أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)12















المزيد.....

قفل قلبي(رواية)12


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 21:44
المحور: الادب والفن
    


الورقة السادسة عشر

وأنا أغرق لحظة أثر لحظة في مستنقع اليأس،وإذا بخبر صاعق يلقيني في تيه آخر،لم أستوعب الخبر بادئ ذي بدء،خلته مزحة نهضت من أغواري المفككة،حتى أنني قهقهت مرات قبل أن تنتبه(الأم)لقهقهاتي،جاءت تستطلع وضعي العقلي،وجدتني أجلس قبالة مرآة(الكاونتور)،تحجر لساني لحظة وجدتها واقفة تتأمل ولد شقي يضحك من غير سبب،رغم الوهن الضارب في جسدي جراء حفرة الرصاصة،تمكنت أن أنهض بشيء من الخجل والندم،تقدمت مني..قالت:
ـ أرجو أن لا تفقد رشدك..!!
ـ كلا..مجرد مزحة،مزحة تافهة وغير واقعية داعبتني هذه اللحظة..!!
ـ أسمعنيها كي أضحك معك..!!
ـ لا..لا..مزحة من النوع الثقيل..!!
ـ يا ولد..أنت لست على ما يرام..
ـ أنا..عند وعيي الكامل يا(أم)..
ـ ولم تضحك مع نفسك..
ـ قلت مزحة..
ـ ولم تجلس قبالة المرآة..
ـ ها..
ـ أنت تحاول أن تتجاهل نفسك..
صمت قليلاً وجدت الصمت والمراوغة لا تنفعاني،تقدمت منها،واقفة كانت(الأم)حائرة،تلتمس شيئاً من الذي يدور بخلدي،سحبت يدها،زرعت ثغري المرتجف على راحتها،مدت يدها الأخرى ووضعتها على رأسي،وراحت تداعب الشعر النابت بعد تلك الحلاقة العسكرية البغيضة،معاً تقدمنا نحو السرير،معاً جلسنا،وجدت نفسي ترغب بمكاشفة ندمية..قلت:
ـ هل حقاً ما أسمع..
ـ ما الذي سمعت..
ـ هذه المرّة الدائرة تحوم حولك..
ـ ما العمل،لابد من ذلك..
ـ ولكنك..
قاطعتني:
ـ من أجلك فقط سأوافق..!!
ـ ألم يقولوا مجرد سراب..
ـ لم أعد أهتم بهذه القضية،الدافع الرئيس لموافقتي،إخراجك من براثن الموت..
ـ آه..أنت تدمرين نفسك..
ـ من أجلك فقط،تذكر كلامي،من أجلك فقط سأسبح في الجحيم..!!
***
فاجعتان مصدرهما فم واحد،المرأة التي لا تكل ولا تمل من نمس الوجنات الأنثوية،ألقت في سمعي خبر حمل(هي)وأردفت الخبر بخبر لاحق،خبر في طور النضج،زواج(الأم)من الرجل الميسور،الرجل الذي شاطرني في حياة(هي)،ألم في الجسد،فكر مشتت،ورنين ليلي توقف،(الأم)أرجو منك أيها الطبيب،قد استشرفت على شيءٍ من ملاحتها،ما تزال تلك المرغوبة،فتنتها في قوامها الرشيق،في سحر عينيها،في طويل شعرها الغجري،في ترسيمة ثغرها الشهواني،في دمها الحار،في سعة الحلم في مآقيها،هي محبوبة،جاذبة،هذا ما قاله أبي لي ذات يوم،في محاولة لدرء الخوف المتنامي في يوماً أثر يوم وأنا أخطو خطوات عمري نحو النضوج التام،سحر(الأم)لابد أن يهدد حياتها بمزيد من العواطف وإثارة الشهوات الذكورية والتي تستفيق أوان الحروب،عرفت أن(النامسة)هي من تدخلت في صياغة الحدث بما سيكون،وجدت نفسي ساهمة،العافية كلما تتقدم خطوة نحو الهيمنة على كياني،ثمة عوارض تباغت لتوقف زحفها،كنّا على مائدة الطعام،راقبت(الأم)تلكئي في الأكل،باغتتني وهي تدس ملعقة الحساء في فمي..قلت:
ـ هل حقاً سنخسر هذه الجلسة..
