أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!















المزيد.....

إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 819 - 2004 / 4 / 29 - 07:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

مرة أخرى نقول، أن المراقبين والمحللين في داخل الوطن العربي وخارجه يتساءلون فاغري الأفواه، مشدودي الأعصاب، وقد انتابهم الخوف والجزع، وأخذتهم الدهشة مما يحصل الآن في العالم العربي من هذه السيول الدموية التي تجري في كل ناحية من الفضاء العربي والإسلامي.

فلماذا كل هذا التجاهل؟

ولماذا كل هذا العجب، وقد قيل إذا عُرف السبب بطًل العجب!

ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي تسيطر على مقدراته وقرارته المؤسسات الدينية التي تحكم وتقرر بقوانين خارج المكان والزمان، وتعتبر نفسها فوق التاريخ، وليست إلى جانبه. لذا فهي مؤسسات ارادوية Voluntarist؛ بمعنى أن ارادتها فوق ارادة التاريخ. بل هي تلغي ارادة التاريخ، وتنفي كل ارادة ما عدا ارادتها المتمثلة بأيديولوجيتها المحصورة والقاهرة للآخرين.

من يظن أن العالم العربي في معظم أجزائه عالم علماني يُحكم بالنظام العلماني فهو خاطيء جداً. وما العلمانية التي نراها في بعض أنحاء الوطن العربي إلا قشرة سياسية، ما تلبث أن تزول، ويظهر تحتها حكم المؤسسات الدينية الحقيقية.

ألم يكن النظام المنهار في العراق علمانياً ممثلاً بحزب البعث؟

فهل كان العراق علمانياً حقيقةُ؟

انظروا إلى من يحكم العراق الآن حقيقةً؟

انهم أصحاب العمائم السوداء والبيضاء والخضراء.

لا صوت للسياسيين العلمانيين حتى داخل مجلس الحكم العراقي، عداك عن الزعماء السياسيين الدينيين، الذين يحكمون الشارع العراقي من على منابر المساجد، ومن وراء ستائر الحوزات الدينية.

أنظروا إلى الذي يحكم الشارع العربي الآن، والذي يحركه؟

أليست الفصائل الدينية الأصولية المسلحة الظاهرة والمخفية؟

وانظروا أيضاً إلى من يتصدى للارهاب الديني الآن؟

أليست المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، التي تُصدر الفتاوى بتكفير هذا الارهاب، وضرورة سحقه، والقضاء عليه، وتتوعد الارهابيين بعقاب الآخرة، وبئس المصير؟

لقد أصبحت المؤسسات الدينية في العالم العربي هي الخصمُ والحَكَمُ.

وأنظروا إلى من يسيطر على الإعلام العربي المقروء والمسموع والمشاهد؟

اليست المؤسسات الدينية، ما عدا مَنْ رحم ربك؟

أليس موقف العالم العربي من معاهدة كامب ديفيد، وحرب الخليج 1991، ومن السلام المصري- الإسرائيلي، ومن السلام الأردني – الإسرائيلي، ومن تحرير العراق، ومن السلام الفلسطيني - الإسرائيلي الذي كان سيقع عام 2000 ، ومن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" ومن مشاريع اصلاح التعليم، وخلاف ذلك، أكبر برهان على أن المؤسسات الدينية هي التي تحكم، وتتحكم في الرأي العام العربي؟

العالم العربي محكوم بالفعل للمؤسسات الدينية بشكل مباشر في أنحاء وبشكل غير مباشر في انحاء أخرى رغم هذه القشرة العلمانية الرقيقة التي تقبع وتزول مع أول حكّة رأس سكين. وهذه المؤسسات هي العقبة الكبيرة أمام الديمقراطية العربية، وهي المختبرات وماكنات التفريخ الذي تُفرّخ الرأي الأصولي الرسمي، والرأي الأصولي الإرهابي الآخر.



