أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شاكر النابلسي - العراق والأوهام العربية















المزيد.....

العراق والأوهام العربية


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 834 - 2004 / 5 / 14 - 08:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


-1-

عاش العالم العربي بعد نيل الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين وهم الأمة العظيمة المنتصرة والقادرة على صُنع التاريخ بعد رحيل الاستعمار الذي قيل بأنه كان السبب في عدم اتاحة الفرصة لهذه الأمة لأن تلعب الدور التاريخي والحضاري المناط بها. ولكن الذي تبين فيما بعد، وبعد رحيل الاستعمار، أن هذه الأمة كانت ضعيفة بامكاناتها العلمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية وعاجزة عن احراز أي نصر في أي مجال من المجالات. وفي ظل التعتيم الاعلامي، وفي ظل غياب المجتمع الفاقد لأي نوع من المعلومات والاحصائيات ما عدا تلك المعلومات والاحصائيات الكاذبة التي تطلقها الدوائر الرسمية للحكومات لأغراض سياسية خاصة، ظل المجتمع العربي يعيش في وهم كبير.



-2-

عاش العالم العربي وهم أنه قادر على تحقيق الوحدة بعد رحيل الاستعمار، فتبين أن العالم العربي خاض خلال النصف الثاني من القرن العشرين أكثر من عشرين تجربة وحدوية باءت كلها بالفشل لأسباب مختلفة على رأسها الوهم الأكبر بالقدرة على تحقيق الوحدة.

عاش العالم العربي وهم أنه قادر على تحقيق الحرية بعد رحيل الاستعمار، فتبين أن العالم العربي قد تمَّ حكمه من قبل زمر ديكتاتورية، كانت أكثر بلاءً على الشعب العربي من حكم المستعمرين، إلى درجة أننا بتنا نترحم على الاستعمار وأيامه وانجازته، ونودّ أن يعود.

عاش العالم العربي وهم أنه قادر على تحقيق الاشتراكية بعد رحيل الاستعمار، فتبين أن العالم العربي بعد رحيل الاستعمار قد غرق في نظام رأسمالية الدولة التي تولّت البيع والشراء بدءاً من طبق الفول وساندوتشات الفلافل وانتهاءً بالثلاجات والغسالات والسيارات والبيوت. فدبَّ الفساد في الصناعة والتجارة، وأصبح "القطاع العام" مثالاً مضحكاً ومبكياً لهذا الفساد والفشل الاقتصادي. فغرق العالم العربي في الديون (أكثر من ثلاثمائة مليار دولار)، بعد كانت دولة عظمى كبريطانيا مدينة لبلد كمصر قبل 1952 بخمسمائة مليون جنيه استرليني أثمان اقطان وبضائع لم تسدد. وأصبحت مصر تستورد ثمانين بالمائة من مواد صنع الفلافل كما صرّح وزير التموين المصري قبل أيام!

عاش العالم العربي وهم أنه قادر على تحقيق النصر على اسرائيل وإعادة الحق الفلسطيني لأصحابه بعد رحيل الاستعمار، فتبين أن العالم العربي بعد رحيل الاستعمار غير قادر على النصر في معركة واحدة، أو في جزء منها، رغم خوضه حروباً رئيسية ثلاث، وعشرات الحروب الجانبية. وبأن النصف الأول من القرن العشرين قد شهد ضياع ربع فلسطين في حين أن العرب بعد الاستقلال أضاعوا الثلاثة أرباع الباقية كما نرى الآن. وعاش العرب وهم النصر في معارك خاسرة خاضوها. وما زلنا حتى الآن لم نعترف بالهزائم التي مُنينا بها. فما زلنا نطلق على الهزيمة المنكرة في 1967 النكسة، واهمين أنفسنا بأننا لم نهزم وانما انتكسنا. كذلك فعلنا قبل ذلك في حرب السويس 1956.

عاش العالم العربي وهم أنه قادر على استغلال ثرواته الطبيعية أحسن استغلال بعد رحيل الاستعمار، فتبين أن العالم العربي بعد رحيل الاستعمار وظهوره بمظهر الغني نتيجة للثروات الطبيعية التي تدفقت عليها في السبعينات وما بعدها، قد عاد فجأة إلى سابق فقره بسبب سوء ادارة المال والنزيف الاستهلاكي الحاد، وانفجار القنبلة السكانية، وتفشي البطالة، وانتعاش سوق الارهاب المدفوع الثمن بالذهب الأصفر الرنان، كما أعلن ابن لادن أخيراً.

-3-

ظل الوهم سيّد المشهد العربي العجائبي.

ظل الوهم هو الذي يتيح لنا النوم في الخدر اللذيذ إلى أن انفجرت ثورة المعلومات، وفضحت الطابق العربي والوضع العربي، وتمَّ تصنيف العالم العربي في كافة المجالات في قاع قائمة سكان الكرة الأرضية، كما قال لنا تقريرا الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 2002، 2003، وأصيب العالم العربي بصدمة العيش في الوهم الكاذب.

