أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - محاكمةُ صدام حسين محاكمةٌ للنظام العربي عامة















المزيد.....

محاكمةُ صدام حسين محاكمةٌ للنظام العربي عامة


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 883 - 2004 / 7 / 3 - 05:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

اشتهر العراق بأنه البلد الذي يكاد يكون وحيداً في العالم العربي الذي يحاكم حكامه والتابعين لهم والمتعاونين معهم، رغم أن العدالة لم تتوفر كثيراً في المحاكم السابقة التي أقامها العراقيون بعد انهيار الحكم الملكي، واثناء الحكم الملكي.

ورغم أن ظلم حكام العراق للشعب العراقي هو من أقسى أنواع الظلم ومن أشدها، وأن الطغيان هو من أفتك أنواع الطغيان وأكثرها شراسة، إلا أن الشعب العراقي في نهاية المطاف نجح في أن يجرَّ حكامه الطغاة إلى ما وراء قضبان العدالة، ويحاكمهم أمام محاكم عراقية، ويقتصَّ منهم.



-2-

فالشعب السوداني مثلاً، لم ينجح في القبض على الديكتاتور جعفر النميري القاتل للمفكر الكبير والمصلح الديني محمود طه الذي نادى باستحالة قيام دولة دينية في هذا العصر. والنميري هو الذي لجأ إلى مصر بعد أن سرق المليارات من مال الشعب السوداني ويعيش هناك مُنعّماً مُكرّماً. كما لم ينجح الشعب السوداني في الطلب إلى مصر لتسليمه مجرماً كجعفر النميري لتقديمة للعدالة السودانية.

والشعب المصري مثلاً، لم ينجح في تقديم عبد الناصر والمسؤولين عن حرب السويس، وعن فشل الوحدة مع سوريا عام 1961 ، وتقديم المسؤولين عن هزيمة 1967 للمحاكمة. كما لم ينجح في محاكمة عبد الناصر لقتله سيد قطب وشهدي عطية وفرج الله الحلو، وعشرات المفكرين والمثقفين ومئات السياسيين.

والشعب المغربي لم ينجح في احضار قتلة المهدي بن بركة وغيره من المعارضين السياسيين لحكم القضاء العادل.

والشعب السوري لم ينجح في محاكمة المسؤولين عما يواجهه النشطاء السياسيين السوريين في سجن تدمر الرهيب من عذاب لا يوصف، كما لم ينجح في محاكمة المسؤولين عن مجزرة حماة في عام 1982 التي راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف قتيل.

والشعب الليبي لم ينجح في تقديم القذافي للمحاكمة على ما فعله من مطاردة المعارضة ووصفها بالكلاب التي تعوي. ولم يُسئل القذاقي حتى الآن من قبل شعبه عن البلايين الطائلة التي دفعها ثمناً للارهاب الذي كان هو سيده، وقائده، ومموله.

والقائمة من هؤلاء الحكام العرب تطول وتطول، ومحاكمة صدام حسين اليوم هي المثال فقط للحاكم العربي الطاغية، والعبرة لمن اعتبر، وليس هو الحالة الوحيدة الفريدة. والشعب العراقي عندما يحاكم طاغيته الآن، فكأنه يحاكم كافة الطغاة العرب.



-3-

القتلة من الحكام العرب والمستبدين والطغاة عاشوا في العالم العربي مكرّمين مبجّلين، مرفوعي الرأس، بل هم اعتبروا ابطالاً وآباءً للشعب وللوطن الذي تماهى بهم، يرفلون بالنعم، بدلاً من أن يقادوا إلى العدالة بالسلاسل، كما هو حال صدام الآن، وزمرته.

الشعب العراقي اليوم يمثل الأمة العربية كاملة، في قدرته على أن يأتي برأس ديكتاتور عاتٍ كصدام إلى ساحة القضاء لأول مرة في التاريخ العربي البعيد والقريب.

فالتراث المقدس كان يدعونا إلى ترك الديكتاتور لعقاب السماء، ولا عقاب له في الأرض. لذا، لم يسبق لأي حاكم عربي أن حوكم هكذا على مسمع من العالم كله.



