جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 00:18
المحور:
كتابات ساخرة
حين تدخل سوق الخضرة الأردني في أي محافظة تشعر وكأنك على رأس جبل عالي والباعة في قاع وادي منخفض جداً وغوير وبعيد جداً لأنهم ينادون عليك وعلى بضائعهم بأصوات عالية وسريعة تشبه سرعة طائرة الكونكورد أيام عصرها الذهبي , وهذا ليس أسلوباً حضارياً , والغريب أن أسعار كل شيء مكتوبة على كل جنس ونوع من خلال آرمات خشبية , وحين أدخل سوق الخضرة(الحسبه) أبقى طوال مدة تواجدي خائفاً قلقاً على مصيري وتنتابني نوبات من الاكتئاب المصاحبة للقلق الزائد , وكثيراً ما أقول للذين يصرخون بأعلى صوتهم : يا أخي وطي صوتك والله العظيم إني سامع أنا مش اطرم وحافظ كل شيء عن غيب وكمان بدي أسمعلك كل شيء -وكأني في مدرسة قاعد في الصف باخذ درس محفوظات -وحتى تقتنع إني سامع هاك اسمع مني يللي امعذبني :
البندورة في 40 قرش وال3 كيلو بدينار .
البطاطه ب 60 قرش والبكسة في 4 دنانير .
ضمة البقدونس ب10 قروش وال 6 ب 50 قرش.
الخيار :ب 60 قرش والبكسه من غير نقى ب 4 دنانير .
ومردود النقى في كل شيء على اصحابه.
والله العظيم إني حافظ الدرس عن غيب , من أول ما دخلت أحفظت عن غيب .
لا ومش بس هيك وكمان الطريق بين المحلات التجارية يغلقونها من خلال وضع عربات محملة بالبضائع في منتصف الطريق , ويا دوب تقدر تمرق من هنالك ولو كانت معاك زوجتك أكيد رايحه تتعرض للعبث من الخلف من الصبيان والزعران وهلما جرا , يعني فوتتنا على الحسبه تثبت لنا كم نحن شعوب عربية متخلفة وجائعة وعدوانية وهشة ومريضة أخلاقياً ونفسياً واجتماعيا ومتراجعة علمياً , وأحياناً بشاهد على شاشة التلفزيون أو السينما أفلام اجنبية بعرضوا فيها عن غير قصد أسواق الخضره يعني إشي بجنن جداً وبخلي الواحد يسب على حاله ويندم على اليوم اللي ولد فيه في دولة عربية.
في كل سوق خضره من أسواق الخضار في الأردن أناس متخصصون بصناعة الضجيج بل وهنالك على ما أظن منافسة شديدة بين الباعة وبين صُناعْ الإزعاجات وبس الواحد يدخل على أي سوق للخضره بشعر وكأنه في ساحة معركة وقتال وأصوات الميازين وكأنها أصوات للسيوف , وسكاكينهم التي يحملونها أشعرُ وكأنها رماح حربية , وفعلاً هذا الكلام لا أبالغ فيه ورأيتُ أو شهدتُ مرة معركة بين أصحاب البسطات وبين بعضهم البعض أي الذين يبيعون على بسطات خارج المحلات التجارية تناثرت فيها حبات البندورة والبطاطه والفواكه على الأرض وسالت دماء كثيرة ونقل الجرحى إلى المستشفيات الحكومية والخاصة , وتتعالى الأصوات في الأسواق بشكل فضيع جداً , وبس أدخل على ساحة سوق الخضرة فوراً يرتفع صوتاً في أذني ووجهي مثل القنبله وهو يقول : بثنعععععععش12, وآخر يرد عليه : بحدعشششششششششش,11, وهنالك أصوات تقول : ثلاثه كيلو بدينار , أربع كيلو بدينار , على دلوينك , علماً أن جميعهم يضعون قارمات(آرمات) على كل بسطة من بسطات الخضرة ولكن لا أدري لماذا تتعالى هكذا الأصوات , وبعضهم يحضر أناس شغيله أصواتهم جهورية وعالية لكي يغطوا بأصواتهم على أصوات التجار المنافسين والمجاورين له , وصدقوني أنني كلما طلبت مني زوجتي الذهاب للحسبة (سوق الخضار) لشراء الخضار أشعرُ بالغثيان وأرتهب أي أشعرُ بالرهاب العصبي جداً وأختنق جداً وأشعرُ بالدوار ويصبح رأسي يؤلمني وأشعر بالغثيان وبالاشمئزاز كلما ذهبتُ إلى أسواق البائعين , وأتخيل ُ نفسي وأنا مثلاً في سوق (البقدونس) أنني في موقعة حربية وأصوات العيارات التي يكيلُ بها التجار وهي تصعد وتنزل في الميزان أشعر فعلاً وكأنها طابة (جولف) .