لم يرفعنا الدين من هذا القاع.

لم ترفعنا القومية من هذا القاع.

لم يشفع لنا الأسلاف من السقوط في الهاوية.

لم ينقذنا شعر الحماسة والبطولة والفداء من السقوط في هذا القاع.

لم تنقذنا خطب صلاة الجمعة التي كانت تؤكد لنا بأننا "خير أمة اخرجت للناس" من السقوط في الهاوية.

لم تنفع خطب الزعماء الخالدي الذكر في الذاكرة العربية المثقوبة من أن تجنبنا السقوط في قاع العالم.

لم تنفع الشعوذة والسحر والجان وأناشيد الصوفية وابتهالات الدراويش وفتاوى الفقهاء وبركات الأسياد، من انقاذنا من السقوط في بئر العتمة.



-4-

اليوم يعيش العالم العربي الوهم من جديد بالنسبة للحالة العراقية. وهذا الوهم هو امتداد للوهم القومي والوحدوي والديمقراطي والاشتراكي والعسكري الذي عاشه العالم العربي منذ نصف قرن ويزيد.

قبل اسبوع عدتُ من بيروت بعد المشاركة في مؤتمر "المؤسسة العربية للتحديث الفكري" الذي اتخذ من الحداثة والحداثة العربية محوراً للنقاش، وشارك فيه أكثر من مائة وخمسين رمزاً من رموز الفكر العربي الحداثي من معظم انحاء العالم العربي. واتيح لي من خلال هذه المؤتمر ومن خلال اقامتي في بيروت – وبيروت هي مرآة العالم العربي - بعد انتهاء أعمال المؤتمر من الاطلاع مباشرة على وجهات نظر المثقفين العرب حول الحالة العراقية، فتبين لي بأن العالم العربي ما زال يعيش في وهم كبير بالنسبة للعراق، وبالنسبة لمعظم القضايا العربية.

فما زال معظم مثقفي العالم العربي يعيشون وهم الوحدة، ووهم الحرية، ووهم الديمقراطية التي ستأتي من الداخل على جمل عربي أو حصان عربي أبيض. وبأن صلاح الدين سيظهر من جديد ليجدد مجدّ هذه الأمة. وأن المهدي المنتظر هو الذي سيحيل ليل هذه الأمة الدامس إلى نهار ساطع، وأن قدر هذه الأمة هو هذا الصدام الدموي مع الآخر. ولم تختلف لغة العام الرابع من القرن الحادي والعشرين عن لغة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وما تم هو أن الألسن تغيرت، وبقيت الكلمات دون تغيير، وأن الأقنعة قد تبدلت وبقيت العقول دون تغيير.



-5-

فالعالم العربي بمجمله ما زال يراهن على عودة حكم حزب البعث إلى العراق. وجزء آخر من العالم العربي الذي ما زال يعيش في الوهم، يراهن على عودة صدام، ويطلق عليه الرمز والضرورة والشهيد الذي لم يمت بعد.

والعالم العربي الذي يعيش في الوهم، يعتقد في مجمله أن "المقاومة" العراقية التي هي في حقيقتها "مقاولة" ارهابية وليست "مقاومة" وطنية، بمعنى أنها مجموعات من المقاولين المسلحين، ومن المرتزقة العربية المهزومة في افغانستان والشوارع العربية، والفاقدة لكل أمل في المستقبل، والخاسرة لكل رهانات الحاضر، والحالمة بتحقيق خرافة الخلافة الإسلامية التي كانت كلها اغتصابية ودموية بما فيها الخلافة العثمانية والإمارة الطالبانية.. هذا العالم العربي يعتقد بأن هذه "المقاولة" الارهابية هي التي ستنتصر في العراق على ارادة الشعب العراقي، وعلى حتمية المستقبل العراقي.

والعالم العربي الذي يعيش في الوهم، كان يعتقد بأن جيش مقتدى الصدر المزعوم سوف يلتحم مع فلول "المقاولين المسلحين"، وسوف يشكلون تهديداً لقوات التحالف يجبرها على الانسحاب من العراق غداً، وترك العراق لحكم هذه الفئات، وقد تم اليوم حل "جيش المهدي" وتحويله إلى حزب سياسي، وعضَّ العالم العربي الموهوم - كالعادة - على أصابعه حزناً على ضياع الأمل الواهم.

والعالم العربي الذي يعيش اليوم في الوهم، يعتقد بأن فضيحة محدودة سببها عشرة جنود مرضى ومخبولين ومجانين من قوات التحالف كفضيحة سجن "أبو غريب" سوف تقلب الموازين في العراق لصالح "المقاولة المسلحة" التي أعلنت انها ستدفع للمقاولين المسلحين أجورهم ذهباً خالصاً، وليس نقداً ورقياً. وحددت "لائحة أسعار الرقاب" في بيان أصدره ابن لادن بنفسه.