-4-

ليس من الضروري أن يُحاكم الديكتاتور على مقابر جماعية فقط أقامها، أو على غزو بلد فقط قام به، أو على بناء القصور وترك الشعب يموت من الجوع، أو على مجازر فقط ارتكبها في شمال البلاد وجنوبها.

يكفي أن يُحاكم الحاكم على فساد ذمته المالية، وما أكثر حكامنا من ذوي الذمة المالية الفاسدة.

يكفي الحاكم أن يُحاكم على قتله وتعذيبه للمعارضين له من السياسيين والمثقفين والمفكرين، وما أكثر الحكام العرب الذين قتلوا وعذبوا المعارضين السياسيين والمثقفين والمفكرين.

يكفي أن يُحاكم الحاكم على قرارات الحرب الفاشلة التي زهقت أرواح الآلاف من الأبرياء دون حسابات دقيقة، ودون استعداد كافٍ لتلك الحروب، وما أكثر حكامنا الذين شنوا حروباً دونكيشوتية مجانية، دون حسابات دقيقة، ودون استعداد كافٍ، وكلفوا شعوبهم خسائر بشرية ومالية جسيمة.

يكفي الحاكم أن يُحاكم على احتكاره للسلطة، له، ولحزبه، ولمن هم من أزلامه، وقمع المعارضة وعدم السماح بتداول السلطة، إلى درجة أنه لا يوجد لدى العرب حاكم خارج الحكم إلا في لبنان فقط، اضافة للرئيس السوداني النادر سوار الذهب.

الرزايا والبلايا لدى الحكام العرب تستدعي اقامة سلسلة كبيرة من المحاكمات حتى يتعظ الجميع.

فسقوط العسكرتاريا اليابانية لم يكن درساً لليابان وحدها، ولكنه كان درساً وعظة لجميع الشعوب الآسيوية.

وسقوط الفاشية الايطالية والنازية الألمانية لم يكن درساً لألمانيا وايطاليا فقط، بل كان درساً وعظة لكل الشعوب والأنظمة الأوروبية. فبعد الحرب العالمية الثانية، وبعد 1945 اختفت أو كادت أن تختفي الديكتاتورية في أوروبا، حين عرف الجميع بأن هناك عصاً غليظة تُرفع في وجه الديكتاتورية، كما حصل مؤخراً مع ميلوسفيتش في الصرب. وكما حصل قبله مع امبرطورية ديكتاتورية عظمى كالاتحاد السوفياتي التي انهارت بفضل الجهود السياسية والديبلوماسية الغربية.



-5-

العالم العربي الآن، يشاهد بدء محاكمة صدام حسين مبهوراً، حائراً، مصدقاً مكذباً، راضياً ساخطاً، فرحاً حزيناً. ولكن الساخطين أكثر من الراضين، والحزانى أكثر من الفرحين. ذلك أن الشعب العربي منذ ظهور الإسلام حتى الآن، كان يفضل دائماً أن يُترك حساب وعقاب الحاكم لله وليس للشعب، وللسماء وليس للأرض، عملاً بقول الرسول الذي يرويه الحسن البصري والذي يقول:

"لا تعصوا أولي الأمر منكم، فإن عدلوا فلهم الأجر وعليكم الشكر. وإن بغوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، فهو امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر والأناة، لا بالثورة والغيظ".

ولكن الشعب العراقي اليوم، يؤكد حقيقة ساطعة، ويكتب فيما يكتب تاريخاً سياسياً جديداً، وهو أن الشعب مع الله يحاسب الحاكم الديكتاتور الطاغية، وليس الله فقط. وأن السماء مع الأرض، تحاسب الحاكم المستبد، وليست السماء فقط. ولن يترك الطاغية، أي طاغية، لحساب وعقاب السماء فقط. فللسماء حسابها وعقابها، وللأرض حسابها وعقابها أيضاً.

إن الشعوب الحرة كالشعب العراقي اليوم، لم تترك حكامها لحكم السماء ولحسابها وعقابها فقط بل هم زادوا عليه حساب الشعب الذي ذاق الأمرين من حكم الطغاة.