ـ كلا..لا تفكر بهذا الجانب..
ـ الزواج في بلادنا يجلب المصائب،التفريق والمشاحنات بين الطرفين..
ـ هو وحيد،ستكن معنا،من أجلك سأوافق على الزواج..
ـ لا شيء سيتغير في،أنا..أنا..ربما أنت من تكسبين النتائج السعيدة..
ـ يا ولد،لم لا تدعني أن أسحل لك مهرة جميلة،ستغرقك في سعادة لا نهائية..
ـ لم لا تقولي تعاسة كونية..!!
***
قبل أن تدركني تلك الرصاصة الرحيمة وتبعدني من الموت الحتمي،مررت بليالٍ عصيبة،جفاني السهاد،وجدت نفسي في حالة تعيسة،دب في عيني الذبول،فقدت الشهية في تناول الطعام،بدأت أتقيأ من غير سبب،وقف معي صاحبي صاحب الصيدلية المتنقلة،كان يمسح عرقي بمنشفة مبللة، يحاول أن يطعمني عنوة..قال لي:
ـ ستقتل نفسك يا صديقي..
ـ أريد أن أموت،الحياة لا تستحق البقاء..
ـ لا تقل مثل هذه الترهات،ستهون ونعود إلى بيوتنا،المساعي الحميدة تتواصل،لابد أن الحرب ستنتهي عن قريب..
ـ من يوقف نيران تأججت من أجل التفاخر الكاذب يا صديقي..
ـ ستقف..حكومتنا أعلنت أنها ستنسحب إلى الحدود..
ـ ومن يجعل الطرف الخاسر أن يرضى بهذا الحل..
ـ لا علينا..كل،ودع الدم يتحرك في جسدك..
ـ لا..لا..لا رغبة أمتلك بتناول شيء..
ـ ستموت..
ـ ماتت حياتي مذ بارحت البيت..
ـ أنت تحب يا صاحبي..
ـ أحب..!!
ـ أسمعك تهذي بأسماء فتيات..!!
ـ أنا..!!
***
قضيت مدة ثلاثة أشهر من إجازتي المرضية،تحسن وضعي الجسدي،رغم وجود فراغ فكري هائل،كنت أستحضر تلك الليالي المديدة،ليالي(هي)،أفقد شعوري،أتحمس للتجوال،أخرج وأمشي، أتعب وأعود،لا شيء يسكت نداء الجوف،أجد سريري خير أنيس،أحتضن مخدتي،أتلوى معها،تأخذني حمّى جارفة،أجدني أحتضن(هي)،أحياناً نسقط من فوق السرير،نرتطم بالأرض،لا يهمنا الألم المتوالد،نواصل تبجحاتنا السادرة،نواصل لعبتنا القدرية،ننزف ترسبات السأم المتراكم في أغوارنا السحيقة،قبل أن نسترجع كياننا النازف،نجد الليل واصل سيره،والفجر يكاد أن يشرخ الظلام بسيف النور،ليس للجسد فرصة ليسترد نشاطه،ليس للذاكرة رغبة لتبحث عن تفاصيل ما جرى،النوم وحده يغطينا بستار الفضيحة،بطبيعة الحال،عرفت ما عنيت من كلامي،لا يجب أن أوضح لك كل شيء،وكما تعلم رغبتي التي تاهت،في كتابة الشعر،وربما رواية،لذلك وجدت الشرارة التي أوقدتها أنت،علي أن أستميحك عذراً،وأن أواصل ولو إلى حدٍ لائق سكب جراحاتي بطريقة السيرة الذاتية،تلك الفعلة اللامحببة،النشاط الليلي السري،هدّ كياني،أرخى حبل الحماسة القروية في روحي،وأورثني الخجل المفاجئ،وأنا في ذروة الاستمتاع الذهني والهذياني، باغتتني(الأم)،قبيل الفجر بقليل،لا أعرف هل كانت حاضرة من لحظة البدء بالنشاط الشاذ أم جاءت استجابة لتأوهات فوق العادة ندّت منّي،تجمدت أوصالي،ولم أعد أجد لساني في فمي..قالت:
ـ أليس الأنثى أشهى وأطيب من الوسادة..!!