-6-

السؤال هنا هو:

لماذا عاش العالم العربي كل هذا الوهم طيلة نصف قرن مضى؟

إن الجواب على هذا السؤال يتلخص في أن العالم العربي عالم جبان مع نفسه، خادع لنفسه، ليست لديه الشجاعة الكافية للاعتراف بالحقيقة الواقعية على الأرض كما تم في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وأن العالم العربي ليست لديه الشجاعة الكافية لكي يعترف بقصوره الذاتي وبضعفه وفقره وجهله وقلة امكاناته العلمية والعملية. لذا، فهو لن يتقدم ما دام يعتبر نفسه متقدماً غير متأخر، وهو لن يتعلم مادام يعتبر نفسه متعلماً غير جاهل، وهو لن يسعى إلى القوة ما دام يعتبر نفسه قوياً غير ضعيف.

إن هذا التضخم العصابي، وهذا الانتفاخ المرضي، وهذه النوستالوجيا المتمثلة بالرضوخ المُذل لأمجاد الماضي الفانية في الذات العربية، وهذه الفوبيا (الرهاب أو الهلع المرضي) كانت سبباً في أننا نعيش وهماً كبيراً.

فالعالم العربي ما زال يعتقد إلى الآن – وكما تقول له المؤسسات الدينية المدنية والمسلحة – بأن الطريق إلى المستقبل تمرُّ عبر المدن المقدسة فقط، وبأن الماضي هو عصب المستقبل، ومن ليس له أول ليس له آخر، وبأن القدامة خير من الحداثة، والسلف خير من الخلف. وأن حكم الأسلاف من القبور خير من حكم الأخلاف من الثغور.

العالم العربي ما زال إلى الآن – وكما تقول له المؤسسات الدينية والقومية المسلحة – يتوهم بأن الأندلس عائدة، وفلسطين كاملة من النهر إلى البحر عائدة، والاسكندرون عائدة، وسيظهر المهدي المنتظر، وأن حكم "صاحب المقابر" صدام حسين عائد إلى العراق، وأن صدام كما انتصر ووقفت معه المؤسسات الدينية والقومية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحزب البعث في حرب الخليج 1991 من وراء الكثبان، سوف ينتصر الآن، من وراء القضبان!

المشهد العجائبي أن لا شعب عربياً حتى الآن اعترف بأنه كان يتوهم، وأعلن توبته عن التوهم.

وأن لا حاكم عربياً وقف بشجاعة نادرة، واعترف بأنه كان يتوهم النصر العسكري، والفلاح الاقتصادي، والنجاح السياسي، والتقدم العلمي الذي كان يدّعيه في ماضي الأيام.

أما العراق فسيمضي في طريق التقدم والحرية والديمقراطية إلى منتهاه، وهو الذي يدفع الآن ثمناً غالياً للسير في هذا الطريق الشاق والصعب عليه وعلى العرب من ورائه.

وسيظل العرب يتوهمون بأنهم من على غير طريق العراق يتقدمون، ومن على غير طريق العراق يتحررون مما هم فيه من أغلال، ومن على غير طريق العراق سوف يحققون النجاح والظفر في الأفعال.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سجن -أبو غريب- اقامته الديكتاتورية وفضحته الديمقراطية!
- إذا عُرفَ السبب بَطُلَ العجب!
- لماذا العَجَب بعد أن فَعَلْنا العُجَاب؟!
- الفضائيات ودورها الثقافي
- لنقف إلى جانب ثورة -الفاسح- بعد أن تعبنا من ثورة -الفاتح-!
- الفضائيات والأفيون الرخيص
- سينور ثاباتيرو: هل تعلم ماذا يعني قراركم بسحب القوات الاسبان ...
- درس عظيم في الديمقراطية العراقية
- لماذا نُصرُّ على الديمقراطية لا الشورى، وما الفرق بين الشورى ...
- هل استبدل العراق بساطير الديكتاتورية بعمائم المؤسسات الدينية ...
- فتوى القرضاوي لنُصرة فرعون!
- نِعمَةُ الأُميّة في العالم العربي!


المزيد.....




- صراخ ومحاولات هرب.. شاهد لحظة اندلاع معركة بأسلحة نارية وسط ...
- -رؤية السعودية 2030 ليست وجهة نهائية-.. أبرز ما قاله محمد بن ...
- ساويرس يُعلق على وصف رئيس مصري راحل بـ-الساذج-: حسن النية أل ...
- هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية بعد سنوات من التعثر؟
- الحرب على غزة| وفد حماس يعود من القاهرة إلى الدوحة للتباحث ب ...
- نور وماء.. مهرجان بريكسن في منطقة جبال الألب يسلط الضوء على ...
- الحوثي يعلن استهداف سفينتين ومدمرتين أميركيتين في البحر الأح ...
- السودان: واشنطن تدعو الإمارات ودولا أخرى لوقف الدعم عن طرفي ...
- Lenovo تطلق حاسبا متطورا يعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي
- رؤية للمستقبل البعيد للأرض


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شاكر النابلسي - العراق والأوهام العربية