-2-

ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي مليء بالجروح النرجسية الدينية والقومية، والتي تحول دون انفتاحه على العالم الآخر، بل كراهيته وعدائه للعالم الآخر، والتي انتهت إلى مجابهة هذا العالم بالسلاح، ونشر الارهاب في أركانه؟

لقد سقط مشروع الحداثة الذي قاده طه حسين وعلي عبد الرزاق واسماعيل أدهم وسلامة موسى ومحمد حسين هيكل وشبلي شميّل وانطون فرح وغيرهم، نتيجة للجرح النرجسي الديني الذي أحدثه نابليون فينا في الحملة الفرنسية عام 1798، وخشية من أن يتكرر هذا الجرح ويتسع. ونتيجة للجرح القومي الذي أحدثه محمد علي باشا في بداية القرن التاسع عشر عندما استطاع وهو الألباني غير العربي أن يقود المشروع القومي الاتحادي بغزوه الجزيرة العربية وسوريا ولبنان، وبتحديه للسلطنة العثمانية والباب العالي بل وبتهديد الباب العالي ووصوله إلى أبواب الآستانة ، وتناول عشائه في قصر التوب كابي لولا وقوف الغرب في وجهه ومنعه من تقويض الباب العالي العثماني. وأخيراً، نتيجة للجرح النرجسي الديني الذي أحدثته علمانية كمال أتاتورك في تركيا عام 1924 وإلغاء الخلافة الإسلامية.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين سقط مشروع الحداثة من جديد الذي قاده الطاهر الحداد والطاهر عاشور والفاضل عاشور، وبقي محصوراً في تونس لا يتعداها. في حين فشل مشروع الحداثة في العالم العربي الذي قاده ادوارد سعيد وأنور عبد الملك وسمير أمين وفؤاد زكريا وقسطنطين زريق وعبد الله العروي وعبد الله القصيمي وحسين مروة والبرت حوراني وهشام شرابي وغيرهم، نتيجة للجرح النرجسي الديني الذي أحدثته سيطرة حزب البعث العلماني على جانب كبير من الحياة السياسية العربية، وظهور عبد الناصر والقذافي وبومدين وحافظ الأسد الذين حاولوا بناء دول علمانية قشرية على غير أسس متينة، ووقعوا في تناقض عجيب وقاتل، تمثل في معاداة الحضارة الغربية والسعي في الوقت نفسه إلى محاربة سيطرة المؤسسات الدينية على الحكم. كما فشل مشروع الحداثة في النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة للجرح القومي الذي تمثل في الهزائم العسكرية في الأعوام 1948، 1956، 1967، 1973، 1988، 1991.

والأهم من ذلك، أن بعض شعوب العالم قد نُكبت بأهم وأفدح وأفظع مما أصابنا من نكبات وجروح دينية وقومية. فاليابانيون القيت عليهم قنابل ذرية لم يجر القاؤها على أي بلد في العالم العربي. وسُحقت العسكرية والقومية اليابانية تحت البساطير الأمريكية، ووقعت استسلامها صاغرة وبمذلة تاريخية مشهودة، ورغم هذا لم يمنعها جرحها الغائر من القيام من الحطام، وبناء الوطن والأمة من جديد، والدخول في الحداثة من أوسع ابوابها. كذلك كان حال المانيا وكوريا وغيرهما.

ومن هنا، فإن عجز الأمة العربية عن لثم جراحها وتخطّيها لهذه الجراح، التي هي عبارة عن كدمات بسيطة قياساً لما أصاب الأمم الأخرى، كان من أهم الأسباب التي أقامت الحال الذي نحن فيه الآن. فوجدت هذه الأمة في الارهاب القائم، خير تعبير وخير انتقام لما أصابها من جروح دامية في الماضي والحاضر، لم تتعد شكّة الدبوس.



-3-

هل كان يمكن لحزب كالأخوان المسلمين أو حزب القاعدة، أو أي حزب ديني متعصب أن يسود هذه السيادة الارهابية المسلحة، ويبرز زعماء مزيفين وخادعين كابن لادن - مثالاً لا حصراً - في مجتمع كالمجتمع الفرنسي أو الالماني، أو في أي مجتمع مثقف وواع؟

لقد ساعد المجتمع الأمي العربي المتخلف الذي نعيشه الآن على تقوية ظاهرة الارهاب المسلح الذي تقوده هذه الفصائل الدينية الأصولية المسلحة.