***
انتقلت(الأم)إلى دار السعادة التي لا توصف،الدار الذي زرعنا أنا و(هي)كل آهاتنا في كل مسامة من مسامات جدرانه،على أرضه،داخل الحمام المرمري،في الغرفة العلوية،حيث العالم غير المتعلم يواصل الحروب البربرية،حرب طاحنة تقذف بالأموات رفوف تلو رفوف،ترسل طوابير المشوهين،تنبت الفساد وتردم الصفات البشرية العفوية،كلام كثير شاع بين الألسن،كلها نبعت من خلجان الغيرة،كان يستهدف الزواج غير المعقول،بين رجل يمتلك المال والنفوذ،وبين غجرية وجدت نفسها مدنية،رغم ملاحتها والدم الشهواني الذي لا يريد أن يفقد أوج رغباته،بقيت في البيت بمفردي،وجدت حشر نفسي معهم صبيانية لا تطاق،انتظرت الفرصة التي وضعتها(الأم)في بالها، باغتتني(النامسة)ذات ظهيرة،على ما أظن كانت ظهيرة اليوم الثامن من زواج(الأم)من بعل(هي)، سمعت طرقات خفيفة على الباب،خلتها طرقات المتسولين والذين ازدادوا مع الحرب،جوقات تتبع جوقات أتت إلى البلاد وراحت تتجول في كل مكان بحثاً عن المحسنين،قمت وجرجرت سأمي معي،ما أن فتحت الباب وجدتها واقفة،لا أحد يأتيني أوقات الجحيم،وراءها تلك الفتاة التي جلبتها لي مرتين،دخلتا بعد أن دفعتني جانباً،توجهت إلى غرفتي،لحظة دخلت وراءهما،وجدتهما جالستان على السرير..قالت:
ـ أمك ترفع طرفيها الآن وأنت تغرق نفسك في النواح..
ـ من أتى بكما في هذه اللحظة..
ـ حرائقنا..
ـ وهل هذا أوانه..
ـ كنّا في نزهة عاطفية،مررنا من هنا،أرادت العروس أن تراك..
وجدت الفتاة التي صارت امرأة لجندي مسكين في جبهة الحرب،تنظر والبسمة على سحنتها،في عينيها،على ثغرها،لم أشعر بشيء يتحرك في،العواطف نزفت في الليل،الجسد صار بارداً،الدم راح يؤثر الخمول على التجوال..فاهت العروسة الصغيرة بكلمات ملائكية:
ـ كيف أنت يا(...)..
ـ وأنت كيف حالك..
ـ أنا أفكر بك كثيراً..
ـ وأنا أحب أن أراك دائماً..
قالت النامسة:
ـ هيّا يا فحل،أرحنا وريّح نفسك..
ـ لا شيء يريحك يا بقرة..
ـ ليت الرجل يمتلك جملة أفاعي ليحشرها كلها معاً كي ترتاح مملكاتنا السحيقة..
ـ ليس لدي رغبة في شيء..
ـ أمك حكت لي كل شيء..
ـ عن ماذا حكت..
ـ أنك ثقبت وسائد المنام بـ(.......)..!!
***
الرجل السعيد،بعل(الأم)جاءني بعد اليوم التاسع،وجدته متهندماً،سعيداً،في عينيه فرح لم أجد فرحاً يوازيه يوم سحلوا له(هي)مهرة،دخل وراءي لحظة فتحت الباب،جلس على كرسي خشبي تحت شجرة السدر في الحديقة،وقفت أنظر إليه،باركته بخفوت وذهني أستقر على كائنه الخامد،أشفقت على حاله،وجدت نفسي في توهان ندمي عارم..قال:
ـ لا يجب أن تكن بمفردك..
ـ لا أريد أن أكون حجر عثرة لسعادتك..
ـ لا أقبل منك هذا الكلام،أنت بمثابة أبن لي،أبوك كان صاحبي،وأمك هي الآن وفق السنة والأصول شريكة حياتي،البيت بيتك..
ـ أرجوك يا عم،لا تحاول معي،أريد أن أقضي الشهر المتبقي من إجازتي وأعود إلى جبهة الحرب..
ـ لا تفكر بالحرب ولا بالجبهة،أنا سأرتب لك الموضوع،لدي أصدقاء في لجنة فحص القوى العقلية للجنود،سأجبرهم أن يعفونك من الخدمة..
ـ هذا مكسب كبير لي،لكن ليس بوسعي أن أعيش معكما..
ـ لم هذا الكلام..
