعبير عن نفسه وبحاجه لأن يشبع طبيعته حتى لو كان مثلياً جنسياً.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل