أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!















المزيد.....

لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 818 - 2004 / 4 / 28 - 07:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

المراقبون والمحللون في داخل الوطن العربي وخارجه يتساءلون فاغري الأفواه، مشدودي الأعصاب، وقد انتابهم الخوف والجزع، وأخذتهم الدهشة مما يحصل الآن في العالم العربي من هذه السيول الدموية التي تجري في كل ناحية من الفضاء العربي والإسلامي.

فلماذا كل هذا التجاهل؟

ولماذا كل هذا الانكار لما فعلته أيدينا، وما زرعته من شوك وشجر المُرّ؟

لماذا نتقمص دائماً شخصية الزرافة التي تدفن رأسها في الرمال ظناً أن لا أحد يراها؟

لماذا كل هذا التساؤل الأبله، من قبل المحللين وراصفي الأعمدة الصحافية؟

لماذا كل هذا التملّص من الارهابيين الذين يقومون بالسفك اليومي للدماء، والقول بأنهم ليسوا منا ولسنا منهم، وأننا منهم بُراء. في حين أنهم منا، ومن صُلبنا، ومن أرضنا، ومن زراعتنا، ومن صُنع أيدينا، وليسوا مخلوقات غريبة هبطت فجأة من كواكب سماوية على الأرض لتعيث فيها وفينا فساداً. بل هم أبناؤنا الضالون، ونحن من ضللناهم، وهم ضحيانا، ولسنا نحن ضحياهم؟

هم نبتُ ما زرعناه، وما بذرناه، وما سقيناه، وما رعيناها، وما صرفنا عليه المليارات تحت عنوان "التنمية" و "التعليم" و"التطوير" و"النهضة " .. الخ؟

فلماذا كل هذه الحيرة والدهشة، وهذا الاستعباط أمام ما يجري من هذه الفوضى ومن هذه الدماء، والعالم العربي قد جهّز نفسه منذ نصف قرن إلى الآن لكي يصل إلى هذا الوضع الذي هو عليه الآن؟

والمصيبة هي أن العالم العربي – العقلاء منه فقط - كان يدري بمثل هذه النهاية. أما المصيبة الأعظم، فهو أنه كان يزرع هذا الشوك كله، ولا يعلم بأن هذه هي النهاية.

فإن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم!



-2-

ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي سيطرت عليه التربية والتعليم الديني الظلامي، وتمَّ حقنه وشحنه بثقافة القرون الوسطى، ونصوص كراهية الآخر، وعداء الآخر، وتكفير الآخر، ومحاربة الآخر من الأديان والقوميات المختلفة الأخرى كما جاء في كتب النصوص الدينية التي ما زالت تُدرّس حتى الآن في العالم العربي، والتي كتب عنها كل المعنيين بهذا الشأن من الحداثيين وعلى رأسهم العفيف الأخضر، وكشفوا زيفها وخطورتها والمصائب التدميرية التي تحملها بين صفحاتها، والكراهية العمياء التي تنبع من بين سطورها، ولون الدم الأحمر المكتوبة به هذه الصفحات وهذه السطور. وشرحوا الأخطار الجسيمة التي تحتويها، والتي كانت بمثابة قنابل موقوتة، ما أن جاءت لحظتها الموقوتة حتى انفجرت، كما هي عليه الآن من الانفجار المذهل الذي أصاب الجميع بالفزع والدهشة والدوار؟

ورغم ذلك، لم يعترف معظم العرب بهذا. بل هم حمّلوا الغرب، وحمّلوا أمريكا مسؤولية انفجار قنبلة الارهاب في العالم العربي، وأخرجوا أنفسهم أبرياء أنقياء خُلصاء، مما فعلت أيديهم، طيلة قرن كامل من الزمان كالقرن العشرين.

فمتى اعترف العرب بخطأ ارتكبوه، ومكانهم الصدر دون العالمين أو القبر؟

ان الأمة العربية بعُرف كهنتها، أمة لا تُخطيء، ويُخطيء الآخرون. ولم تكن يوماً السيّاف بقدر ما كانت الضحية.