واليوم ما رحتش على الحسبه بس الحسبه هي اللي أجت علينا على باب الدار , والبكمات من الصبح وهي رايحه وجايه في الحاره وكأنها في عرس وماشيه في زفة عرسان , هذا طبعاً خلاف بكبات(بكمات) الغاز والكاز الجواله , يعني بروح بكب الطماطم بيجي بكب البرتقال وبروح تاع البرتقال وبيجيك تبع الكاز أو الغاز ويا عيني على صوت اجرار الغاز وهي ابتدحل دحل في الشارع , وبروح تاع الغاز بيجيك تاع الموز بده يبيع ويخلص بسرعه , وبتعرفوا إنها كيلو الموز الصومالي في الحسبه المركزيه ب 80 قرش وأخينا بالله ببيعنا إياه ب 30 قرش يعني أكيد مليون بالميه )بالمائه) إنه سارقه سرقه , والناس بهمهمش بشتروه أثناء خروجهم من المسجد بعد الصلاه , وبس اأكون في الدار واسمع صوت بطلع للخارج بفكر في شيء حصل ولكن أتفاجأ بمنظر البكبات وأصوات الباعة فآخذ نفساً عميقاً وأقول : ول كل هذا الصوت على شان واحد ببيع بندوره ؟!! جيد ما فيش أي مشكله بس الصوت اللي كان يجعر كنت أعتقد إنه صوت واحد ببكي على واحد ميت أو صوت مره طلقها جوزها أو صوت واحد بنادي على ولد ضايع اسمه (خيار) أو بندوره أو قرنبيط , أي عيشتنا بتزهق الواحد حاله , عن جد كنت أعتقد في الصوت الصادر من الشارع كنت أعتقد إنه صوت واحد لاحقيته عصابه زي ما بنشوف في الأفلام أو واحد مطخوخ أو واحد بنادي على ولد .
و سمعتُ اليوم صوتاً عالياً أو أصواتْ عاليةً وكانت تلك الأصوات تقول : ب 30 قرش وبس , وكان صاحب الصوت يعمل مرةً على مد كلمة بسسسسسسس ومرةً على مد كلمة ثلاثيييين, و كنت أجلس في الحديقة المنزلية وهي تقع خلف الدار وتطل على شارع فرعي ,أما وجه الدار من الجهة الأمامية فيطلُ على الشارع الرئيس , وكنتُ أجلسُ في المرجيحة (الأرجوحة) التي صنعتها بنفسي ومن حولي أشعلتُ ناراً ووضعتُ فيها بعض حبات البطاطس(البطاطة), وتكرر الصوت العالي لأكثر من مرة مما دفعني للنزول من المرجيحة للخروج خلف الصوت أو الأصوات العالية وحين وصلت الشارع الرئيسي وجدتُ الجيران والناس كلهم مجتمعون على سيارة (بكب) تبيع الخضروات , وقبل أن أقترب من السيارة نظر لي صاحبها وصاح بوجهي صيحة كادت أن تقطع خلفي وقلتُ بيني وبين نفسي : كويس إني خلفت وأنجبت أولاد من زمان, ول..ول..شو هذا الصوت , وقبل أن أقترب منه صاح مرة أخرى وقال :ثلاثين قرش البطاطه , وكان يمد كلمة البطاطة مداً ويقول : البطااااااطاه, فقلت له :
-مرحبا خال .
-أهلين وسهلين أهلاً وسهلاً شرفتنا أكثير.
-مع مين ابتحكي انت ؟
-بحكي معك وبرحب فيك.
-شو بترحب في؟ أي هو كاين الشارع شارع أبوك ؟ أو انت مشتريه وأنا ما بدري ؟
-له له له يا جار .
-وكمان صاير جاري وأنا ما بدريش؟
-يا رجل البطاطه بالسوق تاع الخضروات بأربعين قرش وأنا من الصبح حلفت يمين إني ما أبيعها غير في 30 قرش.
-ياخي وانا مالي ب 40 ب 50 ب دينار أنا شو دخلني تيجي تقف على باب داري وتصرخ بأعلى صوتك ؟ أنا فكرت واحد دعسته سياره أو قنبله انفجرت على باب الدار , ارحمونا ..
وأثناء حديثه معي تركني ووضع يديه الاثنتين على فمه من اليمين ومن اليسار وصاح في الشارع : بثلاثييييين قرشششش...لحق على هونك على دلوينك على السياره يا أبو لعيال, فقلت له مقاطعاً تعال وينك انت كيف تركتني أحكي معك وصرت اتصيح في الشارع؟انت مش عارف مع مين ابتحكي ؟
-يا رجل على حسابك البطاطه وصاحب البطاطه , أقلك؟ خذها ب25 قرش مش خساره في واحد محترم مثلك.
- شو يا رجل أنا عندي بالدار البطاطه من كثرها محطوطه بشوالات , أنا بس بدي أسألك لويش صوتك عالي؟
-عشان أبيع؟
-ويعني حضرتك بتبيعش البطاطه غير وصوتك عالي.
-عشان الناس تسمع .
-وهذول الناس بسمعوش؟طرم ؟ عميان؟ خرسان ؟
-لا بسمعوا ..بس عشان يعرفوا .
-وشو بدهم يعرفوا ؟
- عشان يعرفوا إني معاي بطاطه.
- يا رجل انشا الله عنهم ما عرفوا ولا ذاقوا البطاطه , يا رجل بس اسمعت صوتك اطلعت أركض فكرت في حدى مات , أو حدى انقتل , أو حدى أجته رصاصه طايشه , أو وحده جوزها أجته سكته قلبيه , أو واحد بهاوش , انت بتهاوش ؟
- لا أنا بياع ..انا لا بهاوش في حدى ولا حدى بهاوش بي ولا إشي.
وتدخل الواقفون المشترون للبطاطه وقالوا : شو مالك يا أبو علي الزلمه مش قايل إشي .
-كيف يا جماعه مش قايل إشي , أي صوته خزق طبلة إذني , بعدين قمت من عز الراحه كنت آخذ حمام شمسي وانا نايم ومسختن على الآخر في المرجيحه .
البائع: يا رجل ولا يهمك مره ثانيه بجيب مسجل صوت وشريط كاسيت وبصير أنادي على الناس من خلال مسجل الصوت.
-يا رجل أنا مش هون مشكلتي أنا مشكلتي لازم يكون في إسلوب حضاري للبيع وللشراء مش معقول هيك أنا مش عارف انت بتبيع خضره ولا بتهاوش؟
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