فالسبعون مليون أمي الذين تحدث عنهم تقريرا التنمية البشرية للأمم المتحدة لعامي 2002، و2003 ساعدا كثيراً الفصائل الدينية الأصولية المسلحة على ايجاد الكوادر التائهة الباحثة عن تبرير مزيف وشرير لوجودها وحياتها، كما ساعدها على الانتشار، وعلى البروز كقوة عسكرية تخاطب الاتحاد الأوروبي وتعرض عليه الهدنة والمصالحة إن أراد!

وهؤلاء السبعون مليوناً هم فقط الأميون الابجديون، يضاف إليهم سبعون مليوناً آخرين من الأميين الثقافيين الذين يجيدون القراءة ولكنهم لا يقرأون، وتتحكم فيهم الغرائز الدينية والقومية أكثر مما يتحكم فيهم العقل. وغدا هذا العدد من الأميين الأبجديين والأميين الثقافيين يمثل القطيع الديني والقطيع القومي الذي كان يسوقه حسن البنا، ثم عبد الناصر، ثم صدام حسين، وأصبح يسوقه الآن ابن لادن والظاهري والزرقاوي ومقتدى الصدر وغيرهم من الرعاة البدائيين.

يقول الانثروبولجي تروتر في كتابه (غرائز القطيع في الحرب والسلم، 1920، ص113) من أن الفرد الضائع – كالفرد العربي الآن – الذي يرتهن ارتهاناً وثيقاً بالقطيع يحقق وجوداً أوسع وأقوى من وجوده الخاص، وبحيث يجد حلاً لعُقده، والأمن والسلام والنجاح لتطلعاته.

ألا ينطبق هذا تماماً على عشرات الآلاف من الشباب العربي الذي ضاع بين البطالة والأميّة الأبجدية والأميّة الثقافية، والذي ينضم إلى صفوف "القاعدة" والى غيرها من التنظيمات الدينية الأصولية المسلحة؟

ألم تكن الأميّة العربية الأبجدية – بناء على ذلك – كما سبق وقلنا في مقالنا (نعمة الأميّة في العالم العربي) نعمة وأرضاً خصبة لتكاثر الارهاب تكاثر الفئران، ونبات الفِطر؟



-4-

ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي، وهو الذي يحتقر المرأة ويسجنها ويكرِّسها للعلف والخلف فقط؟

ألم يقل لنا تقريرا الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعامي 2002، 2003، أن هناك أكثر من ستين مليوناً من النساء أميّات في العالم العربي؟

متى كنا نحرص على مساواة الرجل بالمرأة في العالم العربي إلا تحت ضغوط دولية مختلفة، ومن خلال منظمات حقوق الانسان في العالم؟

لا كتاب عربياً أنصف المرأة العربية واعطاها حقوقها كاملة. القوانين الموضوعة وحدها (تونس مثالاً لا حصراً) هي التي أعطت المرأة بعض حقوقها.

الشعب الأردني رفض تمثيل المرأة في البرلمان. والدولة بقانونها الوضعي، هي التي أصرّت، وبقوة "الكوتا"، ادخال المرأة إلى البرلمان من خُرم الإبرة العشائرية والدينية المتزمتة.

أمير الكويت المتفتح، طلب من مجلس الأمة الكويتي الموافقة على اعطاء المرأة حق الانتخاب والتمثيل النيابي، ولكن مجلس الأمة رفض ذلك، وما لم يتم فرض هذا الطلب بقانون أميري صارم كما فعلت الدولة الأردنية، فلن تدخل المرأة الكويتية مجلس الأمة.



*

وبعد، أليس كل هذا كافياً لكي نُبطل العجب مرة أخرى، من الارهاب السائر اليوم في أنحاء متفرقة من العالم العربي، بعد أن عرفنا الأسباب التي ظهر منها، وما بطن كان أعظم، وأشد إيلاماً.




#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!
- الفضائيات ودورها الثقافي
- لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
- الفضائيات والأفيون الرخيص
- سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان ...
- درس عظيم في الديمقراطية العراقية
- لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى ...
- هل استبدل العراق بساطير الديكتاتورية بعمائم المؤسسات الدينية ...
- فتوى القرضاوي لنُصرة فرعون!
- نِعمَةُ الأُميّة في العالم العربي!


المزيد.....




- -صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح ...
- فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا ...
- مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو ...
- استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
- قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي ...
- مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
- ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق ...
- بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا ...
- وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا ...
- صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!