أما اليوم، فالأمة العربية قد قلبت ظهر المجن للعالم، وهتفت كما هتف من قبل عبد القادر الجنابي في كتابه (مرح الغربة الشرقية):

ما أجمل ان نجعل العالم ضحية لنا، بدل أن نكون ضحيته!



-3-

ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي، مارس الاضطهاد والاستبداد والظلم، وقتل المعارضة والتنكيل بها، طيلة 1500 سنة من عهد معاوية بن أبي سفيان (661-680م) إلى الآن، واغتصب فيه مئات الحكام الحكم بحد السيف وبالحيلة والغفلة، دون أن يكون للناس فيه خيار أو رأي أو مشورة؟

كيف لأمة على هذا النحو كالأمة العربية أن تلد أجيالاً من الأسوياء العقلاء الأحرار في التكفير والتدبير؟

إن مجتمعات العبيد لا تلد إلا عبيداً.

وما هؤلاء الارهابيون غير عبيد وعابدين للطوطم العربي الديني الجديد المدعو "أبن لادن". وهي عبادة تدلُّ على أن العرب ما زالوا اقواماً بدائية حتى الآن. يرى العالم الانثربولجي جيمس فريزر صاحب "الغصن الذهبي" المشهور، أن الإنسانية مرت بثلاث مراحل : السحر، والدين، والعلم. ونحن العرب ما زلنا في مرحلة ما بين السحر والدين، ولم نصل بعد إلى مرحلة الدين النهائية لكي ننتقل إلى مرحلة العلم. وما الارهاب الذي يجري الآن في العالم العربي وفي العالم كله إلا بفعل السحر المختلط بالدين، والمتمثل أوضح تمثيل وأبسطه بوعد الانتحاريين من الفقراء والعاطلين عن العمل والمشردين والمسحوقين بجنة فيها الحور العين، ومقام مكين، ومركوب ثمين، ولا يُسئل فيها الارهابي المنتحر عن معاصي السنين!

ألم يكن للأقوام البدائية طواطمها من النباتات والحيوانات وبني البشر، والتي لا تُسال عما تفعل وهم يُسألون. فمن يسأل الطوطم "ابن لادن" الآن عما يفعل من عبدته الاشرار؟

ألم يكن حكام الأقوام البدائية - كما يثبت لنا علماء الانثربولوجيا - من السحرة والكهنة؟

من الذي يحكم العالم العربي والإسلامي منذ عهد معاوية بن أبي سفيان إلى الآن غير السحرة والكهنة؟

من الذي يسيطر على الشارع العراقي والفلسطيني الآن، ويتصدر المجالس السياسية والخطابات السياسية في العالم العربي غير السحرة والكهنة؟

قال أرسطو في كتاب "السياسة": إن البشر يخلقون حكامهم وقادتهم على شاكلتهم. وكما تكونوا يولى عليكم.

فهل رأيتم الطوطم البدائي (ابن لادن) بلحيته الكثة في جبال افغانستان أو باكستان، وهو يرتدي الزي البدائي الأفغاني، ويحمل مشعاباً يتكيء عليه، ويجول بين الشعاب بحثاً عن الطرائد والثمار، كما كان يفعل الانسان الأول في الغابات والبراري؟

ألم يذكركم بالانسان البدائي في العصور الحجرية؟

ليس المهم أن يعيش الانسان في العصور الحجرية لكي يكون حجرياً.

فللعصر الحجري انسانه، وللإنسان عصوره الحجرية كما يقول عبد القادر الجنابي.

وها هو ابن لادن يأتي لنا بعصره الحجري في القرن الحادي والعشرين!

فأين الغرابة؟

هل استمعتم إلى خطبه العصماء في "الجهاد" و"الدين" المخطوف؟

ألم تذكركم بمهابيل العصر العثماني والقرون الوسطى البدائية؟

هذا الطوطم هو الذي يقودنا الآن إلى النصر على "القوى الكافرة" في العالم المتمثلة بالغرب وأمريكا، وهو الزعيم كما تطلق عليه الفضائيات العربية!

