أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)-4














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)-4


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2868 - 2009 / 12 / 25 - 16:39
المحور: الادب والفن
    


"حفيدتي".
"بنتي".
"زوجي السابق".
تلك أحب الكلمات إلى "عزيزتي ليليان" كما أحب أن أدعوها دائما. امرأة تقف على بعد خطوات قليلة من بوابة نهاية الخدمة المدنية. لا تزال حين ودعتها صباح ذلك اليوم تحتفظ بشعر مراهقة ذهبي لامع، متوسطة الطول، رشيقة القوام لا تزال، على مدى نحو العامين أسلِّمها الوردية وأتسلَّمها منها في اليوم التالي، وما إن أراها في كل مرة حتى أحس أنها في حاجة أخرى لذات الكلمات: "تبدين هذا الصباح جميلة يا عزيزتي ليليان". هكذا لا أجعلها تنتظر طويلا. هنا يشرق وجهها، ترتبك لوهلة، قبل أن تغادر المكتب دائما على عجل، سوى في تلك المرة، عندما مكثت معي بعد إنتهاء ورديتها أكثر مما ينبغي.
ظللنا أنا وليليان متعانقين مسافة. بالكاد حبست دموعي. وقتها، حضرتُ إلى المكتب لآداء تلك المهمة الروتينية، وما كان لعيني المدربة على أحزان البشر الخفية أن تجهل المأساة التي ألمت بها في ذلك الصباح. و سألتها:

- "عزيزتي "ليليان" ما الذي أصابك"؟.
وقد بدا عليها وجوم ثقيل على غير العادة:
- "ابنتي دوريان".
ربت على كتفها بحنو:
- "ما الذي حدث"؟.
قالت:
-"هاتفتني منذ قليل. قالت إنها تشعر أنها قبيحة وغير مرغوبة".
كنت أعلم أنها مطلقة. وحين جاءت مرة لاصطحاب أمها بسيارتها، بدا لي بالفعل أنها أقل جمالا منها بكثير، حتى أني قلت في سري إن "ليليان" قد حبلت بها ولا بد في لحظة كراهية مباغتة للعالم.
أخيرا خرج صوتي:

- "عزيزتي "ليليان" نحن لا نتحكم في أشكالنا لحظة قدومنا إلى هذا العالم".
- "قلت لها ذلك، يا هميد".
- "أرى شيئا آخر".
- "ما هو"؟.
- "لا بد لها أن تتقبل شكلها بأية حال".

قلت كمن يحدث نفسه لحظة أن غرقت "ليليان" في صمتها مرة أخرى:
"أنا يا "ليليان" مررت خلال حياتي الماضية بأحزان كثيرة لا مبرر لها، لكن أكثرها قسوة كان إكتشافي أني ظللت كل ذلك الوقت بلا صداقات حقيقية، ذلك ما تميط عنه اللثام عادة المحطات الأصعب، وقد تعود "دوريان" غدا أواليوم إلى تقبل شكلها كواقعة طبيعية كغروب شمس هذا اليوم بعد ساعات، ولكن كيف أطرد ذكرى عزيز خان بوجبة طعام رخيص في مدينة لا ترحم مثل القاهرة، ها أنت تنسين أحزان "دوريان" متطلعة إلى قصص من عالم غريب تماما، هكذا الأحزان واحدة وإن اختلفت أشكالها هنا وهناك، ولو جاز لي أن أهب "دوريان" بعضا من خبرات متواضعة، لهمست في أذنها أن تواصل طريقها دائما بصبر وشجاعة ومحبة ولا تركن إلى المأساة طويلا".
بتلقائية تامة وهدوء، وضعت "ليليان" يدها على كتفي، وقالت بينما تنظر عميقا داخل عيني: "أنت لا تزال صغيرا، كيف حدث وأن طفح قلبك بكل هذه الأحزان"؟.
ابتسمت لها في بلاهة. ربما لأن حياتي ظلت لسنوات خالية من العزاء أوتكاد. ولا بد أنني كنت أتحدث مثل واعظ وقف يعدد فضائل "الصبر" على رءوس مصلين على عجالة من أمرهم . كان مثل هذا النوع من الحديث يجذب أحيانا "ليليان" مثل كاثولوكية طيبة لا تذهب للكنيسة ولكنها فكرت قبل سنوات بعيدة في "إنقاذ" طفل كما تقول من "آفركا"، لولا ضيق ذات اليد التي لا تزال تدفعها على ما يبدو إلى لعب القمار ساعة من أيام الأحد الهادئة، مضحية بذلك بساعات النوم القليلة المتاحة لها، وقد رسخ في ذهنها كما يظن "سايمون" حارس بنك "اسكوتشيا" الهندي أن في إمكانها النوم خلال وردية الليل من غير أن يحس بها أحد. أخيرا، قلت لها: " عزيزتي "ليليان"، لعله تشيرشل ذلك القائل: مطلقا، مطلقا، مطلقا.. لا تستلم".
بدأت "ليليان" تلملم أغراضها، وقد انفصلت عن عناقي لها كأم، تمنت لي وردية هادئة، ورجوت لها أحلاما سعيدة، وما إن خرجت وبدأت أتتبعها بأسى من شاشة لشاشة، حتى أدركت كم هو ثقيل على النفس أن تحمل والدة جميلة أحزان إبنة لا حظ لها مما ملكت الأم في زمان بعيد من ملاحة.



#عبدالحميد_البرنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13
- أسير العبارة (رواية)- 1
- مرثية للطيب صالح
- إني لأجد ريح نهلة
- وداع في صباح باهت بعيد
- ملف داخل كومبيوتر محمول
- لغة
- نصّان
- زاوية لرجل وحيد في بناية


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)-4