ـ أرجوك أن تفهمني بالشكل الذي تراه..
ـ أي شكل..
ـ أن لا أعكر صفو خلوتكما..
ـ جئت لأحسم هذا الأمر،وأن تكن قائماً على أعمالي الكثيرة..
ـ دعني أفكر في الأمر..
ـ لا تفكر،سنرتب لك زواجاً كبيراً،قبل أن تفقد مياه شبابك..!!
ـ يا عم..
قاطعني:
ـ رتبنا لك غرفة علوية،غرفة ستجد فيها راحتك..!!
***
ليست غرفة طبعاً،هي مدينة ألعابنا،المدينة التي دثرها الرنين الليلي ببحر الشهوات،هناك كنّا نندمج مع الظلام،من هناك حيث شباك صغير يطل على الشرق،من هناك رأينا النهر الذي سكبناه،استحال إلى جيش أقزام يحمل سلاح الحرية وهو يزحف لوأد الشرور القديمة،جيش لا يقهر،وقفنا كثيراً يا طبيبي،أقزامنا،فلذات أغوارنا،يواصلون حصاد الظلمة القادمة،وبين لحظة وأخرى تداعبنا نشوة انتصاراتهم وتطرحنا متلاحمين يحتفلان بالنصر،ها أنا من جديد أقاد إلى تلك الشرفة التي وقفت(هي) ذات ليلة،وقفت تريد أن تطير،تقدمت منها،كانت صادقة في رغبتها..همست في الأذن الرهيفة:
ـ ما الذي ينتشيك..
ـ سحر الليل وجرس الرنين..
ـ أغوارك ملتهبة هذه الليلة يا ليمونتي..
ـ بي رغبة أن أطير..
ـ ولكنك عارية..
ـ سينتبه العالم لعريي،ستتوقف الحياة من أجلي،أليس ذلك في صالح البشرية..
ـ بالطبع سيحصل إتحاد بريء من غير مساعي متعثرة..
ـ يا ليمون..
ـ عيون ليمون..
ـ لم لا نحاول أن نقذف بنفسينا،عسانا أن نحلق فوق العالم ولو لساعة واحدة..
ـ علينا أن نعرف كيف طار(ابن فرناس)أولاً،ونعمل ما عمل..
ـ لا..لا..أمقت تقليد السابقين،أريد طيران عاري..
صمتت فجأة،وجدتها تنتحب،مسحت دموعها،وإلى السرير قدتها،أجلستها،كانت تشرق فرحاً، هزت رأسها وألقت بنفسها علي..قلت لها:
ـ لم البكاء يا ليمونة..
ـ أفرغت رغبة الطيران من رأسي..!!
***
وحدي في غرفة التحليق الليلي للعواطف،لم أشعر برغبة في النوم،لم أشعر بحاجة جسدي للطعام،أقف في الشباك،ألقي نظرات من غير تركيز على العالم،وجدت الفراش يستفزني،فكرت أن أطلب منهما، من(الأم)والبعل الجديد وريث أبي لها،أن يخصصان لي غرفة أخرى،لو طلبت ذلك لما مانعا،لكن السؤال الذي لح لحظة الأقدام،أحجم رغبتي،ماذا لو قالا لي:لم تريد تبديل غرفة مؤثثة تليق بمقامك..!!ماذا أقول لهما،أعتقد أي كذبة سوف لن تحقق الإقناع،وجدت الرضوخ للواقع خير وأهون لي،قلت ستبلى الأشياء،ستموت العواطف،لكن الذي حصل خلاف ما توقعت،مضيت أندمج بشبح(هي)،تأتيني في الوقت المثالي للعواطف،مع الرنين،حيث منتصف الليل،تأتي مثلما كانت تأتي،عارية إلاّ من روبها(الديشامبر)،شعرها يسترخي بأدب على رمانتي كتفيها،عيناها واسعتان، عطرها يستفز الظلام،تدخل وتلقي تحيتها،واقف أنا،لا يجب أن أتحرك،تلك رغبة من رغباتها التي أملتها علي،أقف وتتقدم مني،تبدأ لعبتها الأثيرة،تشم مسامات جسدي،مسامة مسامة،تشرب الرائحة الذكورية المستفيقة،شيئاً فشيئاً،تبدأ الألحان الأزلية،ألحان حرب مدمرة بين كائنين،بهما تكتمل قيافة الكون،لا يجب أن أبدأ أنا،تلك من متطلبات(هي)،تريد أن تثمل روحها بالرعود القادمة من أغواري،تلقي بروبها،تبدأ رقصتها،تستدير حولي،عارية ترقص(هي)،تريد تفعيل ثورتها،تريد أن تدمر الكائن المشاغب كي يحرث بعنف،تمسك يدي،نستدير حول نفسينا معاً،نمارس لعبة(بناتية)شائعة شيئاً فشيئاً نقترب من السرير المضمخ بكل أنواع العطور،هناك نكتشف أننا قد لهثنا كثيراً،أربعة عيون تنظر إلى السقف، ثغران يقيئان حرائق الحرب،دائماً تعيد النشاط للسانينا:
ـ خذ قرص منشط آخر..!!