-6-

لقد ولى زمن الشعارات السياسية المقدسة التي كانت تقول بالخط العريض:

"أطع حاكمك ولو جلد ظهرك وسرق مالك".

فلقد أفلت الشعب العراقي من حكم الملالي ورجال المؤسسات الدينية التي تبيع علينا صباح مساء المخدرات السياسية الدينية بثمن غال جداً، هو مصير الشعوب وهلاك الأوطان، وضياع الحقوق، وانتهاك الحرمات، مقابل صُرر الذهب وكوبونات النفط.

لقد عرف الشعب العراقي من يختار ليضع يده في يده من أجل أن يقيم أول محاكمة علنية في التاريخ العربي كله لحاكم طاغية.

فهل لو استنصر الشعب العراقي على صدام بالجامعة العربية ، هل كانت الجامعة ستنصره؟

وهل لو استجار الشعب العراقي بأي نظام عربي من حكم صدام، هل كان سيجيره؟

وهل لو استغاث الشعب العراقي بأي حزب، أو نقابة، أو تنظيم، أو اتحاد عربي، من تلك التنظيمات الكثيرة المختلفة الأشكال والألوان، هل كان أحد من هؤلاء سيغيثه؟

لقد وقف الشعب العراقي طيلة أكثر من ثلاثين عاماً في وحيداً في العراء الكامل، يأكل لحمه ويشويه طاغية عاتٍ، دون أن يجد من يبكون عليه كما يبكون عليه اليوم بكاء العواهر، ودون أن يجد من ينجده من الغرق الذي كاد يودي بحياته، لولا رحمة ربك التي ساقت ركبان الحرية، وقوافل النجاة.



-7-

الشعب العراقي اليوم يلقّن الأمة العربية بأسرها درساً عظيماً، من خلال بركات التاسع من نيسان المجيد 2003.

هذا الدرس هو: لنكف عن قتل الحاكم أو اغتياله أو سحله، كما فعلنا بكثير من حكامنا بدءاً من عثمان بن عفان، وانتهاءً بأنور السادات.

دعونا نكون شعوباُ متحضرة ، ونقيم محاكم عادلة، يشهد لها تاريخ الأحرار في كل مكان، وبعدها لينل الحاكم جزاءه العادل.

هذا الدرس التاريخي الذي يسخر منه الإعلام العربي الآن، ويحاول ان يقلل من أهميته، هو من أكبر انجازات فجر التاسع من نيسان المجيد 2003. والإعلام العربي عندما يسخر هكذا، فإن حجته هي: حتى لا تكون فتنة. والفتنة المُعناة هنا هي: حتى لا يتكرر مصير آخرين من الحكام العرب الذين لا يقلون طغياناً عن صدام، الذي ما زال يكابر ويتعالى ويكذب ويزور الحقائق أو ينكرها، سرياً على نهج الحكام العرب في انكار الحقيقة المخيفة.

[email protected]



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليومُ المشهودْ، ووفاءُ العهودْ، وفتحُ الطريقِ المسدودْ!
- وجه العرب الأمريكي القبيح!
- من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟
- المحافظون الجدد والليبرالون الجدد بين الواقع ومهاترات الغوغا ...
- ديمقراطية القرضاوي الإسلاموية الزائفة
- العالمُ الحرُ يَمْهُرُ العراقَ الجديدَ بخاتم الشرعية الدولية
- يا لهذا العراق الجديد ما أقواه!
- دعوة لعدم التضامن مع نوال السعداوي!
- العرب: من حُكم الخلافة المُطلق إلى الديكتاتورية الطاغية
- الخلافةُ الإسلاميةُ لا تزال قائمةً وحُكّامُ اليوم هُمْ خلفاء ...
- وجاهة أسباب الصمت العربي تجاه ما يجري للفلسطينيين!
- في كل أمة فئة همجية، وأمريكا ليست مُستثناة!
- العراق والأوهام العربية
- سجن -أبو غريب- اقامته الديكتاتورية وفضحته الديمقراطية!
- إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!
- لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!
- الفضائيات ودورها الثقافي
- لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
- الفضائيات والأفيون الرخيص
- سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - محاكمةُ صدام حسين محاكمةٌ للنظام العربي عامة