ألم يذكركـم الارهابيـون، عبـدة هذا الطوطـم (ابن لادن) بالاسترالييـن البدائييـن Black Fellows الذين كانوا يعيشون على اللقاطة والقنص في الغابات؟

أليس هؤلاء الارهابيون هم مجموعة من القناصين الانتحاريين اللقّاط، الباحثين عن الطرائد والأثمار والغياض، في جنات الآخرة، التي وُعدوا بها؟

قال جيمس فريزر أشهر الانثربولوجيين المعاصرين، أنه كلما انحطت الثقافة كلما تكاثر السحر، وأصبح الدين الحقيقي النقي أقل أهمية.

ألم تصل الثقافة العربية كما قال تقريرا الأمم المتحدة لعامي 2002، 2003، إلى الدرك الأسفل، فتكاثر السحر وتمَّ اختطاف الدين النقي، واختلط بتعليمات الطواطم الدينية الجديدة من أمثال الطوطم ابن لادن والظاهري والزرقاوي وغيرهم؟



-4-



ماذا كنا ننتظر من مجتمع كالمجتمع العربي بلغت فيه نسبة البطالة في الدول العربية الغنية وليست الفقيرة أكثر من ثلاثين بالمائة، وانحصرت الثروة في طبقة معينة من الناس لا جهد لهم فيها، ولا فكر لهم فيها، ولا فضل لهم فيها؟

هل تريدون من أبناء هذا المجتمع أن يحمدوا ويشكروا ويسبحوا بعدم زوال النِعم التي أنعمها حكامه عليه، ويعيشوا بأمان واستقرار؟

لقد كان المجتمع العربي منذ عهود الاستقلال في مطلع الخمسينات من القرن العشرين مجتمعاً قابلاً للحريق والانفجار والارهاب، نتيجة لعوامل الفقر والجهل وسيطرة السحر الديني والدين السحري عليه. وما منعه من هذا الانفجار المبكر كان حرب السويس 1956 وحرب حزيران 1967، وحرب اكتوبر 1973. والحروب الخارجية هي الوسيلة الوحيدة لمنع الانفجارات الداخلية كما يقول علم التاريخ البشري. وعندما انتهت الحروب جاءت الطفرة المالية نتيجة لارتفاع اسعار البترول من خمسة دولارات للبرميل إلى ثلاثين دولاراً للبرميل، فلجمت الأفواه، وأغلقت العقول، وأطفأت النيران، وهدّأت العواطف والعواصف، وألهت الناس بالاستهلاك المحموم وجمع الثروات. وما أن انتهت الطفرة المالية النفطية في بداية الثمانينات حتى دخل العالم العربي في حروب خارجية لكي تلهيه وتشغله وتصرفه من جديد عن حاله البائس في الداخل، كما حصل في الخمسينات والستينات والسبعينات. فانشغل العرب بحرب "الفرس" و "عبدة النار" و "الاستعمار الجديد"، وقامت القادسيات واليرموكيات والمؤتيات في 1980 و 1991. وعندما انفضَّ كل هذا السامر السحري، جاء وقت الحساب والعقاب. حساب الشعوب مع أنفسها ومع حكامها، وبدأ الانفجار في مصر، وامتد إلى الجزائر، ثم إلى السودان، ثم إلى بقية أنحاء العالم العربي. وكان المفجرون هم السحرة والكهنة والطواطم، ولم تكن - للأسف الشديد - الفئات المثقفة الليبرالية العلمانية الحداثية، التي لم يكن لها آذان صاغية في هذا المجتمع البدائي الطوطمي الذي يحتاج إلى كثير من الشغل عليه، لكي يستمع إلى صوت العقل لا إلى أصحاب النقل.

*

وبعد، أليس كل هذا كافياً لكي نُبطل العجب من الارهاب السائر اليوم في أنحاء متفرقة من العالم العربي بعد أن عرفنا الأسباب التي ظهر منها، وما بطن كان أعظم، وأشد إيلاماً.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفضائيات ودورها الثقافي
- لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
- الفضائيات والأفيون الرخيص
- سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان ...
- درس عظيم في الديمقراطية العراقية
- لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى ...
- هل استبدل العراق بساطير الديكتاتورية بعمائم المؤسسات الدينية ...
- فتوى القرضاوي لنُصرة فرعون!
- نِعمَةُ الأُميّة في العالم العربي!


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!