***
اكتشفت بعد ليلتين من دخولي إلى تلك الغرفة صورة(هي)،وجدتها تبتسم،تجمدت أوصالي،شغلني ظن مباغت،ظلّ يلح بسؤاله:لم يرفعوا صورتها..!!،لا أعتقد أنهما نسياها،فكرت إن كانت(الأم)وراء بقاءها،ربما نعم،كونها التمست الكثير من التفاصيل السريّة لحياتي،لابد أنها علمت بحبنا،سواء عن طريق هروبي الليلي،أو عن طريق تلك البقرة الثرثارة،ألم أخبرك أيها الصديق،أنها اكتشفت صورها تحت وسادتي،لابد أنها أبقتها كي تخفف من ضغط السأم علي،قمت ووقفت أسفل الصورة، وجدت(هي)تتكلم بهمس مخنوق،رأيت شفتيها ترتعشان،انهالت دموعها،لم أعد أحتمل شبقية نداءاتها،قفزت ووجدت(هي)في حضني،بدأنا نتحاور ونندمج،تضع فواكه في فمي،أضع فواكه في فمها،نتبادل القبل،نتبادل التحرشات الابتدائية،تلك المقبلات الشهوانية كانت تشكل فرحاً مضاعفاً عند(هي)،رويداً رويداً تأخذها إلى برج سعادتها،ليل ساحر يواصل تكثيف ظلامه رغم نشرات النجوم المشعة،الساعة بدأت ترسل رنينها،الجسد راح يفقد صوابه،يدان تمتدان،تحملان تفاحة،أشعر بجوع أزلي،أقضم أنا،تقضم وراءي،قضمة بقضمة،وراء كل قضمة قبلة سريعة،مثل قبلات طيور الحب،رويداً رويداً يسقط الفم على الفم،يلتصقان،يضرب القلبان بعنف،يتشابك الزفير مع الزفير، يتبادل الثغران الشهيق،شهيقي هو زفيرها،زفيري شهيقها،نفس التراجيديا يتواصل،تراجيديا(هي)عبر ليالٍ مديدة،قبل أن تتركني وترحل،لابد أنها ظمئت وأتت تروي دنياها العجيبة،لا أنثى تمتلك فرحها السريري،هي من تنهض الأغوار السحيقة،هي من تمطر الصحاري،هي من ترقص قبل معركتها السريرية،هي من تعد الفواكه لرحلات سعاداتها الليلية،(هي) لا تموت،(هي)معي،تهتف أغواري،أحتضنها،نتلاوى،نتخاصم،نندمج،نثور،همسات(هي)تهد سدود عواطفي الطوفانية:
ـ هيّا..هيّا..!!
عميقاً أسافر إلى أرض ظامئة،أسكب مطري،يتواصل الرنين واللهاث والتأوهات،وكلّما تفرغ غيومي ماءها..نسترجع قوانا المتناثرة..!!
كلام مرعب،لم تبح بها(هي)،أنهضني من السكر:
ـ يا لك من فحل أسطوري..!!
***
قبل يومين من مدة انتهاء إجازتي المرضية،لملمت أسمالي العسكرية،حزمت حقيبتي الجلدية،كان القرار الذي تعاهدت أن لا أتراجع عنه،هو ترك البيت والذهاب إلى الجبهة،هناك سأجلس على الساتر كي يراني قنّاص ويرديني ميتاً برصاصة،وجدت(الأم)واقفة بالباب،خجلت أن أنظر إليها،كانت تنظر إلي بشكل مختلف،لا تشبه نظراتها السابقة،تقدمت مني،جلست لصقي،حاولت أن أنهض،مسكت يدي.. قالت:
ـ أنا..لست أمك..!!
خلتها تكذب،أو تريد تفعيل غيرتي،أو تريد أن تجرّب إرادتي،اكتفيت بنظرة إشفاق،لم أرغب أن أتكلم،واصلت هي كلامها لإقناعي:
ـ أنت ابن أمك التي هجرت أباك بسببي..
وجدت لساني يتحرر:
ـ أنا في كابوس..
ـ أنت في الواقع،يجب أن تعرف الحقيقة،آن أوان كشفها..
ـ أيّة حقيقة،بعدما وقع الإثم..
ـ أنا..لست أمك..أنا زوجة أبيك..
ـ أنت عاهرة..
ـ قل ما تشاء في،المهم أن لا ترتكب حماقة بسبب ما جرى بيننا..!!
***
عدت ثانية إلى(شرق البصرة)وجدت وجوه جديدة،الولد الصديق صاحب الصيدلية المتنقلة أخبروني أنه سقط أسيراً،جنود ماتوا وجنود جدد أتوا،وجدت جندياً قريباً إلى مشاعري،أعلن زمالته بجرأة ورغبة،وجدته صاحب يستحق الرفقة..قال لي بعد ليلتين:
ـ أنت تهذي كثيراً في الليل..
ـ أنا محموم..
أخرج سيجارة وأرّثها لي..تناولتها ورحت أسحب الدخان بشكل فوضوي..قال:
ـ أنت تترنم بأسماء نساء،هل أنت(دون جوان)عصر الحرب..
ـ لا علاقة لي بالنساء..
ـ كيف يا صاحبي،النساء فواكه طازجة زمن الحروب..!!
***
بعد مرور ثمانية أيّام على ما أظن في الجبهة،تم مناداتي من قبل السيد الآمر،وجدته متهيئاً لخوض المعركة،الخوذة الحربية على رأسه،مسدسه في جرابه،وقفت بعد أن أدّيت التحية الثقيلة..قال:
ـ ما هي علاقتك به..
ـ من سيدي..
ـ هل حقاً هو عمك..
ـ سيدي أعمامي خمسة..
ـ أهو أكبرهم..
ـ لا أعرف..
ـ عليك أن تهيأ نفسك وتغادر الجبهة غداً..!!
عدت وأنا حائر،من هو العم الذي أجبر الجيش أن يتخلى عنّي،قبل أن يأتيني(رأس عرفاء الفوج)،طلب(هديته)قبل أن يخبرني أن زوج(الأم)هو من تكفل المهمة،وفي اليوم التالي،ودعت الجنود وعدت،وجدته واقفاً،استقبلني بحنان فائض،كان يجلس على كرسي في الحديقة،وكانت الساعة تشير على ما أعتقد إلى الساعة الرابعة عصراً،رآني وناداني،خجلاً وقفت،خرج إلي وسحب الحقيبة من كتفي..قال:
ـ أين تذهب..
ـ إلى خربتي..
ـ يا ولد أعقل،هنا بيتك..
ـ أنا لا بيت لي..
في تلك اللحظة خرجت(الأم)والتحقت بنا..قالت:
ـ أين تتجه يا ولد..
ـ إلى خربتي،لم أرجعتماني من فك الموت..
قالت وهي تمسك يدي:
ـ عمك نقلك من الجبهة وبعد أيام ستتخلص من هذه الملابس غير اللائقة عليك..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفل قلبي(رواية)11
- قفل قلبي(رواية)10
- قفل قلبي(رواية)9
- قفل قلبي(رواية)8
- قفل قلبي(رواية)6
- قفل قلبي(رواية)7
- قفل قلبي(رواية)5
- قفل قلبي(رواية)4
- قفل قلبي (رواية)3
- (قفل قلبي)رواية 2
- (قفل قلبي)رواية1
- الحزن الوسيم(رواية)9 القسم الأخير
- الحزن الوسيم(رواية)8
- الحزن الوسيم(رواية)7
- الحزن الوسيم(رواية)6
- الحزن الوسيم(رواية)5
- الحزن الوسيم(رواية)4
- الحزن الوسيم..(رواية)3
- الحزن الوسيم..(رواية)2
- الحزن الوسيم..(رواية)1


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قفل قلبي(رواية)12